تقرير في «الشرق الأوسط» عن النووي الإسرائيلي يثير زوبعة بين العرب وبريطانيا

من وثائق وزارة الخارجية البريطانية التي أُفرج عنها، أمس، وتعود لعام 1982، وتتناولها اليوم «الشرق الأوسط»، مراسلات بين عدد من الوزارات المعنية بقضايا الإيراد والتسويق والعلاقات الخارجية، بخصوص شركة بريطانية متخصصة في صناعات الدفاع والأجهزة الإلكترونية. وتحت اسم «الطاقة النووية في الخليج»، يتناول الملف محادثات وزير الخارجية البريطاني اللورد كارينغتون مع المسؤولين العرب، حول القضايا السياسية الساخنة، مثل الوضع في لبنان بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية، وفرص السلام، والحرب العراقية - الإيرانية.
لكن محادثاته تركزت أيضا حول العلاقات المزعومة بين الشركة البريطانية جنرال إلكتريك (GEC) المتخصصة في التصنيع الإلكتروني والاتصالات الدفاعية للسوقين الحربية والاستهلاكية، بناء على تقرير نُشر في هذه الجريدة، أي «الشرق الأوسط»، يتهم الشركة والحكومة البريطانية بالتعاون سرّا مع إسرائيل في برنامجها النووي. وكان على وزير الخارجية اللورد كارينغتون أن يقنع العرب أن هذا التعاون ليس صحيحا، نافيا أي اتصالات رسمية بهذا الخصوص مع الحكومة الإسرائيلية.

اصطحب اللورد كارينغتون في زيارته للسعودية والكويت والعراق والأردن في ديسمبر (كانون الأول) 1982 بيتر هيغينز مدير شركة «جنرال إليكتريك»، التي كانت تواجه حملة مقاطعة عربية بسبب تعاونها النووي مع إسرائيل، كما جاء في مقال «الشرق الأوسط»، وشركات أخرى على قائمة المقاطعة العربية.

في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 1982، بعث قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية رسالة إلى الوزارات البريطانية الأخرى المعنية بخصوص الزيارة المقترحة للورد كارينغتون للمنطقة. تقول الرسالة: «تكلم معي بيتر هيغينز من شركة (جنرال إليكتريك) لمناقشة الادعاءات المؤذية التي نشرتها جريدة (الشرق الأوسط) العربية، التي تتخذ من لندن مقرا لها، والتي تقول فيها إن الحكومة البريطانية منعت اللورد وينستوك (اليهودي الصهيوني المعروف) من تزويد إسرائيل بمعدات. أي خطوات نتخذه في هذا الخصوص يجب أن تجري بتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة. بيتر هيغنز قال لي إن اللورد كارينغتون سيجتمع مع السفراء العرب في لندن، وبإمكانه أن يتكلم معهم باسم شركة (جنرال إليكتريك). كما أنه أضاف أن اللورد وينستوك قد طلب شخصيا من اللورد كارينغتون أن يتكلم باسم الشركة، خلال زيارته للعراق والكويت والسعودية».

وتحت عنوان «مقال الشرق الأوسط»، كتب رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية رسالة مؤرخة في 22 أكتوبر، أي في اليوم نفسه الذي نُشر فيه المقال، إلى السكرتير الخاص باللورد كارينغتون يقول فيها إنه ناقش الموضوع مع وزارة التجارة والصناعة ومع بيتر هيغنز من شركة «جنرال إليكتريك»، و«اتفقنا على أنه على الحكومة البريطانية أن تتخذ بعض الخطوات بهذا الخصوص، وأن تنفي نفيا قاطعا ادعاءات جريدة (الشرق الأوسط) بأن الحكومة تدخلت لدى الشركة ومنعت اللورد وينستوك من تزويد إسرائيل بمعدات نووية. كما اقترح هيغنز أن تتضمن رسالة اللورد كارينغتون للسفراء العرب في لندن نفي الحكومة البريطانية الادعاءات. أعتقد أن اقتراح هيغنز مقبول، وسوف أقوم بصياغة الرسالة مع السيد مارتن (سكرتير اللورد كارينغتون).

في صباح هذا اليوم جاءني السيد مارتن للحصول على نسخة من الترجمة إلى الإنجليزية لمقال جريدة (الشرق الأوسط).. الآن تناول السيد مارتن الكرة ليتقدم بها إلى الأمام».

مقال جريدة «الشرق الأوسط» المثير للجدل نُشر يوم 22 أكتوبر 1982 على الصفحة الثامنة، تحت عنوان «بريطانيا ترفض بيع محطة نووية لتوليد الكهرباء لإسرائيل». ويقول المقال إن «الشرق الأوسط» علمت هذا الأسبوع أن الحكومة البريطانية رفضت الموافقة على الصفقة التي يشترك فيها عدد من الشركات البريطانية لتزويد إسرائيل بمولدات طاقة بسعة 1000 ميغاواط. الخطوة التي قامت بها حكومة رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر جاءت بعد أشهر من المفاوضات السرية بين الشركات المعنية ووزير الطاقة الإسرائيلي اتسحاق موداي.

وصرح مصدر رسمي بريطاني، لا يرغب في الإعلان عن هويته، كما جاء في الجريدة بأن «الحكومة البريطانية لا يمكن أن توافق على هذه الصفقة، التي تقدر قيمتها بمليار دولار، حتى قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان».

وقالت مصادر أخرى، على اتصال غير مباشر بالمفاوضات، إن إحدى الشركات الرئيسة المعنية في الأمر هي «جنرال إليكتريك»، التي يرأس مجلس إدارتها اللورد أرنولد وينستوك، والتي تعدّ أكبر منتج للأجهزة والمعدات الإلكترونية في بريطانيا. اللورد وينستوك معروف عنه أنه يهودي صهيوني، وحاول أخيرا شراء شركة «إيه إي جي - تلفونكون» الألمانية، إلا أن الصفقة فشلت بعد تدخل المستشار الألماني هلمت شميدت. لكن نفى متحدث باسم الشركة في لندن هذا الأسبوع أي معرفة بالمفاوضات بين شخصيات مسؤولة في الشركة ووزارة الطاقة الإسرائيلية.

وعلى الرغم من نفي الشركة لموضوع المفاوضات، فإنه بات معروفا أن الحكومة الإسرائيلية بدأت بالتحضير لبناء محطة طاقة على مساحة كيلومترين مربعين في صحراء النقب.. حيث تؤكد مصادر استخباراتية غربية حيازة إسرائيل أسلحة نووية، من خلال محطة الطاقة النووية التي بنتها فرنسا في إسرائيل، وباستمرار، فقد رفضت إسرائيل التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

وتضيف «الشرق الأوسط» في مقالها أن الإسرائيليين حاولوا إقناع الحكومة البريطانية أن توافق على صفقة محطة الطاقة، بشرط أن ينص أحد بنود العقد على «عدم انتشار الأسلحة النووية»، لكن دون أن يجبر إسرائيل على توقيع المعاهدة. لكن قبل أن يقوم المسؤولون المعنيون بالأمر ووزارة الطاقة الإسرائيلية بالتقدم بالطلب إلى الوزارات المعنية للتصديق عليه، فقد قيل لهم إن مجلس الوزراء مصمم على أن يرفض أي طلب لأسباب مبدئية.

أُثير الموضوع ثانية خلال المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في مدينة برايتون الساحلية، ووُجّه سؤال لرئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر حول المفاوضات السرية، لكنها أجابت بغضب قائلة: «لا أعرف من أين حصلت على هذه المعلومات. أعتقد أن وزير الطاقة هو أفضل شخص يمكنه الإجابة عن سؤالك».

ويقول كاتب المقال إن محاولات أخرى لمساءلة وزير الخزانة نايجل لوسون حول المفاوضات بينه وبين وزير الطاقة الإسرائيلي ووجهت بالطريقة الدفاعية نفسها. و«قال لي: (يمكنك أن تتصل بمكتبي في لندن للحصول على المعلومات التي لدينا). ولكن عندما اتصلت بمكتبه قيل لي: لا نعرف أي شيء عن أي اجتماع بين وزير الخزانة ووزير الطاقة الإسرائيلي اتسحاق موداي».

ويضيف روبرت ليتل كاتب المقال في «الشرق الأوسط» أنه أصبح جليا أن الحكومة البريطانية لا تريد أن تظهر أنها على اتصال، بعد أحداث لبنان، مع الحكومة الإسرائيلية، بخصوص موضوع يعدّ دوليا استفزازيا، مثل الطاقة النووية. حتى الاعتراف بأن اتسحاق موداي قد زار لندن أخيرا يعدّ بحد ذاته محرجا للحكومة البريطانية.. خصوصا لمارغريت ثاتشر التي بقيت منغمسة في جولتها بالشرق الأقصى، وكانت الوحيدة بين قادة دول العالم، التي التزمت الصمت تجاه ما قامت به إسرائيل في لبنان، والمذابح التي ارتُكبت في بيروت.

لكن الذي زاد من حساسية الحكومة البريطانية تجاه شؤون الشرق الأوسط، جاء عندما قامت مطبوعة لندنية تسمى «سيتي ليميتس» بنشر وثائق بريطانية سُربت من وزارة الخارجية البريطانية.

مكاتب المطبوعة جرت مداهمتها من قبل شرطة سكوتلانديارد، وجرى استجواب العاملين، منهم دنكان كامبل (المتخصص حاليا بشؤون الإجرام في صحيفة «غارديان»). الوثائق المسربة تظهر التناقض بين سياسات الحكومة البريطانية المعلنة والخفية بخصوص الشرق الأوسط، ووسط أميركا والسوق الأوروبية. كما أن الوثائق التي نشرتها المطبوعة اللندنية «سيتي ليميتس» تبين أنه أصبح واضحا لدى الحكومة البريطانية أن منظمة التحرير الفلسطينية قد زادت من مكانتها ومكانة رئيسها ياسر عرفات. ويضيف كاتب المقال أن بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية كانتا على علم بالاجتياح الإسرائيلي للبنان قبل وقوعه، واخبروا سفراءهم لدى الدول العربية بذلك. وهذا قبل محاولة الاغتيال التي تعرض لها السفير الإسرائيلي في لندن، والتي كانت السبب المعلن لأرييل شارون لاجتياح لبنان.

وبخصوص هذا الموضوع تكلم يوري أفنيري (الذي يعدّ بطلا قوميا في إسرائيل) المحلل السياسي الإسرائيلي عضو الكنيست سابقا، الذي بدأ المفاوضات السرية بين منظمة التحرير وإسرائيل، في كتابه «عدوي صديقي» حول لقاءاته مع سعيد حمامي، ممثل منظمة التحرير في لندن، في سبعينات القرن الماضي، ومع عصام السرطاوي، بتفويض من ياسر عرفات.

وقال أفنيري في كتابه إن الفلسطينيين يعتقدون أن إسرائيل هي التي كانت وراء محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن. ورد هو قائلا إنه من الصعب عليه تصديق ذلك، لأن هذا النوع من التصفيات يعدّ خطا أحمر في إسرائيل. لكنه يضيف في كتابه أن هناك شيئا محيرا، وهو أن شارون اجتمع مع أليكساندر هيغ في الإدارة الأميركية قبل اجتياح لبنان بقليل، وقال له إنه يريد الدخول إلى لبنان لتصفية منظمة التحرير. وقال هيغ لشارون: «لا يمكنك عمل ذلك دون تقديم ذريعة». ورد شارون قائلا: «بسيطة، سوف أجد لك الذريعة التي تريدها».

ويقال إن إسرائيل التي كانت تستعد للعملية وجيشها يقف مستعدا على الحدود اللبنانية دخلت مباشرة بعد الإعلان عن محاولة الاغتيال. ويقول أفنيري إن «الموضوع ما زال يقلقني، ولا أعرف التفسير له».