وثائق كلينتون الرئاسية (الحلقة الثانية): الفترة الانتقالية بين رئاستي كلينتون وبوش تناولت مكافحة الإرهاب لكنها لم تمنع هجمات سبتمبر

في الحلقة الأولى من «وثائق كلينتون الرئاسية»، رصدنا نقاشا عبر الرسائل الإلكترونية بين كبار المسؤولين في «مجلس الأمن القومي» لإدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، فيها محاولة لفهم الأسباب الكامنة خلف الهجمات التي تعرضت لها أهداف أميركية في المملكة العربية السعودية وفي أماكن أخرى من العالم. والحوار الدائر آنذاك بين المسؤولين الأميركيين كان يعكس انطباعا لديهم أن إيران، وسوريا، وحزب الله اللبناني، هم من يقف خلف هذه الهجمات الإرهابية، أو معظمها، مع ما يتطلب ذلك من ضرورة رسم سياسة «موزونة ومتناسقة» ترد بموجبها الولايات المتحدة على هذه الهجمات. ومنذ بدء نشر وثائق كلينتون السرية، في دفعتها الأولى يوم 28 فبراير (شباط) الماضي، تظهر أهمية المسؤولين الذين وردت أسماؤهم في المراسلات الداخلية لدى البيت الأبيض خلال إدارة كلينتون، وبقى عدد منهم مؤثرا في واشنطن حتى اليوم. على سبيل المثال، دانيال بنجامين، كان أحد من وردت أسماؤهم في مذكرة المسؤول بـ«مجلس الأمن القومي» ستيفن سايمون في صيف 1996 حول نية عقد «إفطار الإرهاب»، تجري خلاله دعوة خبراء مرموقين من مراكز أبحاث أميركية لتعزيز فهم المسؤولين لآفة الإرهاب، ومساعدتهم في محاولتهم صياغة سياسات مناسبة لمواجهته. وبعد وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض وعودة الديمقراطيين إلى الحكم، جرى تعيين بنجامين مسؤولا لـ«مكتب مكافحة الإرهاب» في وزارة الخارجية، برتبة سفير. واستقدم بنجامين إلى مكتبه نابلان، الذي ورد اسمه أيضا في مذكرة سايمون، بصفة كبير مستشاريه. واليوم، يعمل نابلان في «مكتب اللاجئين» بالخارجية، وهو المعني الأبرز بملف اللاجئين السوريين الفارين من الأحداث العسكرية المندلعة في بلادهم، في وقت خرج بنجامين إلى التقاعد وانضم إلى القطاع الخاص. أهمية بنجامين أنه كان واحدا من أبرز الأشخاص الذي قادوا سياسة «الانخراط» مع الرئيس السوري بشار الأسد، التي بدأت مع دعوة وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس النظام السوري إلى المشاركة في مؤتمر أنابوليس للسلام العربي - الإسرائيلي في ربيع عام 2007. وتكثفت بعد ذلك عملية «الانخراط» مع الأسد مع دخول أوباما البيت الأبيض مطلع عام 2009. فزار دمشق، مرارا، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى آنذاك جيفري فيلتمان، ورافقه في أوقات عضو «مجلس الأمن القومي»، وقتذاك، والذي يعمل اليوم سفيرا لأميركا لدى إسرائيل، دان شابيرو. وفي أوقات أخرى، زار دمشق بنجامين «للتنسيق» مع سلطات الأسد في مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما يبدو أنه كان هدف أميركا الرئيس من سياسة «الانخراط» مع الأسد. وورد في مذكرة أرسلتها السفارة الأميركية في دمشق، ولم ترغب الحكومة الأميركية في رفع السرية عنها ولكنها أبصرت النور بفضل موقع «ويكيليكس»، ما يلي: «في ظهور مفاجئ، حضر مدير الاستخبارات السورية العامة، الجنرال علي مملوك، اجتماعا في 18 فبراير 2010، بين مساعد وزير الخارجية فيصل المقداد ووفد أميركي قاده منسق مكافحة الإرهاب دانيال بنجامين». لم يكن غالبية مسؤولي إدارة أوباما حديثي العهد في شؤون السياسة الخارجية أو في موضوع «مكافحة الإرهاب»، بل كان معظمهم من المنخرطين فيها منذ أكثر من عقدين، رغم خروجهم من مواقع القرار لمدة ثماني سنوات هي فترة حكم الرئيس الجمهوري جورج بوش بين عامي 2000 و2008. معظم مسؤولي إدارة أوباما في السياسة الخارجية عموما، ولشؤون مكافحة الإرهاب خصوصا، سبق أن عملوا في مواقع مسؤولية في إدارة كلينتون، حيث حاولوا تعريف الإرهاب، وفهمه، وصياغة سياسات للتعامل معه، فبنوا سياسة لأوباما مستفيدين من تجربتهم الماضية بالإضافة إلى تجربة بوش في هذا السياق، فتخلوا عن فكرة مواجهة الإرهاب في حرب مباشرة، وتخلوا عن مبدأ خلع الحكومات التي ترعى الإرهاب، وتخلوا عن فكرة بناء الدول الفاشلة وتأهيلها، كما ابتعدوا عن مبدأ نشر الديمقراطية، التي من شأنها، حسب مسؤولي إدارة بوش، أن تمنع نشوء الإرهاب حكما. لكن بينما استفاد مسؤولو كلينتون سابقا، وأوباما فيما بعد، من تجربة بوش في مكافحة الإرهاب، لم يستفد بوش ومجموعته من تجارب كلينتون، وهو ما تظهره بوضوح قصة عضو مجلس الأمن القومي الأميركي ريتشارد كلارك. في وثائق كلينتون المفرج عنها، خصوصا في الرسائل الإلكترونية المتبادلة بين أعضاء «مجلس الأمن القومي»، من غير الممكن العثور على نصوص كتبها كلارك نفسه، لكن كلارك كان إما متلقيا لمعظم الرسائل، وإما في بعض الأوقات كانت هناك إشارات تتحدث عن ضرورة نيل موافقته في شؤون مختلفة، مثل عقد «إفطار الإرهاب» المذكور، أو في مواضيع أخرى. وكلارك، المعروف باسم «ديك» حسب النصوص، كان مستشارا كلينتون لمكافحة الإرهاب، وهو أصدر في عام 2004 أحد أهم المؤلفات الأميركية حول ما عده فشل واشنطن في التحسب لاعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وقدم الفكرة الأساس التي تبناها المرشح أوباما فيما بعد، والمبنية على عد حرب العراق «شتت» المجهود الأميركي في الحرب على الإرهاب. وكلارك هو من المسؤولين في إدارة كلينتون ممن استمروا في عملهم لوقت قصير بعد انتهاء الفترة الانتقالية بين الرئيسين، وهو زعم أنه طلب صراحة من مستشارة الأمن القومي وقتذاك كوندوليزا رايس أن تعقد اجتماعا على مستوى الوزراء لمناقشة «الخطر الداهم»، أو لمناقشة المؤشرات التي التقطتها أجهزة الاستخبارات الأميركية، في صيف عام 2001، حول مخطط كان يعد له تنظيم القاعدة لاستهداف أميركا داخليا. إلا أن رايس ومسؤولين آخرين تجاهلوا تحذيرات كلارك. وفيما بعد، ذاع صيت كلارك في جلسات الاستماع التي عقدتها لجنة الكونغرس التي أصدرت تقرير 11 سبتمبر لتحديد مسؤولية الفشل في التحسب لهجمات ذاك اليوم. كلارك، الذي يعمل اليوم رئيسا لمجلس إدارة مركز أبحاث «معهد الشرق الأوسط»، أصدر كتابا بعنوان «ضد كل الأعداء»، وهو كتاب أثار زوبعة، خصوصا أن المسؤول السابق زعم فيه أنه قبل أقل من أسبوع، قام هو بإثارة موضوع «خطر الإرهاب» الداهم، ليرد أركان إدارة بوش، من أمثال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وبول ولفوويتز، بالطلب منه البحث عن علاقة الإرهاب بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، في إشارة إلى أن فريق بوش كان يعكف، منذ ما قبل وقوع هجمات سبتمبر، على البحث عن مبرر لشن حرب العراق. أما أكبر مزاعم كلارك التي أثارت نقاشا عاصفا ونفاها البيت الأبيض أثناء رئاسة بوش ليعود عن نفيه في وقت لاحق، فتمحورت حول قول كلارك إنه في اليوم التالي لهجمات 11 سبتمبر، وعلى أثر اجتماع كان مخصصا للبحث في هوية المنفذين وكيفية تعقبهم ومعاقبتهم، أخذ بوش كلارك جانبا وطلب منه أن يجد صلات بين منفذي الاعتداءات ونظام صدام حسين. ويقول كلارك أيضا إنه بينما حاول إقناع أركان إدارة بوش بأن مرتكبي الهجمات هم في أفغانستان، علق رامسفيلد بالقول إن «في العراق أهدافا أفضل لقصفها». على أنه رغم رفع السرية عن بعض «وثائق كلينتون الرئاسية»، بقيت طي الكتمان الكثير من الوثائق التي يمكن لها أن تساهم في تعزيز أو دحض روايات كلارك، وتبيان دوره الفعلي ومواقفه في إدارة كلينتون. وثائق أخرى بقيت محجوبة، رغم أن ما جرى الإفراج عنه يظهر عناوينها وتواريخها من دون مضمونها، منها وثائق تحت عنوان «المرحلة الانتقالية»، أي بين إدارتي الرئيسين كلينتون وبوش، وبينها ثلاثة «أوراق» أو دراسات تحمل عناوين مثيرة للاهتمام. الأولى دراسة بعنوان «سياسة انتقالية: الشرق الأدنى وآسيا» مؤرخة بتاريخ ديسمبر (كانون الأول) لعام 2000. أما الثانية، فتحمل التاريخ نفسه مع عنوان «سياسة انتقالية: روسيا أوكرانيا ويوراجا». الثالثة، التي تحمل تاريخا مشابها، فهي بعنوان «سياسة انتقالية: تهديد عبر الدول»، أو ما يبدو أنه نقاش حول مواضيع الإرهاب. هذه الأوراق هي بمثابة خلاصات لسنين حكم كلينتون حول هذه المواضيع، قام فريقه بنقلها إلى فريق خلفه بوش، لكنها ما زالت مصنفة (سرية). على أن ما لا تكشفه وثائق كلينتون الرئاسية، كشف عن جزء منه مسؤولون سابقون من أمثال كلارك، الذي عمل مستشارا للإرهاب في زمن كلينتون والذي نرى اسمه على معظم المراسلات الإلكترونية للنقاش حول الإرهاب داخل «مجلس الأمن القومي» منذ منتصف التسعينات، والذي كان في طريقه للتوصل إلى الاستنتاج المنطقي الذي كان ربما من شأنه أن يمنع وقوع هجمات 11 سبتمبر، التي غيرت بدورها مجرى التاريخ في أميركا، ومنطقة الشرق الأوسط. إلا أن العاملين في فريق بوش، ومعظمهم من المتخصصين بالحرب الباردة، لم يبدوا أنهم كانوا على دراية بالنقاش المندلع على أعلى المستويات حول الإرهاب. لذا، كان مفهوما أن يستأنف فريق بوش التاريخ من حيث توقف عندما غادر أفراده ساحة القرار على أثر هزيمة بوش الأب في الانتخابات الرئاسية في مواجهة كلينتون في عام 1992. وبوش الأب هو الرئيس الأميركي الذي أشرف على انتصار أميركا في الحرب الباردة، وهو لم يكمل برنامج عمله الذي، لو قيض له البقاء في الرئاسة لدورة ثانية، لربما كان تمحور حول نشر الديمقراطية، بما في ذلك المضي في إسقاط صدام ونظامه، والمباشرة في محاولة «بناء دول» تتناسب ونظاما عالميا جديدا تحت رعاية أحادية أميركية. هكذا، تصبح انعطافة بوش الابن وفريقه، بعيدا عن مواضيع الإرهاب، ابتعادا عن الواقع و«الإشاحة بنظرنا عن الكرة»، وهي العبارة التي كررها أوباما المرشح في انتقاده حرب العراق وإغداقه الوعود بالانسحاب من هناك في حال انتخابه. لكن الإرهاب الذي ناقشه العاملون في فريق كلينتون، حسب الوثائق المفرج عنها، يندر أن يشير إلى تنظيم القاعدة، بل تظهر الوثائق أن أعضاء «مجلس الأمن القومي» كانوا يعتقدون في الغالب أن إيران، وسوريا، وحزب الله اللبناني هم من يقفون خلف معظم التفجيرات التي طالت أهدافا أميركية، أو يهودية، أو إسرائيلية. على أن الوثائق تظهر، في الوقت نفسه، محاولة إدارة كلينتون تفادي المواجهة مع إيران، فكلينتون وقتذاك، كما أوباما اليوم، كان منخرطا في محاولة انفتاح دبلوماسي مع إصلاحيي إيران، يتقدمهم الرئيس الأسبق محمد خاتمي. وكما اليوم، كانت سلطنة عمان تتصدر القنوات الخلفية التي كانت تدير الوساطة بين البلدين. وحتى لا يعكر صفو محاولة الانفتاح الأميركي على خاتمي أي عراقيل، ابتعد كلينتون وفريقه عن شن أي هجمات عقابية ضد الإيرانيين، وتفادوا إثارة امتعاضهم من طهران علنا، إلى حد أثار حنق عدد من الصحافيين الأميركيين، حتى المقربين منهم من حزب كلينتون الديمقراطي، وهو ما يظهر جليا في مذكرة أرسلها في 5 يونيو (حزيران) من عام 1997 روبرت سوتينغر إلى جو نوريس، دعاه فيها للرد على انتقادات الصحافي في «واشنطن بوست» جيم هوغلاند. ولخص سوتينغر مقالات هوغلاند على الشكل التالي: «حول إيران، إذا ما اتضح أن إيران هي التي تقف خلف خبر، على كلينتون التحرك. العدالة والانتقام، لا السياسة والدبلوماسية، يجب أن تكون القوة المحركة في قراره». عن العراق، يقول هوغلاند، حسب المذكرة، إن «كلينتون تخلى عن الكرد وتركهم لصدام عن طريق عمليتين للـ(سي آي إيه) ألغت واحدتهما الأخرى، مما حرك الفصيلين الكرديين بعضهما ضد بعض وخلق فراغا سمح لصدام باستغلاله». في الدفعة الثالثة من الوثائق التي رفعت عنها مكتبة كلينتون السرية، رسائل متبادلة رافقت صناعة الخطاب الوداعي للرئيس الأميركي الأسبق، الذي ألقاه في 18 يناير (كانون الثاني) 2001، أي قبل أقل من ثمانية أشهر على وقوع هجمات 11 سبتمبر. في ذلك المساء البارد، افتتح كلينتون خطابه بالقول: «أعزائي المواطنين، أخاطبكم الليلة من المكتب البيضاوي، للمرة الأخيرة كرئيسكم. لقد مرت ثماني سنوات منذ أن وقفت بعد ظهر يوم بارد وصاف أمام الأمة وقلت كلماتي الأولى كرئيس. ذلك اليوم في يناير، في عز الشتاء، دعوت إلى موسم التجدد الأميركي». أضاف كلينتون في خطابه الوداعي: «اليوم، أنا فخور بالقول إن الموسم قد وصل، وإن الربيع قد جاء، وأنا مثلكم، أشعر بالفخر والتواضع بأن أميركا تبدأ هذا القرن أكثر وحدة، وبحبوحة، وقوة، أكثر مما كانت عليه قبل جيل». ثم يتابع كلينتون بتقديم بعض النصائح لخلفه بوش، فيقول: «أريد القول ببساطة إن أمن وبحبوحة أميركا يعتمدان فوق كل شيء على استعدادنا للقيادة حول العالم»، وإن «الخطر الأكبر الذي نواجهه هو التقاعس... وإدارة ظهورنا للعالم، فالتراجع عن التزاماتنا هو أكثر إغراء، (لكن) العولمة تربط معاشنا مع مليارات حول العالم لا نعرفهم، وسيكون مغريا أكثر التراجع، لكنه سيكون خطأ جدا». على أن نصائح كلينتون هذه تبدو أكثر ملائمة لأوباما، المنسحب من المشهد العالمي، منها لبوش الذي خاض حربين وانخرط في شؤون العالم جميعها. لكن، يبدو أنه إبان انتخاب بوش، كان عدد من الأميركيين يخشون أنه سيكون رئيسا يفضل عزلة أميركا عن المسرح الدولي، فصحيفة «نيويورك تايمز» كتبت في اليوم التالي لخطاب كلينتون الوداعي أن تعليقات كلينتون «بدت كأنها تتعلق بمخاوف من قيام الرئيس المنتخب بوش بتقليص مشاركة أميركا في الخارج». وأضافت الصحيفة: «تعليقات السيد كلينتون أن الانخراط في العالم يحتاج إلى أكثر من التعاطف، بل إلى نشاط، يبدو أنها موجهة إلى فكرة السيد بوش حول السياسة المحافظة والمتعاطفة». وختمت الصحيفة بالقول إن «السيد كلينتون قال وداعا أمس بالروح نفسها التي سيتذكره بها كثير من الأميركيين، والمبنية على مواجهة عالم يتخبط، ومحاولة تخفيف الكراهية في الخارج وفي الداخل». على أن بوش الذي رفض تبني المسار الذي كانت تنتهجه إدارة كلينتون في محاولة تعريف الإرهاب وتحديد سبل مواجهته والفصل بينه وبين المسلمين في الولايات المتحدة وحول العالم، وجد نفسه على حين غرة في موقف اضطره إلى التواصل مع هؤلاء المسلمين، إذ في الأسابيع الأولى التي تلت هجمات 11 سبتمبر، زار بوش مسجدا هو الأقدم في العاصمة الأميركية لإظهار أن الحرب التي كانت بلاده تنوي شنها لم تكن ضد الإسلام أو المسلمين، بل ضد مجموعة متطرفة تختبئ خلف شعارات إسلامية، وهي سياسة شكلت استمرارا لسياسة سلفه كلينتون، حسب الوثائق الرئاسية. ففي مذكرة بتاريخ 13 مارس (آذار) 2000، كتبت مسؤولة «الارتباط الرئاسي مع العلاقات العامة»، ماري كاهيل، إلى زملاء لها بعنوان «طلب الرئيس»، جاء فيها: «لقد تسلمت نسخة من رسالة من بسام أسطواني إلى الرئيس كتب عليها الرئيس (أنا مهتم بجميع هذه الاقتراحات)». وأضافت كاهيل: «أنا أعتقد أن أسطواني التقى الرئيس أثناء احتفال العيد، وتقدم باقتراحات شفهية، وجرى الطلب إليه أن يكتبها في رسالة، وهو ما فعله، وقدمها له في فعالية (أميركا واحدة) في 9 مارس». وأسطواني هو أميركي من أصل سوري، وهو يدير مركزا إسلاميا في ضواحي العاصمة الأميركية، وهو تبنى الثورة السورية منذ اندلاعها، ويعمل مع السياسيين المحليين وأعضاء الكونغرس ممن يمثلون دائرته الانتخابية من أجل إقناعهم بجدوى زيادة التدخل الأميركي ومساعدة السوريين. في المذكرة، تقول كاهيل إن «أسطواني تقدم باقتراحات ثلاثة (لكلينتون)؛ وهي تتناسب مع نقاشاتنا حول الانخراط مع العرب الأميركيين، واقترح أن نراجع هذه الاقتراحات، وبعد ذلك يمكنني أن أرسل مسودة رسالة (ترسل إلى أسطواني) إلى دان». اقتراح أسطواني الأول، حسب كاهيل، هو إقامة «فعالية في ديسمبر (كانون الأول)، لأن عيد الفطر، نهاية رمضان، يقع في 27 ديسمبر، عيد هانوكا في 22 ديسمبر، وأعياد الميلاد في غضون أسبوع بين الاثنين، يمكننا أن نقيم احتفالا في البيت الأبيض نحتفل بالثلاثة معا». وتقول كاهيل إن الرئيس ذيل هذا الاقتراح بكتابته «الأرجح، فكرة جيدة». الاقتراح الثاني، حسب المذكرة، هو قيام الرئيس كلينتون بزيارة إلى المركز الإسلامي - الذي يديره أسطواني - في «فولز تشيرش»، وهو حي يقع شمال ولاية فيرجينيا ويعد أحد ضواحي العاصمة واشنطن. وتضيف كاهيل: «لقد فكرنا، كما تعلمون، في إمكانية قيام (الرئيس) بزيارة مسجد، (لكن) هذه التواريخ لا تناسبنا، ويمكن أن علينا أن نبحث في منطقة مختلفة، ولكن علينا أن نبقي الإمكانية قائمة». اقتراح أسطواني الثالث كان عقد اجتماع ثنائي مع الرئيس، وهو ما ذيله كلينتون بعبارة «لا مانع من عقده». وكان كلينتون أول رئيس أميركي يدلي بخطاب في مؤتمر سنوي تقيمه بعض تنظيمات العرب الأميركيين في مايو (أيار) 1998. وهو ما حدا بكاهيل إلى القول إنه منذ ذلك الخطاب، علت أصوات تطالب «بلقاء مع مسلمين أميركيين». وأضافت أن أسطواني طلب «اجتماعا على انفراد مع الرئيس، كشكر له، واستعدادا لكتاب ينوي كتابته عن كل ما فعله الرئيس للمسلمين». وعلقت المسؤولة الأميركية: «قد يكون من الجيد عقد الاجتماع وتعميمه». ختاما، جاء في مذكرة كاهيل أن كلينتون طلب إجراء جردة بكل مبادراته مع المسلمين الأميركيين «ربما لتضمينها في الكتاب»، وهو ما فعلته المسؤولة، وهي كاثوليكية من أصول آيرلندية، ولكنها وعدت بـ«تحديث الجردة». وفي مذكرة لاحقة، في الموضوع نفسه، تبرز مسؤولة أخرى في فريق كلينتون باسم وونيب وندووسن وهي تقول: «نحن ننصح بعدم ذهاب الرئيس إلى مسجد (أسطواني)، لذا لا نريد أن نرفع من آماله، وإذا كان الرئيس سيزور مسجدا، نفضل أن يكون مسجدا يعود لمجموعة من المسلمين الأميركيين ذات تاريخ أطول، ونحن حقيقة لن نعطيه لقاء على انفراد مع الرئيس، ولذا أحلناه إلى ماري بيث (كاهيل)». وبعيدا عن الشؤون العربية والإسلامية، تظهر بعض الوثائق المنشورة اهتمام كلينتون وإدارته بآيرلندا الشمالية والمساعي لإنهاء النزاع الدائر فيها. وبحسب وثيقة بتاريخ 8 أبريل (نيسان) 1998، وموجهة إلى مستشار الأمن القومي حينها سامويل (ساندي) بيرغر ونائبه جايمز ستاينبرغ، ناقش أعضاء البيت الأبيض أهمية رسائل الدبلوماسية العامة من واشنطن لإنجاح اتفاق السلام الآيرلندي. وبحسب الوثيقة المعنونة «استراتيجية اتفاق التسوية في آيرلندا الشمالية»، حدد مجلس الأمن القومي ثلاثة أهداف أساسية أو ما وصفت بـ«الاستراتيجية النهائية» في الرسائل العامة عن الاتفاقية. الأولى هي «التوضيح للشعب، شمالا وجنوبا، أن هذه الاتفاقية هي من مصلحة كل شخص كما هي في مصلحة الجميع، وستبني مستقبلا زاهرا وسلميا للجميع». أما الرسالة الثاني فهي التركيز على «قيادة كل القادة الذين اتخذوا الخطوات الشجاعة تجاه السلام»، أما النقطة الثالثة فكانت «تسليط الضوء العام والخاص للولايات المتحدة في إنجاح عملية السلام». وتظهر هذه الوثيقة وغيرها من وثائق نشرت حرص إدارة كلينتون على اعتبار إنهاء النزاع في آيرلندا الشمالية نجاحا لكلينتون وفريقه مع قرب انتهاء إدارته. وحتى اليوم، يشير كلينتون ومؤيدوه إلى «اتفاق الجمعة المباركة» على أنه من أبرز إنجازاته، رغم الإخفاقات في مجالات أخرى مثل الصومال والعراق وعدم التوصل إلى حل نهائي لعملية السلام.

البيت الأبيض في يونيو 1993: رابين يحتاج إلى حل في الشرق الأوسط.. والأسد يعلم أن ليس لديه اتحاد سوفياتي

نصائح إلى كلينتون.. الحل ممكن ولكن عليك أن تكون هجوميا

انشغل البيت الأبيض عام 1993 في بحث إمكانية التوصل إلى حل للنزاع العربي - الإسرائيلي في وقت كانت إسرائيل ترفض حتى فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وفي الأشهر التي سبقت توقيع اتفاقية أوسلو يوم 13 سبتمبر (أيلول) 1993 في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض والمصافحة الشهرية بين رئيس منظمة التحرير الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين، استشار البيت الأبيض عددا من الشخصيات السياسية والناشطة والمهتمة بقضايا الشرق الأوسط حول إمكانية إحلال السلام. وضمن الوثائق التي تم الكشف عنها أخيرا من وثائق الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، رسالة من مديرة المكتب البيضاوي نانسي هيرنريك بعنوان «البريد الرئاسي»، بتاريخ 10 يونيو (حزيران) 1993 تطلب من مستشار الأمن القومي سامويل (ساندي) بيرغر التعامل مع رسالة وصلت إلى كلينتون حول ضرورة دعم عملية السلام. وعلى الرغم من أن الرسالة التي بعثها الناشط اليهودي - الأميركي ستانلي شاينبوم لم تنشر، إذ اعتبر نشرها «إخلال بالخصوصية» لكاتبها، إلا أن فحواها نشر في رسالة هيرنريك. وبحسب تلك الرسالة الموجهة إلى بيرغر، فعبر شاينبوم عن «دعم لحل (قضية) الشرق الأوسط»، موضحا أن «رابين بحاجة لها و(الرئيس السوري آنذاك حافظ) الأسد يعلم بأنه لم يعد يتمتع بـ(دعم) الاتحاد السوفياتي والأراضي المحتلة تعاني من أوضاع أسوأ من أي وقت مضى، وأنت بحاجة إلى مثل هذا الإنجاز في الوقت الحالي». وهنا «أنت» تشير إلى الرئيس الأميركي حينها. وإلى جانب الرسالة، كتب بخط اليد عبارة «الإرسال إلى ساندي، علي أن أرد»، فيما يبدو أنها رسالة بخط يد كلينتون نفسه، وفي إشارة إلى أهمية الرسالة. ويتابع شاينبوم أن على كلينتون إعطاء أهمية قصوى لهذا الملف، موضحا: «أنت بحاجة للتركيز على هذه القضية». وتضيف الرسالة أن هناك مخاوف من أن «الإدارة لديها تصورات تعود إلى عشرة سنوات حول تفكير الجالية اليهودية حول إسرائيل»، فيما يخوض اليهود النافذون في الولايات المتحدة حول السياسة الأميركية تجاه إسرائيل وعملية السلام. وأوضح شاينبوم الذي كان من أبرز المستشارين لعدد من الرؤساء الأميركيين من بينهم كلينتون بالإضافة إلى عمله محاميا مرموقا، أن قضية السلام «لم تعد تجلب توجهات متشددة»، في إشارة إلى رغبة اليهود الأميركيين برؤية حل للنزاع العربي - الإسرائيلي. وكانت نهاية الرسالة صارمة، إذ أفادت الجملة الأخيرة أن «الحل ممكن ولكن عليك أن تكون هجوميا»، أي أن يتحلى كلينتون بالجرأة في اتخاذ قرار حاسم في دفع علمية السلام. وهيرنريك، التي كانت تدير مكتب كلينتون الشخصي وتتابع مواعيده اليومية، طلبت من بيرغر كتابة مسودة رسالة يوقعها كلينتون للرد على شاينبوم. وقررت السلطات المسؤولة عن نشر وثائق كلينتون إبقاء الرد على شاينبوم قيد السرية ولكن اطلع كلينتون على الرد الذي أرسلت نسخة منه إلى وزير الخارجية آنذاك كريستوفر وارن.