في حقل الألغام (الحلقة الثالثة)... "الشرق الأوسط" تنشر مذكرات أول رئيس للحكومة العراقية بعد سقوط صدام

لا ينعم الدكتور اياد علاوي بساعات نوم كافية. يوم عمله يبدأ مبكرا، ينتقل الى مكتبه عند الثامنة صباحا ويكون قد استيقظ قبل ذلك وقام ببعض الاتصالات الهاتفية داخل العراق وخارجه. تتميز حركته، كما افكاره، بالسرعة، ذهنه متقد ومزدحم بالافكار والمبادرات التي يصعب على كادر عمله مجاراتها، لهذا تحرص سكرتاريته الشابة على تسجيل ما يقوله وما يقترحه وما يريده على الورق لتنفيذه. وهو يتابع بدقة ما يقترحه ولا ينسى اية فكرة قالها بل يحرص على مراقبة مراحل تنفيذها.
استقبلني بعد ظهر يوم جمعة في منزله، عندما دخلت كان ايضا مستغرقا في قراءة كتاب لم اتبين عنوانه، وضع الكتاب جانبا وقال: لنبدأ. سألته عن ظروف اختياره رئيسا للوزراء في الحكومة المؤقتة، والكيفية التي تم فيها تشكيل الحكومة؟ قال: عندما جاء الأخضر الابراهيمي كمبعوث للامم المتحدة ومعه مساعدوه، كان مكلفا من قبل الامم المتحدة لتشكيل الوزارة بالتنسيق مع ثلاثة اطراف، الاول قوات الاحتلال، والثاني مجلس الحكم، والطرف الثالث القوى التي هي خارج مجلس الحكم. كان قد حضر، ايضا، مبعوث رفيع المستوى عن الادارة الاميركية وهو السفير بلاك وول لتدعيم سلطات الاحتلال وكان يعمل في الأمن القومي آنذاك. بدأت الاتصالات بين الابراهيمي وبقية الاطراف، وكان حسب ما فهمت آنذاك ان الامم المتحدة والتحالف قد تركز اختيارهم على شخص اسمه حسين الشهرستاني ليترأس الحكومة وكان هناك ايضا بيت اسمه البيت الشيعي وكان يضم الشيعة من هم اعضاء في مجلس الحكم وبعضهم من خارج المجلس. اقترح البيت الشيعي اربع اسماء لرئاسة الحكومة وهي ابراهيم الجعفري وعادل عبد المهدي وانا والشهرستاني. الابراهيمي بلغنا بان الشهرستاني سيكون رئيسا للحكومة، فاقترحت انا تشكيل هيئة حكماء لدعم الحكومة الجديدة.

كان الموضوع الأهم من تشكيل الحكومة والمرتبط بها هو انتقال السيادة للعراقيين وكانت وجهة نظري ان انتقال السيادة اهم بكثير ممن سيكون في الحكومة او من سيترأسها.

سلطات الاحتلال والسفير الاميركي وول والابراهيمي عرضوا علي وزارة الدفاع فاخبرتهم بعدم موافقتي وانني مصر على تشكيل هيئة الحكماء. استمرت المفاوضات والاتصالات مع القوى السياسية واتصل بي معظم الاخوة في مجلس الحكم وابلغوني بانهم اختاروني انا لرئاسة الحكومة، قلت لهم انه من المهم ان نصل الى نتيجة وليس مهما من سيكون في هذا المنصب او ذاك واني اعرف انهم اختاروا الشهرستاني ولا اريد ان يصير تعارض في الاراء، فردوا علي بانهم مصرون على ترشيحهم لي. اجتمع مجلس الحكم بحضور كل من بريمر والابراهيمي وممثلين عن سلطات الاحتلال، وكان الابراهيمي قد اجتمع مع معظم القوى السياسية العراقية، وصدر قرار بالاجماع على تسميتي لرئاسة الحكومة وهذا الاجتماع هو الذي حسم الموقف في موضوع رئاسة الحكومة. في ذات الوقت كانت الاتصالات قد جرت لتسمية الوزراء ايضا وليس رئيس الوزراء فقط.

البعض تحدث عن سبب اختياري لكوني شيعي علماني، لا ادري كون موضوع العلمانية صار ياخذ اكثر من تفسير ومعنى وفي احيان كثيرة اسيء لمعناها بالكامل. انا لا اعرف اصل وتفاصيل الاتفاق الذي حصل لتسميتي رئيسا للحكومة. وفي اعتقادي ان الاتفاق كان قد جرى بان يكون رئيس الحكومة شيعيا. لكنني لا ادري كيف جرى هذا الاتفاق ومن كان وراءه ولماذا حدث بهذه الطريقة؟ أنا شخصيا لم اشارك في النقاشات التي سبقت تسميتي لهذا المنصب، او لماذا يجب ان يكون رئيس الحكومة شيعيا او سنيا او اي شيء. كل ما كان يهمني ان يكون رئيس الحكومة شخصا يستطيع تحمل مسؤولية الحكم وتسلم السيادة.

يذكر ان «الشرق الاوسط» نشرت في مايو(ايار) 2004 الخبر التالي:

كشف مسؤول أميركي كبير عن تفاصيل اختيار اياد علاوي لمنصب رئيس الوزراء، قائلا «انه جاء الى العراق منذ الاول من مايو (ايار) الجاري (الماضي) في مهمة تكميلية لمهمة الابراهيمي والتقى العديد من الشخصيات وممثلو الشرائح العراقية للتشاور معهم حول تشكيلة القيادة العراقية، وانه في آخر المطاف حصل على بعض التوصيات الخاصة بتشكيل الحكومة العراقية المؤقتة. واضاف المسؤول في لقاء مع مندوبي الصحافة ووسائل الاعلام في قصر المؤتمرات، مشترطا عدم ذكر اسمه، انه «منذ عشرة ايام بدأنا بتصغير اللائحة التي كانت تضم اسماء عدد كبير من المرشحين لكي نسرع في عملية تشكيل الحكومة ووضعنا لكل منصب من 3 ـ 4 اشخاص وكنا نسأل ونتشاور مع مجموعات من الناس عن الاشخاص المرشحين وكان التركيز منصبا منذ البداية على منصب رئيس الوزراء حيث كانت هناك قائمة بـ 5-6 اشخاص مرشحين بعضهم من الساسة وبعضهم من الوزراء وآخرون من خارج الحكومة، وكان علاوي اقوى المرشحين وحظي باسناد كبير من الذين تشاورنا معهم». يستطرد علاوي متحدثا عن موضوع تسمية الوزراء، فيقول: جاء الابراهيمي وممثلو سلطات الاحتلال وهم يعرفون او حددوا اسماء الوزراء، وقالوا ان الجهة الفلانية قد رشحت هذه الاسماء والجهة الاخرى رشحت اسماء... وهكذا.

في بعض الحالات كان هناك اكثر من مرشح لوزارة واحدة، مرشحان او ثلاثة، وهذا لم يشمل جميع الوزارات بل بعضها، وكانت مسألة الحسم باختيار الاسماء من ضمن المرشحين من حقي، يعني الاولوية في الاختيار من صلاحياتي.

كانت حكومة تعكس الوضع، اذكر على سبيل المثال انه كان هناك 4 وزراء من تجمع العراقيين المستقلين الذي يترأسه الدكتور عدنان الباجه جي، منهم مهدي الحافظ وليلى عبد اللطيف وعمر الدملوجي. وهكذا كان هناك مرشحون عن الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يترأسه جلال طالباني وعن الديمقراطي الكردستاني الذي يترأسه مسعود برزاني، وعن حزب الدعوة الذي يترأسه ابراهيم الجعفري الذي قرر ان ياخذ موقع نائب رئيس الجمهورية مقابل عدم الاحتفاظ باية حقيبة وزارية، وكذلك عن المجلس الاعلى للثورة الاسلامية التي يتراسه عبد العزيز الحكيم، وهكذا بقية الاحزاب والحركات السياسية.. وبهذه الطريقة تشكلت الوزارة. أنا لم ارشح اي وزير للحكومة التي ترأستها. أنا حسمت اسماء بعض المرشحين لاكثر من وزارة مثل وزير الدولة اخترت انا قاسم داود، وكان هناك مرشحان اثنان لوزارة الداخلية الاول فلاح النقيب وشخص آخر كان محسوبا على نظام صدام حيث كان يحتل موقعا متقدما في النظام السابق، واخترت بطبيعة الحال الاخ النقيب وهو رجل معارض ووطني وينتمي لاسرة كريمة، وبالتأكيد كان يجب اختياره. وكانت هناك اعتقد وزارتان على نفس الشاكلة. اخترت ايضا نائب رئيس الوزراء الاخ برهم صالح، ومن حسن الحظ اني اخترته كونه رجل كفؤ واثبت نزاهته وانه بمستوى المسؤولية التي تلقى على عاتقه. كان، بالتأكيد عامل المحاصصة الطائفية هو الذي تحكم في تشكيل الوزارة، لكن كانت بمستوى التمثيل الحقيقي للانعكاس السياسي خاصة في مجلس الحكم. كان من الافضل، بالطبع، هو ان تعكس هذه الوزارة الوجود السياسي، مثلا جاء عن الحزب الاسلامي حاجم الحسني وعن الحزب الشيوعي مفيد الجزائري، لو تشكلت كل الوزارة حسب الوجود السياسي لكان افضل، لكنها كانت وزارة سيادة وانتقال سيادة وكانت امتدادا لمجلس الحكم وتحمل بصمات الفترة التي سبقتها.

كانت عندي اولويات حيث كنت مسؤول لجنة الأمن الوطني في مجلس الحكم وكنت منتخبا لتحمل مسؤولية هذا الموضوع. وكان عندي وضوح في مسائل مهمة تتعلق بمعالجة حل الجيش واجتثاث البعث وبناء مؤسسات الدولة، بناء القضاء. كان عندي وضوح ايضا في اعادة العراق الى حاضنته العربية والاسلامية ومن ثم الدولية وتطمين المنطقة واقناعهم لدعم العراق. كانت عندي رؤية واضحة حول هذه المسائل، لهذا كان الخطاب الذي ألقيته عندما تسلمنا السيادة اعتبرته اللجنة الوزارية التي شكلتها والتي كانت تعكس جميع الطوائف السياسية، لكتابة منهاج الحكومة وكان منسقها الدكتور مهدي الحافظ، اعتمدت هذه اللجنة هذا الخطاب كمنهاج للحكومة مع ما اضافته اللجنة بالطبع.

هذا احد الاسباب التي مكنتنا من العمل سوية مع الوزراء. اما السبب الثاني فهو انه كانت لنا علاقات ونضال وعمل مشترك مع بعض القوى السياسية التي اشتركت في الحكومة المؤقتة. وثالثا ان اختيار الوزراء كان الى حد ما موفقا، وتضم(الحكومة) عناصر كفؤة ومتخصصة الى جانب كونها عناصر سياسية، من غير ان ننسى ان هناك اختيارات كانت غير موفقة. لقد حدث انسجام كامل عندما تم تشكيل الوزارة انعكس على اسلوب عملها، كما اني منحت الوزراء صلاحيات كاملة ودعمت عملهم مما مكننا من قطع شوط من العمل المثمر باتجاه بناء العراق والتأسيس الحقيقي لمؤسسات الدولة بالرغم من المشاكل والهفوات التي اعترضتنا. من ابرز النقاط التي اود الاشارة اليها اني تبنيت تشكيل مجلس الاعمار الذي انيطت مسؤوليته لبرهم صالح، ومجلس النفط الاعلى الذي يخطط للسياسات النفطية، وكذلك المجلس الاقتصادي الاعلى الذي يدرس ويناقش ثم يقرر بشان الاتفاقيات والعقود التي تزيد عن خمسة ملايين دولار واكثر، بحيث لم يكن هناك اي عقد تتم الموافقة عليه قبل دراسته ومناقشته.

ومن الامور الجدير ذكرها هي اننا بدأنا باعادة عناصر الجيش العراقي، وليس منتسبو الحرس الخاص او جيش القادس، الى صفوف القوات المسلحة، كما بدأنا بتعزيز بناء المؤسسات الأمنية مثل الشرطة.

اقول انه بفضل الاختصاصات التي كان يتمتع بها الوزراء وكفاآتهم واخلاصهم مع الصلاحيات الواسعة والدعم الكبير الذي كنت ابذله من اجل العمل لبناء مرحلة جديدة من تاريخ العراق، استطعنا ان ننجز امورا كثيرة لا بأس بها.

الدكتور إياد علاوي واجه حملة من الاتهامات عند ترؤسه الحكومة تحدثت عن ارتباطه السابق مع المخابرات العراقية، وانه قرب البعثيين في حكومته بالرغم من انه كان قد غادر العراق مختلفا مع قيادته البعثية، صدام حسين خاصة، الذي دبر له فيما بعد محاولة اغتيال في منزله بلندن كلفت علاوي البقاء في المستشفى لاكثر من عام.

يتحدث عن هذه المرحلة قائلا: مع بدايات تسلمنا مسؤولية الحكومة العراقية بدأت حملة من الهجوم علينا تتهمنا بتقريب البعثيين وبارتباطي بالمخابرات العراقية السابقة.. وغيرها من الاتهامات.

قصة المخابرات وارتباطي مع المخابرات العراقية تدعو للسخرية ذلك انني عندما تركت العراق لم تكن المخابرات العراقية قد تشكلت. كان هناك مكتب اسمه «مكتب العلاقات» وكان هذا المكتب في حالة حرب مع حزب البعث. بتوضيح اكثر دقة ان البعثيين كانوا في حالة حرب مع هذا المكتب الذي كان مسؤوله صدام حسين، وكانوا ضده. أنا تركت العراق مختلفا مع القيادة البعثية عام 1971 والمخابرات العراقية تشكلت عام 1973.

نتعرف خلال السيرة السياسية لعلاوي بانه انتمى منذ وقت مبكر لحزب البعث متأثرا بالافكار والطروحات القومية التقدمية التي جاءت بها ادبيات الحزب، فكان عضوا في الحزب عام 1958.

لكن علاوي، طالب كلية الطب آنذاك المتحمس لمصلحة بلده وشعبه وامته سرعان ما تكشفت امامه الحقيقة من خلال الممارسات المنحرفة لقيادات البعث فاختلف عام 1971 مع رئيس الجمهورية، احمد حسن البكر، ونائبه صدام حسين وترك العراق الى لبنان ليغادرها بعد عام، في 1972، الى بريطانيا لاكمال دراساته العليا في مجال الطب في لندن حيث انتخب هناك مسؤولا للتنظيم القومي لحزب البعث في اوروبا الغربية وبعض بلدان الخليج عام 1973، عندما كان ارتباط التنظيم القومي مع القيادة القومية في بيروت لكنه سرعان ما استقال رسميا من حزب البعث عام 1975 بعد ان كان قد اسس منذ عام 1974 تنظيما سريا مع بعض العراقيين منهم الدكتور تحسين معله وهاني الفكيكي واللواء الركن حسن النقيب والعقيد سليم شاكر والمقدم الطبيب صلاح شبيب. استمر في تطوير التنظيم السري حتى اعلن عن التنظيم بشكل علني في بيروت عام 1990 وسميت الحركة (حركة الوفاق الوطني العراقي(. انتخب امينا عاما للحركة عام 1991 وجدد عام 1993.

هذه السيرة تعني ان علاوي ترك البعث منذ وقت مبكر وتمرد على ممارسات قيادته ليؤسس حركة وطنية جديدة وكاد ان يدفع حياته ثمنا لهذا التمرد عندما خططت المخابرات العراقية وباشراف صدام حسين لاغتياله في شباط عام 1978 عندما كان يعمل في مستشفى «ريد هيل» في لندن حيث اقتحم منزله احد عملاء النظام السابق محاولا قتله مع زوجته بفأس (بلطة). وكانت هذه المحاول هي الابرز بين عدة محاولات فاشلة اخرى تعرض لها علاوي عندما كان احد ابرز نشطاء المعارضة العراقية في الخارج حيث بقي يُعالج في المستشفى لاكثر من عام. وكشف علاوي لـ«الشرق الاوسط» في 20 ديسمبر 2004، انه واحد ممن تقدموا بشكاوى ضد الرئيس العراقي المخلوع، في اشارة الى محاولة الاغتيال التي تعرض لها من قبل مخابرات النظام السابق خلال وجوده في المنفى. وقال علاوي «انا من بين العراقيين الذين قدموا شكوى الى المحاكم المختصة ضد الرئيس العراقي السابق بعد دخولي العراق وحصولي على الوثائق المطلوبة لتسجيل الدعوى القضائية والاجراءات التي اتخذت ضدي كمواطن عراقي في السبعينات من القرن الماضي». وخلال حديث جانبي اثناء تسجيل هذه المذكرات ذكر علاوي بان السلطات العراقية تمكنت من القبض على عميل المخابرات العراقية الذي نفذ محاولة الاغتيال في احدى الدول المجاورة للعراق، وانه (علاوي) حصل على وثائق القضية من دائرة مكافحة الارهاب في لندن التي تحتفظ بسجل هذه المحاولة.

هذه الاحداث، وهذه السيرة السريعة تنفي وجود اية علاقة بين علاوي والمخابرات العراقية في عهد صدام حسين.

يواصل علاوي حديثه، قائلا: أما اسباب الهجوم فانت تعرف ان الاستهلاك السياسي المعادي في العراق كلماته رخيصة جدا. يتهموني باني قربت البعثيين لكني عينت ما يقرب من 17 موظفا في مجلس الوزراء كمستشارين وخبراء، وعينا حسب المحاصصة السياسية اعضاء في حركة الوفاق كمسؤولين في وزارات مختلفة، عينا في وزارة الداخلية مناضلا قاتل ضد نظام صدام بضراوة ولا علاقة له بحزب البعث حيث تسلم مسؤولية أمن وزارة الداخلية وحقق نتائج جيدة ومتميزة. وعينا ايضا من الوفاق، موظفا في وزارة الأمن القومي. ولكن في ما يتعلق في مكتب رئاسة الوزراء لم اعين اي عضو من حركة الوفاق، وانما عينت موظفين من التيار الاسلامي الديمقراطي، او التيار الاسلامي. على سبيل المثال لا الحصر عينت بيان جبر كمستشار في مجلس الاعمار في ديوان رئاسة الوزراء وعمل مع برهم صالح بنجاح ومواضبة، بعد ان كان وزيرا للاعمار في وزارة بريمر لكن المجلس الاعلى للثورة الاسلامية الذي ينتمي اليه جبر لم يرشحه كوزير في حكومتي بل رشح عادل عبد المهدي وزيرا للمالية ووزيرا آخر للرياضة، وانا اعرف جبر كمناضل ضد نظام صدام حسين وكان مسؤولا للمجلس في سوريا. عينت ايضا اشخاصا من تيارات سياسية وتكوينات متعددة من الطيف السياسي العراقي لكنني لم اعين اي بعثي او اي عضو من حركة الوفاق.

عندما قالوا ان اياد علاوي قرب البعثيين لم يستطيعوا ان يبرهنوا على ذلك بالاسماء كأن يذكروا اني عينت البعثي الفلاني لمنصب ما، بل كانت مجرد اكاذيب رخيصة. يضاف الى هذا اني لم اكن اخشى اي تصرف اقدم عليه، صحيح هناك من البعثيين الذين اقترفوا جرائم بحق الشعب العراقي وانا في كل مناسبة ادعو باحالتهم الى القضاء لينالوا عقابهم العادل، في نفس الوقت هناك من البعثيين ممن تصدوا لتصرفات صدام حسين ووقفوا ضد نظامه واستشهدوا في سبيل ذلك وقسم كبير من البعثيين اعدمهم صدام بعد ان عانوا من التعذيب في السجون، ومنهم من عمل معي ضد النظام السابق في ظل قوة صدام وبطشه ولو كنت اريد ان اعين بعض هؤلاء لكنت فعلت لكنني لم اعين ايا منهم في وزارتي. وهناك شخص اسمه طالب الحمداني كان محكوما بالاعدام عام 1979 وعين من قبل بريمر في وزارة الداخلية في الحكومة الاولى قبل تسلم السيادة ولم اعينه انا.

انا لم اقرب البعثيين ولم اعين ايا منهم في وظائف الدولة وكل ما قيل يقع في باب الاتهامات الرخيصة غير المستندة الى الواقع. سبب هذه الاتهامات ليس اكذوبة تقريب البعثيين او تعيينهم، بل لانني شخصيا رفضت مبدأ تسليط السيف على المواطنين تحت شعار «اجتثاث البعث» ولانني طالبت بتحويل هذا الموضوع الى قضية قضائية مثلما سيحدث الان. بعد مرور اكثر من عامين بدأوا باعادة الموظفين الى اعمالهم بعد ان تاكدوا من براءتهم هذا ما كنت اسعى اليه في حكومتي. قسم اساءهم وقوفي ضد قانون اجتثاث البعث الذي ارادوه ان يبقى كسيف مسلط على رقاب العراقيين.

من مفارقات وسخريات القدر ان المتحمسين لقانون اجتثاث البعث ارادوا «اجتثاث» احد الاخوة الشيوعيين السابقين والذي لم ينتم في حياته الى اي حزب او حركة سياسية منذ ان ترك الحزب الشيوعي وحتى الان يطالبون باجتثاثه وهو (زعلان) لانهم يريدون الغاء تاريخه النظالي في الحزب الشيوعي وتشويهه بالادعاء انه بعثي مع ان الجميع يعرف انه لم ينتم في يوم من الايام لحزب البعث «يضحك علاوي وهو يردد: شر البلية ما يضحك».

اعتقد ان القوى السياسية التي ناضلت ضد نظام صدام يجب ان تترفع عن هذه المسائل الرخيصة والتي تتمثل بالهجوم على بقية السياسيين ومحاولة تشويه سمعتهم وتاريخهم مع ان كل شيء واضح ومعروف، من هو المناضل النظيف الحقيقي ومن هو عكس ذلك. ومن يريد ان يهاجم فيجب ان يهاجم وفق اسس نبيلة وليس مجرد اطلاق الاكاذيب واتباع الطرق الرخيصة، لكن البعض، للاسف تعود في العراق لمثل هذه الاساليب.