برنامج خادم الحرمين للابتعاث يطوي تسع سنوات من عمره تزامنا مع البيعة

بحلول الذكرى التاسعة للبيعة، يكون برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي قد طوى تسعة أعوام منذ لحظة تدشينه عام 2005.
هذا التزامن لم يأت من قبيل المصادفة، بل إنه يمثل رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز نحو تفعيل مجتمع المعرفة وتنمية رأس المال البشري بوصفه الركيزة الأساسية لعجلة التنمية وبناء الوطن.
عندما انطلق البرنامج يومذاك، كان مقررا له أن يستمر لخمس سنوات حتى 2010. لكن نجاحه في خطته الخمسية الأولى دفع وزارة التعليم العالي إلى التقدم للمقام السامي لتمديد البرنامج لفترة ثانية مدتها خمس سنوات تنتهي في 2015، ثم فترة ثالثة صدرت حديثا موافقة خادم الحرمين الشريفين على تمديدها ومدتها خمس سنوات تنتهي في 2020.
تجربة الابتعاث الخارجي، التي استؤنفت بزخم غير مسبوق مع برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، بدأت منذ توحيد السعودية على يد الملك المؤسس عبد العزيز، ويروي في هذا الصدد الدكتور عبد العزيز بن طالب عضو هيئة التدريس بكلية التربية بجامعة الملك سعود في كتابه (الدراسة في الخارج) قصة بداية الابتعاث في السعودية بقوله «لبدء الابتعاث في المملكة العربية السعودية قصة شيقة رواها المؤرخ عبد القدوس الأنصاري مؤسس مجلة (المنهل) حيث ذكر أن ثلاثة شبان أصدقاء هم عبد الله آشي، ومحمد سعيد العمودي، ومحمد بياري، تناقشوا في مسألة النهوض بالبلد ودور التعليم فيه، ورأوا أن أحد أهم الأسباب الموصلة له هو الابتعاث للدراسة في الخارج فكتبوا اقتراحهم هذا وأرسلوه إلى الملك عبد العزيز رحمه الله بالبريد».
ويتابع بن طالب «استدعاهم الملك عبد العزيز لاحقا، وأبلغهم بتشكيل لجنة لدراسة اقتراحهم، وقد تشكلت اللجنة من الشيخ حافظ وهبة مساعد نائب جلالة الملك آنذاك، والسيد صالح شطا نائب رئيس مجلس الشورى، والشيخ صالح نصيف عضو مجلس الشورى، بالإضافة إلى مقدمي التقرير الثلاثة، وقد وضعت هذه اللجنة السداسية خطوط الابتعاث الأولى، وعرضت تقريرها على الملك عبد العزيز فوافق على مشروع البعثات، وأمر بأن توفد البعثة السعودية فورا إلى مصر وأن ينضم إليها الشبان الثلاثة أصحاب الاقتراح». ويضيف «وقد قضى الأمر الملكي بإرسال 14 طالبا للتخصص في التدريس والقضاء الشرعي والتعليم الفني والزراعة والطب، وقد رتب القرار نفقات البعثة من حيث مخصصات الأفراد ومراقب البعثة، كما اشترط أن يعمل المبتعث بعد تخرجه في المجال الذي تحدده له الحكومة».
وفي دراسة أعدها الدكتور مزيد بن إبراهيم المزيد من الملحقية السعودية في أميركا حول تاريخ تجربة ابتعاث الطالب السعودي إلى أميركا، أوضح أن المرحلة التاريخية الثانية قد بدأت في الخمسينات من القرن الماضي، عندما تم تطوير الخطط التنموية للتعليم النظامي في المملكة وتحويل المعارف من المديرية لتصبح وزارة المعارف، وتم تعيين الأمير فهد بن عبد العزيز وزيرا لها آنذاك، ولقد شرع ضمن هيكلها الإداري في تطوير نظم التعليم العام وتخصيص إدارة خاصة بالمبتعثين سميت بإدارة «البعثات الخارجية».
اليوم بلغت أعداد المبتعثين، بعد نحو أكثر من 80 عاما على تأسيس المملكة العربية السعودية، ونحو عقد من تدشين برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، قرابة 150 ألف مبتعث ومبتعثة، يتوزعون على أكثر من 30 دولة، ينخرطون في تحصيل الدرجات العلمية من أرقى الجامعات العالمية في جميع المجالات والتخصصات العلمية والطبية والهندسية والعملية التي تتطلبها سوق العمل ومشاريع التنمية الكبرى في مختلف مناطق السعودية. وقد تخرج في هذا البرنامج حتى الآن نحو 55 ألف طالب وطالبة، بنسبة تعثر، لا تتجاوز اثنين في المائة، بحسب الإحصاءات الواردة على موقع وزارة التعليم العالي الإلكتروني.
من جهتها تقول الدكتورة موضي الخلف معاون الملحق الثقافي في سفارة السعودية في واشنطن في الشؤون الثقافية والاجتماعية، الملك عبد الله يريد للشباب السعودي «أن يعرف العالم وأن يعرفه العالم». وتؤكد أن طلاب الابتعاث لا يدرسون فحسب، وإنما يتعرفون على مجتمعات الدول المضيفة و«يكسرون الأنماط ويمدون جسورا»، مشيرة إلى أن التخصصات العلمية التي رصدها البرنامج اعتمدت على احتياجات التنمية وسوق العمل، مؤكدة أن البرامج التي أعدت لتعليم المرأة السعودية أتاحت لها تطورا سريعا، فقد وصلت نسبة المتعلمات نحو 49 في المائة من مجموع الدارسين، أما بالنسبة لبرامج الابتعاث الخارجي فتشير الإحصاءات إلى أن 21 في المائة من المبتعثين للخارج هم من النساء، وأن نسبة 25 من المائة منهن يدرسن في الولايات المتحدة الأميركية.
وبحسب تقرير اطلعت عليه «الشرق الأوسط» صادر عن معهد التربية الدولية IIE في نيويورك فإن عدد الطلاب المبتعثين في أميركا قفز بنسبة 50.4 في المائة في عام 2011 - 2012 عن العام الذي سبقه ليصل عدد الطلاب السعوديين إلى 34.139 ألف طالب وطالبة، وبذلك تحتل السعودية المرتبة الرابعة من بين جنسيات الطلاب الدارسين في أميركا، والأولى و«بهامش بعيد جدا»، بحسب تعبير التقرير، عن الجنسيات الأخرى من الشرق الأوسط.
ويرصد التقرير أن أواخر 1970، كان قد شهد نموا سريعا في عدد الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة بلغ ذروته حينذاك مع العام 1981 بما يقارب 10440 طالبا، أعقبتها فترة من التذبذب في عدد الطلاب حتى العام 1994. ويشير التقرير إلى أن أكثر الفترات ركودا في عدد الطلاب المبتعثين إلى أميركا كانت في العام 2002 - 2003. إذ انخفض عدد الطلاب في الجامعات والكليات الأميركية إلى 25 في المائة قبل أن يشهد صعوده التاريخي مع بداية برنامج الابتعاث في 2005 ليصل إلى نسبة نمو قياسية بلغت 129 في المائة في العام 2006 - 2007.
هذه الأعداد الكبيرة من المبتعثين، تفسرها الأرقام التي خصصتها حكومة خادم الحرمين الشريفين في ميزانيتها الأخيرة للتعليم العالي، إذ بلغ إجمالي ما تم تخصيصه للتعليم والتدريب نحو 24 في المائة من ميزانية الدولة، حاز التعليم العالي فيها على نحو 40 في المائة بمبلغ إجمالي بلغ 80 مليار ريال، ستخصص للإنفاق على مشروع برنامج الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي، والمنح الداخلية للجامعات والكليات الأهلية، إضافة إلى استكمال مشروعات قائمة مثل إسكان أعضاء هيئة التدريس، والمستشفيات الجامعية، وبعض المجمعات والمدن الجامعية في جميع أنحاء المملكة. كما سيصرف من هذه الميزانية على تطوير البنى التحتية للجامعات والإنفاق على برامج الجودة وتهيئة بيئات جامعية صديقة للطالب والمجتمع، ومواصلة دعم البحث العلمي.
ودفعت زيادة المبتعثين كثيرا من المراقبين المتخصصين إلى المطالبة بأن تركز المراحل القادمة من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي على معايير الجودة بنفس قدر الاهتمام بمعايير الكم. وهو ما أكده الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي في تصريح صحافي سابق قال فيه «إن الوزارة مستمرة في عملية التحسين والتطوير للمرحلة العاشرة للابتعاث الخارجي»، كاشفا عن تنسيق يجري بين وزارات التعليم العالي والخدمة المدنية والعمل والاقتصاد والتخطيط؛ لإيجاد فرص وظيفية للمبتعثين، والتنسيق بين الوزارات عبر تزويدها بالمعلومات المتعلقة بالخريجين وتخصصاتهم والفرص المتاحة في سوق العمل.