مستقبل الصراع في أفغانستان : (الحلقة الثانية) الدكتور فضل: أسامة بن لادن مسؤول شخصيا عن الاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق

أجمع المسلمون على أن المقتول مات في أجله المقدر له، إلا أنهم قد أجمعوا أيضا على أن القاتل يجب القصاص منه.. والمقتول هنا هو الشعبان الأفغاني والعراقي، والقاتل هو أسامة بن لادن.. هكذا يشرح الطبيب الجراح سيد إمام عبد العزيز الشريف - المعروف بلقب الشيح فضل - بمشرطه عريضة دعواه ضد أسامة بن لادن، متهما قائد تنظيم القاعدة بمسؤوليته الشخصية عما حدث في أفغانستان والعراق، واصفا بعض أتباع بن لادن ممن حاولوا تبرئته من هذه الجريمة بالحمقى، وشبه مقولتهم «إن أميركا كانت لديها خطط لاحتلالهما حتى لو لم تحدث تفجيرات 11/9» بالاحتجاج الفاسد بالقدر، فهم كمن قتل مريضا ثم قال «لو لم أقتله لكان قد مات أيضا بمرضه».
يكمل الدكتور فضل في حلقة اليوم حديثه عن المعادلة الصعبة الأولى التي واجهت أطماع تنظيم القاعدة قائلا «تكلم بعض المختصين عن التفكير العسكري لـ«القاعدة»، ولما لم يجدوه متفقا مع أنواع الحروب وقواعدها، وصفوا تصرفات «القاعدة» بأنها حرب غير تقليدية، وهذا الكلام غير دقيق. فـ«القاعدة» ليس لها منهج من الأصل لا من الناحية الشرعية ولا السياسية ولا العسكرية. بن لادن رفض هذا كله من الأيام الأولى لإنشاء «القاعدة»، وطرد كل المتخصصين الذين نصحوه بوضع مناهج وسياسة وخطط، وتفرد هو بكل القرارات لأنه جالب المال، وقد سبق أن ذكرت أن المال قد صار سيد القرار في الحركات الإسلامية. قال لي أحد الإعلاميين إنه قابل أبو حفص المصري وبعض أفراد «القاعدة» في قندهار (غرب أفغانستان) قبيل أحداث 11/9، وقال لهم إنه يريد عمل تحقيق صحافي بعنوان «رجال حول بن لادن»، فقال له أبو حفص «لا رجال حول بن لادن، و(القاعدة) هي بن لادن لا غير»، وهذا كلام موجز معبر عن الحقيقة. أما السياسة العسكرية لابن لادن فهي تتلخص في كلمة واحدة وهي »انتهاز الفرصة للقيام بعملية استعراضية ضخمة».

عملية «11/9» كانت كذلك، فرصة قدمها خالد شيخ محمد لابن لادن على طبق من ذهب، ولم يكن خالد عضوا بـ«القاعدة»، بل كانت بينهما قطيعة منذ 1991، ليس هنا محل ذكرها، وظل خالد مترددا في إدخال بن لادن في عملية «11/9» لعلمه بفوضوية «القاعدة» وعشوائيتها، لكنه اضطر لحاجته إلى أموال وأفراد لتنفيذ عملية «11/9»، وهو ما قدمه له بن لادن.

كان بن لادن يهدف من العمليات الاستعراضية إلى تحريك الشعوب الإسلامية ضد حكوماتها وضد أميركا وإسرائيل، لتسقط الزعامة الإسلامية في حِجره بعد ذلك، كما قال الظواهري «فعبر العمليات على أعداء الأمة من اليهود والأميركان أساسا تستعيد الأمة أملها في العزة وثقتها في نفسها، وتبدأ في المشاركة في التصدي للظلم والظالمين، وكنا نتوقع، وهو ما حدث اليوم بالضبط، أننا بتصدينا للأميركان واليهود ستهب هذه الأنظمة الفاسدة المفسدة لتدافع عنهم، وهنا تنكشف عمليا أمام شعوبها» (صـ193 من كتابه «التبرئة»). وكلام الظواهري هذا - الذي كتبه أوائل عام 2008 - فيه كذب وسوء تقدير للأمور، ويظهر مدى استخفافهم بالناس عامة وبالمسلمين خاصة - الذين جعلوهم مجرد حيوانات تجارب لأفكارهم لحل معادلتهم الصعبة الأولى (كيف يحققون أطماعا ضخمة بقدرات ذاتية محدودة)؟. فقوله إنهم تصدوا للأميركان واليهود كذب، بل قتلوا الضعفاء، وهربوا من أمام الأقوياء، وأدخلوا أميركا لأفغانستان ثم هربوا من أمامها وتركوا مهمة قتالها للأفغان، أما في العراق فقد قتلوا مئات الآلاف من الشعب العراقي، وأشعلوا الحرب الطائفية المذهبية، وكان في سجون أميركا في العراق 21000 سجين لم يفلحوا في تحرير إنسان منهم لأنهم لا يهاجمون المناطق العسكرية وإنما يهاجمون الأسواق والمساجد، حتى حدث عكس ما توقعه الظواهري، فثار الشعب العراقي ضدهم بسبب وحشيتهم، وفضل الأميركان عليهم. وقد وصف أحد العراقيين (اسمه: عمر ناصف - 32 سنة) سبب تحوله من إطلاق النار على الأميركيين إلى العمل معهم ضد «القاعدة» فقال «رأيت أحد عناصر (القاعدة) يقطع رأس طفلة تبلغ الثامنة من العمر بأم عيني. نريد الدعم الأميركي لأننا نقاتل التنظيم الأكثر شرا في العالم هنا» (من صحيفة «الشرق الأوسط» 6/9/2007 صـ12). والذي حدث في العراق في العامين الماضيين لم يحدث له مثيل في حركات المقاومة ضد المحتل، فقد انقلب الناس ضد أفراد «القاعدة» - شركائهم في الإسلام والعروبة ومقاومة المحتل - وفضلوا عليهم المحتل بسبب الإجرام الذي لم يسبق له مثيل الذي ارتكبته «القاعدة» ضد شعب العراق من القتل والنسف بالجملة إلى الخطف وطلب الفدية إلى فرض ضرائب قسرية باهظة إلى السرقة إلى تحريم الحلال وفرض عقوبات ما أنزل الله بها من سلطان، وكانوا كلما تعقبهم الجيش الأميركي في منطقة هربوا منها.

وحاصل هذه المسألة أن «القاعدة» لم تفلح في حل المعادلة الصعبة الأولى: وهي معضلة التفاوت الضخم بين الأطماع (زعامة الأمة الإسلامية) والقدرات الذاتية المحدودة لـ«القاعدة» سواء من جهة العدد أو من جهة التسليح. فأرادوا أن يسدوا هذا العجز بجعل غيرهم يخوض المعركة نيابة عنهم، وهو ما سموه «تحريك الجماهير»، ولجأوا إلى انتهاز الفرص للقيام بعمليات استعراضية ضخمة وسهلة تضخم حجمهم أمام الآخرين على أمل تشجيع الجماهير على التحرك بعد ذلك بحفنة من الشعارات كما نادى بن لادن «يا أمة الإسلام ثوري على الظلم والطغيان.. السعي لحشد الأمة للخروج بمظاهرات شعبية وعصيان مدني حتى سقوط الحكومات الخائنة، السعي للخروج على أئمة الكفر والنفاق الذين ارتدوا عن دينهم وخانوا أمتهم وقتلهم» (من كلمة له في قناة «الجزيرة» 4/1/2004 - «دليل الحركات الإسلامية»، صـ229، ط «الأهرام» 2006). وقال الظواهري في كتابه «التبرئة» صـ39 «أصدر بن لادن بيانا لتحريض الأمة على الجهاد لتحرير الكعبة والمسجد الأقصى» (أ.هـ). هذه هي حصيلة أربعين سنة من العمل الإسلامي للظواهري، وحصيلة الخبرة العسكرية لـ«القاعدة» على مدى عشرين سنة: حفنة شعارات وبيانات حماسية وعدة عمليات استعراضية تؤدي إلى تحريك الأمة كلها للثورة لإسقاط الأنظمة الحاكمة لتسقط الزعامة بسهولة في حجر بن لادن والظواهري. وهذا باختصار هو ما يسمى بـ«الفهلوة»، وهي كلمة شعبية تعني الحصول على أكبر المكاسب بأقل مجهود على حساب خسائر الآخرين وغشهم وخداعهم. وسوف يأتي في الفصل الثالث من كتابي هذا موجز لما سببه بن لادن والظواهري وتنظيمهما «القاعدة» من خسائر وأضرار إن شاء الله بسبب هذه «الفهلوة».

ينتقل الدكتور فضل في هذا الجزء من كتابه إلى المعادلة الصعبة الثانية، ويطرح سؤالا جديدا عن إمكانية تحقيق أطماع «القاعدة» التي ذكرها بدون الإضرار بطالبان.. ويشرع في الإجابة قائلا «عاش تنظيم (القاعدة) وكل قياداته في أفغانستان قبل 11/9/2001، في حماية حكومة طالبان التي عانت من الحصار الدولي الخانق بسبب اعتقادها أن حماية من لجأ إليها من المسلمين واجب ديني. وقد أدى الحصار إلى وضع اقتصادي في غاية البؤس مات بسببه مئات الأطفال بسبب الجوع والبرد.

وكان السبب المباشر لهذا الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة: رفض طالبان تسليم بن لادن للمحاكمة لدوره في تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام في أغسطس (آب) 1998، فطلبوا من طالبان أن تطرده فرفضت. وطلب الملا محمد عمر (أمير إمارة طالبان الإسلامية) من بن لادن ألا يصطدم بأميركا، وأنه لا طاقة لطالبان بهذا الصراع، وأن طالبان لم تبسط سيطرتها على كل أفغانستان (إذ كانت المناطق الشمالية تحت سيطرة أحمد شاه مسعود وحلفائه). وهذه التحذيرات نفسها قالها لابن لادن قدامى الإخوة المجاهدين العرب المقيمين في أفغانستان وغير المنتمين لـ(القاعدة) مثل أبو مصعب السوري وأبو عبد الرحمن الكندي. إلا أن بن لادن لم يبال بهذا كله ولا ببيعته للملا محمد عمر التي توجب عليه طاعته، كما لم يبال بالحصار المفروض على أفغانستان ولا بالأطفال الذين يموتون بسببه والذين لم يقدم لهم أي معونة، واستمر في التجهيز لتفجيرات 11/9 التي انتهت بالاحتلال الأميركي لأفغانستان بعد ثلاث سنين من إعلان جبهته المشؤومة من أرض أفغانستان التي زعم أنها لجهاد الصليبيين، فجلبت الاحتلال الصليبي لأفغانستان وهرب هو وكل تنظيمه من أمام الصليبيين.

وبدلا من أن يقوم بن لادن نحو طالبان التي آوته وحمته بما أمر به النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله (من صنع إليكم معروفا فكافئوه)، كان مذهب بن لادن وأصحابه مع طالبان هو: من صنع إليكم معروفا فدمروه. والذي حمل بن لادن وأصحابه على ذلك: الأطماع السابقة.. فهم لم يقتنعوا بدولة طالبان، وأرادوا أن تكون لهم دولتهم الخاصة في قلب العالم الإسلامي (أي في المنطقة العربية)، وحتى لا تمنعهم أميركا من ذلك - بحسب نظريتهم - أرادوا استعراض قوتهم أمامها بالضربات المتكررة كلما سنحت الفرصة، حتى ضربوها في عقر دارها في 11/9، فارتدت الضربة على طالبان وعلى كل الأمة الإسلامية، وتركوهم يدفعون الثمن وهربوا. فكانت طالبان - بالرغم من كل ما قدمته وعانته بسبب (القاعدة) - ما هي إلا مجرد وسيلة استغلوها لتحقيق أطماعهم.

وقد أفصح الظواهري عن هدفهم هذا في كتابه (فرسان) الذي كتبه قبل 11/9/2001 فقال في صـ189 (لا شك أن دعم ومساندة أفغانستان والشيشان والدفاع عنهما باليد واللسان والرأي هو واجب الوقت، لأنهما رأس مال الإسلام في هذا الزمان.. إلا أننا لا يجب أن نكتفي بالمحافظة عليهما فقط، بل يجب أن نسعى لنقل ميدان المعركة إلى قلب العالم الإسلامي الذي يمثل ميدان المعركة الحقيقي ومسرح المعارك الكبرى دفاعا عن الإسلام، وفي هذا الصدد فإن هاتين القلعتين الصامدتين قد لا تساعداننا كثيرا نظرا لظروف كثيرة وضغوط هائلة وضعف ظاهر، لذا يجب أن نحل المشكلة بأنفسنا بعيدا عن تعريضهما للضغط والضرب، وقد تكون هذه من معضلات الحركة الجهادية، ولكن حلها ليس مستحيلا، بل هو على صعوبته ممكن بعون الله (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) (الطلاق 2) أ.هـ.

فلا قناعة لديهم بدولة طالبان، ويريدون دولة في قلب العالم الإسلامي، ومعركة تخوضها الجماهير نيابة عنهم. وفى كلامه السابق أنهم يعلمون جيدا أن تخطيطهم لذلك من أرض طالبان سيعرضها للضرب، حتى إنه سماها معضلة، وقد جاءت الضربة لطالبان عقب 11/9، ولم يستطيعوا حل المعضلة لأنهم لم يتقوا الله، ولو اتقوه لأطاعوا أميرهم الملا محمد عمر الذي أمرهم بعدم الصدام مع أميركا - وطاعته كانت واجبة عليهم بالشرع وأكدوها بالبيعة - لكنهم لم يطيعوه ولم يتقوا الله، فلم يجعل الله لهم مخرجا، وتمزقوا ومزقوا معهم غيرهم كما سيأتي في الفصل الثالث إن شاء الله. وهذا كله من شؤم بن لادن والظواهري وجبهتهما على الإسلام والمسلمين، فأضاعوا ما وصفوه بأنه رأس مال الإسلام في هذا الزمان بمغامراتهم الفاشلة، بعدما حولوا الأمة الإسلامية إلى حقل تجارب لأفكارهم، وهم دائما يهربون من المواجهة ويتركون غيرهم يدفع الثمن، وهم لهم الصراخ في وسائل الإعلام والشهرة وجمع التبرعات المالية».

ينتقل الكاتب في الفصل الثاني من كتابه إلى الحديث عن مسؤولية بن لادن الشخصية عن الاحتلال الأميركي لأفغانستان فيقول «قبيل الثلاثاء 11/9/2001 أرسل بن لادن بعض أصحابه لقضاء مصالح في باكستان، وأكد عليهم بضرورة العودة إلى أفغانستان قبل الثلاثاء 11/9. وفي صباح ذلك الثلاثاء قال بن لادن لأصحابه (من يأتني بخبر مفرح اليوم سأعطيه ألف دولار). فعكفوا على أجهزة الراديو، ولما جاء خبر تفجيرات نيويورك وواشنطن هرولوا إليه ليخبروه فوجدوه يسجد سجود الشكر لله. إلا أنه أنكر أي علاقة له بتلك الأحداث التي ظلوا يجهزون لها لمدة عامين قبل وقوعها. ففي أول بيان له بعد تفجيرات 11/9، قال بن لادن في 24/9/2001 (بعد التفجيرات الأخيرة التي شهدتها الولايات المتحدة الأميركية توجهت بعض أصابع الاتهام الأميركية إلينا، واتهمتنا بالوقوف وراءها، وقد عودتنا الولايات المتحدة على مثل هذه الاتهامات في كل مناسبة يقوم فيها أعداؤها الكثر بتسديد ضربة إليها. وبهذه المناسبة فإنني أؤكد أنني لم أقم بهذا العمل الذي يبدو أن أصحابه قاموا به بدوافع ذاتية عندهم. أما أنا فإنني أعيش في إمارة أفغانستان الإسلامية، وقد بايعت أمير المؤمنين على السمع والطاعة في جميع الأمور، وهو لا يأذن بالقيام بمثل هذه الأعمال من أفغانستان) من (تقرير لجنة 11/9) صـ36، ط مؤسسة (الأهرام) بمصر، 2007.

لم يخطر ببال بن لادن أو تنظيمه (القاعدة) ولا حتى ببال طالبان أن تقوم أميركا بغزو أفغانستان بسبب تفجيرات 11/9، ولهذا لم تكن لديهم أي خطط دفاعية ولا خطط انسحاب منظم، ومع الغزو انسحبوا عشوائيا فوقعت لهم خسائر جسيمة. كل ما توقعوه قصف صاروخي أوسع مما نفذته أميركا عقب تفجيرات نيروبي 1998. إلا أن الغزو الأميركي قد وقع، وبعد ست سنين من كلامه السابق وهو يرى دماء الأفغان تنزف يوميا وديارهم تخرب بسببه، طالب بن لادن الدول الأوروبية بسحب قواتها من أفغانستان، وأكد أن الحرب الدائرة هناك ليست عادلة لأنها تودي غالبا بحياة نساء وأطفال.. وقال (الحقيقة كما ذكرت سابقا أن أحداث مانهاتن كانت ردا على قتل التحالف الأميركي الإسرائيلي لأهلنا في فلسطين ولبنان، فإنني أنا المسؤول عنها، وأؤكد أن جميع الأفغان حكومة وشعبا لا علم لهم البتة بتلك الأحداث) من (الشرق الأوسط) 1/12/2007، صـ15.وخلاصة كلام بن لادن هذا:

1 - أنه رجل كذاب، وإن جاز الكذب على العدو فلا يجوز على أميره.

2 - أنه خان أميره محمد عمر ونكث بيعته فدمر دولته، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له) الحديث رواه مسلم. فقد اعترف بأن أميره لا يأذن بذلك ومع ذلك فقد عصاه وفعلها.

3 - اعترف بن لادن بأنه مسؤول شخصيا عن الاحتلال الأميركي لأفغانستان بكل تبعاته.

4 - وصف بن لادن الحرب في أفغانستان بأنها غير عادلة لأنها تقتل نساء وأطفالا، وهو بذلك قد حكم على نفسه بتجريم عملياته في نيروبي و11/9 وغيرها: إنها غير عادلة بل لا أخلاقية وضد الشريعة لما فيها من الخيانة والغدر وقتل من لا يجوز قتلهم من النساء والأطفال وغيرهم.

5 - ومن عجيب أمر بن لادن - ومثله الظواهري - أنهم يصنعون الكوارث ثم يتباكون عليها ويستثمرونها دعائيا وإعلاميا وفي جمع التبرعات، فمن الذي تسبب في احتلال أفغانستان وقتل شعبها ونسائها وأطفالها؟.. ومن الذي تسبب في سجن المسلمين في غوانتانامو وأبو غريب وغيرهما؟. وهل هذا وغيره إلا من آثار عملية 11/9 المشؤومة».

وأما مسؤولية بن لادن عن احتلال أميركا للعراق عام 2003 فيقول عنها فضل «فمن وجهين.. الأول: أن ما فعله بن لادن بأميركا من أرض أفغانستان جعل أميركا تتبنى مبدأ الحرب الوقائية الاستباقية، فضربت العراق قبل أن يخرج منها من يضربهم في أميركا، وكرر الرئيس الأميركي بوش الابن قوله (نقتلهم في بلادهم قبل أن يقتلونا في بلادنا). والوجه الثاني: أن بعض أفراد (القاعدة) سربوا أخبارا كاذبة لأميركا عن علاقة بين صدام حسين و(القاعدة)، وعن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل. وبهذا أيضا بررت أميركا ضربها للعراق.

ولهذا قلت إن أسامة بن لادن مسؤول شخصيا عن الاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق، بل ومسؤول أيضا عن كل تبعات تفجيرات 11/9 والتي سيأتي موجز لها في الفصل الثالث إن شاء الله، هو مسؤول عن هذا كله: مسؤولية تاريخية ومسؤولية دنيوية وأخروية، فيالها من تبعات رهيبة، وتلك هي عاقبة الطمع.

وقد حاول بعض الحمقى من أتباع بن لادن تبرئته من مسؤوليته عن احتلال أميركا لأفغانستان والعراق، فقالوا إن أميركا كانت لديها خطط لاحتلالهما حتى لو لم تحدث تفجيرات 11/9. وهذا نوع من الاحتجاج الفاسد بالقدر، وهذا كمن قتل مريضا ثم قال لو لم أقتله لكان قد مات أيضا بمرضه، يريد أن يبرئ نفسه من قتل المريض، وما يدريه؟. وقد أجمع المسلمون على أن المقتول مات في أجله المقدر له، إلا أنهم قد أجمعوا أيضا على أن القاتل يجب القصاص منه».

ينتقل فضل إلى الفصل الثالث من كتابه والذي جاء تحت عنوان «ثمن الغدر في 11/9» قائلا «في كتابي (الجامع في طلب العلم الشريف) الذي كتبته عام 1993، ثم في (وثيقة ترشيد العمل الجهادي) في عام 2007، ثم في (مذكرة التعرية لكتاب التبرئة) عام 2008، في كل هذه ذكرت أن المسلم إذا دخل بلاد غير المسلمين بإذنهم ولو بخداع منه لهم فلا يحل له أن يخونهم في دمائهم أو أموالهم، لأن هذا غدر وهو من الكبائر، إذ قد صار بدخوله بلادهم بإذنهم معاهدا لهم، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (إنا لا يصلح في ديننا الغدر). والغادر لا يجد رائحة الجنة أي لن يدخلها، ويرفع له لواء الغدر عند استه يوم القيامة ليفتضح أمام الخلق جميعا، وقد ثبت هذا كله في الأحاديث الصحيحة عن النبي (صلى الله عليه وسلم).

حتى لو دخل المسلم بلاد غير المسلمين وهو آمن منهم كما سبق، واعتدوا على غيره من المسلمين فلا يحل له أن يغدر بهم، لأن حذيفة بن اليمان عاهد كفار قريش على ألا يقاتلهم في غزوة بدر وأمره النبي (صلى الله عليه وسلم) بالوفاء لهم بالرغم من خروجهم لقتال النبي (صلى الله عليه وسلم) نفسه. ولهذا قال الشافعي رحمه الله إن المسلم المستأمن في بلاد العدو لا يحل له أن يغدر بهم ولو اعتدوا على مسلمين آخرين وأسروهم. (الأم) 4/165 و189. وهذا مستفاد من قول الله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال 72. فالوفاء بالعهد مع الكفار مقدم على نصرة المسلمين، هذا دين الإسلام بخلاف ضلالات (القاعدة).

ذكرت في صدر هذا الفصل أنني تكلمت عن هذه المسألة في كتابي (الجامع) عام 1993، وكان الباعث لي على ذلك وقتها أنه كان قد وفد بعض الشباب المسلم من أوروبا للمشاركة في الجهاد الأفغاني أو للتدريب، وطلبوا مقابلتي للسؤال عن بعض المسائل الدينية، ففوجئت بأن كل أسئلتهم تدور حول استحلال أموال الأوروبيين باعتبارهم غير مسلمين بصور شتى كالسرقة والاحتيال على شركات التأمين وترك المنازل دون دفع الإيجار وتسديد الفواتير وغيرها، وقد أجبتهم بأن هذا حرام للأدلة السابقة. إلا أن الاحتيال والاستحلال قد تطور إلى مدى أبعد على يد بن لادن وأصحابه حتى نفذوا تفجيرات 11/9 وأخواتها. ونظرا لما اشتملت عليه هذه الأحداث من الغدر ونقض العهد فقد نزلت بـ(القاعدة) وبحليفتها طالبان العقوبة الإلهية القدرية لمثل هذا الذنب والتي ذكرها النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله (ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم) الحديث رواه الطبراني في (الكبير) عن ابن عباس، وسنده قريب من الحسن وله شواهد كما قال المنذري (الكبائر) للذهبي صـ37، و264، وهذا الحديث رواه محمد بن الحسن الشيباني موقوفا على ابن عباس (السير الكبير) 4/59. فوقع الأمر كما أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث، وسلط الله أميركا على (القاعدة) وطالبان وغيرهم ممن دفعوا ثمن غدر بن لادن بغير جريرة ارتكبوها».