زعيم المعارضة الأفغانية: طالبان تريد عودتنا إلى «الإمارة الإسلامية».. وهذا غير مقبول

وسط العاصمة الأفغانية كابل، ما زال مفتوحا مقر الدكتور عبد الله عبد الله، مرشح الانتخابات الرئاسية السابق زعيم المعارضة الأفغاني وزير الخارجية الأسبق، وما زال عبد الله عبد الله يتوهج بالنشاط وبجواره مساعدوه، مثل مولانا فريد ورجل الأعمال آصفي الذي ترشح على لائحته في الانتخابات الرئاسية.

ذهبت إلى منزل الدكتور عبد الله، وهو فيلا فخمة بحي كارتييه بروان بغرب العاصمة كابل، وكنت قد أرسلت له رسالة إلكترونية على جواله وفيها توصية خاصة من أبرز قيادات الإخوان في الغرب، وكذلك أشهر الأفغان العرب الشيخ عبد الله أنس صهر عبد الله عزام الزعيم الروحي للأفغان العرب المقيمين في أوروبا الذين حاربوا إلى جانب أحمد شاه مسعود الذي اغتالته «القاعدة» قبل يومين من هجمات سبتمبر (أيلول) 2001، فاتصل بي مولانا فريد الذي يتحدث العربية بطلاقة وهو من خريجي السعودية، وطلب مني القدوم في السابعة مساء لأن الدكتور عبد الله ذهب إلى بانشير لتقديم العزاء في أحد كبار قيادات المجاهدين المعروفين مولانا محمد مبين الذي كان قد أصيب بداء السكري وضغط الدم مؤخرا. وعندما ركبت سيارة التاكسي اتصلت بمولانا فريد الذي تحدث إلى السائق الذي كان يهز رأسه مبتسما ويقول: «بلي.. بلي». وبعد أن انتهى من المكالمة قال لي بالعربية وهو يبتسم: «أنت ذاهب إلى منزل زعيمنا، يا هلا وسهلا بكم في بلاد الأفغان». وللمرة الأولى أدخل إلى مسكن مسؤول أفغاني ربما كان سيصبح رئيس الجمهورية بعد ساعات من دون تفتيش ملابسي وكاميراتي وهي باتت عادة أزمة عند الدخول إلى بوابة أي مسؤول أفغاني صغر أو كبر، وقلت لمولانا فريد بابتسامة: «لم يفتشونني»، فأجاب بعفوية: «يكفي أسماء من أوصوا بك إلينا». وجاء الدكتور عبد الله عبد الله مباشرة إلى منتصف الغرفة بعيون تلمع بالنشاط والذكاء وبابتسامة رقيقة قال: «أهلا بـ(الشرق بالأوسط)

في منزلنا، وأعتذر من تأخير إجابتكم بسبب ذهابنا بطريق البر إلى وادي بانشير لتقديم العزاء في شيخنا مولانا مبين رحمة الله عليه». وكانت حملة عبد الله عبد الله للانتخابات الرئاسية انطلقت تحت عنوان: «ربما أفوز» العام الماضي، للحصول على شعبية مرتفعة من خلال انتشار الحملة الانتخابية في الإعلانات التلفزيونية والإذاعية والتجمعات الانتخابية. وقد تبنى عبد الله (طبيب عيون ووزير الخارجية السابق لكرزاي) دعوة تعليم الشعب الأفغاني؛ حيث تبلغ نسبة المتعلمين 32% فقط (15% بالنسبة للمرأة). ويتميز عبد الله بقصر خطاباته وإجاباته بالإنجليزية وبساطة شعاراته.

وعبد الله عبد الله يرتبط بإقليم بانشير بسبب علاقته الوثيقة مع مجاهدي بانشير والقائد الراحل أحمد شاه مسعود، الذي ساعد في هزيمة السوفيات. ويعد مسعود حجر الزاوية في السياسات الأفغانية. وكثير من صور وملصقات كرزاي في شوارع كابل تجده بجانب صور مسعود كنوع من الشعبية المضمونة، ومن أقوال عبد الله المأثورة التي يحفظها الأفغان: «أعطوني القوة حتى أستطيع إرجاع السلطة إليكم». وما زال الدكتور عبد الله يتبنى دعوة تعليم الشعب الأفغاني. وجاء الحوار على النحو التالي:

* ما الذي تقوم به هذه الأيام من أنشطة؟

- ثمة قضيتان أساسيتان مشغول بهما في الوقت الحالي؛ فعلى الصعيد السياسي توجد الانتخابات البرلمانية، ولذا نحن منشغلون الآن بقضايا مرتبطة بهذه الانتخابات، ونأمل أن يدخل عدد جيد من المعارضة إلى البرلمان على أن تكون هذه قاعدة للمستقبل داخل البرلمان وخارجه. وبالنسبة إلى الأعمال الخيرية، فإنها تتم عبر «مؤسسة مسعود»، وهي عبارة عن مشروع كبير يشمل مكتبة ومتحفا أشرف مباشرة عليهما. ومن المجالات الأخرى التي تلعب فيها المؤسسة دورا في بعض الأحيان: التعليم وبرامج الصحة والمساعدات الإنسانية. ولدينا مدرسة هنا، ومن خلالها يستطيع الأيتام الحصول على قسط من التعليم داخل مدرسة خاصة، وتوجد دورات كومبيوتر ودورات لغة وأنشطة أخرى. وعلى الرغم من أن هذه الدورات ليست مجانية، فإنها أقل تكلفة بالمقارنة مع ما تقدمه مؤسسات أخرى، ولذا يستطيع المواطنون تحمل تكلفتها. ويمثل ذلك الجانب الإنساني من عملنا، ولكن يجب أن أؤكد على أن ارتباطنا جاد جدا في ما يتعلق بالعمل السياسي لهذا البلد.

* بموجب الدستور، هل يسمح للرئيس كرزاي أن يشغل منصب الرئيس أكثر من مرتين؟

- نعم، إذا التزام شخص بالدستور يُسمح له بأن يشغل منصب الرئيس مرتين فقط. ولكن إذا قام بالتلاعب في الانتخابات البرلمانية وأصبحت لديه أغلبية في البرلمان، حينها يستطيع تعديل الدستور. وهو ينوي القيام بذلك، وأعرف أن هذا أمر واقع وأنه ينوي خوض الانتخابات من أجل الحصول على ولاية ثالثة. وللآسف، فإنه لا يرى نفسه يؤدي دورا آخرا سوى أن يكون رئيسا لهذه الدولة، وهذه قضية مهمة. ولكنه لن يحصل على أغلبية داخل البرلمان، ما لم يتجاهل الدستور ويغض الطرف عن أي شيء آخر. وعليه، لا توجد فرصة أمامه لأن يكون رئيسا للمرة الثالثة، وعلى الرغم من ذلك فهو يبذل وسعه من أجل هذا.

سنبقى في المعارضة خلال هذه الفترة، وبعد ذلك سنكون قادرين على تعبئة المواطنين من خلال العمل في صفوف المعارضة. ولذا، فإن الخيار بالنسبة للمواطنين في أفغانستان ليس بين حكومة فاسدة وحركة طالبان أو مزيج من الاثنين وهو شيء أسوأ. وأمام شعب أفغانستان فرصة للاختيار.

* ما السبب في ضعف المعارضة داخل أفغانستان كما هي الحال مع المعارضة مثلا في بعض الدول العربية.. وأين رموز المعارضة؟

- هذه نقطة جيدة، أولا وقبل أي شيء، بدأت العملية الديمقراطية هنا قبل أعوام قليلة. وفي المراحل الأولى من عملية بناء دولة يحدد اتجاه الأمور ما يقوم به رئيس الدولة. ولسوء الحظ منيت أفغانستان خلال المراحل الأولى من بناء الدولة الديمقراطية برئيس لا يؤمن بمبادئ الديمقراطية. وأصبح كرزاي العقبة الرئيسية أمام العملية الديمقراطية داخل الدولة. ويؤثر ذلك على كل نشاط، ومنه نشاط المعارضة.

ولكن حتى في دولة مثل أفغانستان، فإن المعارضة ليست ضعيفة في الواقع. وإذا نظرت إلى الانتخابات الأخيرة، فقد حصلنا على أكثر من 30 في المائة من الأصوات. وإذا استمروا في الفرز، ربما كنا حصلنا على نسب أقل منه (كرزاي) بقليل. ولكن عندما وصلوا إلى 50 في المائة توقفوا عن الفرز. ويظهر هذا الأمر أن المعارضة ليست ضعيفة. ولكن تكمن المشكلة في أن نظامنا مركزي، حيث يقرر شخص واحد (وهو الرئيس) كل شيء.

وتعد هذه عقبة في الوقت الحالي، ولكن لن نسمح لهذا بأن يستمر في المستقبل. وقد كان أداؤنا خلال الانتخابات البرلمانية قويا، وهذا هو السبب الذي يجعل الحكومة تتدخل من أجل التلاعب في نتائج الانتخابات البرلمانية. ولن أتحدث عن الأرقام لأنه ليست لدينا حتى الآن نتيجة نهائية، ولكن وفقا للأرقام الحالية، على الرغم من المشكلات التي تكتنف الانتخابات البرلمانية، ستكون هناك مجموعة قوية جدا من المعارضة داخل البرلمان. ويظهر ذلك أن المعارضة ليست ضعيفة. ولكن السؤال هو: كيف يمكن أن نؤثر على الوضع؟ في الوقت الحالي لدينا عوامل مهمة مثل العوامل الدولية، فوجود 140 ألف جندي داخل الدولة يعد في حد ذاته عاملا مهما. وعلى الصعيد الداخلي، عندما لا يؤمن رئيس أي دولة بالمبادئ والقيم الديمقراطية يجعل من الصعب على باقي الدولة تحقيق أي نجاح. وعلى الرغم من ذلك، فهذا مجرد طرف من التحديات، ولكن الفرصة الحقيقة تكمن في أن شعب أفغانستان يريد التغيير ويجب أن تعمل على هذا.

*هل هناك أحزاب متباينة داخل أفغانستان؟

- توجد أحزاب، ولكنها ضعيفة. وفي الواقع يوجد عدد كبير من الأحزاب بصورة مبالغ فيها. ويضم تحالفنا، وهو حركة وليس حزبا، أحزابا بالإضافة إلى شخصيات. ويعد التحالف الكيان الأهم بين صفوف المعارضة. وهناك بعض الأحزاب الجهادية القديمة وأحزاب سياسية أصغر شُكلت حديثا.

*ما المدى الذي وصلت إليه جهودك في ما يتعلق بتغير النظام من رئاسي إلى برلماني؟

- سيعتمد ذلك على نتيجة الانتخابات البرلمانية، ولن يحدث ذلك بسهولة لأن العمليات معقدة، وأعني بذلك عملية تغيير وتعديل الدستور. ولكننا نعتقد أن هذا هو الحل الأخير وسنعمل من أجله.

*هل أنت سعيد بنتيجة الانتخابات البرلمانية؟

- لا أقول إني سعيد بالنتائج. ليست هناك نتائج، وكان من المفترض أن نكون على علم بها حاليا. ويعد تدخل المحامي العام حدثا مؤسفا للغاية. وعندما تبدأ الحكومة فرز الأصوات، فإن ذلك يعني نهاية العملية. وسنرى كيف يمكن أن نوقف ذلك الوضع. وفي الوقت الحالي بدأت مكاتب المحامي العام تتدخل في العملية. وعلى ضوء ذلك كله، فقد نجح عدد جيد من نوابنا وفقا لنتائج اليوم، ولكننا لا نعرف النتائج النهائية بعد. ووفقا لما أعلنته لجنة الانتخابات رسميا، فإن النتيجة النهائية ستكون خلال أيام. ولكن على ضوء التطورات الجديدة المرتبطة بتدخل مكتب المحامي العام لا نعرف كيف ستمضي الأمور. أصبح الأمر ضبابيا بصورة كبيرة.

* كيف تنظر إلى المحادثات التي تجريها الحكومة مع حركة طالبان والدور الذي تلعبه السعودية؟

- يوجد كثير من القضايا المرتبطة بإجراء مفاوضات ومحادثات مع حركة طالبان. أول رؤية حركة طالبان لما يطالبون به اليوم عبر المحادثات من إعادة الإمارة الإسلامية أو الجمهورية الإسلامية لا يتماشى كلاهما مع الآخر. كما أنهم يعتقدون أنه يجب عودة أفغانستان إلى الوراء، أي أيام حركة طالبان، وهذا أمر غير مقبول، فلا يمكن للدولة أن تبقى في ظل هذه الظروف. وترتبط القضية الأخرى بعلاقتهم بالمنظمات الإرهابية مثل «القاعدة».

أما النقطة الثالثة فهي تتعلق بالوجود في ملاذات خارج أفغانستان، لا سيما داخل باكستان. وتعد هذه ثلاثة معوقات رئيسية.

ومن ناحية فرصة حدوث ذلك، يمكن القول إن شعب أفغانستان متحد وراء القليل من المبادئ، فعموم الأفغان يريدون دولة إسلامية معتدلة، ويريدون مشاركة المواطنين في الانتخابات الحكومية، ويريدون أفغانستان موحدة، ويريدون حكم القانون، ويريدون مساواة في الحقوق. وفي ما يتعلق بعملية التنمية، يريدون أن تكون مواتية لأي شخص، ويجب أن ينتفع الجميع من ذلك. ونظريا، يجب أن يوحد رئيس الدولة أو القيادة داخل الدولة المواطنين حول هذه الرؤية، وبعد ذلك يتم عزل مَن يريدون القتال للأبد أو من يريدون تدمير أي شيء بُني داخل هذه الدولة سواء في ما يتعلق بالمبادئ أو بالنسبة للأشياء المادية مثل المدارس والمستشفيات والطرق والجسور وكل هذه الأمور.

وهذه هي الوسيلة التي توحد بها المواطنين وتعزل بها من يقاتلون من أجل منظمات إرهابية دولية. وبعد ذلك، علينا أن نرحب بمَن ينبذون أفكار العنف ونستوعب هؤلاء المواطنين. ولكن للآسف لدى كرزاي سياسات تبعث الفرقة بدرجة كبيرة بدلا من أن تفضي إلى وحدة فئات الشعب. ويشعر الناس داخل أفغانستان بالحيرة، فكل يوم على التلفزيون يشاهدون أخبارا عن مقتل 50 أو 20 من حركة طالبان. وكل يوم تسمع أيضا عن وقوع قتلى أبرياء وعنف في تفجيرات انتحارية. وبعد ذلك يقول كرزاي إن حركة طالبان أشقاء لنا ولنتحاور معهم. هذا الوضع مربك جدا. وأرى أنه يجب ترك الباب مفتوحا للمفاوضات، ولكن يجب التعامل مع هذه القضايا المحددة، مثل ماذا سيحدث للمنظمات الإرهابية المرتبطة بحركة طالبان؟ وماذا عن أعمال العنف التي يلجأون إليها؟ وماذا عن دستور أفغانستان الذي يعتمد على الدين الإسلامي ولكنه يضم مُثُل حضارتنا؟

* وماذا عن الدور السعودي؟

- أعتقد أن في استطاعة الإخوة السعوديين لعب دور بناء ومهم، وأتفق مع شرطهم الذي أعلنوه بأن تنبذ حركة طالبان الإرهاب، وهو في رأيي شرط مناسب لمصلحة أفغانستان وليس لمصلحة السعودية لأن أفغانستان ستكون مصدر مشكلات للجميع، وأعني بذلك أنها ستكون مصدر مشكلات لمواطنيها ولباقي العالم.

* ما رأيك في الإعلان الأميركي بأنهم سينسحبون بحلول 2014؟

- نظريا، أنا مع فترة انتقالية، ومع تولي الأفغان المسؤولية عن أنفسهم، ونحن جميعا مع ذلك. وفي الوقت نفسه، يجب أن لا نأتي على مستهدفات تحقيق استقرار داخل أفغانستان وبناء مكان يمكن أن يعيش فيه الناس بسلام. أنا مع هذا الأمر. ولا نعرف الآن ما إذا كان عام 2014 هو الوقت المناسب للانسحاب أو فترة انتقالية كاملة. ومن العوامل السلبية في هذا الصدد، هذه الحكومة العاجزة التي يرأسها كرزاي التي تصعب من هذه العملية. وأعتقد أنه لو كانت هناك حكومة بدعم من المواطنين لكان ممكنا إنجاز ذلك، ولحدث ذلك في أفغانستان حاليا. ولذا، فمبعث الخوف هو عجز هذه الحكومة عن خدمة المواطنين بصورة تزيد من صعوبة عملية الانسحاب.

* هل لديك أي شيء تقوله للشعب الأفغاني الذي توقع أن تكون رئيسا في الانتخابات الماضية؟

- أرى أن النضال من أجل الحرية والنضال من أجل الكرامة والنضال من أجل الحقوق لا يأتي دفعة واحدة، ولكنه عبارة عن عمل مستمر. ربما ينظرون إلى الانتخابات الرئاسية على أنها نكسة، ولكن يمكنني القول إنه في ظل هذه النكسة ظهرت دروس وتجارب قيمة لشعب أفغانستان. فقد شارك شعب أفغانستان في العملية، وقال رأيه، وبالطبع لم تكن الظروف مواتية، وسنبقى نسعى من أجل هذه المثل والمبادئ والقيم. وبهذا المعنى، أعتقد أنها كانت تجربة. ولم يتطوع أحد لذلك، ولكن هذا ما حدث. والطريق أمامنا طويل، ولدينا مسؤولية إزاء مواطنينا، ونأمل أن نتمكن بمساعدة الله وبالتزام شعبنا من تحقيق هذه المُثل.