أفغانستان حرب لا تنتهي: رئيس حكومة المجاهدين: المد الإيراني يكتسح الشارع الأفغاني.. ولكن أين العرب؟

أحمد شاه أحمد زي من قبيلة بشتونية كبيرة تسكن جنوب أفغانستان ينتمي إلى ولاية لوغار جنوب العاصمة الأفغانية كابل، وهو مهندس كهرباء خريج جامعة كلورادو بالولايات المتحدة الأميركية عام 1975، انضم إلى صفوف المجاهدين الأفغان إبان الغزو السوفياتي لأفغانستان، كان أحد قيادات حزب «الاتحاد الإسلامي» تحت رئاسة شيخ المجاهدين عبد رب الرسول سياف، وعمل مساعدا له في وقت لاحق، حتى تولى منصب أول رئيس وزراء في حكومة المجاهدين عندما كان البروفسور أستاذ برهان الدين رباني رئيسا للدولة، وشغل منصب وزير الرفاه العام ووزير الإسكان قبل أن يتولى رئاسة الحكومة
* تميز بعلاقاته المتميزة بالمجاهدين العرب وزعيمهم الروحي عبد الله عزام وأسامة بن لادن قبل أن يأخذ طريقه إلى العنف والتطرف. وفي عهد طالبان انتقل إلى العاصمة البريطانية ما بين عام 1996 و2001 حيث كان يعيش غرب لندن، وتنقل ما بين العاصمة الباكستانية إسلام آباد ولندن حتى سقوط الحركة الأصولية، وعمل أستاذا في السعودية في جامعة الملك فيصل بالدمام، حيث تعلم هناك اللغة العربية من الطلبة والأساتذة وأجادها.

وبعد هجمات سبتمبر (أيلول) أخذ أحمد زي زمام معارضة الوجود الأجنبي على أرض بلاده وكثيرا ما انتقد ضعف حكومة كرزاي، «الشرق الأوسط» التقت المهندس أو «إنجنير» أحمد شاه زي (كما يناديه الأفغان) في مكتبه بالجامعة الإسلامية التي يشرف عليها بجوار المقر الرئيسي لـ«عزيزي بنك» بوسط العاصمة كابل. وجاء الحوار معه على النحو التالي:

* أين كنت أيام طالبان؟

- تنقلت ما بين لندن وعشت في منطقة نورث فينشلي حتى عام 1998 وذهبت إلى تركيا وإلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد، حتى سقطت الحركة، وكنت وسيطا ما بين الأستاذ برهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف من جهة وطالبان من جهة أخرى، وكانت فتنة بين المسلمين أكلت الأخضر واليابس، لكن الوساطة فشلت في إنهاء الحرب بين التحالف الشمالي وطالبان، وكل طرف كان يدعي أنه يجاهد ولكنها كانت فتنة بين الأفغان.

* ماذا عن مشاريعك الخاصة اليوم؟

- أسست مركزا للبحوث الإسلامية وذهبت إلى السعودية لأجد كفالة للدعاة بعد أن أسست كلية إسلامية لتخريج الدعاة، وكذلك مركزا لترجمة الكتب العربية والإسلامية إلى الداري والبشتو، بدلا من انتظار الكتب التي تأتي من طهران وتغرق أسواقنا، وأشرف اليوم على ثانوية وكلية جامعية بالإضافة إلى دار للترجمة، ونحن نسعى إلى الحصول على دعم لكفالة الدعاة، وكثير من الدعم تلقيناه من قبل آل الشيخ وأهل الخير في السعودية ومن الأمير تركي الفيصل، والشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، ولهم كثير من الفضل على الأفغان.

* ما وجهة نظركم في الحديث الذي يتردد من المسؤولين الأميركيين عن المد الإيراني واستثمارات طهران في الشارع الأفغاني.. وهناك حديث عن علاقاتك الجيدة مع الإيرانيين؟

- الوجود أو المد الإيراني موجود 100 في المائة هذا أمر واقع وهم يساعدون أهلهم أي أهل المذهب الشيعي وهو شيء طبيعي وكذلك يساعدون الحكومة الأفغانية كما أقر كرزاي بذلك، ولكن أين الإخوة العرب! هم يهربون من هذا البلد، لقد ساعدنا العرب في زمن الجهاد ضد الروس ووقفوا معنا وقفة رجل واحد ولكنهم تخلوا عنا اليوم، إنني أتساءل: أين هؤلاء الرجال؟ ولم ننس مساعدة الإخوة العرب في زمن الجهاد، ولكن بعد دخول الغربيين نسونا تماما، وقلت لهم في أكثر من مناسبة: ماذا حدث؟ لقد نسيتم الشعب الأفغاني الفقير، إنني أتساءل لماذا لا يأتون وينشئون دورا للأيتام ويصلحون ويعمرون المساجد الأفغانية التي دمرت منذ زمن الروس، والأميركيون يتندرون علينا بأنهم ليس لديهم برامج لإعمار المساجد. نحن نطلب من الإخوة العرب أن يكونوا موجودين في ساحات التعليم والصحة وكفالة اليتيم ونحن نعاني من الحروب منذ أكثر من 30 عاما، وفي الوقت الحاضر نحن مستعمرون من أكثر من 40 دولة من القوات الأجنبية. وحتى الآن لم تفعل القوات الأجنبية شيئا لصالحنا سوى القتل، يقتلوننا ويقتلون أيضا أنفسهم. ولا تصدق الأرقام الهائلة التي يدعون أنهم أنفقوها في الشارع الأفغاني، ولكن الحقيقة أن الحجم الأكبر من الأموال أنفق على المقاولين الذين جاءوا من الغرب وكذلك على حاشية ورجال كرزاي أي إن الأموال ضاعت بسبب الفساد الإداري.

* ما سبب الفساد الإداري الذي كثر الحديث عنه في أفغانستان؟

- الحكومة الحالية نصبت من قبل الأميركيين وليس من قبل الشعب، والأميركيون يعرفون أين تذهب الرشى وهم يغضون البصر أيضا على الفاسدين، وبعد أن جاءت القوات الأجنبية فر الأمن والأمان من هذا البلد، ولا يمكن التطلع مرة أخرى إلى تطبيق الحدود بموجب الشريعة الإسلامية التي سنها المولى عز وجل، وإذا تحدثت عن تطبيق الشريعة في التلفزيون أو المنتديات العامة قالوا لي: «أنت مجنون وعدو للديمقراطية»، وما يطبق اليوم في بلادنا من نظام حكم هو أقرب إلى النظام العلماني الغربي.

* ما رأيك في الوضع الأمني والسياسي الموجود حاليا بعد عشر سنوات من رحيل طالبان؟

- الوضع الأمني سيئ للغاية في الجنوب، وهو أسوأ 100 مرة من أيام طالبان، والأميركيون جاءوا بديمقراطية مزعومة للشارع الأفغاني وتركوا الفاسدين الكبار يفعلون ما يحلو لهم، ولست راضيا أبدا عما يحدث في هذا البلد، وأغلب السكان غير راضين أيضا، وصدقني، الناس بسبب الأمن بدأوا يحنون إلى أيام طالبان، فالحدود الشرعية كانت تطبق، ومع وجود الغربيين فرت منافذ تطبيق الشريعة من هذا البلد. لقد تحدثت أمام الجنرال ستانلي ماكريستال قائد القوات الأجنبية السابق وانتقدت أمام أكثر من 50 من قادة الناتو جهل قواته بثقافة الشعب الأفغاني وتقاليده من جهة تنفيذ المداهمات واعتقال النساء وقتل الأطفال، فمثلا من أجل اعتقال شاب أفغاني ضل طريق السواء أو انضم إلى طالبان يقومون بقصف قرية بأكملها، وسألتهم لماذا تحاصرون القرية، ولا تذهبون إلى مشايخ القرية وأهل الحل والعقد فيها وتطلبون اعتقال هذه الشخص بتهم الإرهاب قبل مقتل 200 شخص من أهل القرية، وهم سيسلمونكم إياه بدلا من قصف القرية بأكملها، وضربت أمام الجنرل ماكريستال أمثلة بعدد من القرى التي تمت مداهمتها من شندان إلى شنوان.

* من وجهة نظركم، هل دول الجوار لها دور في حل المشكلة الأفغانية؟

- علاقة الحكومة في كابل للأسف سيئة جدا مع باكستان رغم طول الحدود التي تربطنا بهم ووجود عرق البشتون على جانبي الحدود، وعلى الطرف الآخر علاقة كرزاي مع الهند جيدة جدا وهذا خطأ استراتيجي؛ فهناك حدود نحو ألفي كيلومتر مع باكستان، وهم ساعدونا في زمن الجهاد وكانوا يستضيفون نحو 3 ملايين لاجئ أفغاني، وباكستان منفذ حدودي مهم بالنسبة لنا، وزعماؤنا في كابل يتجاهلون مثل هذه الأمور، أما إيران فعلاقاتها مع الأميركيين سيئة، والوجود الأميركي هنا خطر على الإيرانيين، وهم يعرفون ذلك، وبالتالي فهم يساعدون طالبان بالعبوات الناسفة وأمور أخرى، وهو أمر معروف وواضح، وبالنسبة للإيرانيين فهم جيراننا، والوجود الأميركي في أفغانستان خطر أيضا على الإيرانيين، لأنهم أيضا على خط الحرب، ولدينا ستة جيران هم باكستان وإيران وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان والصين يجب أن تكون علاقاتنا بهم جيدة، والأفغان في حاجة إلى أي مساعدة من الجيران.

* هل التقيت أسامة بن لادن زعيم «القاعدة» من قبل؟

- نعم، لقد كان معنا في سنوات الجهاد ضد الروس، وكان يساعد بالمال المجاهدين، وبعد هجمات سبتمبر، كنت أعيش في لندن وجاء مسؤولون بريطانيون وسألوني عنه، فقلت لهم اسألوا الرئيس بوش عن مكانه.

* لم لا توجد رغبة لدى الحكومة الأفغانية في تحسين علاقاتها مع الدول العربية؟

- قبل إجابة هذا السؤال لا بد من القول إن الأميركيين ومساعدي كرزاي مثل المارشال فهيم هم الذين قتلوا الكثير من الإخوة العرب أثناء عمليات المطاردة بعد سقوط حركة طالبان، وهؤلاء الإخوة العرب هم الذين حاربوا معنا قوات الروس جنبا إلى جنب في زمن الجهاد، ولا يمكن أن نرد لهم الجميل بهذا الشكل.

* ما الحل من وجهة نظركم لمشكلات وأزمات الأفغان؟

* يمكن القول إن هذا الشعب المسلم لن يقبل إلا بتطبيق الشريعة، وما دام الأميركيون موجودين، فإن الحرب لن تتوقف، والحل ببساطة خروج القوات الأجنبية من بلادنا، فوجودهم سبب رئيسي في الفساد الإداري، وهذا الوضع لن يستمر، وأستطيع القول والتأكيد أن أغلب أراضي أفغانستان تحت سيطرة طالبان، فقط كابل بيد الحكومة وبعض العواصم مثل جلال آباد وهراة ومزار شريف، وهم مسيطرون على الأوضاع، ولا تصدق أن الأمن مستتب ومستقر، إنها أكذوبة كبرى، وعند مواجهة طالبان هم لا ينزلون من دباباتهم أو مدرعاتهم، هم يديرون العمليات العسكرية من داخل المدرعات، لأنهم يتخوفون من المواجهة المباشرة مع طالبان، حتى الروس كانوا أشجع في المواجهة في زمن الجهاد والقتال ضدهم. أما الأميركيون فلديهم القوة الجوية الساحقة، ومن دون طائراتهم لن يستطيعوا كسب الحرب. والأفغان لن يقبلوا إلا بالتخلص من النظام العلماني وإعادة تطبيق الشريعة، أي النظام الموجود في السعودية، إن أغلب الأفغان يرضون به.

* هل تعتقد أن القوات الأجنبية الموجودة في أفغانستان جزء من الحل؟

- عندما جاءوا قالوا إنهم هنا لمحاربة الإرهاب والإرهابيين، وخلال وجودهم داهموا كثيرا من قرانا وقتلوا الأبرياء في ضربات صاروخية على القرى، وفي زمن الروس لم يحدث أن داهموا منازل الأفغان، أهان الأميركيون لغتنا وعاداتنا وثقافاتنا، قلت لهم من العيب والعار أن تلمسوا النساء، وفي تقاليدنا عليكم أن تقتلوا الرجال قبل أن تقتربوا من النساء، هذه ثقافات تربى عليها الأفغان.

* ما وجهة نظركم فيما يتردد عن محادثات بين طالبان وممثلين عن حكومة الرئيس كرزاي من أجل إنهاء العنف والتمرد؟

- صدقني، لا يوجد أي علامة على محادثات أو صلح، وما يردده جماعة كرزاي ومستشاره عن صلح مقبل مع طالبان وحكمتيار وجماعة حقاني من جهة أخرى ينطبق عليه المثل المعروف «كلام في الهواء» أي استهلاك محلي، لأن طالبان يشترطون خروج القوات الأجنبية من أراضي أفغانستان قبل البدء في أي محادثات وهو شرط - حسبما أعتقد - لن يحيدوا عنه، وعلى الجانب الآخر حكومة الرئيس كرزاي ضعيفة، ولا تستطيع أن تطلب من الأميركيين الخروج من بلادنا، أو مناقشة مثل هذا الأمر معهم.

* ما رأيكم في الدور السعودي لإقناع طالبان بقبول الصلح والسلام وإعادة الاستقرار إلى الأراضي الأفغانية؟

- لا توجد علاقة مباشرة بين قيادات طالبان الموجودة في الخارج والسعودية، وأستطيع القول: قبل تردد أحاديث عن المصالحة، حضرت مجلسا بين ممثل قيادات طالبان وجنرال أميركي، قبل سنة وبضعة شهور، تقريبا صيف العام الماضي، في وسط العاصمة كابل، وكنت الوسيط في ترتيب هذا اللقاء، وكان هذا الرجل اسمه الملا محمد، ولم يكن هذا اسمه الحقيقي، بل الاسم الذي استخدمه أثناء الحديث مع الجنرال الأميركي ريدر رئيس قوات الكوماندوز، وذلك بسبب الدواعي الأمنية، وذهبت إلى مكتب الجنرال ريدر بناء على طلب شخصي منه، وهو رجل مؤدب جدا، وسألني نحو ثلاثة أسئلة عن رأي الأفغان في الأميركيين، وطلبت التحدث بصراحة، وقلت له «أنتم غزاة محتلون»، وضحك بصوت عال، وقال إنه يعرف هذا الأمر، وقلت له أنا ليس لي منصب في الحكومة وعندما أتحدث فليست لدي حساسيات سياسية، ووجه لي سؤالا آخر: هل نستطيع أن نشتري طالبان؟ قلت: من الصعب شراء أحد يتبع الملا عمر أو حكمتيار، فقال لي: ماذا نفعل؟ فقلت له لا تقتلوا أنفسكم وتقتلونا، أنتم لديكم أسلحة متطورة، وإذا قتلتم عشرين أفغانيا، فالأفغان سيقتلون منكم خمسة على الأقل. وقال لي الجنرال الأميركي إن الرئيس كرزاي يقول إنكم لديكم اتصالات بطالبان، وطلب مني تدبير لقاء بأحد قيادات الحركة، وقلت له سأدبر لكم لقاء مع مندوب من حكمتيار وآخر ممثل عن طالبان، واستغرق ترتيب الأمر نحو أربعة شهور، وكان دخولهما إلى العاصمة كابل بتسهيل من القوات الدولية.

وجرى اللقاء في كابل، وممثل طالبان زعم أن اسمه الملا محمد، واستغرق اللقاء نحو ساعتين، ومندوب طالبان قال للجنرال الأميركي أنا طرفك أي أنا عدوك، أي إنني اقتل نفسي لأخرجك من أرضنا، لأن كرزاي ومستشاريه يريدون أموالكم، أما طالبان، فلا يريدون شيئا سوى خروجكم، وإذا استطعتم شراء واحد من قيادات طالبان بعشرين مليون دولار، فنحن نسلم لكم، ولن نحاربكم، وقال له مندوب طالبان جلسنا مع «سي آي إيه» في جنوب مطار قندهار قبل عامين، وأنتم قلتم لنا قبل الخروج لا نريد أي وجود لـ«القاعدة» في أفغانستان، وشرط آخر؛ أن تتركوا للقوات الأميركية ثلاثة مطارات، وقلنا لكم الانفصال عن «القاعدة» أمر سهل ومقبول، أما أن نعطيكم مطارات أو قواعد فهو أمر مستحيل، لا يتماشى مع قناعات طالبان في الحرية والاستقلال. وقال الملا محمد للجنرال الأميركي: «أنتم غير جادين في المحادثات أو الخروج من أراضينا»، وبالتالي فإننا نقتل أنفسنا ونقتلكم، لأنكم غير صادقين.