زوجات الأنبياء - الحلقة 29 : إيشاع زوجة زكريا عليه السلام

زوجة نبي الله زكريا، وأم نبي الله يحيى عليهما السلام، وأخت حنة بنت فاقوذ زوجة عمران، وخالة السيدة العذراء مريم بنت عمران أم عيسى عليه السلام. كانت تقية وصالحة ومن العابدات، وصابرة على قضاء الله، عاقرا لا تلد دعت ربها فاستجاب لها بالذرية الصالحة، إنها إيشاع العابدة.
يذكر د. مصطفى مراد، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر في كتاب زوجات الأنبياء، كانت حنة أخت إيشاع زوجة عمران تقية، ومن العابدات أيضا، ولا تحمل، وعندما استجاب الله لدعاء عمران وحنة بعد أن لبثت حنة ثلاثين سنة لا ولد لها فحملت، فنذرت أن تهب ولدها لخدمة بيت المقدس، وكانت ترجو أن يكون ذكرًا، وحملت ابنتها مريم، التي أصر زكريا عليه السلام زوج خالتها إيشاع على أن يكفلها.
وإيشاع الزوجة الصالحة، العابدة مثل زوجها كانت عاقرا لا تلد، فدعت الله أن يستجيب لها مثل أختها حنة ويعطيها وزوجها الولد، وصبرت واحتسبت لأنها مؤمنة بأن الله بيده كل شيء، أما زكريا عليه السلام فكان لديه الحنين للذرية الصالحة. وذات يوم دخل زكريا عليه السلام المحراب على مريم البتول، فوجد عندها رزقًا من رزق الله لم يأتها به، ولا وجود له عند الناس في ذلك الوقت، وهذا من إكرام الله لها، وكانت الملائكة تأتي إلى مريم وتخبرها بأن الله اصطفاها، فسألها «قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب»، فقال زكريا في نفسه: إن الله قادر على كل شيء. في ذلك الوقت استيقظ بداخله الأمل في أن يرزقه الله الذرية، رغم أنه قد بلغ مبلغا من العمر وصار شيخا عجوزا ضعف عظمه، واشتعل رأسه بالشعر الأبيض، وأحس أنه لن يعيش طويلا، تمنى أن يكون له ولد يرث علمه وفقهه وأن يرشد قومه ويدعوهم إلى الله.
قال تعالى «قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء». سورة آل عمران الآية 40.
ويضيف الكاتب أحمد خليل جمعة في كتاب «نساء الأنبياء في ضوء القرآن والسنة» سأل زكريا عليه السلام خالقه أن يرزقه طفلا يرث النبوة والحكمة والعلم.. وكان زكريا خائفا أن يضل القوم من بعده ولم يبعث فيهم نبي.. فرحم الله تعالى زكريا واستجاب له. فلم يكد يمر وقت على دعائه لله حتى نادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب «يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا»، «فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقًا بكلمة من الله وسيدًا وحصورًا ونبيًا من الصالحين».
فوجئ زكريا بهذه البشرى، وكيف يرزقه الولد الذي لا شبيه له أو مثيل من قبل في هذه السن وزوجته إيشاع لا تلد، ولكن شعر أنه لا بد أن يعرف كيف «قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا» سورة مريم الآية 8، في ذلك الوقت دُهش زكريا عليه السلام فقال له الله تعالى «قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تكُ شيئا» سورة مريم الآية 9، وقد أفهمته الملائكة أن هذه مشيئة الله وليس أمام مشيئة الله إلا النفاذ، وكل شيء يريده يأمره بالوجود فيوجد وقد خلق الله زكريا نفسه من قبل ولم يكن له وجود وكل شيء يخلقه الله تعالى بإرادته «إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون».
وازداد زكريا عليه السلام في الشكر لله والحمد له، وسأل ربه أن يجعل له آية أو علامة. قال زكريا: «قال رب اجعل لي آية قال آيتُك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا، فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا» سورة مريم الآيتان 10-11.
أخبره الله عن طريق الوحي أنه ستجيء عليه ثلاثة أيام لا يستطيع فيها النطق ويجد نفسه غير قادر على الكلام ويكون صحيحا غير معتل، إذا حدث له هذا تيقن زكريا عليه السلام أن امرأته حامل، وأن معجزة الله قد تحققت، وعليه في ذلك الوقت أن يتحدث إلى الناس عن طريق الإشارة، وأن يسبح الله كثيرا في الصباح والمساء، ويدعو الناس إلى تسبيحه في الصباح الباكر وفي العشاء.
خرج زكريا يوما على الناس وقلبه مليء بالشكر، وأراد أن يكلمهم فاكتشف أن لسانه لا ينطق، عرف وقتها أن معجزة الله تحققت فأومأ إلى قومه أن يسبحوا الله في الفجر والعشاء، وراح هو يسبح الله في قلبه، وصلى لله شكرا على استجابته لدعوته.
يوضح د. أحمس حسن صبحي في كتاب «المبعوثون إلى الأرض.. قصص الأنبياء» وعندما كانت إيشاع زوجة زكريا حاملاً بيحيى، في الوقت ذاته كانت ابنة أختها مريم حاملا بعيسى عليه السلام، وولد عيسى بعد ميلاد يحيى بثلاثة أشهر. ونشأ يحيى عليه السلام من أبويه إيشاع وزكريا نشأة على صلاح وتقوى وعلم، وقد آتاه الله الحكم صبيًا، وأقبل على معرفة الشريعة وأصولها وأحكامها حتى صار عالما متبحرًا، ومرجعًا يرجع الناس إليه في الفتاوى الدينية. وعمل قاضيا يفصل بين الناس في المسائل الفقهية، وفي خلافاتهم، فيقضي بينهم بالحق والعدل، ثم وافته النبوة والرسالة قبل أن يبلغ من العمر ثلاثين عاما.
أما إيشاع زوجة نبي الله زكريا وأم نبي الله يحيى عليهما السلام الصابرة التقية الصالحة الورعة، فاستجاب الله لدعاء زوجها في أن يهبه ذرية طيبة، كما كانت بشارة الملائكة لهما بيحيى عليه السلام «مصدقًا بكلمة من الله وسيدًا وحصورًا ونبيًا من الصالحين» سورة آل عمران، أكبر دليل من الله سبحانه وتعالى على أنهما من عباد الله الصالحين.