زوجات الأنبياء - الحلقة (23): «صفية» رضي الله عنها.. زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

الفاضلة العاقلة، الشريفة الحسيبة، الرقيقة الحليمة، أسلمت فحسن إسلامها، هيأ الله تعالى نفسها للإيمان وعقلها للتفهم، وقلبها للسكينة والاطمئنان، حريصة على تعاليم الإسلام، قانعة بما يفيئه الله عليها من العطاء، تعبد الله وتذكره، تصدقت بدارها في حياتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمها ويحسن إليها ويحب رضاها، إنها أم المؤمنين «صفية» بنت حُيي، رضي الله عنها.
يذكر د. مصطفى مراد، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر في كتاب زوجات الأنبياء، أن أم المؤمنين السيدة «صفية» رضي الله عنها، هي بنت حيي بن أخطب بن سعية من سبط لاوي ابن نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، تزوجها سلام بن أبى الحقيق قبل إسلامها، ثم خلف عليها كنانة بن أبى الحقيق، وكان من شعراء اليهود، فقتل كنانة يوم خيبر عنها، وسبيت وصارت في سهم دحية الكلبي، رضي الله عنه، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم عنها، وأنها ينبغي أن لا تكون إلا لك، فعوضه عنها سبعة أرؤس.
قال أنس: جاء دحية إلى الرسول، فقال يا رسول الله، أعطني جارية من السبي، فقال أذهب وخذ جارية، فأخذ «صفية» بنت حيي، فجاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله: أعطيت دحية «صفية» بنت حيي سيد قريظة والنضير، لا تصلح إلا لك، قال: «ادعوه بها»، قال: فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خذ جارية من السبي غيرها». قال: وأعتقها وتزوجها. وذلك بعد أن طهرت وجعل عتقها صداقها. وأسلمت «صفية» وحسن إسلامها.

* كرم النبي مع «صفية»
يقول الكاتب أحمد خليل جمعة في كتاب «نساء الأنبياء في ضوء القرآن والسنة»، واختارت وفضلت السيدة «صفية» رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهلها وعشيرتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمها ويحسن إليها ويحب رضاها. قال أنس رضي الله عنه: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبو طلحة وصفية رديفته، فعثرت الناقة، فصرع، وصرعت، فاقتحم أبو طلحة عن راحلته، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا نبي الله، هل ضرك شيء، قال: لا عليك بالمرأة، فألقى أبو طلحة ثوبه على وجهه، وقصد نحوها، فنبذ الثوب عليها، فقامت فشدها على راحلته، فركبت، وركب النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن عطاء بن يسار قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، ومعه «صفية»، أنزلها، فسمع بجمالها نساء الأنصار، فجئن ينظرن إليها، وكانت عائشة منتقبة حتى دخلت، فعرفها، فلما خرجت، خرج، فقال: «كيف رأيت»؟ قالت: رأيت يهودية، قال: لا تقولي هذا فقد أسلمت. وقالت «صفية» بنت حيي، رضي الله عنها: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام، فذكرت له ذلك، فقال: «ألا قلت: وكيف تكونان خيرا مني، وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى». وكان بلغها، أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، ونحن أزواجه وبنات عمه.

* حب «صفية» للنبي
ويضيف د. مصطفى مراد، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، في كتاب «زوجات الأنبياء»: وأصابت «صفية» - رضي الله عنها - نار الغيرة، ووقعت المشاحنات بينها وبين جاراتها، فمرة لها ومرة عليها، لكن هذا لم يخرج عن حدود الحق. تقول «صفية» رضي الله عنها: إن النبي صلى الله عليه وسلم حج بنسائه، فبرك بصفية جملها فبكت، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبروه، فجعل يمسح دموعها بيده وهى تبكى، وهو ينهاها.
وعن أنس قال: بلغ «صفية» أن حفصة قالت: بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهى تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: قالت لي حفصة إني بنت يهودي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك؟» ثم قال: «اتقي الله يا حفصة». وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسرع في إكرام «صفية» رضي الله عنها - ومن ذلك أنه خرج من معتكفه تكرمة لصفية. تقول أم المؤمنين «صفية» رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت لأنقلب، فقام ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما إنها صفية بنت حيي»، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا».
وكانت «صفية» تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا جما، فقد ورد أن «صفية» قالت في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي، فغمزها أزواجه، فأبصرهن، فقال: «مضمضن» قلن: من أي شيء؟ قال: «من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة».

* الصبر والكرم
وكانت «صفية» رضي الله عنها كريمة رحيمة، ورد أن جارية لـ«صفية» أتت عمر بن الخطاب، فقالت: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود، فبعث عمر يسألها، فقالت: أما السبت، فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود، فإن لي فيهم رحما، فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: الشيطان؟ قالت: فاذهبي فأنت حرة. وكانت «صفية» رضي الله عنها شجاعة لا تخاف في الله لومة لائم، تجلى لنا هذا من دفاعها بالقول والفعل عن عثمان رضي الله عنه يوم حصره.. قال كنانة: كنت أقود بصفية لترد عن عثمان، فلقيها الأشتر، فضرب وجه بغلتها حتى مالت، فقالت: ذروني لا يفضحني هذا، ثم وضعت خشبا من منزلها إلى منزل عثمان، تنقل عليه الماء والطعام.
وبعد حياة حافلة بالصبر والجهاد والرباط والمرابطة انتقلت «صفية» إلى جنة ربها، ورجعت إليه راضية مرضية، وتوفيت سنة اثنين وخمسين في خلافة معاوية رضي الله عنه.