عند مدخل إحدى المجمعات في محافظة البصرة (كبرى مدن جنوب العراق والقريبة من دول الخليج بالعادات والتقاليد)، والتي خصصت لسكن النازحين الذين قضت «داعش» على أحلامهم باجتياح مدنهم منذ عام، تجمع مجموعة من أطفال البصرة مع ذويهم وهو يرددون «قرقيعان وقرقيعان.. بين قصير ورميضان».. في أنشودة شعبية اعتادوا على ترديدها في أيام منتصف شهر رمضان المبارك وهم يرتدون ملابس خاصة ويحملون أكياسا للحلوى طالبين أطفال المهجرين بمشاركتهم وهم يوزعون الحلوى والمكسرات عليهم.
احتفالية «القرقيعان» عادت تراثية يعرفها البصريون دون غيرهم من أهل العراق، وتشابه ما هو موجود في دول الخليج ويتحراها الأطفال منتصف رمضان ويتذكر بها الكبار ذكريات الزمن الجميل.
وقالت أم حميد (64 عاما) في حديث لـ«الشرق الأوسط» وهي تتذكر هذه العادة التراثية في أحياء مدينة البصرة القديمة إن: «الزمن يتغير ويصبح التطور هو حال كل شيء لكن تبقى العادات والتقاليد هي جزء من حياتنا ونحن نحاول أن نورثها لأطفالنا وأحفادنا ومنها عادة الاحتفال بالقرقيعان، حيث ما زلت أتذكر كيف تمتلئ الأحياء بالأطفال في ليالي منتصف رمضان وكنا نوزع عليهم الحلوى بعد ترديد أنشودة القرقيعان، وذلك بعد صلاة العشاء».
وتابعت أن «الطفل في أيام (القرقيعان) يلبس الملابس التقليدية ويضع في رقبته (الكيسية)، وهي كيس من القماش تقوم الأمهات بخياطته لأبنائها خصيصا لهذه المناسبة وأن هذا الأمر ما زال قائما لحد الآن».
ولـ«القرقيعان» أكثر من معنى، منها أن القرقيعان أتت من كلمة «قرة العين» والمقصود «قرة عين النبي محمد»، في إشارة إلى الإمام الحسن، أو أتت من «قرعة الباب»، وهذا ما يفعله الأطفال في تلك الليالي، أي يقرعون أبواب المنازل لطلب الحلوى، أما المعنى الثالث للكلمة فهو مشتق من عادات وتقاليد أهل الخليج، وتعني «الشيء المخلوط المتعدد الأصناف».
وقال الباحث في التراث الشعبي البصري، عبد الصمد شاهين، عن جذور هذا الطقس الاجتماعي، إن «البعض يعيده إلى ما قبل ظهور الإسلام، ومنهم من يؤرخ بدايته في السنة الثالثة للهجرة، وذلك بولادة الإمام الحسن سبط النبي محمد (ص)». وأضاف أن «الاحتمال الآخر لتأريخ (القرقيعان) أنه في زمن الدولة العثمانية التي ظهر بها، بالإضافة إلى القرقيعان المسحراتي».
هذا العام حاول أهل البصرة مشاركة الأطفال النازحين الساكنين في مدينتهم بهذا الاحتفال في محاولة لإدخال الفرحة إلى قلوبهم، حيث قال علي حسين، والد لثلاث أطفال من أهل البصرة في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «حاولت أنا وأطفالي أن ندخل الفرحة على النازحين حيث قمت بشراء الحلوى والمكسرات الخاصة بالقرقيعان وذهبنا لمشاركة هؤلاء الأطفال».
وأضاف أن «رمضان شهر الرحمة والخير والعطاء وواجب علينا، أولا إحياء تراثنا، وثانيا تعليم أطفالنا مد يد العون للآخرين، لذا قمنا باستغلال هذه المناسبة بهذا الشيء».
«القرقيعان».. احتفالية عراقية لا يعرفها إلا أطفال البصرة
10:46 دقيقه
