«حيتان أعمال» جدد يتنافسون على «إعادة الإعمار» في سوريا

حلب التي دمرتها المعارك والغارات نهاية العام الماضي تنتظر إعادة البناء (أ.ف.ب)
حلب التي دمرتها المعارك والغارات نهاية العام الماضي تنتظر إعادة البناء (أ.ف.ب)
TT

«حيتان أعمال» جدد يتنافسون على «إعادة الإعمار» في سوريا

حلب التي دمرتها المعارك والغارات نهاية العام الماضي تنتظر إعادة البناء (أ.ف.ب)
حلب التي دمرتها المعارك والغارات نهاية العام الماضي تنتظر إعادة البناء (أ.ف.ب)

كشفت حملة شنها رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية وعضو مجلس الشعب (البرلمان) فارس الشهابي لحماية الصناعة النسيجية في حلب، عن وجود «صراعات» ضمن مقربين من النظام للسيطرة على الاقتصاد في مرحلة إعادة الأعمار.
وكان الشهابي أشار على صفحته في «فيسبوك» إلى أن الحكومة تدمر الصناعة النسيجية الوطنية الخارجة من الحرب «باتباعها سياسة تحرر تجاري بدل أن تحمي صناعتنا كي تتعافى وتنهض بسرعة»، واصفا الأطراف الواقفة وراء القرارات بـ«دواعش الداخل الذين يدمرون الإرث الصناعي المحلي».
جاء ذلك بعد معركة أخرى حول «مول (مخزن) قاسيون» التي حسمت لصالح رجل أعمال سوري غير معروف، ظهر فجأة في مزاد علني نظمته وزارة التجارة الداخلية لإعادة استثمار المول. كان طموح الوزارة الوصول إلى ثلاثمائة مليون ليرة سوريا بدل إيجار سنوي، بعد فضها عقد استثمار مع رجل الأعمال بلال نعال مدته ثلاثين عاما لم يمض منها سوى خمس سنوات قام خلال المستثمر ببناء المول وتحويله من صالة صغيرة مهملة تابعة للوزارة إلى مبنى تجاري من ثلاث طبقات. ليكون أيضا «المول» الوحيد في حي مساكن برزة على تخوم ساحة المعارك في حي برزة، الذي واصل عمله رغم الحرب وكان يدعم أكثر من ثلاثمائة عائلة.
لكن ذلك لم يكن كافياً لدعم المستثمر لانه «يدفع للدولة فقط عشرين مليون في حين أن أرباحه تتجاوز المليار ليرة سنويا»، بحسب وزير التجارة الداخلية عبد لله الغربي الذي كشف عن وجود توجه حكومي لإعادة النظر بعقود إيجار العقارات الخاصة بالحكومة.
بعدها ظهر رجل الأعمال غير المعروف سابقا هو وسيم قطان في المزاد ودفعه مبلغ مليار و20 مليون ليرة سوريا، (نحو مليوني دولار) قيمة عقد الاستثمار. وشكل صدمة في أوساط اقتصادية وكشف جانبا من كواليس الصراع داخل أروقة النظام على «اليوم التالي للحرب». وبين الأسماء الصاعدة بقوة سامر الفوز المنحدر من مدينة اللاذقية.
ويعد الفوز أحد أهم داعمي النظام؛ إذ بدأ اسمه في الظهور عام 2013 ممولاً لـ«درع الدفاع العسكري» الموالية لقوات النظام، ليتحول تاليا إلى العمل الإغاثي، عبر جمعية «الفوز الخيرية»، وسعيه لشراء أكبر مساحة ممكنة من الأراضي والعقارات في اللاذقية وريفها.
في الأشهر الأخيرة بدأ اسمه يقترن بأكبر الاستثمارات المطروحة في سوريا. إذ بعد شرائه أصول شركات ومعامل رجل الأعمال عماد غريواتي في سوريا، و«شركة حديد حميشو» في مدينة حسياء الصناعية، أسس سامر الفوز الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة «مجموعة أمان القابضة»، في يونيو (حزيران) الماضي: «شركة صروح الإعمار» جراء اندماج مجموعتي «حميشو الاقتصادية» و«أمان القابضة»، ويستعد لإطلاق معملين للكابلات والحديد. كما أعلن قبل يومين عن مصادقة الحكومة على تأسيس سامر الفوز شركة «م.ي.ن.ا» للسكر الكريستال المحدودة المسؤولية، برأسمال 25 مليار ليرة (47.6 مليون دولار)، في محافظة حمص. حيث تعاقد مع شركة ألمانية، لتنفيذ بناء معمل سكر خلال 20 شهراُ، بطاقة إنتاجية تصل إلى 3500 طن يوميـاً. وتشير التقديرات إلى تكلفة هذا المعمل تصل إلى نحو 318 مليون يورو.



انقلابيو اليمن يشعلون مزيداً من الصراعات القبلية

غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يشعلون مزيداً من الصراعات القبلية

غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)

بالتزامن مع بيانات أممية أكدت اتساع رقعة الفقر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، تواصل الجماعة المدعومة إيرانياً إشعال الصراعات القبلية التي تحولت إلى أحد مصادر كسب الأموال لدى قادتها، إلى جانب إشغال فئات المجتمع بالصراعات البينية لتجنب أي انتفاضة شعبية نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية.

وذكرت مصادر قبلية أن وجهاء محليين في محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء) أبرموا اتفاقاً للهدنة بين قبيلتي «المعاطرة» و«ذو زيد» بعد أسبوع من المواجهات القبلية التي أدت إلى وقوع 16 قتيلاً وجريحاً من الجانبين.

عناصر حوثيون في صنعاء خلال حشد دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

وأوضحت المصادر أن الوسطاء أعادوا فتح الطرقات بين منطقتي المواجهة التي تأتي في سياق تغذية الصراعات القبلية في المحافظة لإضعاف القبائل وإبعادها عن أي مواجهة مرتقبة مع الحوثيين.

واندلعت الاشتباكات - بحسب المصادر - نتيجة خلافات قبلية على ملكية جبل يسمى «نهم» يفصل بين القبيلتين، ويدَّعي كل طرف ملكيته، لكنها اتهمت قيادات في جماعة الحوثي بالوقوف خلف تلك الاشتباكات بعد تغذيتها للخلافات بين الطرفين منذ ما يقارب الشهرين، وعدم فصلها فيها رغم لجوء الطرفين إلى المشرفين الحوثيين هناك.

نزاع في إب

وفي مديرية الشعر التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) قام القيادي الحوثي أشرف الصلاحي، وهو المسؤول عن إدارة المديرية، بشن حملة لاختطاف العشرات من السكان، وتغذية خلافات بين عائلتي «شهبين» و«عبية» على خلفية السعي لافتتاح طريق فرعي يمر عبر أراضٍ زراعية تملكها الأولى، رغم وجود طريق رئيسي تم تعبيده على نفقة السكان، ويُستخدم منذ عشرات السنين.

ووفقاً لما ذكره سكان في المنطقة التي تعد واحدة من بؤر المعارضة لسلطة الحوثيين، نشب خلاف بين الأسرتين في قرية «الشريحيين» بعزلة الأملوك حول استحداث طريق إضافي في المنطقة، حيث رفضت عائلة «شهبين» ضغوط القيادي الحوثي الصلاحي المعين مديراً للمديرية لفتح الطريق بقوة السلاح.

حملة عسكرية أرسلها الحوثيون لنصرة طرف ضد آخر في محافظة إب (إعلام محلي)

وأكد السكان أن الوضع في طريقه للانفجار في ظل إصرار القيادي الحوثي على انحيازه إلى أحد الأطراف، والحصول على أموال مقابل ذلك الموقف، وتمسُّك المعارضين بموقفهم.

وطبقاً لما روته مصادر قبلية متعددة لـ«الشرق الأوسط»، فإن المسؤولين الحوثيين في معظم المناطق يعتمدون على الجبايات في جمع الأموال، وتدبير نفقاتهم وإدارتهم، حيث يرغمون السكان على دفع نفقات تحرك أفراد الشرطة لمعاينة أي حادثة أو إحضار أحد المطلوبين، كما يحرصون على أن يكونوا محكمين في أي قضايا خلافية بين السكان للحصول على مبالغ مالية والحيلولة دون وصول هذه القضايا إلى المحاكم.

العبث بالقضاء

كانت الجماعة الحوثية قد شكلت قبل عامين ما سمته «المنظومة العدلية» بقيادة محمد علي الحوثي، ابن عم زعيم الجماعة، بهدف إدارة المحاكم والقضاة ومراقبتهم، واتخاذ العقوبات اللازمة بحقهم.

وأخيراً منحت الجماعة نفسها من خلال التعديل الأخير على قانون السلطة القضائية، حق تعيين معممين طائفيين قضاة في المحاكم، كما أضافت مادة إلى القانون تمنح هؤلاء القضاة حق معاقبة المحامين بالمنع من الترافع لمدة 3 أعوام إذا رأوا أن مرافعاتهم لا تسير وفق هوى الجماعة.

ابن عم زعيم الجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء (أ.ف.ب)

التعديلات التي قوبلت باعتراض رسمي وشعبي واسع رفضتها نقابة المحامين اليمنيين؛ إذ عبّرت عن أسفها من إقدام ما يسمى مجلس النواب في صنعاء الذي يضم عدداً لا يزيد على 40 فرداً أغلبهم تم انتخابهم من قِبل الحوثيين بعد وفاة الأعضاء الأساسيين، على إقرار مشروع التعديل الخاص بقانون السلطة القضائية دون نقاش.

وبينما أكدت النقابة تمسُّكها الكامل بموقف المحامين الرافض للتعديلات القانونية برمتها، وإدانة تمرير المشروع، رأى محامون أن إفراغ القضاء والعد التنازلي لإنهاء استقلاله في مناطق سيطرة الحوثيين بدأ منذ قبول ما يسمى مجلس القضاء «الخضوع والتماهي مع مخططات الجماعة»، وإجبار القضاة على حضور دورات طائفية حتى يحافظوا على فتات لقمة العيش التي يحصلون عليها.

ووصف المحامون تلك التعديلات التي أُدخلت على قانون السلطة القضائية بأنها نتيجة التنازلات المؤلمة التي أصبح ضحيتها الشعب بأكمله.

اشتداد الفقر

تأتي هذه الممارسات الحوثية بينما لا يزال انعدام الأمن الغذائي مرتفعاً، حيث يعاني واحد من كل اثنين من الأسر من استهلاك غير كافٍ للغذاء، في حين تأثرت نحو 43 في المائة من الأسر في مناطق سيطرة الجماعة بشكل كامل.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن درجة استهلاك الغذاء الرديئة، وهي مقياس للحرمان الشديد من الغذاء، تعكس مستويات مثيرة للقلق حيث تأثرت نحو 20 في المائة من الأسر سلباً، وفق ما ورد في بيانات أممية حديثة.

مع اتساع رقعة الفقر يخشى الحوثيون من انتفاضة شعبية (الأمم المتحدة)

وطبقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) فإن انعدام الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحوثيين يرجع في المقام الأول إلى خفض المساعدات الإنسانية، ما يؤثر في أولئك الذين اعتمدوا عليها بشكل كبير، جنباً إلى جنب مع الفيضانات الأخيرة والانحدار العام في سبل العيش.

وأدى ذلك - وفق المنظمة الأممية - إلى صدمات للأسر وفقدان الدخل في تلك المناطق، حيث أثرت على نحو 59 في المائة من الأسر، وهي نسبة أعلى بكثير مقارنة بالشهرين الماضيين، أما في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية، فقد واجهت نحو 53 في المائة من الأسر صدمات خلال شهر.