واشنطن وبيونغ يانغ تواصلتا لشهور من خلال «قنوات خلفية سرية»

بعيداً عن التصريحات العدائية والتهديدات المتبادلة بين واشنطن وبيونغ يانغ، ووسط توتر متزايد في المنطقة، تتواصل الولايات المتحدة منذ عدة أشهر بشكل سري مع عدوتها كوريا الشمالية دبلوماسيّاً، من أجل إيجاد حل للأزمة الحالية القائمة بين البلدين، كما كشفت وكالة «أسوشييتد برس» للأنباء، أمس الجمعة. وذكرت الوكالة نقلاً عن مسؤولين أميركيين لم تسمهم وآخرين مطلعين على العملية أن الاتصالات لم تهدف فقط إلى تأمين إطلاق سراح الطالب الأميركي الذي كان محتجزاً لدى كوريا الشمالية في يونيو (حزيران) الماضي، وإنما استمرت بعد ذلك لتتضمن أموراً أخرى، على الرغم من أنها لم تخفف من حدة التوتر القائم بين البلدين بخصوص برنامج بيونغ يانغ الباليستي والنووي.
وقالت الوكالة إن الاتصالات يقوم بها بشكل مستمر جوزيف يون مبعوث الولايات المتحدة الخاص بشؤون كوريا الشمالية، وباك يونج إل، وهو دبلوماسي بارز من بعثة كوريا الشمالية في الأمم المتحدة.
بعض المسؤولين الأميركيين أطلقوا على هذه الاتصالات اسم «قنوات نيويورك»، وقالوا إن يون هو الدبلوماسي الأميركي الوحيد المخول بالقيام بأي اتصالات مع كوريا الشمالية، مما يسمح لواشنطن وبيونغ يانغ بتبادل الرسائل بينهما. كما ذكرت الوكالة أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون نوه بشكل غير مباشر بأن هناك قنوات خلفية مفتوحة بين الطرفين، قائلاً: «لدينا وسائل أخرى مفتوحة... يمكنهم (بيونغ يانغ) إسماعنا ما يريدون إذا أردوا التكلم». ويرى المراقبون أن القنوات السرية ستساعد في أي مفاوضات بين البلدين، كونها قائمة ومستمرة، وهذا مما سيسهل الأمور في المستقبل.
وهناك قنوات أخرى من أجل إيجاد حد لهذا التوتر الذي بدأ يشغل القوى الكبرى والعالم بشكل عام. واشنطن تعول كثيراً ومنذ فترة على دور الصين، الحليف والشريك التجاري الأكبر لبيونغ يانغ.
ولم يتوانَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ أشهر عن حث الصين على استخدام نفوذها للضغط على بيونغ يانغ. وطغت اللهجة العدائية من الطرفين على دعوات بكين للتهدئة والحوار.
وفي افتتاحيتها الجمعة، اعتبرت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية الحكومية أن «بكين غير قادرة على إقناع واشنطن ولا بيونغ يانغ بالتهدئة هذه المرة». وسَعَت الصين بشكل مستمر إلى إقناع الأطراف المعنية بالعودة إلى «المحادثات السداسية» التي انخرطت فيها إلى جانب روسيا واليابان وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية والولايات المتحدة، وانهارت عام 2009. وقال المحلل السياسي ويلي لام لوكالة الصحافة الفرنسية: «بإمكان بكين لعب دور قيادي في هذه المحادثات وتعزيز نفوذها ليس فقط فيما يتعلق بكوريا الشمالية، بل كذلك حيال كوريا الجنوبية واليابان». وأضاف: «من شأن ذلك أن يعزز مطالبها لتصبح في وضع شبه قوة عظمى». وردَّت الصين، الجمعة، على الاستفزازات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية عبر حثهما على «توخي الحذر».
ودعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غينغ شوانغ، في بيان، واشنطن وبيونغ يانغ، إلى الابتعاد عن «المسار القديم في تبادل استعراض القوة ومواصلة تصعيد الوضع». ولكن يبدو أن دعوات الصين المستمرة للحوار السلمي لم تلقَ آذاناً صاغية في وقت صعدت الولايات المتحدة وكوريا الشمالية لهجتهما العدائية.
وأوضح خبير العلاقات الدولية في جامعة هونغ كونغ خو غوكي لوكالة الصحافة الفرنسية أن «الصين لا تملك نفوذاً فعليّاً لتخفيف التصعيد إذا كان ترمب وزعيم كوريا الشمالية كيم يونغ - أون متهورين». وقبل إطلاقه تصريحاته هذا الأسبوع، اشتكى ترمب من أن الصين لا تقوم بما يكفي لاستخدام نفوذها الاقتصادي للضغط على كوريا الشمالية. والاثنين، تعهد وزير الخارجية الصيني بـ«أن تطبق (...) مائة في المائة» العقوبات الجديدة والواسعة النطاق التي فرضها مجلس الأمن الدولي على بيونغ يانغ.
ولكن الصين، التي تستحوذ على 90 في المائة من حجم التجارة مع كوريا الشمالية، أكدت أنها لن تخفض المساعدات الإنسانية التي تقدمها لشعب الدولة المعزولة الذي يعاني الفقر.
ويرى محللون أنه يتعين على الولايات المتحدة واليابان وكوريا الشمالية تقديم مزيد من التنازلات لدفع الصين إلى التفكير في استخدام مسألة المساعدات كأداة تفاوض.
تشكل معاهدة الدفاع المتبادل التي وقعتها الصين مع كوريا الشمالية عام 1961، بعد ثمانية أعوام من نهاية الحرب الكورية، حجر الأساس في العلاقة بين الدولتين. ومع ذلك، يرى محللون أن معرفة مدى التزام البلدين بالمعاهدة في حال نشوب نزاع فعلي يعد بمثابة «لغز». ولطالما خشيت بكين من أن انهيار نظام كوريا الشمالية قد يؤدي إلى تدفق اللاجئين عبر الحدود إليها. وفي هذا السياق، رأت صحيفة «غلوبال تايمز» أن موقف الصين يجب أن يعتمد على الجهة التي تعتدي أولا.
وبحسب الصحيفة، «على بكين أن توضح أنه في حال أطلقت كوريا الشمالية صواريخ تهدد الأراضي الأميركية، ورَدَّت الولايات المتحدة، فستبقى الصين محايدة». وأضافت: «في حال شنت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ضربات وحاولتا الإطاحة بنظام كوريا الشمالية وتغيير المشهد السياسي في شبه الجزيرة الكورية، فستمنعهما الصين من القيام بذلك».