طرابلس تعلن العصيان المدني احتجاجا على حرب الميليشيات

شوارع العاصمة الليبية شبه خاوية أمس تزامنا مع دعوة للإضراب العام احتجاجا على الأحداث الدامية التي شهدتها طرابلس منذ يومين (أ.ف.ب)
شوارع العاصمة الليبية شبه خاوية أمس تزامنا مع دعوة للإضراب العام احتجاجا على الأحداث الدامية التي شهدتها طرابلس منذ يومين (أ.ف.ب)
TT

طرابلس تعلن العصيان المدني احتجاجا على حرب الميليشيات

شوارع العاصمة الليبية شبه خاوية أمس تزامنا مع دعوة للإضراب العام احتجاجا على الأحداث الدامية التي شهدتها طرابلس منذ يومين (أ.ف.ب)
شوارع العاصمة الليبية شبه خاوية أمس تزامنا مع دعوة للإضراب العام احتجاجا على الأحداث الدامية التي شهدتها طرابلس منذ يومين (أ.ف.ب)

«الحياة شبه متوقفة في المدينة، الضرب وأصوات الانفجارات وإطلاق الرصاص شبه متوقفة وطرابلس شبه مغلقة، الدوائر الحكومية والمدارس حتى المحلات التجارية بعض الشوارع مغلقة بحواجز إسمنتية.. يعنى البلد في عصيان مدني وحزين». هكذا وصف مواطن من سكان العاصمة الليبية طرابلس المشهد أمس لـ«الشرق الأوسط» واستجابة السكان للعصيان المدني الذي دعا إليه المجلس المحلي للعاصمة لمدة ثلاثة أيام اعتبارا من أمس، بالتزامن مع حالة الحداد الرسمي لمدة مماثلة على أرواح القتلى الذين سقطوا الجمعة الماضي، في مواجهات بين ميليشيات مسلحة ومتظاهرين عزل في ضاحية غرغور بشرق طرابلس. وقالت مواطنة أخرى لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من طرابلس، إن «الإضراب أو العصيان حدث تلقائيا ولو بشكل جزئي، حيث كان الحزن في أرجاء المدينة وأغلقت أبواب معظم المحال التجارية، ومركز تسوق كبير في زاوية الدهماني فتح أبوابه، لكن جرى إغلاقه تحت ضغط الأهالي». ونفذ أهالي وسكان طرابلس ما وصفته وكالة الأنباء الرسمية بالإضراب الجزئي عن العمل احتجاجا على الأحداث الدامية التي شهدتها العاصمة طرابلس الجمعة الماضي وأودت بحياة مئات القتلى والجرحى. وأغلق الكثير من القطاعات والمؤسسات العامة والخاصة، وبعض المدارس والأسواق الشعبية والمحال التجارية، وخلت تقريبا مختلف الميادين والشوارع الرئيسة داخل العاصمة من حركة السيارات والمواطنين باستثناء المرافق الصحية والمخابز والصيدليات ومحطات البنزين. وعلى الرغم من أن يوم أمس هو يوم عمل عادي في ليبيا، فقد اختفت تقريبا مظاهر الحياة الطبيعية، في حين أقام السكان حواجز معدنية ومن الخشب وإطارات السيارات، كما نظم المئات من سكان العاصمة وقفة احتجاجية أمام مقر المؤتمر الوطني العام (البرلمان) ودعوا إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ القرار «27» بشأن إخلاء مدينة طرابلس من جميع التشكيلات المسلحة والانضمام تحت مظلة وزارتي الدفاع والداخلية والإسراع باتخاذ الإجراءات ضد مرتكبي هذه الأحداث الدامية التي وقعت بالعاصمة خلال اليومين الماضيين. وخصص المؤتمر الوطني، الذي يعد أعلى سلطة سياسية ودستورية في البلاد، جلسته الصباحية أمس لمناقشة الأحداث الدامية التي شهدتها المدينة، حيث ندد أعضاء المؤتمر في نقاشاتهم بما وقع أثناء تلك المظاهرة السلمية وعدوها جريمة في حق عزل، ووجهوا التعازي لأهالي الضحايا الذين سقطوا أثناء المسيرة. وقال عمر حميدان، الناطق الرسمي باسم البرلمان، إنه جرت مناقشة الآليات وإيجاد الحلول المناسبة بحيث لا تتكرر تلك الأحداث، مشيرا إلى أنه جرى الاتفاق على استدعاء رئيس الحكومة ووزراء العدل والدفاع والداخلية ورئيس المخابرات العامة ومدير أمن طرابلس لمناقشة الأحداث التي وقعت، والتأكيد على تفعيل قرار إخلاء طرابلس من التشكيلات العسكرية. ومع ذلك، فقد نفى مصدر موثوق بمجلس طرابلس خروج أي من أعضائه ضمن الوفد الشعبي الذي توجه مساء أول من أمس إلى مدينة مصراتة، لافتا إلى أن المجلس والمجالس الفرعية الـ13 المكونة له لم يعطوا أي تفويض أو تخويل لأي كان للتفاوض باسمهم أو نيابة عنهم. وفي محاولة لتفادي وقوع حرب أهلية، ناشدت غرفة العمليات الأمنية المشتركة جميع المواطنين عدم الاعتداء على أي مواطن أو عائلة من مدينة مصراتة، وخصصت الغرفة رقم هاتف مختصرا لتسلم أي بلاغات أو اتصالات، مؤكدة أن وجودها هو لحماية المدنيين. وقال بيان لمجلس العاصمة مخاطبا المواطنين: «حرصا على وحدة الوطن ولم الشمل ودرءا للفتنة، وعملا بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف يناشدكم مجلس طرابلس المحلي التهدئة وضبط النفس، وعدم التعرض للأشخاص وإيذائهم وعدم التعرض للممتلكات الخاصة والعامة»، مضيفا: «لنفسح المجال لأهالينا من مختلف مدن ليبيا الذين يبذلون مساعيهم الحميدة لرأب الصدع وإخماد نار الفتنة». وفي قرار مفاجئ من جانب واحد، أعلنت غرفة عمليات ثوار ليبيا حالة الطوارئ لمدة 48 ساعة في إطار ما وصفته بالتنبؤ بالحدث قبل وقوعه وحرصا على سلامة الأرواح وحفظا للنظام العام. وقالت الغرفة، في بيان بثته عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، إنه من المهم للشعب الليبي أن يدرك المرحلة التي يمر بها الوطن، وخصوصا انتشار الأسلحة الثقيلة والمتوسطة في الأحياء السكنية والمناطق الكثيفة بالسكان. وتعرض مصطفى نوح نائب رئيس جهاز المخابرات الليبية لعملية اختطاف لم تتضح معالمها بعد، حيث قالت مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط» إنه جرى اعتقاله فور وصوله إلى مطار طرابلس قادما من تركيا. وكان الهاتف الجوال لرئيس المخابرات الليبية سالم الحاسي مغلقا عندما حاولت «الشرق الأوسط» الاتصال به أكثر من مرة للحصول على تعليق فوري، في حين نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر أمني قوله، إن «مصطفى نوح رئيس وحدة التجسس بالمخابرات اختطف في سيارة أثناء مغادرته المطار، ولم يكن معه حراس آنذاك». كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر في المخابرات الليبية تأكيده اختفاء نوح من مصراتة (شرق) على خلفية توترات بين مجموعات مسلحة من مصراتة وطرابلس غداة مواجهات دامية بين المجموعتين. ووسط الفوضى الأمنية التي تشهدها طرابلس بات اختطاف المسؤولين وعائلاتهم أمرا اعتياديا، ويشار إلى أن محمد الابن الوحيد لوزير الدفاع عبد الله الثني ما زال مختطفا منذ الشهر الماضي. بدورها، وصفت حكومة زيدان الانتقالية الوضع الأمني بمدينة طرابلس بأنه «جيد وتحت السيطرة»، مشيرة إلى أن الجهات المختصة التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية قامت باتخاذ كل الإجراءات على أرض الواقع لتأمين المدينة. ونفت صحة الأخبار التي تتداول بشأن قدوم جماعات مسلحة من خارج المدينة. كما حثت الحكومة في بيان المواطنين على توخي الحيطة والحذر من مثل هذه الإشاعات وعدم الانسياق وراءها، والتي تهدف إلى إثارة الفتن والبلبلة وشق الصفوف. وأكدت شروعها في تنفيذ قراري المؤتمر الوطني بشأن إخلاء طرابلس من التشكيلات المسلحة ودمجها في مؤسسات الدولة ووضع الآليات المناسبة لذلك، موضحة أنه وبتكليف من وزارة الدفاع سيجري تسليم منطقة غرغور من قوة الدرع الوسطى إلى اللواء الثاني مشاة التابع لرئاسة أركان الجيش الليبي المنطقة العسكرية طرابلس. وعد البيان العصيان المدني حقا مشروعا وأنها تحترم ذلك كونه وسيلة تعبير ديمقراطية وحضارية، لكنها لفتت في المقابل إلى أن العصيان المدني لا يعني بأي شكل من الإشكال قفل الطرق وعرقلة حركة المرور ومنع المواطنين من الالتحاق بعملهم والطلبة بمدارسهم وجامعاتهم وإجبارهم على البقاء في بيوتهم. في غضون ذلك، أعلنت قوات درع ليبيا الوسطى سيطرتها على منطقة غرغور، وعدها منطقة عسكرية إلى حين وضع آلية لتسليمها إلى مؤسسات الدولة. ووصف بيان للقوات المنطقة بأنها مستقرة وتحت السيطرة، مطالبا أهالي طرابلس بالتعاون مع قوة درع ليبيا لبسط الأمن والأمان. لكن مسؤولين في وزارة الدفاع الليبية نفوا في المقابل لـ«الشرق الأوسط» صدور أي تكليف لهذه القوات التي تنتمي إلى مدينة مصراتة بالسيطرة على المنطقة التي كانت موقع الأحداث الدامية في العاصمة. وأعلنت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي عن تكليف الكتيبة «161» التابعة لمنطقة طرابلس العسكرية بتسلم المقرات التي انسحبت منها التشكيلات المسلحة بمنطقة غرغور وتأمينها إلى حين تسليمها للحكومة للتصرف فيها. وأكدت رئاسة الأركان في بيان أنها قامت بما يمليه عليها واجبها واستطاعتها ووفقا لإمكانياتها، وذلك بتكليف بعض الوحدات التابعة لمنطقة طرابلس العسكرية بالفصل بين الطرفين، التشكيلات المسلحة والمتظاهرين، وكذلك قامت بتأمين المقرات العامة.



مصر تؤكد أهمية حشد الدعم الإقليمي والدولي لخطة إعمار غزة

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في مدرسة تحولت إلى مأوى بحي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في مدرسة تحولت إلى مأوى بحي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

مصر تؤكد أهمية حشد الدعم الإقليمي والدولي لخطة إعمار غزة

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في مدرسة تحولت إلى مأوى بحي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في مدرسة تحولت إلى مأوى بحي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)

أكدت مصر أهمية «حشد الدعم الإقليمي والدولي لضمان التنفيذ الفعال لخطة التعافي المبكر والإعمار في قطاع غزة»، وأشار وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى ضرورة «تثبيت اتفاق إنهاء الحرب بالقطاع».

وناقش عبد العاطي، في عدة اتصالات ولقاءات مع مسؤولين دوليين، بينهم نائب الرئيس الفلسطيني، حسين الشيخ، «ترتيبات بلاده لعقد المؤتمر الدولي للتعافي المبكر وإعادة إعمار وتنمية قطاع غزة»، إلى جانب «المشاورات الجارية بشأن قرار مجلس الأمن الخاص بالترتيبات الأمنية في قطاع غزة».

وبحث وزير الخارجية المصري، في اتصال هاتفي مع نائب الرئيس الفلسطيني، السبت، «المشاورات الجارية حول مشروع قرار مجلس الأمن والترتيبات الأمنية»، وحسب إفادة لـ«الخارجية المصرية»، أكد الجانبان «أهمية ضمان أن يسهم القرار في تثبيت إنهاء الحرب، وتهيئة الظروف لتحقيق سلام عادل وشامل يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة».

الأمر نفسه ناقشه وزير الخارجية المصري مع وزير العدل والشرطة السويسري، بيت يانس، في محادثات مشتركة بالقاهرة، وأشار إلى «جهود بلاده لتثبيت اتفاق شرم الشيخ للسلام، والتنفيذ الكامل لبنود الاتفاق بما يضمن وقف إطلاق النار بشكل دائم وتخفيف المعاناة الإنسانية عن سكان القطاع».

ووقّع قادة الولايات المتحدة ومصر وتركيا وقطر في مدينة شرم الشيخ المصرية، الشهر الماضي، وثيقة اتفاق إنهاء الحرب في غزة الذي دعا إليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والمعتقلين بين إسرائيل وحركة «حماس»، وذلك في القمة التي استضافتها مصر بحضور 31 من قادة وممثلي دول ومنظمات دولية.

محادثات وزير الخارجية المصري ووزير العدل والشرطة السويسري بالقاهرة (الخارجية المصرية)

كما ناقش عبد العاطي ونائب الرئيس الفلسطيني، «التحضيرات الجارية لعقد المؤتمر الدولي للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة»، وأكد «أهمية الدعم الإقليمي والدولي لضمان التنفيذ الفعال لخطة التعافي المبكر والإعمار»، حسب بيان «الخارجية المصرية».

والشهر الماضي، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن «بلاده سوف تستضيف في نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار قطاع غزة».

وتعمل القاهرة على تثبيت وقف إطلاق النار، والانتقال للمرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب، مع تهيئة المناخ لبدء خطة الإعمار في قطاع غزة، وفق تقدير أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور طارق فهمي، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تراهن على حشد حضور دولي وإقليمي وجهات ومنظمات مانحة لمؤتمر إعادة الإعمار، لضمان الخروج بنتائج إيجابية في هذا المسار».

ويرى فهمي أن «مصر تريد توفير مصادر للتمويل في مؤتمر إعادة الإعمار»، موضحاً أن «القاهرة تتمهل في تحديد موعد المؤتمر، لحين ضمان أكبر قدر من المشاركة الدولية ومن الجهات المانحة»، إلى جانب «تهيئة المناخ لبدء خطة الإعمار، من خلال تنفيذ المراحل التالية لخطة وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة بالقطاع».

فلسطينيون يستعيدون جثة من تحت أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية ليلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)

وكان الرئيس الأميركي طرح خطة سلام، من 20 بنداً، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وتهيئة المناخ لإعادة إعمار القطاع.

وباعتقاد رئيس «الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني»، صلاح عبد العاطي، أن «الاتصالات المصرية تستهدف مواجهة العراقيل الإسرائيلية لتعطيل تنفيذ خطة ترمب في غزة»، وأشار إلى «الجهود العربية التي تستهدف انسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلها في القطاع، بما يعزز من فرص الاستجابة الإنسانية للفلسطينيين».

ووفق تقدير عبد العاطي، فإن عملية إعمار غزة «تحتاج إلى نحو 70 مليار دولار»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا يحتاج إلى جهود من منظمات دولية وإقليمية، إلى جانب الشراكة العربية والدولية لتوفير التمويل الكافي خلال مؤتمر إعادة الإعمار بالتنسيق مع الأمم المتحدة»، موضحاً أن «القاهرة تعوّل على تنسيق عربي وإقليمي ودولي لدفع مسارات التسوية الشاملة في قطاع غزة».

ويرى فهمي أن «القاهرة تعوّل على مجموعة من التحركات، من بينها قرار مجلس الأمن الدولي، وبدء تمكين لجنة الإسناد الدولية لإدارة قطاع غزة، والتنسيق العربي، من أجل بدء عملية إعادة الإعمار»، وقال إنه يجب أن تكون «عملية نزع سلاح حركة (حماس)، مقابل بدء مشروع الإعمار، وانسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلها».


«قوة استقرار غزة»... هل تقود المشاورات الأممية لانفراجة؟

فلسطينيون وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... هل تقود المشاورات الأممية لانفراجة؟

فلسطينيون وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

متغير جديد تشهده المشاورات في مجلس الأمن، بشأن نشر «قوة استقرار في قطاع غزة»، تضمن تأييداً عربياً - إسلامياً لمشروع قرار أميركي، غداة طرح موسكو مشروعاً مماثلاً، وسط مخاوف من انهيار تلك الخطوة بـ«فيتو» من موسكو أو بكين.

ذلك التأييد الذي تلاه محادثات مصرية مع فلسطين وباكستان والولايات المتحدة بشأن مشروع القرار المنتظر أن يصوت عليه، الاثنين، يعتقد خبراء في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه سيبقى عالقاً بين انفراجة محتملة جراء التوافق العربي الإسلامي مع طرح واشنطن واحتمال استقطاب تأييد من روسيا، وانهيار محتمل بسبب رفض موسكو أي نفوذ لواشنطن ورغبة منها في استخدم الورقة كمساومة مستقبلية في ملف الأزمة الروسية - الأوكرانية.

وتشمل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والتي لم تبدأ بعد، إنشاء قوة أمنية دولية في غزة، ونزع سلاح «حماس»، وانسحاباً إضافياً للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وتسمية إدارة للقطاع.

وقال مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن «المجموعة العربية - الإسلامية مالت لدعم مشروع القرار الأميركي باعتبار واشنطن القادرة على تنفيذ قرارها على الأرض والضغط على إسرائيل لتنفيذه»، مرجحاً أن «هناك رغبة أميركية متمسكة بالدفع بقوات على الأرض قريباً حتى لو دفعت بقوات متعددة الجنسيات حال استخدمت موسكو الفيتو».

وبحث وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في اتصالات هاتفية، السبت، مشروع القرار بشأن «قوة استقرار غزة»، مع نظيره الباكستاني، إسحاق دار، ونائب الرئيس الفلسطيني، حسين الشيخ، وفق بيانين لـ«الخارجية المصرية».

وأعربت الولايات المتحدة، والسعودية، وقطر، ومصر، والإمارات، وإندونيسيا، وباكستان، والأردن، وتركيا في بيان مشترك، الجمعة، عن «دعمها المشترك» لمشروع القرار الأميركي الذي يعطي تفويضاً لتشكيل قوة استقرار دولية، من بين أمور أخرى، مبدية أملها في اعتماده «سريعاً».

هذا الحراك يأتي قبل تصويت مجلس الأمن الدولي، الاثنين، على مشروع القرار الذي طرح لمناقشات قبل نحو أسبوع، وفق ما أفادت مصادر دبلوماسية، الجمعة، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

طفلة فلسطينية تسير وسط الركام شمال مدينة غزة (أ.ف.ب)

ويُخول القرار الدول الأعضاء، بحسب المصدر ذاته، تشكيل «قوة استقرار دولية مؤقتة» تعمل مع إسرائيل، ومصر، والشرطة الفلسطينية المُدربة حديثاً للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية، ونزع السلاح من قطاع غزة، وعلى عكس المسودات السابقة، يُشير هذا القرار إلى إمكان قيام دولة فلسطينية مستقبلية.

ويشير رئيس «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد العرابي، إلى أن «مشروع القرار يواجه صعوبات، وأتمنى ألا يكرس في تقسيم القطاع»، لافتاً إلى أن المشروع الأميركي عقب تعديلات عليه تضمنت المضي في مسار سياسي لقيام الدولة الفلسطينية شجع الدول العربية على التوافق حوله.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن موقف المجموعة العربية - الإسلامية الداعم لمشروع القرار الأميركي رغم وجود مشروع روسي ينبئ عن احتمال حدوث تفاهمات وتعديلات كان من بينها الإشارة لمحادثات مستقبلية بشأن الدولة الفلسطينية، معتبراً هذه الخطوة تحمل انفراجة حذرة، خاصة أن الفيتو الروسي لا يزال محتملاً بالمواجهة.

ويتحدى هذا المشروع الأميركي، آخر روسياً منافساً وزع، الخميس، على أعضاء مجلس الأمن، لا ينص على إنشاء مجلس سلام، أو الانتشار الفوري لقوة دولية في غزة، وفقاً للنص الذي اطلعت عليه «وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة. ورحب المشروع الروسي «بالمبادرة التي أدت إلى وقف إطلاق النار».

ويدعو مشروع القرار الروسي الأمين العام للأمم المتحدة إلى «تحديد خيارات لتنفيذ بنود» خطة السلام، وتقديم تقرير على الفور يتناول أيضاً إمكانات نشر قوة استقرار دولية في غزة.

فلسطينيون يحملون جثثاً انتشلوها من بين أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

وكتب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، في صحيفة «واشنطن بوست» أن «أي رفض لدعم هذا القرار هو تصويت لاستمرار حكم (حماس)، أو للعودة إلى الحرب مع إسرائيل، ما يحكم على المنطقة وشعبها البقاء في نزاع دائم». وأضاف: «أي انحراف عن هذا المسار، سواء كان من جانب أولئك الذين يرغبون في ممارسة ألعاب سياسية، أو إعادة إحياء الماضي، سيأتي بتكلفة بشرية حقيقية».

وقد لا تأتي العراقيل من «فيتو» روسي فحسب، فوفقاً لما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الجمعة، فإن أبرز البنود التي تثير مخاوف إسرائيل في المسودة الجديدة تتمحور حول تضمين تمهيد لمسار يقود إلى «تقرير المصير الفلسطيني»، والدور الموسع للأمم المتحدة في الإشراف على توزيع المساعدات، وتوسيع صلاحيات «هيئة الحكم الانتقالية» المزمع تشكيلها لإدارة القطاع.

ويحتاج القرار في مجلس الأمن إلى 9 أصوات مؤيدة على الأقل، وعدم استخدام روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا حقّ النقض (الفيتو) ليتسنى اعتماده.

ويرى العرابي أن المشروع الروسي الأكثر ملائمة للتطلعات الفلسطينية لكنه في النهاية لا يستطيع فرض شيء على إسرائيل في التنفيذ، متوقعاً أنه رغم الرغبة في صدور تفويض أممي قد تستخدم روسيا الفيتو، وتمتنع الصين عن التصويت في إطار المناكفات الدولية مع واشنطن، وأن تتجه أميركا لنشر قوات متعددة الجنسيات، وهذا يتماشى مع رغبة إسرائيل التي لا تقبل بتنفيذ قرارات أممية.

ويتوقع الرقب أنه حال أصرت موسكو على الفيتو لمنع أي نفوذ أميركي بالمنطقة أو استخدام المشروع كورقة مساومة مستقبلية في أزمة أوكرانيا، وواشنطن، ستذهب فوراً لإنشاء قوات متعددة الجنسيات دون شرعية من مجلس الأمن.


الانتخابات النيابية أمام تسوية بترحيلها لشهرين.. والاغتراب يقترع من لبنان

البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
TT

الانتخابات النيابية أمام تسوية بترحيلها لشهرين.. والاغتراب يقترع من لبنان

البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)

إصرار رئيس الجمهورية اللبناني جوزيف عون، كما رئيسي المجلس النيابي نبيه بري، والحكومة نواف سلام، على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ربيع 2026، لا يعني بالضرورة أن الطريق سالكة سياسياً أمام إنجازها بلا أي تأخير في ظل تصاعد وتيرة «الكباش السياسي» بين بري وخصومه الذين يأخذون عليه رفضه إدراج اقتراح القانون الذي تقدّموا به على جدول أعمال الجلسة التشريعية، ويقضي بشطب المادتين 112 و122 من قانون الانتخاب بما يسمح للمنتشرين اللبنانيين في الاغتراب بالاقتراع من مقر إقامتهم لـ128 نائباً.

الرئيس جوزيف عون يتوسط رئيسَي الحكومة نواف سلام والبرلمان نبيه بري (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

فقد أحال برّي اقتراحهم إلى اللجنة النيابية الفرعية المكلفة بدراسة الاقتراحات الخاصة بقوانين الانتخاب، وهذا ما سينسحب، كما يقول مصدر نيابي بارز، على مشروع القانون الذي أعدته الحكومة، في هذا الخصوص، فور إحالته إلى رئاسة المجلس.

وتوقع المصدر النيابي أن تصل اقتراحات القوانين المتعلقة بالتعديلات المقترحة على قانون الانتخاب إلى أكثر من 14 اقتراحاً، إضافةً إلى اقتراح مشروع القانون الذي أعدته الحكومة ولم ترفعه حتى الساعة إلى رئاسة المجلس ريثما تكتمل توقيعات الوزراء المعنيين عليه. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن البرلمان يقف حالياً أمام زحمة اقتراحات قوانين. وكشف عن أن كتلة «التنمية والتحرير» برئاسة بري تقدّمت بأكثر من اقتراح قانون، أبرزها الذي تقدم به المعاون السياسي لرئيس البرلمان النائب علي حسن خليل.

ولفت إلى أن اقتراحه فاجأ النواب، ويقضي بخفض سن الاقتراع إلى 18 سنة واعتماد المحافظة دائرة انتخابية، وصوتين تفضيليين بدلاً من واحد. وقال إنه يدعو لتقسيم الدوائر إلى 9 أسوةً بعدد المحافظات، لتصحيح الخلل الناجم عن تقسيمها إلى 15 دائرة تفتقر لتحقيق التوازن في توزيع أصوات الناخبين.

وأكد المصدر أن السجال بدأ يشتد مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددها، في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وزير الداخلية والبلديات العميد أحمد الحجار، والخارجية والمغتربين يوسف رجي، للمنتشرين اللبنانيين في الاغتراب لتسجيل أسمائهم والاقتراع من مقر إقامتهم لـ128 نائباً، خصوصاً أن نسبة التسجيل ما زالت متدنية قياساً إلى حجم التسجيل في الانتخابات الأخيرة، ويكمن السبب في الغموض الذي يكتنف القانون الذي ستُجرى على أساسه الانتخابات وسبّب إرباكاً حول الآلية التي ستُعتمد لاقتراعهم.

وقال المصدر إنه لا مجال أمام تمديد المهلة، مما دفع بالوزير رجي، في الجلسة الأخيرة للحكومة، إلى المطالبة بتمديدها حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وقوبل بمعارضة من وزراء «الثنائي الشيعي»؛ أي «حزب الله» وحركة «أمل» التي يرأسها برِّي بذريعة أن تمديدها بحاجة إلى تعديل القانون، ولن يتم بقرار صادر عن مجلس الوزراء، وإلا سيلقى الطعن أمام المجلس الدستوري.

لبنانية ترفع إصبعها بعد اقتراعها بالانتخابات المحلية في بيروت 2025 (إ.ب.أ)

ورأى المصدر أن تبادل الحملات بلغ ذروته في غياب المحاولات للتوفيق بين الكتل النيابية حول التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب لتسهيل إنجاز الاستحقاق النيابي في موعده، بدلاً من تأجيل إتمامه لشهرين، فيما التمديد للبرلمان يلقى معارضة من المجتمع الدولي، ولا يحظى بغطاء سياسي من عون كونه يشكل أول محطة لإعادة تكوين السلطة من وجهة نظر أصدقاء لبنان لإحداث تغيير في ميزان القوى يأخذ بالتحولات التي حصلت في الإقليم، وتبدُّل ميزان القوى في الداخل لمصلحة الفريق المناوئ لمحور الممانعة بعد أن أقحم «حزب الله» بإسناده لغزة، لبنان، في مواجهة غير محسوبة مع إسرائيل.

وأكد أن «الثنائي الشيعي» يخوض معركته النيابية على أساس «قاتل أو مقتول» بالمفهوم السياسي للكلمة، في ظل الاستعصاء الذي يمنع حتى الساعة التوصل إلى تسوية تضع حداً للرهان على التمديد للبرلمان.

ولفت إلى أن «الثنائي» يراهن على انقضاء المهل بما يسمح بإعادة الاعتبار لقانون الانتخاب النافذ حالياً، كما يطالب به بري برفضه إحالة اقتراح القانون الذي تقدمت به الأكثرية النيابية إلى الهيئة العامة. والموقف نفسه ينسحب على مشروع القانون الذي أعدته الحكومة. لكن القانون النافذ، حسب المصدر النيابي، بحاجة إلى تعديل، في ضوء امتناع الحكومة عن إصدار المراسيم التطبيقية لتنفيذ بعض بنوده التي ما زالت عالقة، ورميها كرة النار في حضن البرلمان، وبذلك تكون أعفت نفسها من الضغوط التي تطالبها بالتدخل لإخراج القانون من التجاذبات التي تحاصره، وبالتالي لن تُعقد جلسة تشريعية لإقرار التعديلات المطلوبة ما لم يتم الاتفاق عليها مسبقاً لقطع الطريق على خصوم «الثنائي» من الإفادة من انعقادها لإعادة طرح اقتراحهم الخاص بالتعديلات الذي سيلقى تأييداً من الأكثرية النيابية، مما يشكل إحراجاً له.

ويبقى السؤال: هل القانون النافذ بعد تعديله كأمر واقع، هو الحل لإنقاذ الاستحقاق النيابي وإخراجه من التأزم، أم أن الأبواب أمام التوافق ما زالت مقفلة بما يسمح لتأجيل إنجازه أو التمديد للبرلمان بأن يتقدم على ما عداه، مما يضع لبنان أمام مساءلة دولية، ويشكل انتكاسة للعهد مع اقتراب إتمام عون عامه الأول في الرئاسة؟ رغم أن المصدر النيابي بدأ يلمس اهتمام بعض السفراء المعتمدين لدى لبنان ومعظم الموفدين إلى بيروت، وأنهم بدأوا يركّزون على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة كأولوية، ونادراً ما يتحدثون عن ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها باعتبار أنه لا مفر من إتمامها.

في هذا السياق، أكد المصدر أن التسوية في حال جرى التوافق عليها لإنجاز الاستحقاق النيابي، تقضي بتعديل القانون الناجز بتعليق العمل بالبطاقة الممغنطة، وبصرف النظر عن تخصيص 6 مقاعد نيابية لتمثيل المنتشرين، على أن يمارسوا حقهم في الاقتراع بالمجيء إلى لبنان في ظل الحديث عن ترحيل إتمامه لشهرين مع حلول فصل الصيف، لما لحضورهم من دور في تحريك العجلة الاقتصادية بتنشيط السياحة الصيفية. وكشف عن أن تأجيل الانتخابات لشهرين قد يكون المَخرج، لعله يتزامن مع تحقيق خطوات ملموسة لتطبيق حصرية السلاح، وإلا فإن «الكباش السياسي» سيتصاعد فيما «الثنائي الشيعي» يتمسك بموقفه ولن يبدّله.

وعليه فإن التسوية تبقى معلّقة على التوافق بين الأضداد، وإلا فإن لبنان سيتعرض لضغوط دولية هو في غنى عنها، فيما يصر الرئيس عون ومعه الحكومة على حشر الجميع لعلهم يتوصلون إلى قناعة بأن التسوية وحدها هي الحل لإنجاز الاستحقاق النيابي.