تل أبيب تحذّر «حماس» من حرب جديدة {إذا عطّلت بناء الجدار الحدودي}

حذّرت إسرائيل حركة «حماس» في غزة من محاولة إحباط إقامة جدار حدودي يهدف إلى منع حفر أنفاق بين القطاع وإسرائيل، معلنة أنها رصدت فتحات أنفاق مخبأة تحت منازل مدنيين، وملوحة بإمكان قصفها.
وقال الجنرال إيال زامير قائد المنطقة العسكرية الجنوبية خلال مؤتمر عبر الهاتف الأربعاء: «في الأشهر المقبلة سنسرع بناء هذا الحاجز ونأمل في إنجازه خلال سنتين». ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن زامير: «أعتقد أن على الطرف الآخر إعادة تقييم الموقف في ضوء بناء الجدار». وأضاف: «إذا اختارت حماس خوض حرب بسبب الجدار فسيكون ذلك سبباً كافياً (بالنسبة لإسرائيل) لخوض حرب لكن الجدار سيبنى».
وصرح وزير الإنشاء يوآف غالانت العضو في الحكومة الأمنية والقائد السابق للمنطقة العسكرية الجنوبية: «آمل في ألا تهاجم حماس ورشة بناء الجدار إذ إنها تعتبر هذه الأنفاق أداة استراتيجية ضد إسرائيل».
وبموازاة هذا التحذير الإسرائيلي، نشر الجيش صوراً التقطت من الجو وإحداثيات لمبنيين في غزة قال إن «حماس» تستخدمهما لإخفاء شبكة أنفاق. وقال إن أحدهما منزل لأسرة أحد أعضاء «حماس» ويربطه ممر سري بمسجد.
وأصدر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بياناً قال فيه: «يبذل الجيش وجهاز الأمن العام الشاباك جهوداً استخبارية متواصلة لكشف شبكات الأنفاق العسكرية التابعة لحماس، فحتّى اليوم تم اكتشاف كثير من الممتلكات العسكرية المهمة التابعة لحماس. حماس تستغل الأماكن المدنية بما في ذلك المباني العامّة كالمدارس والمساجد، وغيرها، وكذلك بيوت المواطنين في جهودها الحربية». وأضاف: «يكشف جيش الدفاع عن منزليْن مدنيين في شمال قطاع غزة تستخدمهما حماس غطاء لنفقيْن. الأول فتحة لنفق في بيت المواطن عمر محمد محمود حامد الذي يسكن مع أبناء عائلته في بيت لاهيا بالإضافة إلى فتحة لنفق إرهابي آخر، تابع لمنظمة حماس في منزل مدني آخر في مخيم الشاطئ. إن هذه الأماكن تُصبح أهدافاً عسكرية شرعيّة وفق القانون الدّولي عندما تتحول من بيوت مدنية إلى معاقل إرهابية. ليعلم كلّ مواطن يسمح لحماس باستغلال ممتلكاته لأهدافها أنه يعرّض حياته، وحياة عائلته للخطر». وردت «حماس» فوراً بتكذيب إسرائيل. وقال فوزي برهوم المتحدث باسم «حماس» إن التصريحات الإسرائيلية «مجرد أكاذيب وفبركات تهدف إلى تشويه سمعة المقاومة الفلسطينية وتبرير القتل الجماعي لآلاف المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة».
ويعمل ألف شخص حالياً في مشروع بناء الجدار الإسرائيلي على حدود غزة والذي تبلغ كلفته 1.1 مليار دولار، ومن المقرر أن يكتمل خلال عامين.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد دعا الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من دول العالم المتطور إلى أن تتعلم من إسرائيل «التقنيات التكنولوجية الخارقة في جدار العزل» الذي تقيمه حول قطاع غزة، لكن تبيّن من الجولة الصحافية التي نظمها الجيش الإسرائيلي أن معظم التقنيات التي يبنى بها تعتمد على خبرات، بل وعلى عمل مباشر من شركات أجنبية. فالمواد السرية التي ستوضع في قاع الجدار في عمق الأرض جُلبت من أوروبا، وآليات الحفر ألمانية الصنع، والمهندسون ومشغلو الآليات قدموا من إسبانيا وإيطاليا، وحتى العمال على الأرض ليسوا إسرائيليين، بل تم جلبهم من مولدافيا.
وكان الجيش قد نظّم هذه الجولة ليمرر الرسائل في كل الاتجاهات، فيطمئن المواطنين الإسرائيليين بأنه سيكمل الجدار، رغم تكلفته العالية (نحو نصف مليار دولار)، ويهدد حركة حماس بأنه سيواصل بناء الجدار، حتى لو تسبب في حرب.
وقال قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال إيال زمير، للصحافيين الإسرائيليين والأجانب: «إننا نقوم بالعمل، ولا نبقى غير مبالين أمام التهديد. لقد وفّرنا الحل، ونملك كل الشرعية وكل المبررات المعنوية والأخلاقية. المأزق ينتقل الآن إلى الجانب الثاني. حماس ستضطر إلى إجراء تقييم للأوضاع، الطابة انتقلت إليها. بناء الجدار الخرساني من ناحيتهم هو سبب مبرر للخروج للحرب، لكنني أقول لهم: هذا الجدار سيبنى، سواء مع حرب أو من دونها».
ويسود في القيادة العسكرية اعتقاد بأن العائق الذي يقام حول قطاع غزة يمكن أن يجعل حماس تغيّر السياسة التي اتبعتها خلال السنوات الثلاث السابقة، وتفتح مواجهة مع إسرائيل. وفي ضوء هذا التخوف، بعث الجنرال زمير في تصريحاته هذه تهديداً مباشراً، وأكد أن الجيش يستعد ومستعد للمواجهة مع حماس. وبحسب زمير، فإن «المأزق سيكون لدى حماس، وهي التي يجب أن تقرر. بناء الجدار محفّز على التصعيد المحتمل».
وقد لوحظ أن بناء الجدار الخرساني يشهد تسارعاً هذه الأيام. ويقول الجيش الإسرائيلي إن 10 طواقم مختلفة تعمل حالياً على امتداد حدود القطاع، خصوصاً في شماله، في المناطق القريبة من البلدات الحدودية. وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، سيصل عدد طواقم العمل إلى 40، على أن يتم الانتهاء من العمل خلال سنة ونصف السنة، أو سنتين. ويجري العمل طوال ساعات النهار، وخلال 6 أيام في الأسبوع، فيما يسود تخوف كبير في الجهاز الأمني من محاولة حماس تحدي الجيش خلال فترة بناء الجدار. وفي ضوء ذلك، تم تعزيز القوات حول مواقع البناء. ويعتقد قادة في الجيش الإسرائيلي أن هذا الجدار سيغيّر صورة الأوضاع في محيط قطاع غزة، وسيشطر الأنفاق الهجومية المتجهة إلى إسرائيل، ويوفر معلومات حول كل محاولة لاجتيازه تحت الأرض. ومع إقامة هذا العائق، طوّر الجيش نظرية حرب كاملة لمواجهة التحذيرات التي ستصدر عن هذا الجدار الباطني.
ويجري العمل في بناء هذا الجدار على النحو التالي: بعد تحديد خط البناء وحافتي القناة على عرض 80 سنتيمتراً، تقوم حفارات ضخمة بحفر قنوات على عمق عشرات الأمتار، ومن ثم يتم غمرها بمادة البنتونايت (Bentonite) المعدنية المخلوطة بالماء، التي جلبت من بلغاريا وهنغاريا، بهدف منع انهيار الجدران الداخلية. وبعد الانتهاء من الحفر، يتم إنزال «قفص مسلح» (قضبان حديد مبنية على شكل قفص) في باطن الأرض. وتوجد في هذه الأقفاص أماكن محددة يتم لاحقاً وضع أجهزة الإنذار التكنولوجية فيها تحت الأرض. وبعد ذلك، يتم صب الباطون الذي يؤدي إلى خروج مادة البنتونايت من القناة. وفي حالة اختفاء كمية كبيرة من الباطون فجأة في باطن الأرض، يسود الافتراض بأن هناك نفقاً هجومياً غمره الباطون، وقطع تواصله باتجاه إسرائيل. وبعد الانتهاء من صب الباطون، يتم إدخال أجهزة الإنذار التي ستحذّر من حفر نفق جديد، وتحدد مكانه الدقيق وعمقه. وبعد بناء العائق الباطني، يتم تركيب جدار «الساعة الرملية» الاستقرائية، كتلك المقامة على الحدود بين إسرائيل ومصر. وأما كميات التراب الهائلة التي سيتم استخراجها من قلب الأرض، فسيجري استخدامها لبناء كثيب رملي عالٍ على امتداد الحدود مع القطاع.
يشار إلى أن الجيش ينوي، لدى وصول الجدار إلى شاطئ البحر، مواصلة إنشاء عائق في البحر يشبه كاسر الأمواج. وسيرتفع الجدار فوق سطح الماء بستة أمتار، سيتم عليه تركيب مجسات ومعدات استخبارية ستصعّب على وحدات الكوماندو البحري التابعة لحركة حماس التسلل إلى إسرائيل، حيث حاولت هذه الوحدات اقتحام الأراضي الإسرائيلية خلال حملة الجرف الصامد قبل 3 أعوام.
وكل هذه المرافق ستكون مرتبطة بمرافق سيطرة وتحكم مركزي. وتبلغ كلفة كل كيلومتر من هذا العائق، بجميع مركباته، نحو 42 مليون شيقل (13 مليون دولار)، علماً بأن طول الجدار في المنطقة البرية يبلغ 65 كيلومتراً. ومن أجل تنفيذ هذا المشروع، تقام حالياً على طول الحدود مع القطاع 6 مصانع لإنتاج الباطون، بهدف تخفيض تكلفة الجدار.
واستعرض الجنرال زامير معلومات استخبارية شملت صوراً تم التقاطها من الجو لمنازل عائلات في قطاع غزة قامت حماس ببناء فتحات فوق أرضيتها للدخول إلى الأنفاق التحت أرضية. وبحسب أقواله، فإن بعض هذه الفتحات مخصص للاستخدامات الدفاعية، وبعضها مخصص للهجوم والتسلل إلى داخل إسرائيل. وفي معرض تطرّقه لواحد من هذه المباني، المحاذية لأحد المساجد، قال الجنرال: «حماس تقوم باستغلال الحيز المدني لبناء بنى تحتية عسكرية، وتستخدم لهذا الهدف السكان المدنيين. نحن نعرف صاحب المنزل، ونعرف أن عائلته مكونة من 5 أطفال، ولدينا معلومات استخبارية دقيقة تمكن جهاز الاستخبارات العسكرية وجهاز الشاباك من الحصول عليها، والموجودون في تلك المنازل، في البنى فوق الأرضية، يعرّضون حياتهم وحياة أبناء العائلة كلها للخطر. إن حماس تواصل تعريض حياة السكان المدنيين للخطر في القطاع».
وكشف زامير أن «حماس» أطلقت، أخيراً، طائرة مسيّرة لهدف جمع معلومات داخل إسرائيل، وقد سقطت هذه الطائرة في الأراضي الإسرائيلية.