«ملشنة» الإعلام في اليمن... الصحافيون والرقص على نغمات الهرب

إحدى قريبات مصور قتل جراء قنبلة حوثية تبكيه في تعز (غيتي)
إحدى قريبات مصور قتل جراء قنبلة حوثية تبكيه في تعز (غيتي)
TT

«ملشنة» الإعلام في اليمن... الصحافيون والرقص على نغمات الهرب

إحدى قريبات مصور قتل جراء قنبلة حوثية تبكيه في تعز (غيتي)
إحدى قريبات مصور قتل جراء قنبلة حوثية تبكيه في تعز (غيتي)

إذا كان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، قال ذات مرة إنه يرقص على رؤوس الثعابين، فإن الصحافيين اليمنيين يرقصون هم أيضاً، ولكن على وقع نغمة الهروب من أعين القناصة.
22 صحافياً يمنياً دفعوا ثمن كشف الحقيقة منذ بداية انقلاب الحوثي وصالح على اليمن واستيلائهم على السلطة في سبتمبر (أيلول) 2014، وفقاً لما أفاد به وزير حقوق الإنسان اليمني الدكتور محمد عسكر «الشرق الأوسط»، مضيفاً أن هناك 166 إعلامياً مختطفاً ومخفياً ومعتقلاً، وهم جزء من 611 حالة انتهاك للحريات.
«لقد حول الانقلاب الإعلام إلى ثكنات عسكرية، وتم طرد كل من ليس معهم في الإعلام الرسمي وقطعوا رواتبهم وطردوهم وتعرض كثير منهم للضرب من زملائهم في أماكن العمل، وأحياناً من قبل المرافقين التابعين للإعلاميين الانقلابيين الذين تحولوا إلى ميليشيات»، وفقاً لنجيب غلاب وكيل وزارة الإعلام اليمنية، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن الحوثيين «ملشنوا الإعلام، باعتباره في الأهمية يأتي بعد العمل العسكري الميليشاوي، لذا فالإنفاق على الإعلام كبير وفي صنعاء وحدها هناك أكثر من 19 إذاعة إف إم».
ومنذ بداية العام، يقول وزير حقوق الإنسان اليمني: «ارتكبت الميليشيات 161 حالة انتهاك لحرية الصحافة والصحافيين، توزعت بين القتل والتهديد بالقتل والتعذيب وقرصنة المواقع، فضلاً عن إيقاف مؤسسات إعلامية عن العمل ومصادرة الرواتب وإيقافها، إلى جانب مصادرة مقتنيات الصحافيين». ويكمل: «هذا العام أيضاً، قتل 3 إعلاميين منهم المصور تقي الدين الحذيفي والصحافي وائل العبسي وسعد النظاري، واختفى واعتقل 41 آخرون».
وكانت الميليشيات عممت أسماء بقائمة من الصحافيين بأنهم مطلوبون أمنياً لديها بسبب ما يكتبونه، أو حتى من يظهرون معلقين على القنوات الإخبارية، وفقاً لصحافي يمني فضل عدم ذكر اسمه وقاية من الاستهداف.
وكيل وزارة الإعلام اليمنية يرى أنه «رغم المخاطر والمعاناة فإن الصحافي اليمني يقاوم ويواجه ويقوم بمهام كشف الواقع وتقديم التقارير والتحليلات في مواجهة مظالم وطغيان سلطة السطو، والتقارير تميط اللثام عن الانتهاكات، لذلك أصبح الصحافي أكثر شجاعة وحزماً، وتجاهل المخاطر».
ويذهب الوكيل إلى أن الانقلابيين أسكتوا الأصوات بما في ذلك المحايدة، وأعادوا بناء إعلام «لا هدف له ولا وظيفة غير تمرير جريمة الانقلاب وخطاب تحريضي على كل من يخالفه، والسعي لتكوين ذهنية معادية للهوية الوطنية وللعرب والعالم»، متابعاً: «بدأ الانقلاب يلاحق الصحافيين حتى الذين فضلوا الصمت وشكك بهم وأنهم يعملون بشكل سري ويكشفون جرائمه».
ويستطرد غلاب بالقول: «لقد حدثت أكبر عملية تهجير قسري للصحافيين في عهد الانقلاب، فكثير منهم عاد إلى قريته وأغلبية أخرى فضلت الهجرة، وتجد الصحافي اليمني إما في العواصم العربية، وبعضهم أصبح لاجئاً في بعض الدول الأوروبية وأميركا ودول شرق آسيا».
وأغلب الإعلام المعارض اليوم للانقلاب - والحديث لغلاب - يعمل من الخارج، باستثناء الإعلام الذي نشط في المناطق المحررة بعدن ومأرب والمكلا، وهو إعلام متنوع.
ويبقى الرهان لكل صحافي ميداني في اليمن، على قدر تمكنه من الرقص على نغمات الهرب، إلى أن يحين الرقص على أنغام عودة البلاد إلى شرعيتها.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.