أية حداثة نعيش؟

مفكرون يرون أنها انحرفت عن طريقها المستقيم

أية حداثة نعيش؟
TT

أية حداثة نعيش؟

أية حداثة نعيش؟

بعد أن شبعت من القراءات الشعرية انتقلت إلى الفكر والفلسفة لتغذية نفسي وتثقيف حالي وتقليص جهلي أو جهالاتي. أمامي على الطاولة الآن خمسة كتب تستحق الاهتمام. ثلاثة من هذه الكتب لمؤلف واحد ابتدأتُ الاهتمام به أخيراً هو: البروفسور ريمي براغ. وهو أستاذ الفلسفة العربية والمسيحية واليهودية في جامعتي السوربون وميونيخ بألمانيا. إنه شخص موسوعي الثقافة راسخ العلم يعرف عما يتحدث بالضبط.
ومنذ البداية سأقول لكم إنه بأنه فيلسوف مؤمن لا ملحد على عكس معظم فلاسفة فرنسا المعاصرين. وكتبه الثلاثة هي في نقد الحداثة لا في تمجيدها على طول الخط، كما يفعل الآخرون. هذا لا يعني أنه لا يعترف بإنجازاتها وإيجابياتها. أبداً... لا. فهو يعترف بالتقدم الكبير الذي حققه علم الطب والصحة العامة والنظافة في المجتمعات الحداثية المتطورة. ويعترف بأن مستوى المعيشة قد ارتفع وتحسَّنَت أحوال الناس بشكل ملحوظ قياساً إلى العصور الوسطى، أو قياساً إلى مجتمعات ما قبل الحداثة في الدول الأخرى، خصوصًا في عالمنا العربي الإسلامي السائر نحو حداثته الخاصة وتنويره المبدع بإذن الله. وبالتالي فالحداثة ليست كلها سلبيات في نظره. ولكنه يعني أنها انحرفت عن الطريق المستقيم وأسرفت في الشطط والغلو وبلغ السيل الزبى. بالله عليكم هل تعتقدون أن زواج الرجال بالرجال حداثة؟! هم يعتقدونه قمة الحداثة والمؤلف - وأنا معه - نعتبره قمة الانحطاط. وهل تعتقدون أن استئجار بطون الأمهات من قبل الشواذّ الذين لا يستطيعون الإنجاب بطبيعة الحال حداثة؟ نحن نعتبره بدعة شيطانية وزندقة كبرى وشرّاً مستطيراً. ليقولوا عني في الأوساط الباريسية ما يشاءون بعد نشر هذا المقال. ليرجموني بالحجارة. فأنا شخص رجعي قلباً وقالباً. ولا أستطيع أن أتطور بأي شكل من الأشكال. حاولتُ فلم أُفلِح. هل أشنق حالي؟ هل أنتحر؟ حتى الآن جوبيه اعترف بأنه يجد صعوبة بالغة في القبول بذلك. هذا لا يعني بطبيعة الحال أني لا أعترف بحق المثليين في العيش بسلام وأمان. هذا لا يعني احتقاراً لكرامة أي إنسان. ربما قال قائل متعجباً ومندهشاً: لم يطبل أحد للحداثة ولم يزمر أكثر مما فعلت أنت على مدار ثلاثين سنة متواصلة فما عدا فيما بدا لكي تنقلب عليها الآن؟ ألن تفقد مصداقيتك إذ تنقلب على مواقعك السابقة بمائة وثمانين درجة؟ وأجيب فورا: لم أنقلب على التنوير والحداثة على الإطلاق وإنما على المبالغة في الشذوذ والصرعات الفاسدة. نقطة على السطر. لا أزال مغرماً بالحداثة، ولكن ليس بانحرافاتها وشططها وغلوها. اللهم قد بلغت.
الكتاب الأول لريمي براغ يحمل العنوان التالي: «حداثي باعتدال. الأزمنة الحديثة أو اختراع حيلة وخداع وغش». العنوان قوي وربما عدواني إلى حد كبير. ولكنه صادر عن مفكر مسيحي كاثوليكي يؤمن بأن الدين لم يقل كلمته الأخيرة بعد. يقول المؤلف بكل صراحة ووضوح: ينبغي أن نكون حداثيين باعتدال لا بشكل مطلق كما قال رامبو في عبارة شهيرة. وينبغي أن نتخذ مسافة كافية عن هذا المرض المدعو بالحداثة. ماذا يمكن أن يقول فيلسوف قرر ألا يتقدم مقنعاً عن هذه الأزمنة الشهيرة المدعوة: بالأزمنة الحديثة؟
إنها حداثة تفتخر بالقطيعة المطلقة مع كل شيء: مع التراث والماضي والأقدمين. ولكن ماذا اخترعت هذه الحداثة؟ بالله عليكم قولوا لي: ماذا أنجبت وابتكرت؟ هل تعلمون بأن الأفكار الحديثة ليست إلا أفكاراً قديمة سابقة على الحداثة، ولكنهم موَّهوها تحت اسم آخر كسلعة مسروقة؟
هذه الكلمات قد تبدو مسرفة وقاسية جداً، وأنا شخصياً لا أتحمل مسؤوليتها. ولكن يحق للمؤلف أن يعبِّر عن رأيه. فنحن في بلد ديمقراطي لا توجد فيه حقيقة مطلقة معصومة ينبغي أن يخضع لها الجميع دون نقاش. ولا يوجد رأي واحد في القضايا العامة، وإنما رأيان، أو قل آراء كثيرة متنوعة. توجد تيارات فكرية متعددة لا تيار واحد مفروض عليك من فوق. التعددية مشروعة هنا وهي تعتبر نعمة لا نقمة. وعلى أي حال، فإن المؤلف يستعرض مفاهيم من نوع الحداثة، والثقافة، والتاريخ، والعلمانية، والتقدم، ويكشف عنها الستار. قد يكون يمشي ضد التيار السائد والجارف في فرنسا ولكن هذا شيء مفيد ومضيء حتى ولو لم نتبعه في كل شيء. وعلى أي حال فهو يمتعنا إذ يتحدث عن مفكري الماضي الذين خرجوا على الإجماع العام والدروب المطروقة، وعن الأفكار المنسية. كما يقدم لنا المقارنات المضيئة التي تجعلنا نتقدم إلى الأمام.
أما الكتاب الثاني لهذا المؤلف ذي الخلفية المسيحية الكاثوليكية فهو بعنوان: «إلى أين يذهب التاريخ؟»، وهو جملة مقابلات معمقة مع الباحث الإيطالي غيليو بروتي. إنه كتاب يتحدث عن فلسفة التاريخ. وفيه أشياء كثيرة عنا نحن. أقصد عن تراثنا العربي الإسلامي وفلاسفتنا الكبار من أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد وأبي بكر الرازي. ويبدو أنه معجب بالفارابي وابن سينا والرازي أكثر بكثير من ابن رشد الذي بقي أصوليّاً في أعماقه. والدليل على ذلك كما يقول ريمي براغ هو أن ابن رشد كتب في تهافت التهافت ما معناه: «إن إنكار المبادئ الدينية أو مجرد مناقشتها يضع وجود الإنسان ذاته في حالة خطر. ولهذا السبب فينبغي قتل الزنادقة». كلام ابن رشد الحرفي هو التالي: «ولذلك يجب على كل إنسان أن يسلم بمبادئ الشريعة فإن جحدها والمناظرة فيها مبطل لوجود الإنسان، ولذلك وجب قتل الزنادقة. فالذي يجب أن يقال فيها: إن مبادئها هي أمور إلهية تفوق العقول الإنسانية فلا بد أن يعترف بها مع جهل أسبابها». يعلق ريمي براغ على ذلك قائلاً: «ولذا عندما أسمع بعضهم يتحدث عن ابن رشد كمفكر حرّ ومحامٍ كبير عن التسامح والحرية الاعتقادية فإنني أبتسم بهدوء». ونحن نعلق على كلامه قائلين: تسامح ابن رشد كان تحت سقف العصور الوسطى، يا أستاذ، لا تحت سقف العصور الحديثة. وبالتالي فلا ينبغي أن نبالغ في أهميته ولا أن ننتقص منها. لا ينبغي أن نطالبه بالمستحيل. فالحرية الاعتقادية الكاملة كانت تشكل اللامفكر فيه أو المستحيل التفكير فيه بالنسبة لتلك العصور. وفهمكم كفاية. ولكن ينبغي الاعتراف بأن ابن رشد كان أصوليّاً حقيقيّاً على عكس الفارابي وابن سينا اللذين لم يدعوا إلى قتل أحد بسبب اعتقاده أو عدم اعتقاده. هذا لا يعني إنكار أهميته كشارح للفلسفة الأرسطوطاليسية ومدافع عنها. ولكنه كان يحجم الفلسفة بالدين. وبالتالي فالحرية الفكرية ملجومة عنده وتتوقف عند حدود معينة لا ينبغي تخطيها بأي شكل. ذلك أن الكلمة الأخيرة تبقى للشرع والدين.
انتقل إلى الكتاب الثالث من كتب ريمي براغ. وهو الأهم والأضخم. وهو الذي كرس شهرته الفلسفية أخيرا. عنوانه الرئيسي هو التالي: «عهد سيطرة الإنسان». وعنوانه الثانوي هو: «منشأ المشروع الحديث (أو مشروع الحداثة) وفشله».
هكذا تلاحظون أنه يلاحق الحداثة ملاحقة ضارية بلا هوادة. بالطبع لا تنتظروا مني أن ألخص لكم كتاباً عويصاً يحاذي الأربعمائة صفحة من القطع الكبير بكلمات معدودات. يكفي أن أقول ما يلي: يرى المؤلف أن الإنسان كان في الماضي يعتبر نفسه من مخلوقات الله أو الطبيعة. ولكنه منذ الآن فصاعداً بلغ به الغرور مبلغه فأصبح يعتقد أنه هو خالق نفسه بنفسه! لم يتجرأ في أي فترة سابقة على هذا التبجح. فقط في عصر الحداثة أصبح يعتقد أنه هو خالق قِيَمِه وإنسانيته وعوالمه الخاصة. وهو يريد أن يتحكم بالطبيعة من جهة ويتحرر من الإيمان بالله من جهة أخرى. إنه يريد أحداث القطيعة المطلقة مع الماضي عن طريق تشكيل قوانينه بذاته خارج أية إشارة إلى التعالي السماوي..
كان ديكارت يحلم بأن يسيطر الإنسان على الطبيعة تكنولوجيا. وهذا ما حصل لاحقاً. ولكن بعد قرنين ظهر نيتشه وأعلن الإلحاد المطلق بل، وقال إنه ينبغي تجاوز الإنسان عن طريق ظهور مخلوق جديد أقوى وأعلى هو السوبرمان. هذه الأفكار وكثير غيرها هي التي يناقشها ريمي براغ في هذا الكتاب. إنه يحفر أركيولوجيا على جذور مشروع الحداثة لكي يعرف كيف تشكل لأول مرة.
بقي أن أتحدث لكم بسرعة عن كتابين آخرين الأول لتودوروف والثاني لمفكر غير معروف يدعى فيليب بينيتون. ولنبتدئ به. عنوان كتابه: «الاختلال الأخلاقي للغرب». والمؤلف هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة رين غرب فرنسا، كما أنه أستاذ في المعهد الكاثوليكي للدراسات العليا. وكذلك فهو أستاذ زائر في جامعة جنيف. ونلاحظ أنه مثل ريمي براغ يشنّ هجوماً عنيفاً على انحرافات الحداثة وإفرازاتها المرَضِية التي ظهرت للعيان أخيراً. فهو يدين الإباحية العامة المعممة التي تهيمن على المجتمعات الغربية حاليا. كما يدين النزعة النسبوية العدمية التي تقول إن كل شيء يتساوى مع كل شيء. فالشاذ والطبيعي سيان. وهذا شيء خطير ويهدد أسس الحداثة التي كانت رائعة إبان انطلاقتها الأول في عصر النهضة والتنوير. ولكنها انقلبت الآن على ذاتها وأصبحت مريضة فعلاً.
أخيراً اسمحوا لي بكلمة واحدة عن كتاب تودوروف: «الخوف من البرابرة: فيما وراء صدام الحضارات». أولا ينبغي القول إننا نفتقد تودوروف الآن بعد أن رحل عنا قبل أشهر. نفتقد صوته الحميمي الدافئ ونزعته الإنسانية الحقيقية التي تتجلى في هذا الكتاب المهدى إلى إدوارد سعيد.



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.