نقص في التعليم التخصصي المكثف أمام حاجة سوق العمل السعودية

بين مؤيد ومعارض لحصر التخصص العملي بالتعليم

نقص في التعليم التخصصي المكثف أمام حاجة سوق العمل السعودية
TT

نقص في التعليم التخصصي المكثف أمام حاجة سوق العمل السعودية

نقص في التعليم التخصصي المكثف أمام حاجة سوق العمل السعودية

يعد التعليم المتخصص بمثابة شارة البداية، لكل فرد يرغب في تطوير مهاراته في تخصص دقيق ومحدد، دون التفرغ للدراسة الأكاديمية لفترة طويلة، كون الدبلوما التخصصية لا تستغرق أكثر من عامين لإنهائها، ويكتسب من خلالها المتعلم أساسيات علمية ومعلومات مكثفة في مدة قصيرة، لا تخلو من التدريب العملي.
وبين مؤيد ومعارض لفكرة التعليم التخصصي المكثف، ما زالت هناك حاجة ملحة لتطوير المهارات العملية والشخصية، وأصبحت مطلبا هاما لسوق العمل بالسعودية، لا سيما في القطاع الخاص والمجالات الإبداعية، كالتسويق والبرمجة وهندسة الديكور والتصميم وغيرها.
دعاء سليم، مصورة فوتوغرافية، أشارت في حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أن التعليم المتخصص مطلب هام اليوم لكل مصور يرغب بالاحتراف في مجاله كونه تخصصا متجددا بتقنياته، وطرق التقاط الصور، وتطور العامل في هذا المجال يأتي بدراسته للأساسيات أولا ثم انطلاقه نحو التعلم الذاتي عبر الإنترنت وتكوين العلاقات عبر شبكات التواصل الاجتماعية. وتقول دعاء: «تعلمت بنفسي عبر القراءة والاطلاع، والتواصل مع المصورين المحترفين، والتحقت بدورات قصيرة لكن الاستفادة ستكون أكبر لو تعلمت في معاهد متخصصة وهذا ما أسعى له ولكن خارج السعودية لعدم توفر بيئة تعليمية متخصصة بالمجال».
والمطلع اليوم على سوق العمل لا يرى أن هناك ربطا مباشرا بين التخصصات الأكاديمية والوظائف الإبداعية، بحيث لا يحد إبداع الشخص بتخصصه الجامعي. فإيمان العبدان، التي تعمل حاليا في مجال الكتابة الإبداعية أو كتابة المحتوى (Copywriting) منذ سنة ونصف السنة، ترى أنه مجال حيوي ممتع ومتجدد، يتطلب لغة سليمة وقدرة على التلاعب بالكلمات وأسلوبا يجذب القارئ وفهما شاملا للبيئة المحيطة والعادات والتقاليد، المقبول والمردود. تقول إيمان: «لم أدرس أسس كتابة المحتوى ولم أتلق تدريبا مخصصا في هذا المجال، وإنما تعلمته من خلال الممارسة في شركات دعاية وإعلان وقسم التسويق في شركات أخرى»، وتضيف: «أدت مواد اللغة العربية التي درستها دورا هاما في هذا المجال، لكني أعتقد أن التعليم لا يمكن أن يساهم في إثراء التخصص بالتحديد لعدة أسباب، لعل أولها أن المجال متغيّر باستمرار حسب اتجاهات السوق، ثم إن التعليم قد يؤطر ويحدد الجانب الإبداعي إذا شعر المتعلم أنه ملزم بتطبيق ما تعلّم، وأخيرا لأن المجال قائم على المعرفة والاطلاع والقراءة المستمرة في جميع المجالات».
وقد يدعم التعليم التخصصي المكثف، التخصصات الجديدة كليا على سوق العمل والتي برزت خلال الأعوام الماضية، كالتسويق والتجارة الإلكترونية، والمشاريع الإبداعية كالمخترعات والابتكارات العلمية والتي بدأت فرق عملها بتأسيس شركات ومؤسسات ناشئة في ذات المجال، حيث كشفت دراسة متخصصة في التمويل، أن ريادة الأعمال واحدة من أسس نمو الاقتصاد السعودي، فتمثل المشاريع التجارية اليوم أكثر من 93 في المائة، من مجموع المشاريع من خلال 1.8 مليون منشأة صغيرة ومتوسطة، توجهت الحديثة منها والمؤسسة خلال العام الحالي لجانب الابتكار في سبيل التحول التدريجي نحو الاقتصاد المعرفي.
ويعد مجال برمجة وتطوير الألعاب الإلكترونية اليوم، صنعة جديدة للمتخصصين في مجال الرسم أو التصميم الرقمي، والمبرمجين، بعد تراكم خبراتهم بممارسة هواياتهم كلاعبين، وتجمعهم في فرق عمل لمشاريع تخدم المجال وتطوره، لوجود قوة شرائية هائلة للألعاب في السعودية والخليج، تفوق باقي الدول المتخصصة في هذه الصناعة كاليابان والولايات المتحدة الأميركية. ويعتبر فريق «جيكون»، ومؤسساته تسنيم سليم ونجلاء العريفي وفلوة السويلم، أن العمل في تطوير هذا المجال عبر الملتقيات المتخصصة تجربة جديدة بالنسبة لهن وللمجتمع بالسعودية، حيث واجهن عدة تحديات عند البدء قبل أكثر من عام؛ أهمها قلة المصادر المالية وعدم ثقة الشركات في وجود جمهور لاعبات ومطورات بالأساس. ويعتبرن أن تطوير مجتمع مطورات الألعاب يحتاج جهودا متكاتفة من جهات عدة، تعليمية وأكاديمية وحكومية وقطاع خاص لدعم هذا المجال وتطويره.



{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).