ألمانيا... في مهب الرشى المالية

مطار برلين أهم ضحاياها

ألمانيا... في مهب الرشى المالية
TT

ألمانيا... في مهب الرشى المالية

ألمانيا... في مهب الرشى المالية

حسب المعايير الدولية، فإن أكبر خطر يهدد نمو البشرية لا يكمن فقط في نشوب الحروب وانتشار الأسلحة الفتاكة، بل أيضاً في الرشى، التي أصبحت تتم حاليا على مستويات عالية، وغالبا من دون محاسبة. فهي لم تعد تقتصر على رشوة موظف بسيط في دائرة ما بمبلغ متواضع لتسهيل معاملة، بل تحولت إلى مصدر ثروة لكبار السياسيين والمسؤولين في معظم أنحاء العالم.
والمشكلة الكبيرة، أن هذه الرشى والفساد الذي يتم في المراكز ذات السلطة التنفيذية تسهل تمرير عمليات غير شرعية في قطاعات حيوية مهمة، وهذا بدوره يساهم في تراجع الإيرادات، وبالتالي يحدث تقصير في تحقيق أي نوع من الاستثمارات التي تنشط الوضع الاقتصاد لتحسين وضع الفرد والطبقة الفقيرة، والشاهد على ذلك ما يحدث في الدول منها النامية أو الفقيرة.
والمشكلة الصعبة، أن لا أحد يقوم بمحاسبة الفاسدين أو المرتشين، لأنهم أصبحوا يعملون ضمن شبكات يساندها منتفعون لا يطالهم القانون، ومن سخرية القدر أن هؤلاء في الكثير من الأحيان هم واضعو قوانين لمحاربة تلقي الرشى والفساد؛ وعليه فإن هذه الآفة ستظل تمثل أحد أكبر المخاطر الحقيقية في وجه التطور، حتى ولو سنت قوانين لمحاربتها، بيد أنها لم تعد تحدث في إطار تمرير اتفاقيات تجارية، بل في كل القطاعات حتى الطبابة، بعد الفضائح الكبيرة في ألمانيا بتلقي أطباء رشى مالية من أجل الترويج لبعض العقاقير أو الأجهزة الطبية.

قوانين لمحاربة الرشى والغش
لقد دفع هذا التفاقم في تلقى الرشى وعمليات الغش، إلى تشكيل تنظيمات في معظم بلدان العالم، منها ألمانيا، رغم قوانين الشفافية في المجتمعات لمحاربة عمليات الرشى وكشف تجاوز القانون، وقد صدرت عن الأمم المتحدة مجموعة قوانين في هذا السياق، ومع أن ألمانيا رائدة في مكافحة الفساد، حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية، إلا أن الكثير من الضوابط فيها ما زالت رخوة؛ مما سمح بوقوع عمليات غش ضخمة.
ويمكن أن تحدث رشى من أجل الدفع بتوقيع اتفاقية تجارية مهمة ودسمة في العلاقات التجارية المتبادلة، الحكومية أو غير الحكومية، رغم أن معظم الدول لديها قوانين تحظر عرض مال أو هدية، أي شيء ذي قيمة أو الوعد به أو تقديمه مقابل الحصول على ميزة تجارية غير قانونية، وجب الإبلاغ عنها في حال وقوع مثل هذه الانتهاكات أو وجود احتمال في حدوثها.
وهذا القانون واضح كل الوضوح أيضا في ألمانيا، إلا أن اللائحة التي تخرج إلى النور كل عام لا تثير فقط الغضب، بل والحيرة والتساؤل عن سبب غياب الجهات التي يجب أن تحاسب مرتكبي هذه التجاوزات الخطيرة التي لا تلحق الضرر بجهات معينة، بل بالاقتصاد الألماني بالكامل.
فالشعار المرفوع في ألمانيا: «لم يعد من الممكن اعتبار الفساد ودفع الرشى الطريق السليمة للأنشطة الاقتصادية في ألمانيا»، لا يعكس ما يحدث حقيقة على أرض الواقع، ففي الممارسات العملية يحدث الفساد بأشكال مختلفة: من عمليات فساد على المدى الطويل إلى شبكة من الفساد ودفع الرشى التي أصبحت قانونيا جزءا من الجريمة المنظمة والقائمة التي صدرت هذا العام تحمل 580 اسما من شخصيات وشركات ومصانع، إما تلقت رشى أو دفعت رشى على مدى زمن طويل، والمبالغ ما بين عشرات الآلاف والملايين.

برنامج تلفزيوني لمحاربة الرشوة
ومن أجل كشف النقاب عن هذه العمليات، خصصت محطة التلفزيون الثانية، وهي للقطاع العام غير ربحية، بعض الحلقات أكدت على أن الكل يعرف ما يحدث، لكنه لا يتحدث. هذا الوضع دفع بالكثيرين إلى طرح السؤال: إلى أي مدى متغلغل الفساد في ألمانيا؟ فالأرقام التي تنشر تظهر بأن تلقي الرشى والعمولات هي أكثر مما كان متوقعا، والشرطة والمدعون العامون يواجهون صعوبات في مكافحة الفساد، فالقانون السائد هو قانون الصمت، أي أن الكل يعلم ذلك، لكن لا أحد يتحدث عنه، رغم أن عمليات الفساد تكون نتيجتها إتلاف القيم الأساسية لدولة الدستور ديمقراطيا واجتماعيا.
ففي العام 2004، سجل المكتب الجنائي الاتحادي نحو 20300 جريمة فساد في ألمانيا مختلفة الأحجام بما قيمته 140 مليون يورو دفعت معظم المبالغ نقدا، وفي هذا الصدد، يقول فولفغانغ شوابنشتاينر، المدعي العام السابق والمتخصص حاليا في مكافحة الرشى والفساد: لا يكاد يكون هناك قطاع في ألمانيا يخلو من الفساد، في كل مكان في القطاع الخاص كما القطاع العام، فأنظمة الرشوة تعمل دون عائق؛ لذا فإن أفضل الإجراءات القانونية هي تشديد العقوبات أكثر مما هو معتاد في المحاكم الألمانية.
ووفقا لإحصائيات المكتب الجنائي الاتحادي، فإن عمليات الرشى شائعة كثيرا في قطاع الخدمات وفي مجال التجارة وتجارة السيارات وقطاع البناء من أجل التسريع بالحصول على إذن بناء أو ترميم، أيضا في شركات ومصانع كبيرة ومتوسطة وصغيرة ما سبب خسائر اقتصادية في عام 2014 وحده نحو 358 مليون يورو، ومع ذلك فإن الخسائر المالية الفعلية أعلى من ذلك بكثير لأن أضرار الفساد، وبخاصة في التصاريح والعقود التي تبرم يصعب قياسها كما. عدا عن ذلك فإن عدد التجاوزات غير المُبلغ بها ضخم وتبقى غير مكتشفة.

نقص في جهاز القضاء
ولقد اشتكت الجمعية الألمانية للقضاة من عدم وجود الأعداد الكافية من المحققين للكشف عن المزيد من هذه المخالفات الخطيرة، وأكد رئيسها الدكتور بيتر شتاينرهان، أن رغبة المدعين العاميين موجودة، لكن ينقصهم بعض الأحيان الوسيلة والموظفون، فالتحقيقات معقدة للغاية وعدد القضايا التي يجب أن تعالج كبير جدا؛ لذا يبقى الفساد في الشركات على نطاق واسع رغم سياسات مكافحة الفساد التشغيلية وقواعد الالتزام. وذكر شتاينرهان، أن مصدرا من قطاع العقارات اعترف بأن عمليات الرشى المحترفة تتم بين المقاولين بنسبة تراوح بين الـ30 والـ40 في المائة، ولا أحد يخشى الملاحقة.
ومن عمليات الرشى الضخمة، تلك التي دفعها مديرو اتحاد شركات سيمنز، وكشف النقاب عنها عام 1997؛ فمقابل الحصول على مناقصة لرقمنة شبكة الهواتف في اليونان دفع مديرو فروعها هناك من أموال الشركة ما يعادل 70 مليون يورو (قرابة 130 مليون مارك ألماني) لشخصيات يونانية تعمل في مؤسسات حكومية، بعدها شهدت قاعات محاكم أثينا جلسات كثيرة لمحاكمة 64 شخصا، من بينهم 13 ألمانيا ومدير مكتب «سيمنز» السابق هاينريش فون بيرر، ومدير فرع «سيمنز» للاتصالات سابقا، واليوناني ميشائيل كريستوفوراكوس، والتهم ليست فقط الرشوة، بل وغسل الأموال، إلا أن القضية ما زال يسودها الغموض، وكانت آخر جلسة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2014، كانت مسرحية هزلية غاب عنها كل كبار المتهمين، بعدها، ومن أجل إظهار محاربتها للفساد والرشى أوكلت الشركة الأم في ألمانيا قانونيين لإعادة تقييم.
وبالفعل قدموا نتائج تحقيقاتهم في 800 صفحة بقيت في أدراج مجلس الإدارة. إلا أن هذه الفضيحة كلفت «سيمنز» غاليا، حيث اتفقت الشركة مع الحكومة اليونانية على تنازلها عن فاتورة قيمتها 80 مليون يورو والاستثمار في برامج تدريب وتعليم في المعاهد اليونانية وألزمت فرعها بزيادة استثمارها من أجل أحداث أماكن عمل في اليونان.
وفي عام 2009، هزت ألمانيا فضحية مثيلة طالت شركة «مان» ومركزها في ميونيخ، وهي من الشركات الرائدة في صناعة المعدات الهندسية والمركبات التجارية. فبعد الشكوك التي حامت حولها كشفت تحقيقات المدعي العام في ميونيخ، عن أن الشركة دفعت أكثر من 80 مليون يورو في 20 بلدا من عام 2001 وحتى عام 2007 إلى حكومات وشركاء تجاريين من أجل إبرام صفقات بيع شاحنات وحافلات من صنعها، واضطر الرئيس التنفيذي للشركة هاكان سمويلسون وأعضاء مجلس الإدارة يومها، إلى الاستقالة ودفعت الشركة غرامة قيمتها 150 مليون يورو، وفي الأول من شهر مايو (أيار) عام 2010، ولتخطي انعكاسات ما حدث دخلت شركة مان في مشروع مشترك مع شركة راين ميتال وأسستا معا شركة راينميتال مان للمركبات العسكرية.

مطار برلين ضحية الرشى
عطلت عمليات الغش والرشى حتى اليوم افتتاح مطار برلين – براندنبورغ، وكان من المفترض بدء العمل فيه عام 2012، من بينها اكتشاف غش الشركة التي أوكلت ببناء نظام صيانة للمبنى من الحريق والغازات السامة، وظلت إدارة المطار تتحدث عن يوم الافتتاح وكان في الـ4 من شهر يونيو (حزيران) عام 2012، وتحضرت الشركات والمحال التجارية التي تريد فتح فروع لها فيه للانتقال، والبعض منها أنهى عقود الإيجار في مطار تيغل الصغير، لكن فوجئ الجميع قبل أيام قليلة باعتراف الشركة بالعطل، وبأنها كذبت فيما يتعلق بإنهائها العمل، واليوم يقف أحد المسؤولين الكبار فيها أمام القضاء بتهمة الحصول على الملايين والكذب. ولم تتوقف المشاكل في هذا المطار حتى اليوم، حيث يستجوب حاليا المدير السابق للمطار هورست أمان بتهمة الاستيلاء على مبالغ ضخمة.
وفي عام 2015، كشف النقاب عن دفع مصانع أدوية دولية وألمانية لمستشفيات وأطباء نحو مليار يورو للإكثار من وصف منتجاتها للمرضى، أيضا تفضيل دراسات تقوم بها على أدوية معينة لمعرفة مدى فاعليتها على أنواع من الأمراض، والرشى لم تكن مادية فقط، بل دفع تكاليف دورات تدريبية لطواقم مستشفات وعيادات أو لأطباء وتكاليف سفر.



بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)

قالت الصين الخميس إن تحقيقاتها في ممارسات الاتحاد الأوروبي وجدت أن بروكسل فرضت «حواجز تجارية واستثمارية» غير عادلة على بكين، مما أضاف إلى التوترات التجارية طويلة الأمد.

وأعلنت بكين عن التحقيق في يوليو (تموز)، بعدما أطلق الاتحاد تحقيقات حول ما إذا كانت إعانات الحكومة الصينية تقوض المنافسة الأوروبية. ونفت بكين باستمرار أن تكون سياساتها الصناعية غير عادلة، وهددت باتخاذ إجراءات ضد الاتحاد الأوروبي لحماية الحقوق والمصالح القانونية للشركات الصينية.

وقالت وزارة التجارة، الخميس، إن تنفيذ الاتحاد الأوروبي للوائح الدعم الأجنبي (FSR) كان تمييزاً ضد الشركات الصينية، و«يشكل حواجز تجارية واستثمارية». ووفق الوزارة، فإن «التطبيق الانتقائي» للتدابير أدى إلى «معاملة المنتجات الصينية بشكل غير موات أثناء عملية التصدير إلى الاتحاد الأوروبي مقارنة بالمنتجات من دول أخرى».

وأضافت بكين أن النظام لديه معايير «غامضة» للتحقيق في الإعانات الأجنبية، ويفرض «عبئاً ثقيلاً» على الشركات المستهدفة، ولديه إجراءات غامضة أنشأت «حالة من عدم اليقين هائلة». ورأت أن تدابير التكتل، مثل عمليات التفتيش المفاجئة «تجاوزت بوضوح الحدود الضرورية»، في حين كان المحققون «غير موضوعيين وتعسفيين» في قضايا، مثل خلل الأسواق.

وأوضحت وزارة التجارة الصينية أن الشركات التي عدّت أنها لم تمتثل للتحقيقات واجهت أيضاً «عقوبات شديدة»، الأمر الذي فرض «ضغوطاً هائلة» على الشركات الصينية. وأكدت أن تحقيقات نظام الخدمة المالية أجبرت الشركات الصينية على التخلي عن مشاريع أو تقليصها، ما تسبب في خسائر تجاوزت 15 مليار يوان (2,05 مليار دولار).

وفي سياق منفصل، تباطأ التضخم في أسعار المستهلكين في الصين خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فيما واصلت أسعار المنتجين الانكماش وسط ضعف الطلب الاقتصادي.

وألقت عوامل، تتضمن غياب الأمن الوظيفي، وأزمة قطاع العقارات المستمرة منذ فترة طويلة، وارتفاع الديون، وتهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب فيما يتعلق بالرسوم الجمركية، بظلالها على الطلب رغم جهود بكين المكثفة لتحفيز القطاع الاستهلاكي.

وأظهرت بيانات من المكتب الوطني للإحصاء، الخميس، أن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع 0.1 في المائة الشهر الماضي على أساس سنوي، بعد صعوده 0.2 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) السابق عليه، مسجلاً أضعف وتيرة منذ أبريل (نيسان) الماضي. وجاءت البيانات متسقة مع توقعات الخبراء في استطلاع أجرته «رويترز».

وظل مؤشر أسعار المستهلكين ثابتاً على أساس شهري، مقابل انخفاض بواقع 0.6 في المائة في نوفمبر، وهو ما يتوافق أيضاً مع التوقعات. وارتفع التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والوقود المتقلبة، 0.4 في المائة الشهر الماضي، مقارنة مع 0.3 في المائة في نوفمبر، وهو أعلى مستوى في خمسة أشهر.

وبالنسبة للعام ككل، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين 0.2 في المائة بما يتماشى مع وتيرة العام السابق، لكنه أقل من المستوى الذي تستهدفه السلطات عند نحو ثلاثة في المائة للعام الماضي، مما يعني أن التضخم أخفق في تحقيق الهدف السنوي للعام الثالث عشر على التوالي.

وانخفض مؤشر أسعار المنتجين 2.3 في المائة على أساس سنوي في ديسمبر، مقابل هبوط بواقع 2.5 في المائة في نوفمبر، فيما كانت التوقعات تشير إلى انخفاض بنسبة 2.4 في المائة. وبذلك انخفضت الأسعار عند بوابات المصانع للشهر السابع والعشرين على التوالي.

ورفع البنك الدولي في أواخر ديسمبر الماضي توقعاته للنمو الاقتصادي في الصين في عامي 2024 و2025، لكنه حذر من أن أموراً تتضمن ضعف ثقة الأسر والشركات، إلى جانب الرياح المعاكسة في قطاع العقارات، ستظل تشكل عائقاً.