أكثر من مجرد آثار

دراما وتمثيل

أكثر من مجرد آثار
TT

أكثر من مجرد آثار

أكثر من مجرد آثار

علاقة معظمنا بالآثار لا تنبع إلا من مفاهيم بدهية. هناك المساجد التاريخية في كل بلد وفي الكثير من المدن والقرى. هناك الأهرامات والتماثيل الفرعونية. هناك قلعة صور وقلعة بعلبك في لبنان، وقلعة تدمر وقلعة حلب في سوريا، ونحو خمسمائة حصن في سلطنة عمان والبتراء في الأردن.
هناك آثار كثيرة بالفعل، لكنها لا تعني الكثير بالنسبة لنا إلا على أساس أنها.. آثار. مبان تم بناؤها لغايات مختلفة منها للعبادة ومنها للدفاع عن المدينة ومنها ما هو غير مفهوم لليوم لماذا هو قائم. لكننا، كما سبق القول، ننظر إليها كأشكال تاريخية، وحين نتجاوز ذلك صوب النظر إلى فن تصميمها، فإننا نفعل ذلك مرة واحدة ونتوقف. بالطبع إلا إذا كان بعضنا من دارسي التصاميم المعمارية أو الفنية أو من طالبي البحث في التاريخ.
لكن هناك الكثير مما يمكن أن نتعلمه مما قام أجداد أجدادنا بصرف الوقت والجهد في سبيل إتمامه على أفضل وجه. ولن أتحدث كثيرا عن الأهرامات لأنها ما زالت عصية على التفسير ليس فقط من حيث كيفية بنائها بل أساسا على صعيد هندستها وتصميمها الخارجي والداخلي ثم الغاية منها. تلك الغاية التي ما زالت بدورها عصية على التفسير ولو أن الكثير من النظريات خاضت في هذا الأمر.
بعض الحصون الكثيرة المنتشرة في سلطنة عمان - على سبيل المثال - تحمل تفاصيل مثيرة للتعجب والإعجاب. كان بعضها يقام فوق مجرى مائي من الصعب تحويله أو قطعه. السبب أنه إذا ما تم حصار الحصن فإن الماء لن ينقطع عمن هم فيه. تدخل الحصن وبعد قليل تسمع، لليوم، هدير مياه النهر تحته، وتنزل الدرجات فتجده يعبر من طرف الحصن إلى طرفه الآخر.
في بعضها الآخر كان السجن بلا باب. الفكرة بسيطة لكنها فذة التصميم. في قاع الحصن هناك حفرة واسعة تتسع لنحو ثلاثين شخصا يفترشون أرضها. للحفرة عنق مثل عنق الجرة الفخارية يتم إدخال وإخراج السجين منه. هذا العنق طويل وجداره منزلق. ولن يتمكن أحد من صعوده إذ لا موطن يصلح لقدم أو مقبض يد. ثم يكفي وضع حارس واحد في الغرفة العلوية ليكشف إذا ما كانت هناك محاولة للخروج منه. إذا لم يكن الحارس موجودا لا بأس. من غير الممكن، إن لم يكن من المستحيل، الوصول إلى حافة تلك الحفرة.
إلى جانب الأغراض المختلفة لكل بناء تراثي، يجب أن تأتي تفاصيل التصميم في مقدّمة ما يثير الانتباه. ذلك الصبر والأناة في العمل في التنفيذ. وسواء كنت تنظر إلى جدار كالذي وصفته، أو إلى كتابة هولوغرافيكية على عمود لا نعرف كيف تم وضعه مستقيما كأعمدة بعلبك، فإن الكثير من الفن الرائع مورس هناك. فن يوازي المسرح القديم والموسيقى الكلاسيكية والمعمار العتيق الذي كان أجدادنا يعيشونه بشغف.



إيلي فهد لـ«الشرق الأوسط»: المدن الجميلة يصنعها أهلها

بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
TT

إيلي فهد لـ«الشرق الأوسط»: المدن الجميلة يصنعها أهلها

بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})

لا يمكنك أن تتفرّج على كليب أغنية «حبّك متل بيروت» للفنانة إليسا من دون أن تؤثر بك تفاصيله. فمخرج العمل إيلي فهد وضع روحه فيه كما يذكر لـ«الشرق الأوسط»، ترجم كل عشقه للعاصمة بمشهديات تلامس القلوب. أشعل نار الحنين عند المغتربين عن وطنهم. كما عرّف من يجهلها على القيمة الإنسانية التي تحملها بيروت، فصنع عملاً يتألّف من خلطة حب جياشة لمدينة صغيرة بمساحتها وكبيرة بخصوصيتها.

ويقول في سياق حديثه: «أعتقد أن المدن هي من تصنع أهلها، فتعكس جماليتهم أو العكس. الأمر لا يتعلّق بمشهدية جغرافية أو بحفنة من العمارات والأبنية. المدينة هي مرآة ناسها. وحاولت في الكليب إبراز هذه المعاني الحقيقية».

تلعب إليسا في نهاية الكليب دور الأم لابنتها {بيروت} (حساب فهد إيلي على {إنستغرام})

من اللحظات الأولى للكليب عندما تنزل إليسا من سلالم عمارة قديمة في بيروت يبدأ مشوار المشاهد مع العاصمة. لعلّ تركيز فهد على تفاصيل دقيقة تزيح الرماد من فوق الجمر، فيبدأ الشوق يتحرّك في أعماقك، وما يكمل هذه المشهدية هو أداء إليسا العفوي، تعاملت مع موضوع العمل بتلقائية لافتة، وبدت بالفعل ابنة وفيّة لمدينتها، تسير في أزقتها وتسلّم على سكانها، وتتوقف لبرهة عند كل محطة فيها لتستمتع بمذاق اللحظة.

نقل فهد جملة مشاهد تؤلّف ذكرياته مع بيروت. وعندما تسأله «الشرق الأوسط» كيف استطاع سرد كل هذه التفاصيل في مدة لا تزيد على 5 دقائق، يرد: «حبي لبيروت تفوّق على الوقت القليل الذي كان متاحاً لي لتنفيذ الكليب. وما أن استمعت للأغنية حتى كانت الفكرة قد ولدت عندي. شعرت وكأنه فرصة لا يجب أن تمر مرور الكرام. أفرغت فيه كل ما يخالجني من مشاعر تجاه مدينتي».

من كواليس التصوير وتبدو إليسا ومخرج العمل أثناء مشاهدتهما إحدى اللقطات من الكليب (فهد إيلي)

يروي إيلي فهد قصة عشقه لبيروت منذ انتقاله من القرية إلى المدينة. «كنت في الثامنة من عمري عندما راودني حلم الإخراج. وكانت بيروت هي مصدر إلهامي. أول مرة حطّت قدمي على أرض المدينة أدركت أني ولدت مغرماً بها. عملت نادلاً في أحد المطاعم وأنا في الـ18 من عمري. كنت أراقب تفاصيل المدينة وسكانها من نوافذ المحل. ذكرياتي كثيرة في مدينة كنت أقطع عدداً من شوارعها كي أصل إلى مكان عملي. عرفت كيف يستيقظ أهاليها وكيف يبتسمون ويحزنون ويتعاونون. وهذا الكليب أعتبره تحية مني إلى بيروت انتظرتها طويلاً».

لفت ايلي فهد شخصية إليسا العفوية (حسابه على {إنستغرام})

يصف إيلي فهد إليسا بالمرأة الذكية وصاحبة الإحساس المرهف. وهو ما أدّى إلى نجاح العمل ورواجه بسرعة. «هذا الحب الذي نكنّه سوياً لبيروت كان واضحاً. صحيح أنه التعاون الأول بيني وبينها، ولكن أفكارنا كانت منسجمة. وارتأيت أن أترجم هذا الحبّ بصرياً، ولكن بأسلوب جديد كي أحرز الفرق. موضوع المدينة جرى تناوله بكثرة، فحاولت تجديده على طريقتي».

تبدو إليسا في الكليب لطيفة وقريبة إلى القلب وسعيدة بمدينتها وناسها. ويعلّق فهد: «كان يهمني إبراز صفاتها هذه لأنها حقيقية عندها. فالناس لا تحبها عن عبث، بل لأنها تشعر بصدق أحاسيسها». ويضعنا فهد لاشعورياً في مصاف المدن الصغيرة الدافئة بعيداً عن تلك الكبيرة الباردة. ويوضح: «كلما كبرت المدن خفت وهجها وازدادت برودتها. ومن خلال تفاصيل أدرجتها في الكليب، برزت أهمية مدينتي العابقة بالحب».

لقطة من كليب أغنية "حبّك متل بيروت" الذي وقعه إيلي فهد (حسابه على {إنستغرام})

كتب الأغنية الإعلامي جان نخول ولحّنها مع محمد بشار. وحمّلها بدوره قصة حب لا تشبه غيرها. ويقول فهد: «لقد استمتعت في عملي مع هذا الفريق ولفتتني إليسا بتصرفاتها. فكانت حتى بعد انتهائها من تصوير لقطة ما تكمل حديثها مع صاحب المخبز. وتتسامر مع بائع الأسطوانات الغنائية القديمة المصنوعة من الأسفلت». ويتابع: «كان بإمكاني إضافة تفاصيل أكثر على هذا العمل. فقصص بيروت لا يمكن اختزالها بكليب. لقد خزّنت الكثير منها في عقلي الباطني لاشعورياً. وأدركت ذلك بعد قراءتي لتعليقات الناس حول العمل».

في نهاية الكليب نشاهد إليسا تمثّل دور الأم. فتنادي ابنتها الحاملة اسم بيروت. ويوضح فهد: «الفكرة هذه تعود لإليسا، فلطالما تمنت بأن ترزق بفتاة وتطلق عليها هذا الاسم». ويختم إيلي فهد متحدثاً عن أهمية هذه المحطة الفنية في مشواره: «لا شك أنها فرصة حلوة لوّنت مشواري. وقد جرت في الوقت المناسب مع أنها كانت تراودني من قبل كثيراً».