تلاشي الاهتمام بالعلوم الإنسانية يثير قلق الجامعات

مسؤول بجامعة ستانفورد: لدينا 11 قسما تبحث عن طلاب

تلاشي الاهتمام بالعلوم الإنسانية يثير قلق الجامعات
TT

تلاشي الاهتمام بالعلوم الإنسانية يثير قلق الجامعات

تلاشي الاهتمام بالعلوم الإنسانية يثير قلق الجامعات

في الحرم الجامعي المترامي الأطراف بجامعة ستانفورد الأميركية، حيث تصل إلى ساحات الكلية الرائعة عبر الطريق الطويل المتسم بوجود صفوف النخيل على جانبيه، تجد الأساتذة الجامعيين في مجال العلوم الإنسانية يقدمون المنح الدراسية الهامة في مجالي الأدب الفرنسي في عصر النهضة وفلسفة اللغة.
يقدم الأساتذة مكافآت كبيرة وسط بيئة رائعة، مع توافر وإتاحة الوصول لأحدث التقنيات المتطورة والطرق الحديثة للمنح الدراسية. بيد أن الشيء الوحيد الذي ينقصهم هو عدم وجود الطلاب.. إذ إن نحو 45 في المائة من أعضاء هيئة التدريس الإجمالية بجامعة ستانفورد هم في مجموعات مختصة في مجال العلوم الإنسانية، في حين أن نسبة الطلاب تبلغ 15 في المائة فقط.
وفي ضوء اشتهار جامعة ستانفورد بالتكنولوجيا وذيوع صيتها في هذا المجال، فلا غرابة أن تكون علوم الكومبيوتر من أشهر التخصصات بالجامعة، ولم يعد أي برنامج من برامج مجال العلوم الإنسانية يحتل أي ترتيب بين أعلى خمسة تخصصات. لكن في ظل حالة التراجع التي ساعدت على تحويل الكلية، من خلال وجهة النظر الشائعة، إلى أداة مستخدمة بشكل كبير للإعداد من أجل الحصول على وظيفة، ينتاب المسؤولون الإداريون القلق حيال هذا الأمر.
ويقول العميد ريتشارد شو، المسؤول عن شؤون الالتحاق والمساعدات المالية بجامعة ستانفورد: «لدينا 11 قسما من أقسام العلوم الإنسانية الفريدة من نوعها، ونريد توفير الدعم لهذه الكلية».
إن الخوف من أفول نجم العلوم الإنسانية بسبب فروع العلوم الأخرى يتجاوز حدود جامعة ستانفورد.
ففي بعض الجامعات الحكومية، عندما يتضاءل التمويل، ينخفض الاهتمام بالعلوم الإنسانية تدريجيا. فعلى سبيل المثال، أعلنت جامعة أدنبره في بنسلفانيا في شهر سبتمبر (أيلول) أنها بدأت في إيقاف برامج التعليم في اللغات الألمانية والفلسفة واللغات العالمية والحضارة؛ لأنها كانت تضم عددا ضئيلا من الطلبة.
وبالنسبة لجامعات الصفوة، تسود هذه الأقسام حالة من الأمان لكنها مشوبة بالحذر. وقد كشف تقرير صادر مؤخرا أن جامعة هارفارد شهدت انخفاضا بنسبة 20 في المائة في تخصصات العلوم الإنسانية على مدار العقد المنصرم، وانتهى الحال بمعظم الطلاب، الذين أعربوا عن رغبتهم في دراسة أحد التخصصات بمجال العلوم الإنسانية، إلى التحويل إلى أقسام أخرى. ولذلك، تسعى الجامعة إلى وضع خطة مجددا لإعادة تطوير منهاج الدراسة للسنة الأولى في العلوم الإنسانية لمؤازرة الطلاب وتعزيز اهتماماتهم.
وفي محاولة لجلب وقيد المزيد من الطلاب في مجال العلوم الإنسانية، تقدم جامعة برنستون برنامجا لطلاب المدارس الثانوية الشغوفين بدارسة العلوم الإنسانية، وهي نفس الفكرة التي تبنتها أيضا جامعة ستانفورد في العام الماضي.
ويوضح أندرو ديلبانكو، الأستاذ بجامعة كولومبيا، في معرض حديثه عن التعليم العالي قائلا: «يشعر الأشخاص، سواء داخل أو خارج مجال العلوم الإنسانية، بأن المخزون الفكري اللازم والفاعل في الجامعات هو العلوم التي تعد أهم الأمور التي يهتم بها كافة فئات الناس، مثل قضايا عدم المساواة والتغيير المناخي، والتي لا يتم التعامل معها في أقسام اللغة الإنجليزية».
لقد صار مستقبل العلوم الإنسانية قضية ساخنة هذا العام وسط المناخ الذي يسود الأوساط الأكاديمية، وكذلك وسائل الإعلام التي تتميز بتوجه ثقافي راق. وقام بعض المعلقين بدق ناقوس الخطر في ضوء البيانات الفيدرالية التي تظهر أن النسبة المئوية لدارسي تخصصات العلوم الإنسانية، على المستوى الوطني، قد تأرجحت بمقدار سبعة في المائة، وهي نصف النسبة التي بلغت 14 في المائة في عام 1970. وسرعان ما أوضح آخرون أن الانخفاض الذي حدث ما بين عام 1970، الذي شهد أعلى نسبة، وعام 1985 لم يحدث في السنوات الأخيرة.
وقد أصدرت الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم تقريرا هذا الربيع يشير إلى انخفاض التمويل للعلوم الإنسانية والمطالبة باتخاذ مبادرات جديدة لضمان عدم إهمال تلك العلوم والتغافل عنها وسط تزايد تكريس المزيد من الأموال والاهتمام نحو العلوم والتكنولوجيا.
ناقش الكاتب آدم غوبنيك، في عدد مجلة «ذا نيويوركر» (The New Yorker) الصادر في أغسطس (آب)، مسألة أهمية تخصصات اللغة الإنجليزية. كما نشرت مجلة «ذا نيو ريببليك» (The New Republic) مقالا بعنوان «العلوم ليست عدوك» لستيفن بينكر، المتخصص في العلوم المعرفية في جامعة هارفارد. وبعد ذلك بأسابيع قليلة، نشر ليون ويسيلتير، المحرر الأدبي بمجلة «ذا نيو ريببليك» (The New Republic)، تفنيدا شديدا تحت عنوان «الجرائم ضد العلوم الإنسانية»، حيث رفض آراء بينكر بشأن سطوة وهيمنة العلوم.
وفي سياق متصل، يقول لويس ميناند، أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة هارفارد: «لقد صارت العلوم المعرفية، في العالم العلمي المتبحر، محط اهتمام الجميع في الوقت الحالي، ويفكر كل شخص بشأن مدى ارتباطه بتلك العلوم». وأردف قائلا «كم عدد الأشخاص الذين يعرفون شخصا قرأ أي كتاب لأستاذ لغة إنجليزية في العام الماضي؟ بيد أن كل الأشخاص يقرأون كتب العلوم».
ينتاب الكثير من الأساتذة الجامعين البارزين في مجال العلوم الإنسانية شعورا بانخفاض وتضاءل وضعهم. فعلى سبيل المثال، يقول أنطوني غرافتون، أستاذ التاريخ بجامعة برنستون والذي بدأ برنامج الجامعة لجلب واستقطاب الطلاب لدراسة مجال العلوم الإنسانية، إنه يشعر أحيانا بأنه «مثل شخصية قصة فكاهية تصدر في الصفحات التكميلية بالجرائد، حيث يتناقص وجه الشخصية إلى حجم أصغر وأصغر».
وفي جامعة ستانفورد، لا يمكن أن يساعد علماء العلوم الإنسانية في إبراز أفضلية العلوم والتكنولوجيا.
ويشير فرانكو موريتي، مدير مختبر التعلم الأدبي بجامعة ستانفورد، قائلا «بإمكانك النظر إلى الإنجازات الرائعة فوق العادة في العلوم والتكنولوجيا بالجامعة، وعندما تتساءل بشأن ماذا سيحدث للعلوم الإنسانية، سوف تشعر بأن تلك العلوم باتت مهددة، أو تشعر بأن مستقبلها مشرق»، مضيفا «بالنسبة لي، فإنني اختار النظرة المتفائلة».
وفي ستانفورد، تحصل العلوم الإنسانية الرقمية على بعض من هذه النظرة المتفائلة؛ فعند «تدريس الكلاسيكيات في عصر المعلومات الرقمية»، يستخدم الطلبة الخريجون موقع «راب غينياس (Rap Genius)»، وهو موقع إلكتروني مشهور لكتابة كلمات أغاني فناني الراب مثل جاي زي وأيمينم، لكتابة الحواشي والتعليقات الإيضاحية بشأن هومر وفيرجيل. وفي مشروع مختبر التعلم الأدبي بخصوص روايات القرن الثامن عشر، يدرس طلاب اللغة الإنجليزية قاعدة بيانات ما يقرب من 2000 كتاب من أوائل الكتب لاستكشاف متى ظهرت «القصص الرومانسية» و«الحكايات» و«القصص التاريخية»، كروايات ومدلول المصطلحات المختلفة. وفيما يخص «المدخل إلى التنقيب في النصوص»، يستخدم الدارسون لتخصصات اللغة الإنجليزية والتاريخ والكومبيوتر لغة البرمجة آر (R) لفصل النصوص وتقسيمها إلى مقاطع وأجزاء لتحليل الروايات وأحكام المحكمة العليا.
ويوضح دان ايديلستين، الأستاذ الجامعي بجامعة ستانفورد، الذي أدار برنامج المدرسة الثانوية هذا الصيف، قائلا: «في حين أنه من السهل رصد الفائزين في معارض العلوم ومنافسات علم تصميم الإنسان الآلي، يتلقى الطلاب الذين يحرزون تفوقا في مجال العلوم الإنسانية استحسانا أقل ويصعب تحديد هويتهم».
ويضيف قائلا «لقد استشعرت منهم أنه ليس من المستحسن أن تكون مهووسا بالكومبيوتر والتكنولوجيا في المدارس الثانوية، ما لم يكن لديك تعلق واهتمام وولع بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات».
وتقول راشل روبرتس، إحدى الطالبات في برنامجه الصيفي، إن هذه الحقيقة واقعية.
وأردفت روبرتس، المولعة بدراسة التاريخ: «أعيش في سياتل، التي يحيط بها أمازون وغوغل ومايكروسوفت». وتوضح أن من أفضل الأشياء في البرنامج، وهو ما جعلنا جميعا نتنفس الصعداء، هو بيئته التي لا تجد فيها من يقول: «هل أنت ممن يهتمون بالعلوم الإنسانية؟ إذن لن تحصل على وظيفة على الإطلاق».
وبالنسبة لمديري الجامعات، فمن الصعب إيجاد المزيج المناسب من العلوم والعلوم الإنسانية في ضوء عدم التوازن الكبير في التمويل الخارجي.
وفي سياق ذي صلة، يقول جون تريش، المؤرخ في مجال العلوم بجامعة بنسلفانيا، إن «هناك تحفيزا هائلا من الإدارة في معظم الجامعات لإنشاء مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بسبب اعتماد الإنتاجية القومية جزئيا على الإنتاجية العلمية ووجود الكثير جدا من الدعم الفيدرالي للعلوم».
وفي هذه الأثناء، ومنذ أن حدثت حالة الركود الاقتصادي، ساد تحول عميق نحو النظر إلى التعليم الجامعي على أنه قاعدة تدريب مهني.
وتشير بولين يو، رئيسة المجلس الأميركي للجمعيات الثقافية، قائلة: «يجرى تعريف الكلية بشكل متزايد وعلى نحو محدود وضيق على أنها مجرد إعداد وظيفي وليست مصممة لتثقيف الشخص ككل».
وفي حين أن الدارسين لتخصصات العلوم الإنسانية غالبا ما يواجهون صعوبة في الحصول على أول وظيفة، يقول أساتذتهم الجامعيون إنه على المدى الطويل سيدرك أصحاب العمل قيمة مهاراتهم التفكيرية المهمة بشكل كبير.
وغالبا ما يركز أولياء الأمور، حتى أكثر من الطلاب أنفسهم، على مسألة التوظيف بنظرة أحادية. وتروي لنا جيل ليبور، رئيسة برنامج التاريخ والأدب بجامعة هارفارد، حديثها مع إحدى السيدات التي جاءت إلى منزلها ولديها الحماسة الشديدة لإقامة حدث للطلاب المهتمين بالبرنامج، ولكن سرعان ما انغمست في قراءة رسائل والديها، حيث واصلوا إرسال رسائل نصية لها تقول: «غادري الآن واخرجي من هناك.. فهذا البيت هو بيت الآلام».
وأحجم بعض الأساتذة الجامعيين عن هذا الأمر عندما سمعوا زملاءهم يتحدثون عن الاحتياج إلى إعداد الطلاب للوظائف.
ويقول مارك ايدموندسون، الأستاذ الجامعي للغة الإنجليزية بجامعة فرجينيا: «أعتقد أن هذا الإقرار متعجل للغاية. نحن لسنا المورد لكلية الحقوق، حيث إن وظيفتنا هي مساعدة الطلاب في تعلم كيفية التحري عن القضايا الخلافية». وقد ضمت جامعته 394 دارسا لتخصص اللغة الإنجليزية في العام الماضي، حيث انخفض العدد من 501 عندما وصل إلى هناك في عام 1984.. ولكن البروفيسور ايدموندسون يقول إنه ليس قلقا بشأن المستقبل. ويضيف قائلا «في النهاية، لا يمكننا أن نخسر، فلدينا ويليام شكسبير».
بيد أنه يمكن أن يبدو شكسبير بالنسبة للطلاب، الذين يعتصر القلق صدورهم بشأن مستقبلهم، بمثابة عقبة للاستمرار في النجاح في حياتهم.
ويوضح نيكولاس ديركس، مستشار جامعة كاليفورنيا ببيركلي، قائلا إن «الطلاب القلقين بشأن إنهاء وإتمام درجتهم التعليمية، وللحيلولة دون وجود لبس، يرون في بعض الأحيان اتساع نطاق متطلبات سوق العمل على أنه عائق يقف في طريقهم».
ويشير ليون بوستين، رئيس كلية بارد، قائلا: «لا يعي الكثير أن دراسة العلوم الإنسانية توفر المهارات التي تساعدهم على تصنيف القيم والقضايا المتضاربة والتساؤلات الفلسفية الأساسية». وأردف بوستين قائلا «لقد أخفقنا في جعل الأمر يتمثل في أن هذه المهارات أساسية للمهندسين والعلماء ورجال الأعمال مثلما هو الحال بالنسبة لأساتذة الفلسفة».

* خدمة «نيويورك تايمز»



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.


جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.


«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
TT

«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»

يقضي الباحثون في العالم العربي أوقاتاً من البحث المضني عن المراجع الإلكترونية التي تساعدهم في تحقيق أغراضهم البحثية. ويدرك هذه المشقة الباحثون الساعون للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، فإذا لم يكن لديه إمكانية الدخول إلى قواعد البيانات العلمية العالمية عبر إحدى المكتبات الكبرى، التي عادة لا تتاح كاملة أيضاً، فإن عملية البحث سوف تكلفه آلاف الدولارات لمتابعة والوصول لأحدث الأوراق العلمية المتصلة بمجال بحثه، أو أن مسح التراث العلمي سيتوقف لديه على المراجع الورقية.
بينما يحظى الباحثون في مجال البحوث التربوية بوجود «شمعة»، وهي شبكة المعلومات العربية التربوية (www.shamaa.org) التي توفر لهم أحدث البحوث والدوريات المحكمة من مختلف الجامعات العربية، وبثلاث لغات، هي: العربية، والفرنسية، والإنجليزية مجاناً.
تأسست «شمعة» عام 2007 في بيروت كقاعدة معلومات إلكترونية، لا تبغي الربح، توثق الدراسات التربوية الصادرة في البلدان العربية في مجمل ميادين التربية، من كتب ومقالات وتقارير ورسائل جامعية (الماجستير والدكتوراه) وتتيحها مجاناً للباحثين والمهتمين بالدراسات التربوية. تتميز «شمعة» بواجهة إلكترونية غاية في التنظيم والدقة، حيث يمكنك البحث عن مقال أو أطروحة أو كتاب أو فصل أو عدد أو تقرير. فضلاً عن تبويب وفهرسة رائعة، إذ تشتمل اليوم على أكثر من 36000 ألف دراسة، موزعة بنسبة 87 في المائة دراسات عربية، و11 في المائة دراسات بالإنجليزية و2 في المائة بالفرنسية، وهي دراسات عن العالم العربي من 135 جامعة حول العالم، فيما يخص الشأن التربوي والتعليم، إضافة لأقسام خاصة بتنفيذ مشاريع في التربية كورش تدريبية ومؤتمرات.
لا تتبع «شمعة» أي جهة حكومية، بل تخضع لإشراف مجلس أمناء عربي مؤلف من شخصيات عربية مرموقة من ميادين مختلفة، وبخاصة من الحقل التربوي. وهم: د. حسن علي الإبراهيم (رئيساً)، وسلوى السنيورة بعاصيري كرئيسة للجنة التنفيذية، وبسمة شباني (أمينة السر)، والدكتور عدنان الأمين (أمين الصندوق) مستشار التعليم العالي في مكتب اليونيسكو، وهو أول من أطلق فكرة إنشاء «شمعة» ورئيسها لمدة 9 سنوات.
تستمر «شمعة» بخدمة البحث التربوي بفضل كل من يدعمها من أفراد ومؤسّسات ومتطوعين، حيث تحتفل بالذكرى العاشرة لانطلاقتها (2007 - 2017)، وهي تعمل حاليا على إصدار كتيب يروي مسيرة العشر سنوات الأولى. وقد وصل عدد زائريها إلى نحو 35 ألف زائر شهرياً، بعد أن كانوا نحو ألفي زائر فقط في عام 2008.
تواصلت «الشرق الأوسط» مع المديرة التنفيذية لبوابة «شمعة» ببيروت د. ريتا معلوف، للوقوف على حجم مشاركات الباحثين العرب، وهل يقومون بمدّ البوابة بعدد جيّد من الأبحاث والدراسات، أم لا تزال المعدلات أقل من التوقعات؟ فأجابت: «تغطّي (شمعة) الدراسات التربوية الصّادرة في 17 دولة عربيّة بنسب متفاوتة. ولا شك أن حجم مشاركات الباحثين العرب بمد (شمعة) بالدراسات قد ارتفع مع الوقت، خصوصاً مع توّفر وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي سهّلت لهم عملية المشاركة».
وحول طرق تزويد «شمعة» بالأبحاث والدراسات، أوضحت معلوف أن ذلك يتم من خلال عدّة طرق، وهي: «توقيع اتفاقات شراكة مع كليات التربية في الجامعات العربية والمجلات التربوية المحكمة ومراكز الأبحاث التي تعنى بالتربية والتعليم، كما تتيح اتفاقية تعاون مع مركز المعلومات للموارد التربوية (إريك) (ERIC) تزويد (شمعة) بالدراسات الصادرة باللغة الإنجليزية من الدول العربية أو من باحثين عرب. ونعتبر أن الشراكة مع (إريك) هي خطوة كبيرة ومن أهم الإنجازات كمؤسسة عربية، وأيضاً من خلال اشتراكات بالمجلات الورقية التربوية المحكمة العربية، أو عبر الدراسات المتاحة إلكترونياً على شبكة الإنترنت بالمجان أي عبر مصادر الوصول الحر للمعلومات (Open Access)».
وتضيف: «الجدير بالذكر أيضاً أن (شمعة) وقعت اتفاقية من مستوى عالمي مع شركة (EBSCO Discovery Service EDS) التي تعتبر من أهم موزعي قواعد المعلومات في العالم العربي والغربي».
وتوضح معلوف أنه «يمكن تزويد (شمعة) بالدراسات مباشرة من الباحث عبر استمارة متوافرة على موقع (شمعة)، حيث يقوم الفريق التقني من التأكد من توافقها مع معايير القبول في (شمعة) قبل إدراجها في قاعدة المعلومات».
وحول ما إذا كان الباحثون العرب لديهم ثقافة التعاون الأكاديمي، أم أن الخوف من السرقات العلمية يشكل حاجزاً أمام نمو المجتمع البحثي العلمي العربي، قالت د. ريتا معلوف: «رغم أن مشاركة نتائج الأبحاث مع الآخرين ما زالت تخيف بعض الباحثين العرب، إلا أنه نلمس تقدماً ملحوظاً في هذا الموضوع، خصوصاً أن عدد الدراسات المتوافرة إلكترونياً على شبكة الإنترنت في السنين الأخيرة ارتفع كثيراً مقارنة مع بدايات (شمعة) في 2007، إذ تبلغ حالياً نسبة الدراسات المتوافرة مع نصوصها الكاملة 61 في المائة في (شمعة). فكلما تدنّى مستوى الخوف لدى الباحثين، كلما ارتفعت نسبة الدراسات والأبحاث الإلكترونيّة. وكلما ارتفعت نسبة الدراسات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، كلما انخفضت نسبة السرقة الأدبية. تحرص (شمعة) على نشر هذا الوعي من خلال البرامج التدريبية التي تطورّها وورش العمل التي تنظمها لطلاب الماستر والدكتوراه في كليات التربية، والتي تبيّن فيها أهمية مشاركة الأبحاث والدراسات العلمية مع الآخرين».
وحول أهداف «شمعة» في العشر سنوات المقبلة، تؤكد د. ريتا معلوف: «(شمعة) هي القاعدة المعلومات العربية التربوية الأولى المجانية التي توّثق الإنتاج الفكري التربوي في أو عن البلدان العربية. ومؤخراً بدأت (شمعة) تلعب دوراً مهماً في تحسين نوعية الأبحاث التربوية في العالم العربي من خلال النشاطات والمشاريع البحثية التي تنفذها. وبالتالي، لم تعدّ تكتفي بأن تكون فقط مرجعيّة يعتمدها الباحثون التربويون وكلّ من يهتمّ في المجال التربوي عبر تجميع الدراسات وإتاحتها لهم إلكترونيّاً؛ بل تتطلّع لتطوير الأبحاث التربوية العلمية، وذلك لبناء مجتمع تربوي عربي لا يقلّ أهمية عن المجتمعات الأجنبية».