طارق العيسمي... هل يرث رئاسة فنزويلا؟

السياسي العربي السوري الأصل السائر على خطى قدوته شافيز

طارق العيسمي... هل يرث رئاسة فنزويلا؟
TT

طارق العيسمي... هل يرث رئاسة فنزويلا؟

طارق العيسمي... هل يرث رئاسة فنزويلا؟

لعل «حالة شك» هي المصطلح الذي يصف بدقة الوضع الحالي في فنزويلا، إذ تعاني هذه الدولة الأميركية اللاتينية، التي كانت في يوم من الأيام إحدى أغنى بلدان العالم بفضل ثروتها النفطية الهائلة، راهناً، أزمة اقتصادية وسياسية طاحنة يصعب التكهن بما يمكن أن تؤول إليه. وكانت فنزويلا، بعد عقود من حكم اليمين والوسط، قد عاشت منذ عام 1999 في ظل ما أطلق عليه «اشتراكية القرن الحادي والعشرين» التي طبّقها الرئيس العسكري اليساري الراحل هوغو شافيز، وحافظ عليها بعده خليفته نيكولاس مادورو. واليوم بينما يواجه مادورو واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والاضطرابات السياسية في التاريخ المعاصر لأميركا الجنوبية، ينظر كثيرون إلى «الرجل الثاني» في منظومة حكمه. ويذهب كثيرون إلى وصف هذا الرجل، وهو السياسي السوري الأصل طارق العيسمي، بالخلف المحتمل و«رجل الظل» القوي الذي قد يجد نفسه تحت الأضواء.
يتواجه حكومة الرئيس الفنزويلي اليساري نيكولاس مادورو يومياً مسيرات احتجاجية يشارك فيها مواطنون معارضون لنظامه وحكومته، لكنه يطمح بالهروب من مشكلاته الحالية عبر انتخاب مجلس وطني تأسيسي يتمتع بصلاحية إعادة صياغة الدستور. والواضح أن غاية مادورو إضعاف قوة البرلمان الذي يسيطر عليه تحالف قوى المعارضة الليبرالية واليمينية المدعومة من بعض الدول المجاورة، ولكن وهنا الأهم، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.
النظرة المستقبلية لفنزويلا معقدة، إذ حملت الأزمة الاقتصادية انكماشاً اقتصادياً للمرة الثالثة على مدى السنوات القليلة الماضية، ما أدى إلى نقص كبير في المواد الغذائية والدواء. وفي ضوء الأزمة السياسية المتفاقمة يرى مراقبون أن الوصول إلى حل لتلك المشكلات أمر بعيد المنال. وفي حين تحرص الحكومة اليسارية على إحكام قبضتها على السلطة، ويبدو متعذراً التفاوض بين الحكومة والمعارضة على تسوية أمام خلفية الاضطرابات التي أدت إلى مقتل أكثر من مائة شخص منذ بدء الاحتجاجات، تبقى قوى المعارضة نفسها منقسمة على ذاتها حول كثير من المسائل، ولا تتوحّد إلا على رغبتها في خلع مادورو من سدة الحكم.

خيارات التغيير
مع هذا، فإن بعض الأصوات تشير إلى أن خيارات التغيير المتاحة في فنزويلا ستكون إما عبر عملية تفاوض حقيقية تساعد في التوصل إلى حل وسط يرضي الحكومة والمعارضة، مثل تشكيل حكومة انتقالية، أو إجراء تغيير شامل في الحكومة والنظام، غير أن القوات المسلحة تُعَدّ، وفق الخبراء، من العناصر الأساسية لأي تغيير محتمل في إدارة البلاد. والجدير بالذكر أن الرئيس الراحل هوغو شافيز، الذي قاد الثورة الاشتراكية عام 1999، كان ضابطاً في الجيش، ويتولى اليوم ضباط حاليون ومتقاعدون مناصب مهمة في الحكومة. غير أن من الشخصيات المنتمية إلى «مدرسة شافيز» من غير العسكريين، التي يمكن أن تحل محل مادورو، نائب الرئيس الحالي ووزير الداخلية طارق العيسمي. ولقد الحاكم في فنزويلا.
وواقع الأمر، أن العيسمي يتولى بصفته «قائد مجلس الدفاع والأمن الفنزويلي» مسؤولية الدفاع الوطني، واستراتيجية الحفاظ على الاستقرار الداخلي في وجه الاحتجاجات والاضطرابات، وهو فعلياً «الرجل الثاني» في هرم السلطة، وليس نائب الرئيس فحسب، إلا أنه بينما يبرز ويعزز حضوره ضمن هيكل النظام، يواصل محللون وباحثون في الولايات المتحدة وكولومبيا، «جارة فنزويلا» اليمينية، رشقه بمختلف أنواع التهم التي تتراوح بين غسل الأموال والفساد المالي ودعم الإرهاب. وكل هذه تهم نفاها وينفيها العيسمي، الذي يعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الحرب السياسية التي تشنها واشنطن على نظام كاراكاس اليساري.
في أي حال، حظي العيسمي حظي منذ عدة سنوات بسمعة عريضة بين الفنزويليين. ولقد تقدَّم بخطى واثقة وسريعة في مسيرته السياسية، وترقّى في صفوف أنصار حركة شافيز. وكانت علاقته الوطيدة بـ«بطله» الضابط اليساري وبالحزب الاشتراكي الموحّد، قد توطّدت إبان فترة سنوات دراسته الجامعية، لا سيما من خلال معرفته بشقيق شافيز الذي كان أستاذه. وفيما انتخب نائباً في مجلس النواب (البرلمان) لأول مرة عام 2005، فضلاً عن تقلده عديدًا من المناصب القيادية الأخرى في الحكومة، حيث شغل خلال الفترة بين عامي 2007 و2008 منصب نائب وزير الداخلية لأمن المواطن، ثم أصبح وزيراً للداخلية ووزيراً للعدل. وفي عام 2012 غادر منصبيه الوزاريين عندما انتخب حاكماً لولاية آراغوا، غرب العاصمة كاراكاس. ثم في مطلع عام 2017 عُيِّن نائباً لرئيس الجمهورية.

بطاقة هوية
ولد طارق زيدان العيسمي يوم 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1974 في منطقة إل فيجيا بمحافظة ميريدا في غرب فنزويلا. لأسرة مهاجرة من محافظة السويداء بجنوب سوريا تنتمي إلى طائفة الموحدين الدروز. وفي إل فيجيا أمضى طارق طفولته مع عائلته المكوّنة من الأب زيدان «كارلوس» أمين العيسمي والأم - وهي لبنانية الأصل من آل مداح - وخمسة أولاد (بينهم سفيرة فنزويلا السابقة إلى هولندا). وهو متزوج وأب لولدين.
انتمى زيدان في شبابه لفرع حزب البعث العربي الاشتراكي في فنزويلا، وكانت له علاقات مع القوى اليسارية فيها وفي العالم العربي، كما كان من مناصري هوغو شافيز إبان محاولته الانقلابية في فبراير (شباط) 1992، وتعرّض يومذاك للاعتقال، ثم إنه تربط العائلة صلة قربى مباشرة بالقيادي البعثي البارز شبلي العيسمي، الأمين المساعد للقيادة القومية لحزب البعث (البعث العراقي). وللعلم، تعود أصول أسرة العيسمي إلى بلدة امتان في جنوب محافظة السويداء وبلدة حاصبيا في جنوب شرقي لبنان. وعيسم هو اسم قرية صغيرة تقع في السفوح الشرقية بجبل الشيخ بجنوب غربي سوريا. أما أصول عائلة أمه (آل مداح) فتعود إلى قرية ميمس في قضاء حاصبيا بجنوب شرقي لبنان.

النشاط الطلابي الراديكالي
تلقى طارق العيسمي دراسته الجامعية في جامعة الآنديز بمدينة ميريدا، وهناك تخصص في الحقوق وعلم الجريمة. وإبان دراسته في الجامعة التقى بآدان شافيز، الوزير السابق للتربية والتعليم لاحقاً (2007 - 2008) والأخ الأكبر لهوغو شافيز، وتأثر به وصار من المقرّبين منه. كذلك نشط في الحركات الطلابية اليسارية ذات الصلة بالتنظيمات الثورية، والتحق بحركة «يوتوبيا» الطلابية اليسارية، ولم يلبث أن انتُخِب رئيساً لاتحاد طلبة الجامعة.
وفي عام 2003، بعد بضعة أيام من غزو القوات الأميركية العراق، شارك طارق ووالده زيدان (وفق المصادر) في مؤتمر صحافي مع السفير العراقي لدى فنزويلا هوجِمَ فيها الغزو، وأعلن المشاركون تضامنهم مع «الشعب العراقي الأعزل». وحقاً، بدأت علاقة طارق العيسمي بالرئيس هوغو شافيز في ذلك العام، وبعد بدئه دراسته العليا باشر دعم «حركة الجمهورية الخامسة» التي أسّسها شافيز.
وواصل تعزيز علاقته به في أعقاب تخرجه، بل إن عدداً من أترابه ورفاقه من مرحلة الدراسة الجامعية والنشاط الطلابي اليساري، وجدوا فرصتهم لاحقاً لاحتلال مناصب حكومية بعدما تولى شافيز الحكم.
ومن ثم، بعد نجاح «ثورة» شافيز - الذي حكم فنزويلا بين 1999 و2013 - على الرغم من عداء واشنطن له ولجهده الدؤوب على بناء منظومة من الأنظمة اليسارية على امتداد أميركا اللاتينية، بدأ العيسمي مسيرة صعوده السياسي السريع، ولكن هذه المرة من العاصمة كاراكاس. وكما سبقت الإشارة كانت الخطوة الأبرز دخوله البرلمان عام 2005.
وبعد سنتين في عام 2007 عيّن نائباً لوزير الداخلية لشؤون أمن المواطن.
غير أن القفزة الضخمة في تاريخ العيسمي السياسي جاءت في العام التالي 2008 عندما أسند إليه شافيز حقيبتي وزارتي الداخلية والعدل معاً، واحتفظ بالوزارتين إلى حين انتخابه حاكماً لولاية آراغوا عام 2012. وفي أعقاب وفاة شافيز، وتولي نيكولاس مادورو الرئاسة خلفاً له عام 2013، ظل العيسمي أحد مفاتيح السلطة والمرجعيات السياسية، إلى أن اختير نائباً للرئيس في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي (2017).
وهنا يشير أحد الأكاديميين الكولومبيين أن اللافت في الأمر أن منصب الرئيس الفنزويلي لا ينطوي دستورياً على سلطات أمنية، لكن طارق العيسمي هو الممسك بملف الأمن والدفاع الوطني فعلياً، عبر توليه قيادة «مجلس الدفاع والأمن».

العداء والتهم والنفي
على صعيد آخر، بالتوازي مع صعود طارق العيسمي، كانت الدوائر الغربية الاستخباراتية والسياسية والاقتصادية، تتشدد ضده، وتحاصره بمختلف أنواع التهم. ومن هذه التهم ادعاء جوزيف هومير، مدير مركز «مجتمع حر آمن» والخبير في شؤون الأمن والإرهاب وجود «تنظيمين إجراميين كبيرين في الحكومة الفنزويلية. يدير أحدهما الجيش الفنزويلي، وهو مندمج بشكل كبير داخل الجيش، والحرس الوطني ويحمل اسم (تنظيم الشمس) في إشارة إلى الشارة الموجودة على الزي الرسمي للجنرالات العسكريين، في حين يدير الآخر طارق العيسمي، نائب الرئيس مادورو، والسيدة الأولى سيليا فلوريس».
وفي سياق ادعاءات هومير أن قرار تعيين العيسمي نائباً للرئيس «أثار جدلاً كبيراً» على المستوى المحلي والدولي بسبب صلته المزعومة بتهريب المخدرات والإرهاب. وادعى أن الكلام عن «تهريب المخدرات ظهر على السطح عام 2010 بعد القبض على وليد مقلد، المتهم بأنه من كبار تجار المخدرات، الفنزويلي ذي الأصول السورية، في كولومبيا.
ويومها زعم مقلد وجود علاقة للحكومة الفنزويلية بتنظيم «القوات المسلحة الثورية الكولومبية» (فارك) الثوري اليساري وعمليات تهريب المخدرات والجريمة المنظمة.
ومما ورد على لسانه زعمه أنه يدفع أموالاً لنحو 40 مسؤولاً في الحكومة ومن ضباط الجيش على الأقل مدرجين على قائمة الرواتب الشهرية الخاصة به».

ماذا عن المستقبل؟!
بصرف النظر عن المستقبل السياسي للعيسمي نفسه، أصبحت فنزويلا مسألة حساسّة سواء بالنسبة للفريق الذي يدافع عن نظام مادورو، أو الفريق الذي يدينه ويعارضه.
والواقع أن لدى فنزويلا ثقلاً تاريخياً إقليمياً بفضل ثروتها من النفط. وكان هذا هو الحال خلال فترة حكم هوغو شافيز حين وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها، إذ أنشأ شافيز تنظيمات مخترقة للحدود بين دول أميركا اللاتينية، بالتوازي مع منظمة الدول الأميركية، وذلك من خلال استغلال أموال النفط أداة دبلوماسية، وتطبيق رؤيته الخاصة بتقديم بديل اشتراكي للمنطقة.
من بين تلك التنظيمات «البديل البوليفاري لأميركا اللاتينية»، الذي جمع الدول التي ظلت مخلصة لنموذج اشتراكية القرن الحادي والعشرين.



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.