هل يواجه قطاع التصنيع العالمي مشكلة كبرى في 2017؟

مؤشرات خطرة في الهند وعدم يقين بالصين... وأميركا تتأرجح

هل يواجه قطاع التصنيع العالمي مشكلة كبرى في 2017؟
TT

هل يواجه قطاع التصنيع العالمي مشكلة كبرى في 2017؟

هل يواجه قطاع التصنيع العالمي مشكلة كبرى في 2017؟

بين يوم وآخر تظهر مؤشرات متناثرة هنا وهناك حول حالة نشاط التصنيع في دول العالم، وفي بيانات شهر يوليو (تموز) الماضي الصادرة تباعا في الساعات الماضية مع انطلاقة شهر أغسطس (آب)، يبدو أن ثمة تراجعا في عدد مهم من الاقتصادات الكبرى على هذا الصعيد، بينما تواجه دول أخرى، شهد بها نشاط التصنيع نموا، جوانب أخرى من المشكلات التي من الممكن أن تسفر بدورها عن تراجع بالنشاط.
وبينما يتأثر النشاط الصناعي نموا أو تباطؤا على المستوى الداخلي بعدد من العوامل، وعلى رأسها قوة العمل والقوة الشرائية وغيرها، فإنه يتأثر خارجيا بعوامل أخرى، من أهمها قوة العملة... لكن منذ نهاية العام الماضي ظهر صراع «الحمائية» إلى العلن بقيادة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ليعقّد مسألة التجارة الدولية، ويربك عجلة الصناعة في عدد من الدول وبخاصة في شرق آسيا؛ إضافة إلى ما يشنه على عدد من الدول الصناعية الكبرى، مثل الصين وألمانيا متهما إياهما بإضعاف متعمد لعملتيهما من أجل إيجاد تنافس «غير شريف» مع الصناعات الأميركية، كما قام بإلغاء أو تجميد عدد من اتفاقيات التجارة الحرة، مثل اتفاقيات التجارة عبر الأطلسي، وعبر الهادئ، بينما تجرى مراجعة دقيقة لاتفاقية التجارة عبر القارة الأميركية مع الجارتين الشمالية والجنوبية، كندا والمكسيك.
وكان من شأن التحركات الأميركية أن وضعت ضغوطا كبرى على كاهل عدد من الدول العملاقة في الصناعة، سواء كان ذلك في الصين أو اليابان أو حتى دول أوروبية.

تأرجح أميركي
وبالنسبة للولايات المتحدة نفسها، فاللافت أن النشاط التصنيعي منذ بداية العام يتجه لتشكيل منحنى «الجرس المقلوب» الشهير، حيث كان يشهد ثباتا أو تباطؤا مع بداية العام وحتى نهاية الربع الأول، ثم بدأ في تصاعد واعد خلال الربع الثاني متأثرا بالدعم الكبير الذي تقدمه الإدارة الأميركية للقطاع، ومع بداية الربع الثالث في يوليو شهد تراجعا مرة أخرى، وهو الأمر الذي ربما يستمر خلال الأشهر المقبلة؛ نظرا لعوامل عدم اليقين التي تعتري حالة الاقتصاد الأميركي بوجه عام.
ويعتمد مستقبل القطاع بشكل كبير على إمكانية التزام الرئيس الأميركي بوعوده خلال حملته الانتخابية، من زيادة فرص العمل، ودعم الصناعات، وضخ مزيد من الاستثمارات في التصنيع والبنية التحتية؛ وهي عوامل «عرضة للشك» في ظل تذبذب أداء الإدارة الأميركية اقتصاديا خلال الأشهر الماضية.
وأظهر تقرير اقتصادي نشر فجر أمس استمرار وتيرة نمو نشاط قطاع التصنيع الأميركي خلال يوليو الماضي، ولكن بوتيرة أكثر تباطؤا. وذكر معهد إدارة الإمدادات الأميركي، أن مؤشر مديري مشتريات قطاع التصنيع تراجع خلال يوليو الماضي إلى 56.3 نقطة، مقابل 57.8 نقطة في يونيو (حزيران).
وجاء تراجع المؤشر الرئيسي لمديري المشتريات في ظل تباطؤ وتيرة نمو الطلبيات الجديدة، حيث انخفض مؤشر الطلبيات الجديدة من مستوى 63.5 نقطة في يونيو إلى 60.4 نقطة خلال يوليو. وذكر التقرير، أن مؤشر الإنتاج تراجع من 62.4 نقطة إلى 60.6 نقطة خلال الفترة نفسها، وهو ما يشير إلى تباطؤ وتيرة نمو الإنتاج. في الوقت نفسه، ذكر معهد إدارة الإمدادات أن مؤشر التوظيف تراجع من 57.2 نقطة خلال يونيو، إلى 55.2 نقطة في يوليو، في حين ارتفع مؤشر الأسعار من 55 نقطة إلى 62 نقطة خلال الفترة نفسها، وهو ما يشير إلى تسارع وتيرة ارتفاع الأسعار.
ويتزامن ذلك مع تقرير آخر نشر أمس لوزارة التجارة الأميركية يظهر شبه استقرار بمتوسط الدخل الشخصي للأميركيين خلال يونيو دون تغيير، في الوقت الذي كان المحللون يتوقعون ارتفاع الدخل. وذكر التقرير، أن متوسط الدخل الشخصي تراجع خلال يونيو بأقل من عُشر نقطة مئوية، بعد ارتفاعه بنسبة 0.3 في المائة، وفقا للبيانات المعدلة للشهر السابق.
ولم يسجل الدخل الشخصي القابل للإنفاق أو الدخل الشخصي مخصوم منه الضرائب الشخصية الجارية، أي تغيير تقريبا خلال يونيو، بعد ارتفاع بنسبة 0.4 في المائة في مايو (أيار). بينما استقر «الإنفاق الحقيقي»، الذي يضع متغيرات الأسعار في الحساب، تقريبا خلال يونيو، بعد ارتفاع بنسبة 0.2 في المائة خلال الشهر السابق. وأيضا تراجعت النسبة المئوية للادخار إلى 3.8 في المائة من إجمالي الدخل القابل للإنفاق خلال يونيو، من مستوى 3.9 في المائة في مايو.
وفي تحليلات للأمر، فإن المراقبين ربما يرون أن هذا الاستقرار يعني من جهة ما أن القوة الشرائية ستكون ثابتة إلى حد بعيد؛ ما يعني أنها لن تضيف عامل دفع حاسما لتحسن المبيعات في الولايات المتحدة... ويعد تسحن المبيعات وفقا لآليات السوق أحد أبرز مساعدات ومحفزات نمو النشاط التصنيعي.
وفي منتصف شهر يوليو، خرجت نتائج مفاجئة تشير بوادر إلى تراجع ثقة المستهلكين، وبحسب تقرير صادر عن جامعة ميتشيغان، فقد تراجع مؤشر ثقة المستهلكين خلال يوليو إلى 93.1 نقطة مقابل 95.1 نقطة في يونيو؛ في حين كان المحللون يتوقعون تراجع المؤشر إلى 95 نقطة فقط. وكان السبب الرئيسي للتراجع هو تراجع مؤشر توقعات المستهلكين من 83.9 نقطة خلال يونيو إلى 80.2 نقطة خلال يوليو... وربما يكون تراجع ثقة المستهلكين أحد العوامل التي أدت لاحقا إلى تباطؤ النشاط التصنيعي في شهر يوليو.
لكن ريتشارد كورتين، كبير الخبراء الاقتصاديين المسؤولين عن المسح، قال معلقا: «بشكل عام، فالبيانات الأخيرة تتفق مع النمط نفسه السائد خلال الفترة الأخيرة، حيث تبدأ التوقعات في التراجع بشدة، في حين تواصل الثقة في الظروف الاقتصادية الحالية في الارتفاع إلى مستويات جديدة». وأضاف: «يجب أن نؤكد أن البيانات لا تشير إلى ركود منتظر... لكن البيانات تشير إلى أن الآمال، التي كانت في فترة طويلة من النمو الاقتصادي بمعدل 3 في المائة التي أشعلها فوز ترمب بالرئاسة، تراجعت بدرجة كبيرة».

تباطؤ ياباني...
وطموح بتخطي الأزمة:
تعد اليابان أحد العمالقة في مجال التصنيع، وبخاصة التقني والإلكتروني، إضافة إلى صناعة السيارات. لكن أحدث التقارير حول قطاع التصنيع أظهرت أول من أمس تباطؤ نمو النشاط الاقتصادي لقطاع التصنيع خلال يوليو الماضي، حيث سجل مؤشر مديري مشتريات قطاع التصنيع خلال الشهر الماضي 52.1 نقطة فقط، متراجعا من مستواه السابق عند 52.4 نقطة.
ورغم أن ذلك لا يعد انكماشا؛ كونه فوق مستوى 50 نقطة، إلا أن التراجع في حد ذاته مقترنا مع عدد من المشكلات الاقتصادية في اليابان يعد أمرا سيئا، وبخاصة في ظل الارتباك الذي تعانيه حكومة رئيس الوزراء تشينزو آبي، والانتقادات التي توجه لصانعي السياسات المالية هناك.
وبحسب مسح صحيفة «نيكي» الاقتصادية اليابانية فقد تراجع المؤشران الفرعيان لكل من الإنتاج والطلبيات الجديدة، حيث بدد ضعف وتيرة نمو الصادرات، تأثير النمو القوي للطلب على منتجات التكنولوجيا المتقدمة. لكن على الجانب الآخر، وفيما يخص الرؤية المستقبلية، فقد ارتفع المؤشر الفرعي لقياس توقعات الإنتاج المستقبلي إلى مستوى قياسي... وهو ما يعد في رأي عدد من الخبراء أمرا يتسق مع طبيعة اليابانيين الصلدة والمتحدية، ويبشر بإمكانية تخطي المرحلة الراهنة.

مشكلة كبرى بالهند تعيدها
إلى مستويات الأزمة العالمية:
وربما تعد الهند صاحبة أسوأ نتائج أنشطة التصنيع خلال الفترة الأخيرة، حيث أظهر تقرير صادر عن مؤسسة «آي إتش إس ماركيت» أول من أمس انكماش النشاط الاقتصاد لقطاع التصنيع في الهند خلال يوليو، وذلك للمرة الأولى منذ بداية العام الحالي، وهو ما يشير إلى التأثير الكبير للضرائب التي تم فرضها على السلع والخدمات في الهند. وتراجع مؤشر «نيكي» لمديري مشتريات قطاع التصنيع خلال الشهر الماضي إلى 47.9 نقطة، مقابل 50.9 نقطة في يونيو. في الوقت نفسه، تراجع مؤشر مديري المشتريات خلال الشهر الماضي إلى أقل مستوى له منذ فبراير (شباط) 2009، كما تراجع المؤشر الفرعي للطلبيات الجديدة لأول مرة منذ 7 أشهر، وبأقوى وتيرة له منذ أوائل عام 2009، كما تراجعت وتيرة نمو الطلبيات الجديدة للتصدير بعد وصولها خلال يونيو الماضي إلى أعلى مستوى لها منذ 8 أشهر.
وقللت الشركات نتيجة هذا الواقع مستويات إنتاجها خلال الشهر الماضي، ليتوقف نمو الإنتاج لمدة ستة أشهر متصلة، في حين جاء معدل التراجع خلال الشهر الماضي عند أعلى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية التي تفجرت في أواخر 2008.
أيضا تراجع التوظيف في قطاع التصنيع خلال الشهر الماضي بعد ارتفاعه في الشهر السابق. في الوقت نفسه، أدت زيادة الضرائب مؤخرا إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج خلال يوليو الماضي. وفي تفاصيل صناعية، فقد أظهرت بيانات أخرى تباطؤ نمو ثمانية صناعات أساسية في الهند بمعدل 0.4 في المائة خلال يونيو الماضي، مقارنة بالشهر نفسه من عام 2016. في حين كان معدل نمو هذه الصناعات خلال مايو الماضي 4.1 في المائة.
وبيانات مؤشر الصناعات الثماني الأساسية في الهند تمثل ناتج القطاعات الصناعية الأساسية، مثل الفحم والصلب والإسمنت والكهرباء. وذكرت وزارة التجارة والصناعة الهندية في تقرير موجز عن المؤشر، أن «المؤشر المجمع للصناعات الثماني الأساسية وصل خلال يونيو 2017 إلى 121 نقطة، بزيادة قدرها 0.7 في المائة عن مستواه في يونيو 2016».
وبلغ معدل النمو التراكمي للمؤشر خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام المالي الحالي حتى نهاية يونيو الماضي 2.4 في المائة سنويا. ويمثل مؤشر الصناعات الثماني الأساسية نحو 40 في المائة من إجمالي مؤشر الناتج الصناعي للهند... ما يعني أن تباطؤ مؤشره مؤثر للغاية على الاقتصاد الهندي بشكل عام.

تباطؤ في بريطانيا
ضمن تراجع عام
أما في بريطانيا، التي تعاني حاليا كثيرا من المشكلات المؤثرة على اقتصادها، فقد أشارت تقارير حكومية الأسبوع الماضي إلى أن الاقتصاد حقق نموا بواقع 0.3 في المائة في الربع الثاني من العام؛ مما يعكس «تباطؤا ملحوظا» في الأشهر الستة الأولى من هذا العام.
ومنذ بداية العام، يبدو أن الاقتصاد البريطاني يكابد كثيرا من تبعات «بريكست»، حيث تراجع إنفاق الأسر مدفوعا بزيادة التضخم بأكثر من زيادة الرواتب. في حين تزداد المخاوف الاستثمارية من ضخ مزيد من الاستثمارات في المملكة المتحدة خشية فقدان مميزاتها المالية في حال الخروج من السوق الأوروبية الموحدة، ما سيسفر عن ضعف شديد بتنافسية المنتجات البريطانية في الأسواق الأوروبية.
وقال مكتب الإحصائيات الوطني في بيان له الأسبوع الماضي: إن البيانات الأولية أشارت إلى أن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني، حقق نموا بنسبة 0.3 في المائة، مقارنة بالربع السابق. وقال دارين مورغان، رئيس قسم الحسابات الوطنية بالمكتب في بيان، إن «الاقتصاد شهد تباطؤا ملحوظا في النصف الأول من هذا العام. وبينما أظهرت خدمات مثل البيع بالتجزئة والإنتاج والتوزيع السينمائي بعض التحسن في الربع الثاني من العام، تسبب الأداء الضعيف لقطاع التشييد والتصنيع في تراجع النمو الإجمالي».

نتائج ممتزجة في الصين
وفي الصين، وهي أحد أكثر البلدان تأثرا بتوجهات الحمائية والاتهامات التي تكيلها لها الولايات المتحدة ودول أوروبية بـ«الإغراق»، جاءت نتائج النشاط التصنيعي متباينة ومربكة.
فبينما أشار تقرير صادر عن مكتب الإحصاء الوطني الصيني يوم الاثنين إلى «تباطؤ» وتيرة نمو نشاط قطاع التصنيع في الصين خلال يوليو الحالي، أظهر تقرير صدر آخر الثلاثاء عن مؤسسة «كايشين» الإعلامية «نمو» النشاط الاقتصادي لقطاع التصنيع في الصين خلال الشهر ذاته. ورغم تقارب الأرقام بين التقريرين، فإن التباين في الحسابات يظهر أن ثمة ارتباكا في تحديد أساسيات القياس.
وفي تقرير «الإحصاء الوطني»، تراجع مؤشر مديري مشتريات القطاع إلى 51.4 نقطة، بينما كان المحللون يتوقعون تراجعه إلى 51.5 نقطة فقط، من مستوى 51.7 نقطة في يونيو. كما تراجع مؤشر مديري مشتريات القطاع غير الصناعي من 54.9 نقطة في يونيو إلى 54.5 نقطة في يوليو.
وبعد ساعات قليلة، خرج تقرير «كايشين»، حيث سجل مؤشر مديري مشتريات قطاع التصنيع 51.1 نقطة في يوليو، من مستوى سابق عند 50.4 نقطة. مع ارتفاع المؤشرين الفرعيين لكل من الإنتاج والطلبيات الجديدة بأسرع وتيرة لهما منذ 5 أشهر خلال يوليو بفضل تعافي الصادرات. وفي الوقت نفسه، ارتفع مؤشرا أسعار مستلزمات الإنتاج وأسعار المنتجات بوتيرة أسرع مما كانت عليه في يونيو الماضي.



هل النفط هو الدافع الحقيقي وراء التصعيد الأميركي ضد فنزويلا؟

ناقلة نفط ترفع علم بنما مستأجرة من شركة «شيفرون» تنتظر تحميل النفط الخام قرب ميناء باجو غراندي في فنزويلا (رويترز)
ناقلة نفط ترفع علم بنما مستأجرة من شركة «شيفرون» تنتظر تحميل النفط الخام قرب ميناء باجو غراندي في فنزويلا (رويترز)
TT

هل النفط هو الدافع الحقيقي وراء التصعيد الأميركي ضد فنزويلا؟

ناقلة نفط ترفع علم بنما مستأجرة من شركة «شيفرون» تنتظر تحميل النفط الخام قرب ميناء باجو غراندي في فنزويلا (رويترز)
ناقلة نفط ترفع علم بنما مستأجرة من شركة «شيفرون» تنتظر تحميل النفط الخام قرب ميناء باجو غراندي في فنزويلا (رويترز)

وضع التصعيد الأخير من إدارة الرئيس دونالد ترمب ضد حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، بما في ذلك التهديدات وضربات جوية على قوارب في البحر الكاريبي، الثروة النفطية الفنزويلية تحت المجهر.

يقول مادورو إن الدافع الحقيقي وراء التعزيزات العسكرية الأميركية الضخمة في منطقة البحر الكاريبي هو النفط. فبلاده تمتلك أكبر احتياطات مؤكدة من النفط في العالم، حيث إنه بحسب تقديرات «أويل آند غاز جورنال»، تملك ما يزيد على 300 مليار برميل، أي ما يعادل 17 في المائة تقريباً من الاحتياطي النفطي العالمي المعروف.

لكن وزارة الخارجية الأميركية تنفي ذلك، وتصرّ على أن الغارات الجوية على القوارب التي أودت بحياة أكثر من 80 شخصاً، والانتشار العسكري الواسع قبالة سواحل أميركا الجنوبية، جزء من حملة لمكافحة تهريب المخدرات.

رغم امتلاك فنزويلا أكبر احتياطات من النفط، فإن المفارقة تكمن في الإنتاج. فرغم ثروتها الهائلة، فإن فنزويلا تنتج حالياً أقل من 1 في المائة من النفط المستخدم عالمياً. وقد انخفض إنتاجها بشكل حاد من ذروته في عام 1997 (نحو 3.5 مليون برميل يومياً) ليصل إلى نحو 903 آلاف برميل يومياً في عام 2024، وفق ما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز». هذا الانهيار ناتج عن سنوات من سوء الإدارة والفساد ونقص الاستثمار، بالإضافة إلى العقوبات الأميركية القاسية، وصعوبة استخراج خامها الثقيل واللزج.

صهريج لتخزين النفط تابع لشركة «بتروليوس دي فنزويلا» (رويترز)

هل دافع ترمب حقيقي؟

يزعم مادورو وحلفاؤه أن النفط هو الدافع الحقيقي وراء التصعيد العسكري الأميركي الهائل في المنطقة، وأن واشنطن تسعى إلى «الاستيلاء على أكبر احتياطي نفطي في الكوكب بالقوة العسكرية». وقد وصف الرئيس الكولومبي اليساري، غوستافو بيترو، الحملة بأنها «مفاوضات حول النفط».

لكن التحليل يختلف: المحللون يرون أن الصورة ليست بهذه البساطة. يشدد فرانسيسكو ج. مونالدي، مدير برنامج الطاقة في أميركا اللاتينية بجامعة رايس، في تصريح إلى صحيفة «الغارديان» البريطانية، بأن النفط قد يكون «جزءاً من الصورة، لكن ليس الدافع الرئيسي»، لأن فنزويلا حالياً «لاعب صغير جداً» في السوق العالمية.

كما أن خبراء آخرين يشيرون إلى أن ترمب لو أراد صفقة احتكارية للنفط الفنزويلي، لكان قد قبل عرض مادورو الأخير بفتح جميع مشروعات النفط والذهب الحالية والمستقبلية للشركات الأميركية.

مظاهرة احتجاجية على سياسة الولايات المتحدة تجاه فنزويلا في براتلبورو بفيرمونت (أ.ب)

تحديات الخام الثقيل

تتطلب عودة إنتاج فنزويلا إلى مستويات ما قبل الانهيار (4 إلى 5 ملايين برميل يومياً) استثمارات ضخمة تقدر بنحو 100 مليار دولار، وتستغرق 10 سنوات على الأقل. ويواجه قطاع النفط تحديات هيكلية:

  • نوعية الخام: معظم احتياطي فنزويلا هو خام «ثقيل حامض» (Heavy Sour Crude)، وهو أكثر صعوبة وتكلفة في الاستخراج مقارنة بالخام الخفيف المتوفر في الولايات المتحدة.
  • التاريخ السياسي: في أعقاب إضراب عمال النفط في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، طرد مادورو وسلفه هوغو تشافيز أعداداً كبيرة من العمال، وعززا سيطرة الدولة على شركة «بتروليوس دي فنزويلا» (PDVSA). وفرضت الحكومة على الشركات الأجنبية حصة ملكية لا تقل عن 51 في المائة والتحكم التشغيلي، مما أدى إلى طرد شركات عملاقة مثل «كونوكوفيليبس» و«إكسون موبيل».
  • العقوبات: بعد أن فرضت إدارة ترمب الأولى حظراً على واردات النفط الفنزويلي في 2019، تراجع الإنتاج بشكل كبير. ورغم تخفيف الرئيس السابق جو بايدن للقيود سابقاً، فإن ترمب أعاد فرضها بعد الانتخابات الفنزويلية الأخيرة.

دور الشركات الغربية

رغم الاضطرابات، فإن حفنة من الشركات الغربية لا تزال تستمر في العمل في فنزويلا، مراهِنةً على أن الجهد سيؤتي ثماره على المدى الطويل بسبب ضخامة الاحتياطي:

  • «شيفرون»: أكبر الشركات الأميركية المتبقية، وتنتج نحو ربع نفط فنزويلا. تمكّنت «شيفرون» من الحفاظ على عملياتها، رغم تقليصها، واستفادت من قرار ترمب في يوليو (تموز) بأن تُستخدم الإتاوات لتغطية التكاليف التشغيلية وسداد ديون فنزويلية قديمة للشركة. وتستورد «شيفرون» حالياً ما بين 150 ألفاً و160 ألف برميل يومياً إلى الولايات المتحدة.
  • شركات أوروبية: تعمل «إيني» الإيطالية و«ريبسول» الإسبانية في مجال الغاز الطبيعي البحري الذي تستخدمه فنزويلا لتوليد الكهرباء. وقد واجهتا صعوبات في السداد بعد أن حظرت الولايات المتحدة عمليات المقايضة النفطية.

في سياق متصل، لا تزال شركة «سيتغو بتروليوم» (Citgo Petroleum)، المملوكة لشركة «بتروليوس دي فنزويلا» وتدير 3 مصافٍ أميركية، محور معركة قانونية لتمكين الدائنين من استيفاء ديونهم. وقد أمر قاضٍ فيدرالي ببيع المصفاة مؤخراً لـ «أمبر إنرجي» مقابل 5.9 مليار دولار، وهو جزء بسيط من الديون المستحقة التي تتجاوز 20 مليار دولار.

محطة وقود تابعة لشركة «سيتغو» في هيوستن (أ.ف.ب)

أهمية استراتيجية

تظل الموارد الفنزويلية ذات قيمة استراتيجية للولايات المتحدة. وفي حال استمرار نمو الطلب العالمي على النفط حتى منتصف القرن الحالي، وتوقف النمو السريع للإنتاج الأميركي، يصبح تأمين مصادر جديدة خارج الشرق الأوسط وروسيا أمراً بالغ الأهمية.

يُعد النفط الفنزويلي جذاباً بشكل خاص للمصافي الأميركية على ساحل الخليج، لأنها مصممة لمعالجة مزيج من الخام الثقيل الرخيص (المتوفر في فنزويلا) والخام الخفيف الأكثر تكلفة. كما أن الشحن السريع إلى مصافي الخليج يعزز قيمته.

ويتفق المحللون على أن المعوقات أمام الاستثمار في فنزويلا هي في الغالب «فوق الأرض» (سياسية وقانونية)، لكن ضخامة المورد تضمن استمرار اهتمام الشركات العالمية بالبقاء، أو العودة لاسترداد الأصول التي استولت عليها الحكومة في الماضي.


السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
TT

السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)

يعكس «مؤتمر الابتكار في استدامة المياه 2025» الذي تستضيفه مدينة جدة الأسبوع المقبل، قدرة السعودية على قيادة تحول عالمي يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.

يأتي المؤتمر في لحظة يصفها الاقتصاديون بأنها نقطة ارتكاز في تطور «اقتصاد المياه» خلال العقد المقبل، وتتسارع فيها التحولات المرتبطة بتلك الصناعة عالمياً، وتعيد تشكيل ميزان الابتكار والاستثمار في واحد من أكثر القطاعات الاستراتيجية تأثيراً على الأمن الغذائي والطاقة والنمو الاقتصادي.

وتحوّل الحدث الدولي الذي يقام خلال الفترة بين 8 و10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي.

ويجمع المؤتمر نحو 11 ألف مشارك من 137 دولة، إلى جانب عدد من كبرى شركات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة، ما يجعله أحد أهم التجمعات الدولية التي ترسم خريطة الاقتصاد المائي الجديد، ويعكس مكانة السعودية ودورها المتنامي في صياغة مستقبل هذا القطاع عالمياً.

المياه... قطاع اقتصادي مرتبط بالأسواق العالمية

يتناول المؤتمر المياه بوصفها قطاعاً اقتصادياً يرتبط مباشرة بالأسواق الدولية، مثل الطاقة والتقنية والتمويل، ويتمحور حول أربع ركائز رئيسية تشغل المستثمرين عالمياً، تتمثل في: «الاقتصاد الدائري للمياه» الذي يُعتبر سوقاً صاعدة تجذب شركات الكيميائيات النظيفة والطاقة المتجددة، ثم «الرقمنة والذكاء الاصطناعي» حيث التوسع في إدارة الشبكات الذكية وتحليل الطلب، فـ«تكامل المياه والطاقة» عبر ابتكار متسارع في تقنيات التحلية منخفضة الانبعاثات، وأخيراً «الاستثمار والتمويل» بدخول أكبر للصناديق والبنوك التنموية مع توسع مشاريع إعادة الاستخدام.

يجمع الحدث 11 ألف مشارك من 137 دولة وشركات كبرى بمجالات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة (واس)

وتعكس تلك التحولات واقعاً جديداً، إذ لم تعد المياه بمثابة خدمة أساسية فحسب، بل فرصة استثمارية طويلة الأجل، ويُعدّ الابتكار اليوم محوراً اقتصادياً تعتمد عليه الحكومات والشركات الكبرى لمواجهة تحديات شُحَّها وارتفاع تكاليف الإنتاج وتزايد الطلب الصناعي.

«جائزة الابتكار» تُعزِّز اقتصاد المياه

تحوَّلت «الجائزة العالمية للابتكار في المياه»، المتزامنة مع المؤتمر، إلى منصة تُقرأ من خلالها مبكراً ملامح التقنيات التي ستقود اقتصاد المياه في السنوات المقبلة؛ إذ باتت الأرقام التي تُسجِّلها الجائزة كل عام تعكس حجم التحول العالمي نحو الابتكار، بوجود 2570 ابتكاراً مقدّماً من 300 جامعة ومعهد تمثل 119 دولة، مما يكشف عن سباق دولي واسع لإنتاج حلول جديدة، ويعكس أهمية الجائزة التي أضحت مرصداً عالمياً لاتجاهات التقنية، ويحدد ملامح المستقبل في أحد أكثر القطاعات ارتباطاً بحياة الإنسان والتنمية.

«مياهثون» تجمع المبتكرين والمستثمرين

وتعدّ فعالية «مياهثون» المصاحبة للمؤتمر منصة تنافسية تسهم في توليد شركات ناشئة ونماذج تطبيقية، ويتفق المختصون على أن قوة هذا المشروع تكمن في جمع المواهب والمنظمين والمستثمرين على مساحة واحدة، وهو عنصر تفتقر إليه منظومات الابتكار المائي عالمياً.

بناء حلول الاستدامة عبر الابتكار

يكشف المؤتمر عن أن الابتكار أصبح منهجاً لبناء حلول تمتد آثارها إلى مجالات واسعة باتت اليوم في قلب التحول المائي؛ فمجالات الطلب الزراعي وإعادة الاستخدام والسياحة والاقتصاد والمجتمع تمثل محاور رئيسية في نقاشات المياه، يستهدفها الابتكار لخفض الهدر، وتعزيز الكفاءة، ورفع قيمة العائد التنموي.

ويضطلع المؤتمر بدور محوري في توسيع آفاق الابتكار عبر استعراض وتبنّي التقنيات الحديثة التي تُعزِّز الكفاءة التشغيلية، وتُرسِّخ مفهوم الاستدامة البيئية، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالطاقة والعمليات الصناعية.

وتتجلى قدرة الابتكار على دعم الأمن الغذائي، ورفع كفاءة الطاقة، وزيادة مرونة المدن، وتمكين الاقتصادات من مواجهة ندرة المياه وتزايد الطلب، ما يؤكد أن مستقبل المياه يُعاد تشكيله اليوم عبر حلول أوسع من التقنية وحدها، وأكثر التصاقاً بحاجات التنمية الشاملة.

مكاسب دولية تعزّز مكانة السعودية

ينعقد المؤتمر فيما تحقق المملكة حضوراً متقدماً في أبرز المؤشرات الدولية المرتبطة بالمياه، إذ جاء اعتراف الأمم المتحدة بالنموذج السعودي في تحقيق الهدف السادس ليؤكد نجاعة السياسات الوطنية في إدارة الموارد وتعزيز الاستدامة، فيما شكّل توقيع ميثاق المياه العالمي في الرياض نقطة تحول عمّقت الشراكات الدولية، ورسّخت دور البلاد في قيادة الحوار العالمي حول أمن المياه.

وعزَّز إطلاق «المنظمة العالمية للمياه» صدارة السعودية للدول القادرة على صياغة الأطر الجديدة لهذا القطاع الحيوي، كما باتت المملكة أحد أهم الفاعلين في تشكيل مستقبل السياسات المائية عالمياً، بما تملكه من مبادرات رائدة وحضور مؤسسي مؤثر ورؤية واضحة لأمن المياه.

مركز إنتاج للابتكار المائي العالمي

تحوّل المؤتمر إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي، إذ تقود تحولاً عالمياً يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.


النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.