«تحرير الشام» تعلن استعدادها لحل نفسها في الغوطة الشرقية

المطالبات الشعبية واتفاق «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» أفقدتها الغطاء

المعارضة تحرر منطقة محروثة في البادية السورية وتغتنم دبابة (أسود الشرقية)
المعارضة تحرر منطقة محروثة في البادية السورية وتغتنم دبابة (أسود الشرقية)
TT

«تحرير الشام» تعلن استعدادها لحل نفسها في الغوطة الشرقية

المعارضة تحرر منطقة محروثة في البادية السورية وتغتنم دبابة (أسود الشرقية)
المعارضة تحرر منطقة محروثة في البادية السورية وتغتنم دبابة (أسود الشرقية)

طوقت الاحتجاجات الشعبية، واتفاق توصل إليه أكبر فصيلين في الغوطة الشرقية لدمشق أمس، «جبهة النصرة» التي باتت كتنظيم «عنصراً غير مرغوب به» في الغوطة، وسط دعوات لرحيل ما تبقى من عناصرها إلى الشمال، أو حل نفسها والاندماج مع الفصائل العسكرية المعارضة في المنطقة.
واستجابت «هيئة تحرير الشام»، التي تشكل «جبهة النصرة» أكبر مكوناتها، للضغوط التي تعرضت لها، حيث أعلنت عن استعدادها لحل نفسها، والاندماج مع باقي الفصائل العاملة هناك، ضمن «كيان واحد يضمّ فصائل القطاع الأوسط»، عازية الخطوة إلى ما قالت إنه «إيمان منّا بضرورة مراعاة آلام شعبنا المكلوم، ووجوب استمرار الثورة على قواعدها الأولى... واستجابةً لمطالب وفود أهلنا من الفعاليات المدنية».
ولا يخفي بيان «النصرة»، الذي صدر ليل الثلاثاء - الأربعاء، المطالب الشعبية بحل نفسها، إثر تحميل التنظيم مسؤولية الخروقات التي تتعرض لها الهدنة في المنطقة، وهو الواقع الذي باتت تواجهه أكثر من أي وقت مضى، متجسداً في المظاهرات الشعبية المناهضة لها التي عمّت الغوطة، خصوصاً يوم الجمعة الماضي، إضافة إلى بعض مناطق الغوطة، وصولاً إلى طرد عناصر التنظيم من كفر بطنا، أول من أمس.
وتراجع نفوذ التنظيم في الغوطة، إثر العملية العسكرية التي نفذها «جيش الإسلام» قبل شهرين، والتي أسفرت عن السيطرة على مقار ومراكز التنظيم المتشدد، فيما وجد بعض عناصرها «مظلة حماية» لدى تنظيم فيلق الرحمن، بحسب ما يقوله ناشطون مؤيدون لجيش الإسلام، وهي تهمة ينفيها «الفيلق» الذي اشتبك عناصره مع عناصر «النصرة» الأسبوع الماضي.
وعلى ضوء تراجع نفوذها، بدأت المظاهرات الشعبية المناوئة. وقال الناشط وائل عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط» إن «المجتمعات المحلية تقاوم النصرة، وليس فيلق الرحمن فعلياً»، لافتاً إلى أن السكان «يرفضون آيديولوجيتها، ويعتبرونها دخيلاً على المنطقة، وهو ما دفع المظاهرات للخروج ضدها، تحديداً في كفربطنا وعربين والأشعري وحزة».
وقال عبد العزيز: «في السابق، كانت النصرة تمتلك قوة، ما يمنع الناس من إعلان مواقفهم ضدها، لكن بعد عملية (جيش الإسلام)، حيث سيطر (جيش الإسلام) على القسم الأكبر من مقراتها ونقاط وجودها، وقتل قسماً من عناصرها، لم تعد تمتلك قوة أمنية وقوة قمع، وانتهت كتنظيم في الغوطة، وتحول عناصرها إلى فلول يلوذون ببعض المناطق».
وكان التنظيم يسيطر على نقطتي مواجهة مع النظام في الغوطة، ويتمتع بوجود في القطاع الأوسط، إلى جانب مناطق سيطرة «فيلق الرحمن» و«لواء عربين»، إضافة إلى مناطق مشتركة مع «أحرار الشام» في حرستا.
وفي حين كان الناشطون يقولون إن «فلول النصرة» وجدت ملاذاً آمناً لدى «فيلق الرحمن»، انكفأ هذا الغطاء أمس، إثر اتفاق بين «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» على حل المشكلات العالقة بينهما في الغوطة الشرقية لدمشق، ووقف «التجييش الإعلامي» من كلا الطرفين.
وأجرى الطرفان، أمس، عملية تبادل لموقوفين من الطرفين، كانوا قد أسروا خلال الأحداث الأخيرة في الغوطة الشرقية، وذلك بعد ساعات من اجتماع بين قيادتي التنظيمين الأوسع نفوذاً في الغوطة.
وقال مصدر معارض في الغوطة لـ«الشرق الأوسط» إن الاتفاق «لا يستثني قضية عناصر (النصرة)، حيث يتضمن ضرورة رفع الغطاء عنهم، والتوصل إلى تسوية تقضي برحيل هؤلاء إلى الشمال، أو اندماج من يرغب بالفصائل ريثما يكون هناك جيش موحد»، لافتاً إلى أن خروج عناصر «النصرة» وقياداتها من الغوطة «هو مطلب شعبي يجتمع عليه السكان»، وقال: «يبدو أن هناك قراراً برفع الغطاء عن الجبهة وحلها، كونها تعيق اتفاق الهدنة في الغوطة».
ومن جهته، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن اجتماعاً عُقِد بين «فيلق الرحمن» و«جيش الإسلام»، العاملين في غوطة دمشق الشرقية، اتفق فيه الطرفان على عدد من النقاط، بينها توافقات حول وضع «هيئة تحرير الشام» (النصرة) في الغوطة الشرقية، فيما لم ترد تفاصيل حول توافقهم بشأنها.
وجاء الاجتماع بعد اقتتال عنيف بدأ في أبريل (نيسان) الماضي، وأودى بحياة نحو 180 على الأقل من مقاتلي الطرفين.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.