رياح الحروب تقفل أبواب المدارس... فأي مستقبل للأطفال العرب؟

طفلتان سوريتان تظهر عليهما آثار الصدمة والغبار بعد القصف (رويترز)
طفلتان سوريتان تظهر عليهما آثار الصدمة والغبار بعد القصف (رويترز)
TT

رياح الحروب تقفل أبواب المدارس... فأي مستقبل للأطفال العرب؟

طفلتان سوريتان تظهر عليهما آثار الصدمة والغبار بعد القصف (رويترز)
طفلتان سوريتان تظهر عليهما آثار الصدمة والغبار بعد القصف (رويترز)

ستة أعوام على الربيع العربي الذي رسمه الشباب بأحلامهم بغية اختراق ما يرونه أفقاً مسدوداً، هذه الأحلام التي تعاملت معها بعض الأنظمة المكرسة بعنف عبر السجون والمعتقلات، بل ودون تردد عبر تلوين فصولها باللون الأحمر.
وفي منطقة عربية مشتعلة بالثورات وتداعياتها، وفي ظل تصدع مؤسسات تلك الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي، يظهر أن المؤسسات التعليمية هي من بين القطاعات الأكثر تأثراً، فقد وصلت بعض البلاد إلى عجز عن تقديم الخدمات التعليمية، وارتفاع معدلات تسرب الأطفال من المدارس، مع انخراطهم في الصراع الداخلي، أو نزوحهم إلى دول الجوار مع عائلاتهم، وعدم قدرتهم على الحصول على الخدمات التعليمية في مخيمات اللاجئين.
ومما لا شك فيه أن أطفال الدول التي تعاني من الحروب، مثل سوريا والعراق واليمن، الذين يقدر عددهم بالملايين، كانوا أكثر الفئات تضرراً في المجتمع، بعد أن حرمتهم الحرب الدائرة من أبسط حقوقهم (التعليم)، الأمر الذي كان له تأثيرات عميقة على نفسياتهم واستعدادهم لاستقبال تحديات المستقبل، في ظل أجواء القتال المستعرة بالتوازي مع استمرار العمليات العسكرية.

* التسرب من المدارس
أكد تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسيف) في 3 سبتمبر (أيلول) 2015، بعنوان «التعليم تحت النار»، أن الصراعات الداخلية في منطقة الشرق الأوسط منعت ما لا يقل عن 13.4 مليون طفل من تلقي التعليم في المدارس في كلٍّ من سوريا والعراق واليمن وليبيا وجنوب السودان، بما يعادل نسبة 40 في المائة من إجمالي عدد الأطفال في سن الدراسة في هذه الدول.
وتتفاوت معدلات التسرب من التعليم من دولة لأخرى، حيث تصل إلى 3.1 مليون طفل في السودان، و3 ملايين طفل في العراق، و2.9 مليون طفل في اليمن، و2.7 مليون طفل في سوريا ومناطق تمركز اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا ومصر، ومليوني طفل في ليبيا.
وقال بيتر سلامة المدير الإقليمي لليونيسيف، إنه ليس على سبيل المصادفة أن ما يظهر في اللقطات التلفزيونية، وهذه الصور المفزعة لأشخاص يعبرون البحر في قوارب إلى اليونان وإيطاليا، ينبع إلى حد بعيد من الصراع السوري والصراع في العراق. وأضاف أن «اللاجئين يقولون كثيراً إن تعليم أطفالهم هو الأولوية القصوى بالنسبة لهم، وإن دولاً كثيرة بالمنطقة لا يمكنها ببساطة توفير هذا الحق الإنساني الأساسي».
وأوضح سلامة أن نسبة الأطفال المحرومين من التعليم في هذه الدول قد تصل إلى 50 في المائة من مجموع الأطفال في سن التعليم بسبب استمرار تدهور الأوضاع.

* التداعيات النفسية على الأطفال
تفيد الاختصاصية في علم نفس الطفل ريهام منذر بأن الحروب عادة ما تسبب صدمة نفسية لدى الأطفال، تعرف بـ«Post Traumatic Stress Disorder»، وتؤدي هذه الحالة المرضية إلى أمراض جسدية، سببها نفسي. وتشرح منذر: «عندما يعيش الأطفال نزاعات مسلحة، وحروباً قتالية، من الطبيعي أن تسبب لهم هذه الأحداث عقداً نفسية تدفعهم تجاه تصرفات عدائية عنفية. كما أنها تسبب مشكلات بالأكل والنوم، واضطرابات غذائية صحية».
وتكمل منذر، قائلة: «نادراً ما يعود الأطفال الذين عانوا من الحروب إلى مقاعد الدراسة، وذلك بسبب الفجوة الأكاديمية التي تتسع مع مرور السنوات، مثل ما يحدث حالياً في بعض مناطق عالمنا العربي. فيجد الطفل نفسه أكبر من مستواه الأكاديمي بالعمر الزمني، ويفقد الطموح والحماس لإكمال مسيرته التعليمية».
وتشرح منذر، طارحة مثال أزمة عمالة الأطفال: «فالحرب السورية دفعت كثيرًا من الطلاب إلى ترك مدارسهم، والبحث عن عمل بغية مساعدة ذويهم في تحمل تكاليف العيش؛ وهؤلاء الأطفال نادراً ما يهتمون بالعلم بعد أن دخلوا سوق العمل من أضيق أبوابه».
وتقول منذر إن معظم المدارس المخصصة لتعليم اللاجئين دون المستوى المطلوب، وأعطت مثالاً «مدارس بعد الظهر اللبنانية» التي تؤمن، بحسب وصف منذر، «صفوفاً لمحو الأمية، ليس إلا». كما تفتقد هذه المدارس لاختصاصيين نفسيين، رغم أن الأطفال اللاجئين هم الأكثر حاجة لمعالجة ومتابعة نفسية، وفقاً لمنذر.
وأكدت اليونيسيف أن الأطفال الذين يحرمون من التعليم قد ينتهي بهم الحال إلى القيام بأعمال غير مشروعة، وكثيراً ما يصبحون هم من يعيلون أسرهم، ويصبحون عرضة للاستغلال، ومن الممكن أن يتم تجنيدهم في الجماعات المسلحة بسهولة أكبر.
كما لفت التقرير إلى أن العالم بصدد فقدان جيل كامل من الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأنه يجب التحرك بشكل عاجل، وإلا سيلحق ضرر على المدى البعيد بالأطفال في المنطقة، ويتعذر تغييره.

* ما طرق إعادة دمجهم في العملية التعليمية؟
تصف الدكتورة في تقنيات التعليم جنى بو رسلان الوضع الأكاديمي لأطفال العالم العربي بأنه «مخزٍ»، فبعد أن حرمتهم الحروب من متابعة دراستهم، وهي أبسط حقوقهم الإنسانية، تنظر لوضعهم «بنظرة واقعية» قائلة: «حان وقت التخلي عن النظرة الحالمة والرومانسية، ويجب وضع خطط استثنائية واضطرارية مباشرة، كي نبدأ بالعمل الجدي لننقذ الأطفال وموقفهم التعليمي، وهذه القضية ليست بخاصة، بل تعني الشأن العام».
وتضيف: «هناك خطط أكاديمية تسمح لهم بالانخراط في عالم العلم الحالي، ويمكننا أن نسخر التكنولوجيا لخدمة هؤلاء الأطفال. واليوم، لدينا ما يعرف بـ(تقنيات التعلم عبر الجوال) أو (Mobile Learning)، فمن منا لا يحمل جوالاً؟ وحتى في المناطق النامية، وتلك القابعة تحت خط الفقر، هناك خدمات الجوال، وتقنيات أساسية تكنولوجية، يمكننا الاستفادة منها، وذلك عبر تجهيز ونشر تطبيقات متعلقة بالتربية والتعليم، وتوظيفها بالطريقة الصحيحة».
وتؤكد بو رسلان أن استخدام الوسائل التكنولوجية والتقنيات الرقمية لا يعني الاعتماد عليها بشكل كلي، بل «يجب أن نؤمن الرعاية الكاملة، عبر إعداد أساتذة متبرعين وطلاب متدربين يشاركون بالعمل التطوعي. وعلينا أن نقيس درجة نجاح هذه الخطط. أما في التطبيق، فعندما تصدر هذه المشاريع عن منظمات عالمية، مثل الإسكوا واليونيسيف، يكون المتطوعون بكامل الجهوزية النفسية والأكاديمية التي تخولهم التعامل مع الأطفال، لهذا فإن تحركهم الفعلي أمر ضروري ومستعجل».
وبالعودة لمنذر، فإنها تؤكد أن جزءًا من الحل يكمن في تدريب الأساتذة على كيفية التعامل مع أطفال عانوا من النزاعات، عبر «إبعادهم عن كل مصادر العنف والإساءة والإهانة والتمييز، وتدريب الأطفال على تقبل الآخر والانفتاح بغية الانخراط بالمجتمعات التي تستقبلهم وتحضنهم بطريقة سليمة ومفيدة».
ويبقى الطفل العربي الحلقة الأضعف في مجتمعات تمر بصراعات محتدمة وظروف سياسية واقتصادية غير مستقرة، الأمر الذي ينعكس على حياته، ويجعله يمر بظروف أسوأ من تلك التي يعيش في ظلها نظراؤه في باقي دول العالم، بما فيها دول العالم الثالث، ذلك أن هناك أكثر من 15 مليون طفل عربي يعيشون في ظروف إنسانية صعبة. ويؤدي تردي الأوضاع التعليمية في تلك المناطق لإطالة أمد الصراعات نتيجة توظيف الأطفال من جانب الأطراف المتقاتلة، مما يسهم في تكريس قيم التطرف والصراع والعنف، وعدم تقبل الآخر لدى الأجيال الصاعدة. وعلى الرغم من تفاوت الاهتمام بقضايا الطفولة من قطر عربي لآخر، فإن الوعي بخطورة قضية الطفولة، بعدِّها قضية بالغة الحساسية تتعلق بالمستقبل العربي، ما زال عامة مفقوداً.



«الرئاسي اليمني» يقيّم تقدم الإصلاحات ويشدّد على العمل المشترك

جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يقيّم تقدم الإصلاحات ويشدّد على العمل المشترك

جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)

جدد مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال اجتماعه، الأحد، التزامه بالمضي في مسار الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وتعزيز الشفافية واستعادة مؤسسات الدولة، بالتوازي مع إشادته بالدعمين الإقليمي والدولي المتواصل، ولا سيما الموقف الحازم لمجلس الأمن تجاه الانتهاكات الحوثية.

وركّز الاجتماع، الذي عقد في الرياض برئاسة رشاد العليمي وغاب عنه ثلاثة من أعضاء المجلس «بعذر» - بحسب الإعلام الرسمي - على أبرز التحديات الاقتصادية والخدمية، ومستوى تنفيذ خريطة الإصلاحات الحكومية، وسط تأكيدات على أهمية العمل المشترك، وتكامل الجهود لتخفيف معاناة المواطنين، وتحقيق استقرار اقتصادي وخدمي أوسع في المحافظات المحررة.

وذكرت وكالة «سبأ» أن المجلس استعرض، بحضور رئيس الوزراء سالم بن بريك، آخر التطورات على المستويات الاقتصادية والخدمية والأمنية، مع تقييم مستوى التقدّم في تنفيذ قرار المجلس رقم (11) لعام 2025، المتعلق بأولويات الإصلاحات والإجراءات اللازمة لمعالجة الاختلالات في تحصيل الموارد العامة مركزياً ومحلياً.

وقدم رئيس الوزراء - وفق الوكالة - إحاطة شاملة حول ما أنجزته الحكومة في مجال ضبط الإيرادات، وتفعيل أدوات الرقابة، وتحسين الأداء المالي والإداري، مشدداً على التزام الحكومة بتوجيهات مجلس القيادة، والسعي إلى معالجة التحديات التي تواجه المؤسسات العامة ورفع كفاءتها.

طلاب يمنيون يمشون في ممر مدرسة بتمويل سعودي في مدينة عدن (أ.ف.ب)

وأكد مجلس القيادة دعمه الكامل لإجراءات الحكومة والبنك المركزي في تنفيذ الإصلاحات الشاملة، والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي، والعمل بمعايير الشفافية والمساءلة. وعدّ المجلس أن هذه المنهجية تمثل أساساً لتعزيز الثقة مع المانحين والشركاء الدوليين، وضمان قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين ورواتبهم وخدماتهم الأساسية.

كما شدّد المجلس على ضرورة تعزيز العمل المؤسسي بروح الفريق الواحد، والالتزام بتنفيذ المصفوفة الكاملة للإصلاحات الاقتصادية والمالية، بوصفها المسار الأكثر فاعلية لإحداث تغيير ملموس في المحافظات المحررة، وتمكين الدولة من الاضطلاع بدورها في استعادة مؤسساتها وإنهاء معاناة اليمنيين.

إشادة بالإنجازات والدعم الدولي

أبدى مجلس القيادة ارتياحه للتقدم المحرز في مسار الإصلاحات، موجهاً الحكومة بالمضي قدماً في تنفيذ الخطوات الواردة في القرار رقم (11)، وضمان وصول الدولة إلى كامل إيراداتها السيادية بما يمكّنها من الاستمرار في تقديم الخدمات وصرف الرواتب.

كما ثمّن المجلس الدعم السعودي والإماراتي لخطة التعافي وبرنامج الإصلاحات، مشيداً خصوصاً بإجراءات الحكومة السعودية المتعلقة بتسريع إيداع الدفعتين الأولى والثانية من منحتها المخصصة لدعم الموازنة العامة، الأمر الذي أسهم مباشرة في تسريع صرف رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، مع إعطاء الأولوية لأسر الشهداء والجرحى.

مسلحون حوثيون يستعرضون قوتهم في منطقة خاضعة للجماعة شمال صنعاء (أ.ف.ب)

وفي السياق السياسي، رحّب مجلس القيادة بقرار مجلس الأمن بتجديد ولاية فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات، مؤكداً أهمية هذه الخطوة في ردع الممارسات الحوثية التي تهدد استقرار اليمن والمنطقة. كما أشاد المجلس بما تضمنه تقرير فريق الخبراء من «دلائل حاسمة» حول الطبيعة الإرهابية للجماعة الحوثية، وارتباطها بالأنشطة العابرة للحدود ودعم النظام الإيراني.

وأشاد مجلس الرئاسة اليمني أيضاً بما ورد في إحاطات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن من انتقادات واضحة للممارسات الحوثية، بما في ذلك احتجاز موظفي الأمم المتحدة وتصاعد الهجمات الإرهابية على الملاحة الدولية. وأكد أهمية استمرار الموقف الدولي الموحد إلى جانب الحكومة الشرعية لدعم جهود إحلال السلام وحماية الأمن الإقليمي والدولي.


برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
TT

برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)

يشهد اليمن طقساً بارداً أكثر من المعتاد في منتصف الخريف وقبل قدوم الشتاء، بالتزامن مع زيادة في أعداد المحتاجين إلى المساعدة، وسط تحذيرات من انخفاض أشد في درجات الحرارة خلال الأسابيع المقبلة، وتفاقم معاناة النازحين، وطلب تمويل بـ7 ملايين دولار لتأمين احتياجات مئات الآلاف منهم.

ويتوقع خبراء الأرصاد أن تعيش البلاد خلال الأيام المقبلة موجة برد شديدة في مناطق المرتفعات، ما يؤثر على صحة السكان من الأطفال وكبار السن، إلى جانب تأثيرها على المحاصيل الزراعية، وتزداد قسوتها خلال ساعات الليل والصباح الباكر، خصوصاً في محافظات شمال البلاد، وتقل حدتها نسبياً باتجاه الجنوب والجنوب الغربي والشمال الشرقي.

ورجّح عدد من الخبراء أن تكون محافظات صعدة وعمران وصنعاء شمالاً، وذمار والبيضاء جنوب وجنوب شرقي العاصمة صنعاء، هي الأكثر عرضة لهذه الموجة، تليها المناطق المرتفعة في محافظات إبّ وتعز ولحج والضالع، في الجنوب والجنوب الغربي للبلاد، بالإضافة إلى الأجزاء الغربية من محافظة الجوف (شمال شرقي).

ولا تُستثنى المحافظات الشرقية مثل حضرموت وشبوة وأبين ومأرب، والغربية والشمالية الغربية مثل ريمة وحجة والمحويت، من تلك الموجة، لكن بدرجة أقل، ما يدعو إلى اتخاذ احتياطات لحماية الأطفال وكبار السن من تأثيراتها، واتخاذ تدابير لحماية المزروعات من التلف.

لا تختلف أزمة المأوى بالنسبة للنازحين بين الصيف والشتاء بسبب قسوة الظروف المناخية المتبدلة (رويترز)

وحذرت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، خلال الأيام الماضية، من زيادة معاناة النازحين وأشد الفئات ضعفاً مع اقتراب فصل الشتاء، ووجهت دعوة لشركاء العمل الإنساني والجهات المانحة للتحرك العاجل وتقديم المساعدات الشتوية الضرورية.

فجوة تمويلية

ذكرت الوحدة التنفيذية المعنية بالنازحين، وهي هيئة رسمية، أن تقاريرها الميدانية كشفت عن أوضاع مؤلمة للأطفال والنساء وكبار السن الذين يعيشون في خيام مهترئة بلا أغطية كافية أو وسائل تدفئة، مما يضاعف من خطر البرد القارس عليهم، منبهة إلى أن تأخير الاستجابة يهدد حياة الفئات الهشة ويضاعف معاناتها.

وذكّرت بحوادث وفاة عدد من الأطفال وكبار السن خلال الأعوام الماضية بسبب مضاعفات البرد الشديد ونقص الدعم الإنساني، وطالبت ببذل الجهود لعدم تكرار المأساة هذا العام، من خلال توفير الملابس الشتوية والبطانيات وأدوات التدفئة والعوازل والفرش الأرضية بشكل عاجل، والاهتمام بأكثر العائلات تضرراً.

وكانت «كتلة المأوى» وجهت نداءً عاجلاً للحصول على تمويل بقيمة 7 ملايين دولار لتأمين احتياجات الشتاء لنحو 217 ألف شخص من النازحين والعائدين والمجتمعات المضيفة في اليمن.

نازحة يمنية تنتظر حصولها على مساعدات شتوية من المنظمة الدولية للهجرة العام الماضي (الأمم المتحدة)

وأشارت «الكتلة» إلى أن ضعف الاستجابة الإنسانية سيعرض عشرات الآلاف لمخاطر البرد القارس، خاصة في 45 موقعاً موزعة على 12 محافظة يواجه سكانها ظروفاً معيشية صعبة تحدّ من قدرتهم على شراء المستلزمات الشتوية الأساسية.

وبحسب تحليل حديث أجرته «الكتلة»، وهي آلية أممية تعمل على تنسيق جهود المنظمات الإنسانية والجهات الفاعلة الأخرى لتقديم الدعم في مجال المأوى للأشخاص المتضررين من الكوارث والنزاعات؛ فإن نحو 642 ألف نازح، يعيشون في 45 مديرية موزعة على عدد من المحافظات، يحتاجون لمساعدة شتوية، من بينهم 563 ألفاً تقريباً معرضون لدرجات التجمد.

ولا يُغطّى من التمويل المطلوب سوى 5 في المائة فقط، ما يترك فجوة تمويلية خطيرة بنسبة 95 في المائة.

وحددت الكتلة الأممية استراتيجيتها لمواجهة هذه الأزمة بإصلاح المأوى أو استبدال الخيام والمساكن التالفة وعزلها بدرجة كافية، وتوزيع «حزمة شتوية» من بطانيات عالية العزل لكل فرد، وملابس شتوية متنوعة، وفق عدد أفراد كل عائلة، إلى جانب إمكانية تقديم المساعدة النقدية، بحسب تقييم الأسواق المحلية والقدرة الشرائية.

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع الشتاء الماضي (إكس)

وأعادت التحذير من أن يشهد الشتاء المقبل ظروفاً مشابهة لسابقه، ما يجعل توفير التمويل ضرورة ملحة لضمان سلامة نحو 31 ألف عائلة تعيش في بيئات شديدة البرودة، ومنحهم الحد الأدنى من الأمان والدفء.

موسم التدهور المعيشي

توقعت مبادرة تصنيف المراحل المتكاملة للأمن الغذائي (IPC) أن يرتفع عدد اليمنيين الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمان الغذائي إلى 18.1 مليون شخص، خلال الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وحتى فبراير (شباط) المقبل، بنحو 52 في المائة من السكان الذين قامت بدراسة أوضاعهم المعيشية.

وطبقاً للمبادرة، فإن من المحتمل أن يدخل نحو 41 ألف شخص في المرحلة الخامسة المصنفة بالكارثة في بعض المديريات، وأكثر من 5.5 مليون شخص في المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الطوارئ، في حين سيقع نحو 12.574 مليون شخص في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الأزمة، مع ترجيح أن يرتفع عدد المديريات التي قد تقع في فئة الطوارئ من 143 إلى 166 مديرية خلال نفس الفترة.

الحاجة إلى المأوى تتزاحم إلى جانب احتياجات الغذاء لدى النازحين طوال فصول العام

ومن دون حدوث تدخل سريع، فإن المبادرة، وهي تجمع متعدد الأطراف من وكالات أممية ومنظمات تقنية وإنسانية يهدف إلى تحسين تحليل الأمن الغذائي والتغذية واتخاذ القرارات الإنسانية، تبدي مخاوفها من انهيار كامل لسبل المعيشة.

وحددت المبادرة العوامل المحرّكة للأزمة الإنسانية بالصراع المستمر الذي يعوق الوصول إلى الأسواق، والضائقة الاقتصادية المتمثلة في ضعف العملة وانخفاض الدخل وتراجع فرص العمل، والصدمات المناخية، وانخفاض المساعدات الإنسانية وآليات التكيّف المنهكة.

وتتفاقم معاناة اليمنيين في فصل الشتاء، الذي يعد موسماً للجفاف، بسبب توقف الأمطار التي تعتمد عليها غالبية الأنشطة الزراعية، في حين تواجه المحاصيل الموسمية مخاطر التلف بسبب الصقيع.


صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
TT

صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)

تزداد المخاوف في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء من انهيار الوضع الإنساني بصورة غير مسبوقة، في ظل استمرار الحرب، وتعطل مؤسسات الدولة، وانقطاع رواتب معظم الموظفين منذ سنوات.

وفي حين ترتفع أسعار السلع الأساسية بوتيرة لا تتيح لغالبية السكان اللحاق بها، يغرق آلاف الأسر بدوامة الديون اليومية التي باتت الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة.

يقول «عادل»، وهو اسم مستعار لمعلم حكومي في صنعاء، إن حياته تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى سباق مرير مع متطلبات أسرته، بعدما اضطر إلى ترك مهنته في التعليم قبل عامين والعمل في متجر صغير للمواد الغذائية داخل مديرية معين.

لكن دفع تراجع القوة الشرائية للسكان وممارسات الحوثيين التي يخضع لها التجار صاحب المتجر إلى الإغلاق وتسريح العمال، ليجد عادل نفسه من دون مصدر رزق يعيل به زوجته وخمسة أطفال.

الملايين في اليمن فقدوا مصادر عيشهم تحت وطأة الانقلاب الحوثي (الأمم المتحدة)

يؤكد عادل لـ«الشرق الأوسط» أنه يلجأ كل شهر إلى الاقتراض لتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات، بدءاً من المواد الغذائية وحتى العلاج. ويوضح: «كان الدين بسيطاً ويمكن السيطرة عليه، لكنه تضاعف اليوم مرات كثيرة... لم أعد قادراً على السداد ولا على التوقف». ويضيف أنه بدأ بالاستدانة من بقالة الحي، ثم من الأقارب والجيران، إلا أنه يخشى اليوم أن يأتي الوقت الذي لن يجد فيه من يقبل بمنحه ديناً جديداً.

هذه القصة لا تبدو حالة فردية، بل تعكس واقع شريحة واسعة من سكان مناطق سيطرة الحوثيين، بينهم موظفون حكوميون وعمال بأجر يومي، باتوا عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم المالية بسبب انقطاع الرواتب وتراجع فرص العمل.

وتشير تقديرات محلية إلى أنّ نحو 75 في المائة من الأسر في تلك المناطق الخاضعة للحوثيين تعتمد على الديون لتأمين ضرورياتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والإيجار.

ديون تتحول إلى نمط حياة

يرى اقتصاديون في صنعاء أن الدين لم يعد مجرد وسيلة لتجاوز أزمة طارئة، بل أصبح نمط حياة مفروضاً على آلاف الأسر التي تعيش تحت سلطة الحوثيين. ويقول خبراء إن تدهور الدخل، مقابل ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة، خلق فجوة معيشية تستحيل السيطرة عليها دون اللجوء إلى الاقتراض المتكرر.

«أم عماد»، أم لثلاثة أطفال، تؤكد أنها تعيش بالكامل على الديون منذ فقدان زوجها عمله قبل أكثر من عام. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم آخذ ما أحتاجه بالدَّين... لا يمكنني ترك أطفالي دون طعام، لكنني لا أعرف متى سأستطيع السداد». وتوضح أن البقالة القريبة من منزلها تمتلك سجلاً كبيراً يحتوي على ديونها إلى جانب عشرات الأسر الأخرى في الحي ذاته.

يمنيون في صنعاء يتناولون وجبة «السلتة» الشعبية بأحد المطاعم (رويترز)

ويعاني التجار بدورهم من تراكم الديون عليهم، ما يهدد قدرتهم على الاستمرار في العمل. وبحسب أحد ملاك المتاجر في صنعاء، فإن 60 في المائة من بضاعته تُصرف يومياً بالدين، موضحاً أنه لم يعد قادراً على شراء شحنات جديدة من السلع بسبب نقص السيولة. ويشير إلى سجل ضخم يحتفظ به لمعاملات مؤجلة لأسر متعددة، تبدأ من شراء الخبز والأرز مروراً بالأدوية واحتياجات الأطفال.

ويحذر اقتصاديون من أنّ هذه الدائرة المغلقة من الديون ستقود إلى انهيار اجتماعي واقتصادي واسع إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه. ويؤكدون أن استمرار الانقلاب، وتعدد الجبايات، وتراجع النشاط التجاري، وانقطاع الرواتب منذ سنوات، إضافة إلى عدم وجود آليات رقابية فاعلة في الأسواق، كلها عوامل تدفع المواطنين إلى مزيد من الفقر والاعتماد الكامل على الديون.

مجاعة على الأبواب

في خضم هذا التدهور، أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي تقريراً مشتركاً حذّرا فيه من خطر وشيك بوقوع مجاعة كارثية في ست دول، من بينها اليمن.

التقرير أوضح أن تفاقم الصراعات والعنف وسوء الأوضاع الاقتصادية يدفع الملايين في اليمن نحو حافة الجوع الحاد، مشيراً إلى أن الوضع الإنساني مرشح للتدهور خلال الأشهر المقبلة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.

وأكد التقرير أن المجاعة «ليست مفاجئة، بل متوقعة»، ويمكن تفاديها من خلال إعادة تركيز الجهود الدولية على توفير التمويل الكافي لبرامج الإغاثة، وزيادة الاستثمارات في الأمن الغذائي، وتعزيز صمود الأسر المتضررة في مواجهة الأزمات الممتدة. وشدّد على أن منع وقوع المجاعة يتطلب تحركاً سريعاً قبل «فوات الأوان».

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

في ظل هذه التحذيرات، تبقى معاناة السكان في مناطق سيطرة الحوثيين مرآة لحجم الانهيار المعيشي، وسط غياب أي حلول ملموسة أو سياسات تُعيد الحد الأدنى من القدرة الشرائية للأسر.

وبينما يواصل الأهالي الغرق في الديون اليومية لتأمين رغيف الخبز وأبسط الاحتياجات، يلوح شبح الجوع في الأفق أكثر من أي وقت مضى، ما يجعل اليمن أمام تحدٍّ إنساني خطير قد يتفاقم سريعاً ما لم تتكاتف الجهود المحلية والدولية لاحتوائه.