رياح الحروب تقفل أبواب المدارس... فأي مستقبل للأطفال العرب؟

طفلتان سوريتان تظهر عليهما آثار الصدمة والغبار بعد القصف (رويترز)
طفلتان سوريتان تظهر عليهما آثار الصدمة والغبار بعد القصف (رويترز)
TT

رياح الحروب تقفل أبواب المدارس... فأي مستقبل للأطفال العرب؟

طفلتان سوريتان تظهر عليهما آثار الصدمة والغبار بعد القصف (رويترز)
طفلتان سوريتان تظهر عليهما آثار الصدمة والغبار بعد القصف (رويترز)

ستة أعوام على الربيع العربي الذي رسمه الشباب بأحلامهم بغية اختراق ما يرونه أفقاً مسدوداً، هذه الأحلام التي تعاملت معها بعض الأنظمة المكرسة بعنف عبر السجون والمعتقلات، بل ودون تردد عبر تلوين فصولها باللون الأحمر.
وفي منطقة عربية مشتعلة بالثورات وتداعياتها، وفي ظل تصدع مؤسسات تلك الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي، يظهر أن المؤسسات التعليمية هي من بين القطاعات الأكثر تأثراً، فقد وصلت بعض البلاد إلى عجز عن تقديم الخدمات التعليمية، وارتفاع معدلات تسرب الأطفال من المدارس، مع انخراطهم في الصراع الداخلي، أو نزوحهم إلى دول الجوار مع عائلاتهم، وعدم قدرتهم على الحصول على الخدمات التعليمية في مخيمات اللاجئين.
ومما لا شك فيه أن أطفال الدول التي تعاني من الحروب، مثل سوريا والعراق واليمن، الذين يقدر عددهم بالملايين، كانوا أكثر الفئات تضرراً في المجتمع، بعد أن حرمتهم الحرب الدائرة من أبسط حقوقهم (التعليم)، الأمر الذي كان له تأثيرات عميقة على نفسياتهم واستعدادهم لاستقبال تحديات المستقبل، في ظل أجواء القتال المستعرة بالتوازي مع استمرار العمليات العسكرية.

* التسرب من المدارس
أكد تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسيف) في 3 سبتمبر (أيلول) 2015، بعنوان «التعليم تحت النار»، أن الصراعات الداخلية في منطقة الشرق الأوسط منعت ما لا يقل عن 13.4 مليون طفل من تلقي التعليم في المدارس في كلٍّ من سوريا والعراق واليمن وليبيا وجنوب السودان، بما يعادل نسبة 40 في المائة من إجمالي عدد الأطفال في سن الدراسة في هذه الدول.
وتتفاوت معدلات التسرب من التعليم من دولة لأخرى، حيث تصل إلى 3.1 مليون طفل في السودان، و3 ملايين طفل في العراق، و2.9 مليون طفل في اليمن، و2.7 مليون طفل في سوريا ومناطق تمركز اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا ومصر، ومليوني طفل في ليبيا.
وقال بيتر سلامة المدير الإقليمي لليونيسيف، إنه ليس على سبيل المصادفة أن ما يظهر في اللقطات التلفزيونية، وهذه الصور المفزعة لأشخاص يعبرون البحر في قوارب إلى اليونان وإيطاليا، ينبع إلى حد بعيد من الصراع السوري والصراع في العراق. وأضاف أن «اللاجئين يقولون كثيراً إن تعليم أطفالهم هو الأولوية القصوى بالنسبة لهم، وإن دولاً كثيرة بالمنطقة لا يمكنها ببساطة توفير هذا الحق الإنساني الأساسي».
وأوضح سلامة أن نسبة الأطفال المحرومين من التعليم في هذه الدول قد تصل إلى 50 في المائة من مجموع الأطفال في سن التعليم بسبب استمرار تدهور الأوضاع.

* التداعيات النفسية على الأطفال
تفيد الاختصاصية في علم نفس الطفل ريهام منذر بأن الحروب عادة ما تسبب صدمة نفسية لدى الأطفال، تعرف بـ«Post Traumatic Stress Disorder»، وتؤدي هذه الحالة المرضية إلى أمراض جسدية، سببها نفسي. وتشرح منذر: «عندما يعيش الأطفال نزاعات مسلحة، وحروباً قتالية، من الطبيعي أن تسبب لهم هذه الأحداث عقداً نفسية تدفعهم تجاه تصرفات عدائية عنفية. كما أنها تسبب مشكلات بالأكل والنوم، واضطرابات غذائية صحية».
وتكمل منذر، قائلة: «نادراً ما يعود الأطفال الذين عانوا من الحروب إلى مقاعد الدراسة، وذلك بسبب الفجوة الأكاديمية التي تتسع مع مرور السنوات، مثل ما يحدث حالياً في بعض مناطق عالمنا العربي. فيجد الطفل نفسه أكبر من مستواه الأكاديمي بالعمر الزمني، ويفقد الطموح والحماس لإكمال مسيرته التعليمية».
وتشرح منذر، طارحة مثال أزمة عمالة الأطفال: «فالحرب السورية دفعت كثيرًا من الطلاب إلى ترك مدارسهم، والبحث عن عمل بغية مساعدة ذويهم في تحمل تكاليف العيش؛ وهؤلاء الأطفال نادراً ما يهتمون بالعلم بعد أن دخلوا سوق العمل من أضيق أبوابه».
وتقول منذر إن معظم المدارس المخصصة لتعليم اللاجئين دون المستوى المطلوب، وأعطت مثالاً «مدارس بعد الظهر اللبنانية» التي تؤمن، بحسب وصف منذر، «صفوفاً لمحو الأمية، ليس إلا». كما تفتقد هذه المدارس لاختصاصيين نفسيين، رغم أن الأطفال اللاجئين هم الأكثر حاجة لمعالجة ومتابعة نفسية، وفقاً لمنذر.
وأكدت اليونيسيف أن الأطفال الذين يحرمون من التعليم قد ينتهي بهم الحال إلى القيام بأعمال غير مشروعة، وكثيراً ما يصبحون هم من يعيلون أسرهم، ويصبحون عرضة للاستغلال، ومن الممكن أن يتم تجنيدهم في الجماعات المسلحة بسهولة أكبر.
كما لفت التقرير إلى أن العالم بصدد فقدان جيل كامل من الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأنه يجب التحرك بشكل عاجل، وإلا سيلحق ضرر على المدى البعيد بالأطفال في المنطقة، ويتعذر تغييره.

* ما طرق إعادة دمجهم في العملية التعليمية؟
تصف الدكتورة في تقنيات التعليم جنى بو رسلان الوضع الأكاديمي لأطفال العالم العربي بأنه «مخزٍ»، فبعد أن حرمتهم الحروب من متابعة دراستهم، وهي أبسط حقوقهم الإنسانية، تنظر لوضعهم «بنظرة واقعية» قائلة: «حان وقت التخلي عن النظرة الحالمة والرومانسية، ويجب وضع خطط استثنائية واضطرارية مباشرة، كي نبدأ بالعمل الجدي لننقذ الأطفال وموقفهم التعليمي، وهذه القضية ليست بخاصة، بل تعني الشأن العام».
وتضيف: «هناك خطط أكاديمية تسمح لهم بالانخراط في عالم العلم الحالي، ويمكننا أن نسخر التكنولوجيا لخدمة هؤلاء الأطفال. واليوم، لدينا ما يعرف بـ(تقنيات التعلم عبر الجوال) أو (Mobile Learning)، فمن منا لا يحمل جوالاً؟ وحتى في المناطق النامية، وتلك القابعة تحت خط الفقر، هناك خدمات الجوال، وتقنيات أساسية تكنولوجية، يمكننا الاستفادة منها، وذلك عبر تجهيز ونشر تطبيقات متعلقة بالتربية والتعليم، وتوظيفها بالطريقة الصحيحة».
وتؤكد بو رسلان أن استخدام الوسائل التكنولوجية والتقنيات الرقمية لا يعني الاعتماد عليها بشكل كلي، بل «يجب أن نؤمن الرعاية الكاملة، عبر إعداد أساتذة متبرعين وطلاب متدربين يشاركون بالعمل التطوعي. وعلينا أن نقيس درجة نجاح هذه الخطط. أما في التطبيق، فعندما تصدر هذه المشاريع عن منظمات عالمية، مثل الإسكوا واليونيسيف، يكون المتطوعون بكامل الجهوزية النفسية والأكاديمية التي تخولهم التعامل مع الأطفال، لهذا فإن تحركهم الفعلي أمر ضروري ومستعجل».
وبالعودة لمنذر، فإنها تؤكد أن جزءًا من الحل يكمن في تدريب الأساتذة على كيفية التعامل مع أطفال عانوا من النزاعات، عبر «إبعادهم عن كل مصادر العنف والإساءة والإهانة والتمييز، وتدريب الأطفال على تقبل الآخر والانفتاح بغية الانخراط بالمجتمعات التي تستقبلهم وتحضنهم بطريقة سليمة ومفيدة».
ويبقى الطفل العربي الحلقة الأضعف في مجتمعات تمر بصراعات محتدمة وظروف سياسية واقتصادية غير مستقرة، الأمر الذي ينعكس على حياته، ويجعله يمر بظروف أسوأ من تلك التي يعيش في ظلها نظراؤه في باقي دول العالم، بما فيها دول العالم الثالث، ذلك أن هناك أكثر من 15 مليون طفل عربي يعيشون في ظروف إنسانية صعبة. ويؤدي تردي الأوضاع التعليمية في تلك المناطق لإطالة أمد الصراعات نتيجة توظيف الأطفال من جانب الأطراف المتقاتلة، مما يسهم في تكريس قيم التطرف والصراع والعنف، وعدم تقبل الآخر لدى الأجيال الصاعدة. وعلى الرغم من تفاوت الاهتمام بقضايا الطفولة من قطر عربي لآخر، فإن الوعي بخطورة قضية الطفولة، بعدِّها قضية بالغة الحساسية تتعلق بالمستقبل العربي، ما زال عامة مفقوداً.



الانتخابات النيابية أمام تسوية بترحيلها لشهرين.. والاغتراب يقترع من لبنان

البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
TT

الانتخابات النيابية أمام تسوية بترحيلها لشهرين.. والاغتراب يقترع من لبنان

البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)

إصرار رئيس الجمهورية اللبناني جوزيف عون، كما رئيسي المجلس النيابي نبيه بري، والحكومة نواف سلام، على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ربيع 2026، لا يعني بالضرورة أن الطريق سالكة سياسياً أمام إنجازها بلا أي تأخير في ظل تصاعد وتيرة «الكباش السياسي» بين بري وخصومه الذين يأخذون عليه رفضه إدراج اقتراح القانون الذي تقدّموا به على جدول أعمال الجلسة التشريعية، ويقضي بشطب المادتين 112 و122 من قانون الانتخاب بما يسمح للمنتشرين اللبنانيين في الاغتراب بالاقتراع من مقر إقامتهم لـ128 نائباً.

الرئيس جوزيف عون يتوسط رئيسَي الحكومة نواف سلام والبرلمان نبيه بري (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

فقد أحال برّي اقتراحهم إلى اللجنة النيابية الفرعية المكلفة بدراسة الاقتراحات الخاصة بقوانين الانتخاب، وهذا ما سينسحب، كما يقول مصدر نيابي بارز، على مشروع القانون الذي أعدته الحكومة، في هذا الخصوص، فور إحالته إلى رئاسة المجلس.

وتوقع المصدر النيابي أن تصل اقتراحات القوانين المتعلقة بالتعديلات المقترحة على قانون الانتخاب إلى أكثر من 14 اقتراحاً، إضافةً إلى اقتراح مشروع القانون الذي أعدته الحكومة ولم ترفعه حتى الساعة إلى رئاسة المجلس ريثما تكتمل توقيعات الوزراء المعنيين عليه. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن البرلمان يقف حالياً أمام زحمة اقتراحات قوانين. وكشف عن أن كتلة «التنمية والتحرير» برئاسة بري تقدّمت بأكثر من اقتراح قانون، أبرزها الذي تقدم به المعاون السياسي لرئيس البرلمان النائب علي حسن خليل.

ولفت إلى أن اقتراحه فاجأ النواب، ويقضي بخفض سن الاقتراع إلى 18 سنة واعتماد المحافظة دائرة انتخابية، وصوتين تفضيليين بدلاً من واحد. وقال إنه يدعو لتقسيم الدوائر إلى 9 أسوةً بعدد المحافظات، لتصحيح الخلل الناجم عن تقسيمها إلى 15 دائرة تفتقر لتحقيق التوازن في توزيع أصوات الناخبين.

وأكد المصدر أن السجال بدأ يشتد مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددها، في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وزير الداخلية والبلديات العميد أحمد الحجار، والخارجية والمغتربين يوسف رجي، للمنتشرين اللبنانيين في الاغتراب لتسجيل أسمائهم والاقتراع من مقر إقامتهم لـ128 نائباً، خصوصاً أن نسبة التسجيل ما زالت متدنية قياساً إلى حجم التسجيل في الانتخابات الأخيرة، ويكمن السبب في الغموض الذي يكتنف القانون الذي ستُجرى على أساسه الانتخابات وسبّب إرباكاً حول الآلية التي ستُعتمد لاقتراعهم.

وقال المصدر إنه لا مجال أمام تمديد المهلة، مما دفع بالوزير رجي، في الجلسة الأخيرة للحكومة، إلى المطالبة بتمديدها حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وقوبل بمعارضة من وزراء «الثنائي الشيعي»؛ أي «حزب الله» وحركة «أمل» التي يرأسها برِّي بذريعة أن تمديدها بحاجة إلى تعديل القانون، ولن يتم بقرار صادر عن مجلس الوزراء، وإلا سيلقى الطعن أمام المجلس الدستوري.

لبنانية ترفع إصبعها بعد اقتراعها بالانتخابات المحلية في بيروت 2025 (إ.ب.أ)

ورأى المصدر أن تبادل الحملات بلغ ذروته في غياب المحاولات للتوفيق بين الكتل النيابية حول التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب لتسهيل إنجاز الاستحقاق النيابي في موعده، بدلاً من تأجيل إتمامه لشهرين، فيما التمديد للبرلمان يلقى معارضة من المجتمع الدولي، ولا يحظى بغطاء سياسي من عون كونه يشكل أول محطة لإعادة تكوين السلطة من وجهة نظر أصدقاء لبنان لإحداث تغيير في ميزان القوى يأخذ بالتحولات التي حصلت في الإقليم، وتبدُّل ميزان القوى في الداخل لمصلحة الفريق المناوئ لمحور الممانعة بعد أن أقحم «حزب الله» بإسناده لغزة، لبنان، في مواجهة غير محسوبة مع إسرائيل.

وأكد أن «الثنائي الشيعي» يخوض معركته النيابية على أساس «قاتل أو مقتول» بالمفهوم السياسي للكلمة، في ظل الاستعصاء الذي يمنع حتى الساعة التوصل إلى تسوية تضع حداً للرهان على التمديد للبرلمان.

ولفت إلى أن «الثنائي» يراهن على انقضاء المهل بما يسمح بإعادة الاعتبار لقانون الانتخاب النافذ حالياً، كما يطالب به بري برفضه إحالة اقتراح القانون الذي تقدمت به الأكثرية النيابية إلى الهيئة العامة. والموقف نفسه ينسحب على مشروع القانون الذي أعدته الحكومة. لكن القانون النافذ، حسب المصدر النيابي، بحاجة إلى تعديل، في ضوء امتناع الحكومة عن إصدار المراسيم التطبيقية لتنفيذ بعض بنوده التي ما زالت عالقة، ورميها كرة النار في حضن البرلمان، وبذلك تكون أعفت نفسها من الضغوط التي تطالبها بالتدخل لإخراج القانون من التجاذبات التي تحاصره، وبالتالي لن تُعقد جلسة تشريعية لإقرار التعديلات المطلوبة ما لم يتم الاتفاق عليها مسبقاً لقطع الطريق على خصوم «الثنائي» من الإفادة من انعقادها لإعادة طرح اقتراحهم الخاص بالتعديلات الذي سيلقى تأييداً من الأكثرية النيابية، مما يشكل إحراجاً له.

ويبقى السؤال: هل القانون النافذ بعد تعديله كأمر واقع، هو الحل لإنقاذ الاستحقاق النيابي وإخراجه من التأزم، أم أن الأبواب أمام التوافق ما زالت مقفلة بما يسمح لتأجيل إنجازه أو التمديد للبرلمان بأن يتقدم على ما عداه، مما يضع لبنان أمام مساءلة دولية، ويشكل انتكاسة للعهد مع اقتراب إتمام عون عامه الأول في الرئاسة؟ رغم أن المصدر النيابي بدأ يلمس اهتمام بعض السفراء المعتمدين لدى لبنان ومعظم الموفدين إلى بيروت، وأنهم بدأوا يركّزون على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة كأولوية، ونادراً ما يتحدثون عن ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها باعتبار أنه لا مفر من إتمامها.

في هذا السياق، أكد المصدر أن التسوية في حال جرى التوافق عليها لإنجاز الاستحقاق النيابي، تقضي بتعديل القانون الناجز بتعليق العمل بالبطاقة الممغنطة، وبصرف النظر عن تخصيص 6 مقاعد نيابية لتمثيل المنتشرين، على أن يمارسوا حقهم في الاقتراع بالمجيء إلى لبنان في ظل الحديث عن ترحيل إتمامه لشهرين مع حلول فصل الصيف، لما لحضورهم من دور في تحريك العجلة الاقتصادية بتنشيط السياحة الصيفية. وكشف عن أن تأجيل الانتخابات لشهرين قد يكون المَخرج، لعله يتزامن مع تحقيق خطوات ملموسة لتطبيق حصرية السلاح، وإلا فإن «الكباش السياسي» سيتصاعد فيما «الثنائي الشيعي» يتمسك بموقفه ولن يبدّله.

وعليه فإن التسوية تبقى معلّقة على التوافق بين الأضداد، وإلا فإن لبنان سيتعرض لضغوط دولية هو في غنى عنها، فيما يصر الرئيس عون ومعه الحكومة على حشر الجميع لعلهم يتوصلون إلى قناعة بأن التسوية وحدها هي الحل لإنجاز الاستحقاق النيابي.


إيران تعيد شهلائي إلى صنعاء لاحتواء تصدّع الحوثيين

الحوثيون تلقوا ضربة إسرائيلية قاسية بمقتل حكومتهم ورئيس أركانهم الغماري (أ.ف.ب)
الحوثيون تلقوا ضربة إسرائيلية قاسية بمقتل حكومتهم ورئيس أركانهم الغماري (أ.ف.ب)
TT

إيران تعيد شهلائي إلى صنعاء لاحتواء تصدّع الحوثيين

الحوثيون تلقوا ضربة إسرائيلية قاسية بمقتل حكومتهم ورئيس أركانهم الغماري (أ.ف.ب)
الحوثيون تلقوا ضربة إسرائيلية قاسية بمقتل حكومتهم ورئيس أركانهم الغماري (أ.ف.ب)

قالت مصادر سياسية يمنية رفيعة إن إيران دفعت بثقلها العسكري والأمني بشكل مكثف إلى جانب الحوثيين، في محاولة لإعادة ترتيب نفوذها في اليمن وتعويض خسائرها في لبنان وسوريا.

أبرز التحركات ما كشفت عنه منصة «ديفينس» المعنية بالشؤون العسكرية؛ إذ قالت إن طهران أعادت القائد البارز في «الحرس الثوري» الإيراني عبد الرضا شهلائي إلى صنعاء، بعد عام من مغادرته، وذلك بهدف الإشراف المباشر على تجاوز الآثار الأمنية والعسكرية التي خلّفتها الضربات الإسرائيلية الأخيرة ومقتل قيادات حوثية رفيعة.

وتقول المصادر اليمنية في صنعاء وعدن لـ«الشرق الأوسط» إن الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع شديدة الحساسية ومخابئ سرية للجماعة، وأسفرت عن مقتل رئيس حكومتها، وتسعة من وزرائها، ورئيس أركان قواتها، وعدد من القادة العسكريين... أحدثت انكشافاً أمنياً غير مسبوق داخل الجماعة. هذا الانكشاف مسَّ صورتها أمام مناصريها وفي الشارع اليمني عموماً، بعد سنوات من الادعاء بأنها قوة عصيّة على الاختراق.

مسلحون حوثيون خلال حشد في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران شمال صنعاء (أ.ف.ب)

وبحسب التوصيف ذاته، يعيش قادة الحوثيين اليوم تحديات داخلية حادة، أبرزها تصاعد الصراع بين مراكز النفوذ على السلطة والمال، إضافة إلى الاحتقان الشعبي المتزايد بسبب اتساع رقعة الفقر.

وتقول المصادر إن هذه العوامل مجتمعة دفعت طهران إلى «تسريع إجراءات دعم الجماعة، والعمل على تحويلها إلى مركز عسكري إقليمي يعوّض اختلالات النفوذ الإيراني في ساحات أخرى».

خطة تطهير أمني

عودة شهلائي الذي سبق أن رصدت الولايات المتحدة مكافأة تصل إلى 15 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى تحديد موقعه، تأتي ضمن مساعي طهران لـ«إعادة مسك زمام الملف الأمني والعسكري الحوثي بقبضة مباشرة».

وتقول المصادر إن عناصر «الحرس» الإيراني الموجودين في اليمن «لم ينجحوا في التعامل مع تداعيات الاختراق الإسرائيلي»، بل ساهموا في تصعيد الصراع الداخلي عبر اقتراح خطة لتطهير أجهزة المخابرات الحوثية بدعوى وجود «مراكز اختراق عالمية» تعمل داخلها.

وأُسنِد تنفيذ هذه الخطة إلى علي حسين الحوثي، نجل مؤسس الجماعة وابن أخي زعيمها، وهو ما فتح الباب لصراع واسع داخل هيكل الجماعة، بعد أن لاقت هذه الخطوة دعماً من يوسف المداني، رئيس أركان قوات الحوثيين الجديد، لكنها في الوقت ذاته اصطدمت بنفوذ واسع يتمتع به عبد الله الرزامي، أحد أقدم القادة من خارج السلالة الحوثية، والذي يحتفظ بوجود عسكري ضخم في الجزء الجنوبي من صنعاء منذ دعمه للجماعة في مواجهة الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح أواخر 2017.

مساعي المداني للاستفراد بالسيطرة على صنعاء تصطدم بنفوذ الرزامي (إعلام محلي)

الرزامي «يعد دولة داخل الدولة الحوثية»؛ إذ لم تغادر قواته مواقعها منذ ثمانية أعوام، بل أنشأ مكتباً خاصاً لإدارة شؤون الناس والفصل في النزاعات، ومنع المحاكم الرسمية من النظر في أي قضية يكون لأحد أطرافها علاقة بمكتبه، وفقاً للمصادر اليمنية.

وإلى جانب هذا الصراع، يبرز جناح آخر يتبناه عبد الكريم الحوثي، عمّ زعيم الجماعة ووزير داخليتها، الذي انقطعت أخباره منذ 25 أغسطس (آب) الماضي، ويقف إلى جانب جهاز الأمن والمخابرات بقيادة عبد الحكيم الخيواني.

هذا الجهاز هو المستهدف الأول بخطة التطهير؛ إذ تتهمه القيادة الحوثية بالمسؤولية عن «الاختراقات الاستخباراتية» التي أدت إلى قتل قيادات ومهاجمة مواقع حساسة، بينها أحد المخابئ التي كان يستخدمها عبد الملك الحوثي في صعدة.

فراغ استراتيجي

منصة «ديفينس» قالت إن إيران قررت إعادة شهلائي إلى اليمن لـ«سدّ الفراغ الاستراتيجي» الذي تركه مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، والذي وصفته المنصة بأنه «ضابط إيقاع الجماعة» في الشأن الخارجي، بحكم فهمه العميق للسياقات الإقليمية وصلاته الواسعة داخل محور إيران.

المصادر نفسها أكدت أن عبد الملك الحوثي «فقد بوفاة نصر الله مرشده الأبرز»، الذي كان يلجأ إليه عبر قنوات مباشرة وغير مباشرة للحصول على التوجيهات، قبل أن يعود إلى أتباعه بقرارات محسومة. وتشير إلى أن الحوثي لم يكن يعير اهتماماً جدياً لآراء مستشاريه أو مساعديه، وكان يعتمد اعتماداً شبه كلي على ما يسمعه من نصر الله.

أولى خطوات تسويق الحوثي لزعامة المحور التابع لإيران (إعلام محلي)

وتضيف المصادر أن زعيم الحوثيين «جامح ومتعطش لدور إقليمي»، معتبرةً أن كلمته الأخيرة في المؤتمر القومي العربي في بيروت «كانت أول ظهور رسمي له أمام حاضنة المحور الرديفة»، لكن المشكلة - بحسب توصيفها - «تكمن في أن قوته تبرز في التنفيذ العسكري لا في التفكير الاستراتيجي، بخلاف نصر الله الذي جمع بين الكاريزما والخبرة السياسية».

وترى تلك التقييمات أن عبد الملك الحوثي يمتلك جرأة عالية في اتخاذ القرارات والمغامرة، لكنه يفتقر إلى الدهاء السياسي والخبرة الإقليمية، إضافة إلى أنه «مكبّل بعزلة فرضها على نفسه وعلى جماعته»، وأن صعوده المتأخر لم يسمح له ببناء حضور إقليمي يمكّنه من الإمساك بأدوار أكبر داخل محور إيران.

وتقول المصادر اليمنية إن توقف حرب غزة واهتزاز المشهد الإقليمي «وضع الحوثي أمام نتائج انخراطه العميق في الصراع الإقليمي دون خبرة كافية»، وهو ما دفع إيران إلى ضرورة «استخدام شهلائي لضبط الإيقاع الحوثي من جديد، ومنع انفلات مراكز القوى، وإعادة ترتيب البيت الداخلي بما يضمن ترسيخ الجماعة كمركز نفوذ أول لإيران في اليمن».

وتضيف المصادر أن طهران باتت تعتبر الجماعة «الذراع الأكثر حيوية» بعد الضربات التي تلقتها في لبنان وسوريا، وأن نجاح شهلائي في مهمته قد يعني انتقال ثقل المحور الإيراني جنوب الجزيرة العربية، «في ظل ثغرات أمنية وسياسية كبيرة يعيشها الحوثيون رغم ما يبدونه من تماسك خارجي».


مجلس الأمن يمدد عقوباته بشأن الصراع اليمني... ويعزز مهام فريق الخبراء

مجلس الأمن الدولي شدَّد على الحل السلمي للصراع في اليمن (الأمم المتحدة)
مجلس الأمن الدولي شدَّد على الحل السلمي للصراع في اليمن (الأمم المتحدة)
TT

مجلس الأمن يمدد عقوباته بشأن الصراع اليمني... ويعزز مهام فريق الخبراء

مجلس الأمن الدولي شدَّد على الحل السلمي للصراع في اليمن (الأمم المتحدة)
مجلس الأمن الدولي شدَّد على الحل السلمي للصراع في اليمن (الأمم المتحدة)

قرَّر مجلس الأمن الدولي تمديد نظام العقوبات المفروض على الأفراد والكيانات المرتبطة بالصراع اليمني لمدة عام إضافي، مع تعزيز ولاية فريق الخبراء الأممي وتوسيع نطاق مهامه؛ لمتابعة شبكات تهريب الأسلحة والمكوّنات العسكرية التي تصل إلى الحوثيين.

وجاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2760 لعام 2025 في جلسته رقم 9835 بتاريخ 14 نوفمبر (تشرين الثاني) في ظل تصاعد التهديدات الحوثية على خطوط الملاحة الدولية، وارتفاع مستوى المخاطر على الأمن الإقليمي.

وجدَّد المجلس في ديباجة القرار التأكيد على احترام سيادة اليمن واستقلاله ووحدته الإقليمية، داعياً جميع الأطراف إلى الالتزام الصارم بقراراته السابقة، وعلى رأسها القرار رقم 2140 لعام 2014، والقرار رقم 2216 لعام 2015، بوصفهما الإطار المرجعي الجامع للعقوبات ومسار العملية السياسية.

وشدَّد القرار على أن العقوبات ليست غايةً بحد ذاتها، بل وسيلة للحد من التهديدات التي تمس الأمن والسلم، خصوصاً الهجمات الحوثية المتكررة على السفن التجارية في البحر الأحمر.

إيران متهمة بتزويد الحوثيين بالأسلحة بما فيها الصواريخ والمسيّرات (رويترز)

وبموجب القرار الجديد، قرَّر مجلس الأمن تمديد حظر السفر وتجميد الأصول على الأشخاص والكيانات المدرجة ضمن نظام العقوبات حتى 15 نوفمبر 2026، مع التأكيد على معايير الإدراج التي تشمل الأعمال المهددة للسلم والاستقرار في اليمن، مثل تجنيد الأطفال، والعنف الجنسي، وتهريب الأسلحة، وتمويل الأنشطة العدائية.

ومع تصاعد عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين، دعا قرار مجلس الأمن الجديد، بخصوص اليمن، الدولَ الأعضاء إلى تعزيز الامتثال لإجراءات تفتيش السفن المشتبه بارتباطها بعمليات تهريب السلاح، في خطوة تعكس ازدياد القلق الدولي من تدفق تقنيات حديثة تُستخدَم في تصنيع المسيّرات والصواريخ الباليستية والعبوات المائية التي طوّرها الحوثيون خلال السنوات الأخيرة.

التمديد لفريق الخبراء

مدَّد قرار مجلس الأمن الجديد بشأن اليمن، ولاية فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات حتى 15 ديسمبر (كانون الأول) 2026، وكلفه إعداد تحديث مرحلي بحلول أبريل (نيسان) 2026، وتقرير نهائي في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، يتضمَّن تحليلاً معمقاً للاتجاهات الحديثة في نقل التكنولوجيا العسكرية، بما في ذلك استخدام المكونات التجارية المتاحة عالمياً في تصنيع الطائرات دون طيار والأجهزة المتفجرة المائية، إضافة إلى مراقبة تدفقات الموارد بين اليمن والقرن الأفريقي.

وحثَّ المجلس الفريقَ على التعاون مع مجموعات الخبراء الأممية الأخرى، خصوصاً فرق الرصد المعنية بالعقوبات الإقليمية، لتطوير أدوات مشتركة تهدف إلى مكافحة التهريب عبر المواني والسواحل الواسعة بين اليمن والصومال، وهي مناطق أشارت التقارير الأممية إلى أنها تشهد نشاطاً واسعاً لشبكات تهريب الأسلحة.

جانب من اجتماع لمجلس الأمن الدولي (الأمم المتحدة)

كما طلب القرار من الدول الأعضاء تقديم تقارير دورية عن الإجراءات المتخذة لتنفيذ العقوبات ومنع نقل المعدات العسكرية أو التقنيات الموجهة للأطراف المعاقَبة، مؤكداً ضرورة الالتزام بقرار تفتيش السفن الوارد في القرار 2216.

وفي الجانب الإنساني، أبدى مجلس الأمن قلقه البالغ من التدهور المستمر للوضع الإنساني في اليمن، مجدداً التأكيد على أن العقوبات لا تستهدف المدنيين ولا تعيق وصول المساعدات الإنسانية، وداعياً إلى ضمان تدفق الإغاثة دون تأخير أو عرقلة.

وشدَّد مجلس الأمن الدولي على أهمية استئناف العملية السياسية الشاملة برعاية الأمم المتحدة، والتمسك بمبادرة الخليج ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، مؤكداً أن لا حل عسكرياً للأزمة اليمنية، وأن التسوية السياسية هي الخيار الوحيد لإنهاء الصراع.

وأكد المجلس على إبقاء الوضع اليمني تحت المراجعة المستمرة، مع استعداد المجلس لاتخاذ إجراءات إضافية، سواء بتعزيز العقوبات أو تعديلها أو تعليقها وفق تطورات الأوضاع الميدانية والسياسية.