وفاة رضا مالك... رجل ثورة التحرير الجزائرية

ظل بعيداً عن الصراع حول السلطة... واشتهر بخصومته الشديدة مع الإسلاميين

رضا مالك (أ.ف.ب)
رضا مالك (أ.ف.ب)
TT

وفاة رضا مالك... رجل ثورة التحرير الجزائرية

رضا مالك (أ.ف.ب)
رضا مالك (أ.ف.ب)

توفي أمس رضا مالك، رئيس الحكومة الجزائرية في تسعينات القرن الماضي، والمتحدث باسم بعثة الجزائر في مفاوضات الاستقلال عن فرنسا (1961 - 1962).
ويعد مالك من أبرز وجوه السياسة الجزائرية الذين اشتهروا بخصومة شديدة مع المتطرفين الإسلاميين، وواحداً من آخر قادة الثورة (1954 - 1962). ويحتفظ كثير من الجزائريين لمالك بهذا الجملة الفارقة في ظرف دقيق عاشته البلاد «يجب على الخوف أن يغير موقعه»، والتي قالها عام 1993 عندما كان وقتها رئيساً للحكومة، وكان يقصد أن الرعب الذي كانت الجماعات المتطرفة تزرعه في كل مكان سينتقل إلى هذه الجماعات، بعد أن أظهر الجيش وقوات الأمن عزماً على القضاء عليها. ويعتبر مالك من أبرز رجال الدولة، الذين وقفوا إلى جانب الجيش، عندما نفذ قراره بإلغاء نتائج انتخابات البرلمان التي فازت بها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» نهاية 1991. وقد فجر هذا القرار آنذاك ردة فعل عنيفة من طرف الإسلاميين، فدخلت البلاد في دوامة عنف لا تزال إلى اليوم تواجهها.
وبقدر ما كان لمالك حضور في الأحداث خلال تسعينات القرن الماضي، لم يكن له أي تأثير في السياسات خلال الفترات التي جاءت بعد الاستقلال، رغم أنه مارس مسؤوليات كبيرة، أغلبها ذات طابع دبلوماسي عكس إلى حد ما دوره في مفاوضات «إيفيان» (سويسرا).
وظل مالك بعيداً عن الصراع حول السلطة، الذي احتدم بين قادة الثورة بعد الاستقلال، وخصوصاً بين حسين آيت أحمد والرئيس أحمد بن بلة، ثم لاحقاً بين وزير الدفاع هواري بومين وبن بلة، الذي أطاح به من الرئاسة في انقلاب عسكري عام 1965. ونأى بنفسه عن الصراع حول خلافة بومدين بعد وفاته عام 1978، واستخلافه بالعقيد الشاذلي بن جديد. ولا يعرف له موقف في قرار الجيش تسليم الرئاسة للجنرال اليمين زروال عام 1994، ولا في خيارهم استخلافه بالرئيس بوتفليقة عام 1999.
وانسحب مالك من السياسة نهائياً منذ مطلع عام 2000، وتفرغ للكتابة في تاريخ ثورة التحرير ورموزها. ويعود آخر تصريح صحافي له إلى مارس (آذار) الماضي، عندما تناول مفاوضات الاستقلال في ذكراها الـ55، بقوله: «لقد أدرنا المفاوضات بصعوبة كبيرة، إذ كان مطلوباً من وفد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية عدم التنازل عن أي شيء من المبادئ المعلنة في بيان أول نوفمبر (تشرين الثاني) 1954 (إعلان الثورة)، والمتمثلة في عدم تجزئة التراب الوطني ووحدة الشعب الجزائري، الذي كان موجوداً قبل الاستعمار سنة 1830 وخصوصاً الاستقلال الكلي للجزائر».
ولد مالك في 21 ديسمبر (كانون الأول) عام 1931 في باتنة بشرق الجزائر، التي احتضنت جبالها انطلاق ثورة التحرير، وهو من الرعيل الأول للشباب الذين التحقوا بحرب التحرير، حيث كان عضواً في «لجنة إدارة الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين» سنة 1955، وفي الوقت نفسه كان مديراً لصحيفة «المجاهد» لسان حال «جبهة التحرير الوطني».
وخلال الفترة بين مايو (أيار) 1961 ومارس 1962، اختير مالك من طرف «جبهة التحرير» ناطقاً رسمياً للوفد الجزائري في مفاوضات «إيفيان»، وهو أيضاً من محرري ميثاق «مؤتمر طرابلس» سنة 1962، الذي كان من أبرز المحطات التي رسمت الاستقلال.
وبعد الاستقلال، تقلد كثيراً من المناصب الدبلوماسية والسياسية، حيث تم تعيينه سفيراً بباريس وواشنطن وموسكو ولندن. وشغل سنة 1977 منصب وزير الإعلام والثقافة، ثم رئيس «المجلس الاستشاري الوطني» (برلمان معين عوض البرلمان المنتخب الذي حلّه الجيش، على أثر إلغاء نتائج الانتخابات) في أبريل (نيسان) 1992.
واختاره الجيش في العام التالي عضواً خامساً في «المجلس الأعلى للدولة»، وهي قيادة جماعية عوضت الرئيس بن جديد، الذي دفعه الجيش إلى الاستقالة في سياق زحف الإسلاميين على البرلمان، ثم أصبح مالك وزيراً للشؤون الخارجية بداية من فبراير (شباط) 1993، ثم رئيساً للحكومة بداية من أغسطس (آب) من العام نفسه إلى مطلع 1994. وأطلق مالك عام 1995 حزباً سماه «التحالف الوطني الجمهوري»، ترأسه لسنوات طويلة، ثم انسحب منه تاركاً القيادة لشاب اسمه بلقاسم ساحلي، الذي تولى وزارة الجالية الجزائرية في الخارج عام 2013.



الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.