ماكرون يعلن إنشاء مراكز لدراسة طلبات اللجوء في ليبيا

استمرار الجدل بين باريس وروما بشأن مبادرة الرئيس الفرنسي لجمع السراج وحفتر

عشرات المهاجرين الذين جرى إنقاذهم من قبل خفر السواحل الأوروبي بعد انطلاقهم من سواحل صبراته الليبية (رويترز)
عشرات المهاجرين الذين جرى إنقاذهم من قبل خفر السواحل الأوروبي بعد انطلاقهم من سواحل صبراته الليبية (رويترز)
TT

ماكرون يعلن إنشاء مراكز لدراسة طلبات اللجوء في ليبيا

عشرات المهاجرين الذين جرى إنقاذهم من قبل خفر السواحل الأوروبي بعد انطلاقهم من سواحل صبراته الليبية (رويترز)
عشرات المهاجرين الذين جرى إنقاذهم من قبل خفر السواحل الأوروبي بعد انطلاقهم من سواحل صبراته الليبية (رويترز)

بعد يومين على الاجتماع الذي دعا إليه ورعاه بين رئيس حكومة الاتحاد الوطني فائز السراج وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، والذي أنتج توافقا على وقف النار ونزع سلاح الميليشيات وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في الربيع المقبل، يبدو أن الرئيس الفرنسي عازم على التطرق لجميع أوجه الأزمة الليبية، خصوصا موضوع الهجرات الكثيفة التي تنطلق من الشواطئ الليبية باتجاه أوروبا.
واغتنم إيمانويل ماكرون مناسبة وجوده في مدينة أورليان (جنوب باريس) لزيارة مركز إيواء لعائلات مهاجرة، ليعلن أنه عازم «هذا الصيف» على إقامة مراكز في ليبيا لدراسة طلبات لجوء الأشخاص العازمين على ركوب البحر للهجرة إلى أوروبا، وقال إن فكرته «تقوم على إنشاء مراكز لدراسة الطلبات لتجنب خوض غمار مخاطر كبيرة».
بيد أن ماكرون سارع لربط هذه الخطة بـ«توافر الظروف الأمنية»، التي عدّها غير موجودة في الوقت الراهن، ولا شيء يؤشر لإمكانية توافرها خلال الصيف الحالي. كذلك، فإن وزيرة الدولة للشؤون الخارجية ناتالي لوازو كانت أكثر تحفظا إزاء المشروع الرئاسي، لأنها اشترطت التأكد أولا من إمكانية وكيفية إنشاء مراكز كهذه، خصوصا أنه يتعين أن تتم بالتنسيق مع المفوضية العليا للهجرة التابعة للأمم المتحدة، ومع المنظمة العالمية للهجرات، وهي أمور لم يشر إليها ماكرون في كلمته.
لكن الرئيس الفرنسي أشار في المقابل إلى إمكانية أن تقام هذه المراكز في إطار الاتحاد الأوروبي. ونبه ماكرون إلى أن باريس ستقوم بذلك منفردة إذا تبين أن أوروبا مترددة في هذا الشأن.
وعمليا، ينوي ماكرون، كما قال أمس، في مرحلة أولى إرسال موظفين فرنسيين تابعين للمكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية إلى المراكز المقامة في إيطاليا، والإعراب عن استعداده لإرسالهم إلى ليبيا أيضا. وهو يعد أن إقامة المراكز المشار إليها ستسهل التفريق بين من يحق له الهجرة أو طلب اللجوء إلى أوروبا، وبين من يفتقر لهذا الحق، وبالتالي سيكون عبثيا للفئة الثانية أن تخاطر بالوصول إلى أوروبا لأنها لن تحصل على حق اللجوء أو الإقامة. وللتدليل على حرج الموقف، أشار ماكرون إلى أن ما بين 800 ألف ومليون شخص موجودين في ليبيا، ينوون الانتقال إلى أوروبا عبر أقرب بواباتها، أي الشواطئ الإيطالية.
ويسعى قادة الاتحاد الأوروبي إلى تجفيف تدفق الأفارقة عبر الطريق البحرية المارة بوسط البحر الأبيض المتوسط. بيد أن كل التدابير التي أقرها الأوروبيون لم تنجح حتى الآن في الحد من تيار الهجرة، الذي قوي بعد سقوط نظام العقيد القذافي، وعجز الدولة الليبية عن فرض الرقابة على حدودها البرية والبحرية.
وحتى الآن تتحمل إيطاليا العبء الأكبر، وهي تشكو باستمرار من أن الاتحاد الأوروبي يتركها وحيدة في مواجهة الموجات المتدفقة على شواطئها، وقد هددت مؤخرا بأنها قد تعمد إلى إغلاق موانئها بوجه المهاجرين، ما سيلزمهم بالتوجه إلى موانئ أوروبية أخرى. وترد السلطات الأوروبية المختصة بأنها تعمل حاليا على تعزيز عملية «صوفيا»، التي تهدف إلى إنقاذ المهاجرين بحرا، وتأهيل حرس الشواطئ الليبيين، ومساعدة ليبيا على السيطرة على شواطئها.
وكانت أوروبا قد استصدرت قرارات من مجلس الأمن الدولي لملاحقة المهربين داخل المياه الدولية. لكن بواخرها العسكرية لا يحق لها العمل داخل المياه الإقليمية الليبية. كما كان الاتحاد الأوروبي يخطط لإقامة مراكز فرز على الأراضي الليبية، ولكن في مرحلة لاحقة. لذا، فإن مبادرة ماكرون سيكون من نتائجها الضغط على الشركاء الأوروبيين لحملهم على الإسراع في تنفيذ هذه الخطط. لكن الرئيس الفرنسي يعي الصعوبات بسبب «تردد البلدان الأوروبية الأخرى».
وفي أي حال، فإذا نفذ ماكرون خططه، فإنها ستكون المرة الأولى التي تنشأ فيها على الأراضي الليبية «والأفريقية» مراكز لفرز الأفارقة الساعين إلى الهجرة. فضلا عن ذلك، فإن الرئيس الفرنسي عازم كما بدا ذلك من تصريحاته، على اتباع سياسة مختلفة في موضوع الهجرات. فحتى الآن، كانت باريس تتبع سياسة متشددة وتغلق حدودها مع إيطاليا، ولا تسمح بالدخول إلا للمهاجرين واللاجئين الذين حصلوا على حق اللجوء أو الهجرة. ومن بين جميع البلدان الأوروبية، لا توجد مراكز فرز إلا في اليونان وإيطاليا. ومن هنا، فإن إقامة مراكز كهذه سيعد تغيرا رئيسيا في التعاطي مع مسألة بالغة التعقيد ولا حلول سريعة لها. لكنه لن يحل المشكلة التي يجمع جميع المراقبين على ربطها، ليس فقط بإعادة بناء الدولة الليبية، بل أيضا وخصوصا بإطفاء النزاعات الموجودة في «بلدان المنشأ» الأفريقية ومساعدتها على تحقيق التنمية، وتوفير الوظائف التي يحتاج لها الواصلون إلى سوق العمل. وواضح أن أهدافا كهذه تحتاج إلى خطط ومساعدات ووقت. من هنا، فإن خطة ماكرون لا تعدو «نقطة في بحر».
في سياق آخر، أعلنت ناتالي لوازو عقب لقائها أمس نظيرها الإيطالي ساندرو غوزي أن باريس لا تسعى لـ«القيادة» في الملف الليبي، وذلك ردا على الانتقادات الصادرة من روما إزاء مبادرة الرئيس ماكرون، مضيفة أنها تسعى لتحمل «حصتها» من المساعي الملحة لإيجاد حلول للأزمة الليبية، التي تحدث كثيرا من الأضرار في ليبيا، فضلا عن انعكاساتها على أوروبا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.