بوتين يعد بالرد على «الوقاحة» الأميركية بعد العقوبات الجديدة

حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أنه لن يتسامح «مع الوقاحة نحو روسيا»، وذلك في أول تعليق له على قانون العقوبات الأميركية الجديدة ضد روسيا.
وأوضح بوتين خلال مؤتمر صحافي في سافونلينا، بفنلندا، مع نظيره سولي نينيستو: «نتصرف بشكل متحفظ جدا وفي غاية الصبر. ولكن في مرحلة ما يجب أن نرد، لأنه من المستحيل التسامح إلى أجل غير مسمى مع الوقاحة التي يتعرض لها بلدنا». وكان يشير بذلك إلى العقوبات التي أقرها مجلس النواب الأميركي ضد روسيا قبل أيام.
ولم يحدد بوتين طبيعة الرد الروسي، قائلا ببساطة: «عندما يكون هناك رد، فسنرى»، مما يعني أن هذا يتوقف على ما ستقرره الولايات المتحدة بعد تصويت مجلس الشيوخ ووصول مشروع القرار إلى مكتب الرئيس دونالد ترمب.
كما انتقد الرئيس الروسي التحقيق المكثف في تدخل روسي محتمل في انتخابات الرئاسة الأميركية، قائلا إنه يشهد على «ازدياد الهستيريا المعادية للروس» في واشنطن. وأضاف: «من المؤسف أن يتم التضحية بالعلاقات الروسية - الأميركية، في سبيل حل قضايا سياسية داخلية»، مشيرا إلى أن «المعركة بين الرئيس دونالد ترمب وخصومه السياسيين». وختم بوتين كلامه عن العقوبات بالقول إن الدولتين اللتين تعملان بشكل منسق؛ «يمكن أن تحلا مشكلات صعبة جدا بشكل أكثر فعالية».
وأمس، ذكرت صحيفة «كوميرسانت»، نقلا عن مصادر في وزارة الخارجية الروسية، أن «روسيا ستذهب إلى تبني مجموعة تدابير رد متماثلة (مع العقوبات الأميركية)، في حال جرت عملية التوقيع على قانون العقوبات من جانب الرئيس دونالد ترمب». وأوردت المصادر أن العقوبات الأميركية الجديدة تعني عدم إمكانية استعادة روسيا العقارات الدبلوماسية التي حجزت عليها الحكومة الأميركية، بموجب آخر قرار عقوبات في عهد إدارة باراك أوباما. وعلى هذا الأساس، تقول المصادر من الخارجية الروسية إن روسيا قد تقوم بالحجز على مجمع المنازل الريفية التابع للسفارة الأميركية في موسكو، وعلى المستودعات التابعة لذلك المجمع. فضلا عن ذلك، قد تقوم روسيا بطرد 35 دبلوماسيا أميركيا من الأراضي الروسية، أي عدد الدبلوماسيين الروس نفسه الذين طردتهم الولايات المتحدة نهاية عام 2016. كما قد تنظر في تخفيض عدد الموظفين في السفارة الأميركية بموسكو إلى أدنى مستوى ممكن، ذلك أن عدد هؤلاء حاليا يفوق بكثير عدد الموظفين الروس العاملين في السفارة الروسية لدى الولايات المتحدة.
ويبدو أن خيارات الرد الروسي على العقوبات الأميركية محدودة، وقد لا تتجاوز الخطوات آنفة الذكر، التي تشكل عمليا ردا على خطوات مماثلة اتخذتها الولايات المتحدة نهاية العام الماضي، بموجب عقوبات أخيرة أعلن عنها أوباما قبل نهاية رئاسته. وما يحد من خيارات موسكو، عدم وجود مشروعات قد يترك قرار تجميد العمل بها تأثيرا سلبيا على النخب الحاكمة في الولايات المتحدة أو على الاقتصاد الأميركي.
أما إذا قررت روسيا تبني خطوات انتقامية في مجالات أخرى، فيمكنها مثلا الإعلان عن تجميد التعاون مع واشنطن في سوريا، إلا أن هذه الخطوة، وفق ما يرى مراقبون، ستضر بروسيا ومصالحها بقدر أكبر من الضرر الذي ستلحقه بالولايات المتحدة. كما لا تتوفر ظروف مناسبة لدى روسيا كي ترد اقتصاديا. وحسب قول ألكسندر شوخين، رئيس الاتحاد الروسي للصناعيين والتجار: «لا يوجد لدينا (لدى روسيا) علاقات تجارية -اقتصادية متطورة واستثمارية مع الولايات المتحدة، تساعدنا على وخز (الأصدقاء) الأميركيين»، لكنه أشار إلى أن رفض روسيا تزويد الولايات المتحدة بمحركات «ر.د 180 للصواريخ الفضائية»، ووقف التعاون مع الأميركيين في المحطات الفضائية الدولية قد يشكل «وخزة» مؤلمة للأميركيين. إلا أن آندريه يونين، العضو المراسل في أكاديمية العلوم الروسية، لا يتفق مع ما يدعو إليه شوخين، ويقول إن وقف تزويد الولايات المتحدة بتلك المحركات لن يشل نشاط صواريخ الفضاء الأميركية، لأن هناك أنواعا أخرى من الصواريخ يعتمد عليها الأميركيون.
وبالنسبة لتجميد التعاون في المحطة الفضائية الدولية، فإن عدم السماح للأميركيين باستخدامها سيؤدي إلى وقف العمل في المحطة كليا، حسب قول يونين، الذي يرى أن تلك الخطوات ستعني أن «روسيا تعرقل نفسها بنفسها».
وبرز أمس تعويل روسي على الموقف الأوروبي من العقوبات الأميركية. وقال فلاديمير تشيغوف، مندوب روسيا الدائم لدى الاتحاد الأوروبي، في حديث لقناة تلفزيون «روسيا 24» إن «الحديث يدور في أروقة الاتحاد الأوروبي حول تبني خطوات جدية (ضد العقوبات الأميركية)، على سبيل المثال الإعلان أن قانون العقوبات الأميركي غير ساري المفعول على أراضي دول الاتحاد الأوروبي»، كما يستطيع الاتحاد «وقف تمويل الشركات الأميركية عبر المصارف الأوروبية». وأشار الدبلوماسي الروسي إلى حالة قلق شديد في أوساط قطاع الأعمال الأوروبي بسبب تلك العقوبات، و«لا يقتصر الأمر على شركات الطاقة التي تتعاون مع الجانب الروسي، بل يشمل عددا آخر كبيرا من الشركات».
وبحال أقر الاتحاد الأوروبي أيا من تلك التدابير التي أشار إليها مندوب روسيا الدائم لدى الاتحاد، فإن قانون العقوبات الأميركية سيفقد كثيرا من تأثيره الفعلي على روسيا، ذلك أن التعاون في مجال الطاقة وصادرات الغاز الروسية إلى السوق الأوروبية، من المجالات الرئيسية التي يستهدفها قانون العقوبات، والمجال الرئيسي الذي يسبب القلق لدى الأوروبيين والشركات الروسية.