دراسة تؤكد تصاعد وتيرة التمييز ضد المسلمين في الولايات المتحدة

TT

دراسة تؤكد تصاعد وتيرة التمييز ضد المسلمين في الولايات المتحدة

تتصاعد وتيرة التمييز المناهض للمسلمين داخل الولايات المتحدة، إلى جانب التعبيرات عن دعم وتأييد المسلمين كذلك، وفق دراسة جديدة أجراها معهد «بيو» عن إحدى الأقليات الدينية الأسرع نموا في الولايات المتحدة.
وأصدر معهد «بيو» للأبحاث يوم الأربعاء نتائج الدراسة المسحية واسعة النطاق الجديدة للمسلمين في جميع أنحاء الولايات المتحدة والتي سلطت الضوء على مشاعر القلق وعدم الارتياح الواسعة النطاق حول أوضاعهم وحيال الإدارة الجديدة ومواقفها تجاه المسلمين.
وخلص مؤلفو الدراسة إلى أنه «بوجه عام، يشعر المسلمون في الولايات المتحدة بكثير من التمييز ضد جماعتهم الدينية، ويشعرون بارتياب كبير... ويعتقدون أن المواطنين الأميركيين لا يعتبرون الإسلام جزءا من المجتمع الأميركي السائد».
وأجرى معهد «بيو» المسح المذكور على عينة من الممثلين للدين الإسلامي في البلاد بلغت 1001 مسلم بالغ من خلال الهواتف بين يناير (كانون الثاني) ومايو (أيار) من العام الحالي، وحملت النتائج الإجمالية هامش خطأ من ست نقاط في عينة البحث.
وخلص مركز الأبحاث إلى أن نسبة المسلمين في الولايات المتحدة الذين عانوا من معاملات تمييزية تتجه إلى الأعلى، مع 48 في المائة ممن شملهم المسح يقولون إنهم تعرضوا لحادثة تمييزية واحدة على الأقل بناء على المعتقد الديني خلال العام الماضي، مقارنة بنسبة 40 في المائة قبل عقد من الزمن.
والأغلبية العظمى - 75 في المائة - قالت إن هناك كثيرا من التمييز ضد المسلمين في الولايات المتحدة. وقال ما يقرب من ثلاثة أرباع من شملهم المسح إن الرئيس الجديد للولايات المتحدة يحمل مشاعر غير ودية تجاههم، مع 4 في المائة فقط قالوا ذلك عن الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2011. ونحو ثلثي من شملهم المسح قالوا إنهم لا يعجبهم المسار الذي تتخذه الأمة في هذا الصدد.
وقال أحد المهاجرين المسلمين، الذي تحدث إلى مركز «بيو» للأبحاث - مفضلا عدم كشف هويته - إن سياسة حظر السفر على مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة تبدو مثل حملة رسمية لاضطهاد المسلمين. وقال المهاجر المسلم: «قرأنا تاريخ أوروبا وما حدث للشعب اليهودي في ألمانيا. هناك خطوات قليلة تسفر عن قضايا كبيرة فيما بعد. ولذلك، فإننا نشعر بتهديد حقيقي داخل البلاد».
وأغلب المسلمين الذين يقدر عددهم بنحو 3.35 مليون مسلم يعيشون في الولايات المتحدة هم من المهاجرين أو أبناء المهاجرين. ونحو ثلثي من شملهم المسح قالوا إنهم يعتقدون أن الرأي العام الأميركي لا يعتبر دين الإسلام جزءا من المجتمع الأميركي السائد.
وقال 6 من بين كل 10 مشاركين في المسح إنهم يعتقدون أن التغطية الإعلامية للإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة غير منصفة تماماً.
وقال ثلث المسلمين إنهم عانوا من معاملة متشككة مرة واحدة على الأقل خلال العام الماضي، وهي النسبة الأعلى المسجلة في مسوح مركز «بيو» منذ عام 2007. وقال ما يقرب من واحد من بين كل 5 أشخاص، إنهم سمعوا ألفاظا بذيئة بحقهم، وهناك نسبة مماثلة قد شهدوا رسومات جدارية مناهضة للمسلمين في الأحياء التي يعيشون فيها. وقالت نسبة 6 في المائة إنهم تعرضوا للإيذاء الجسدي أو للهجوم المباشر، وهي نسبة مماثلة للنسبة المسجلة في عام 2011.
وأولئك الذين يظهرون بمظهر إسلامي - سواء للطريقة التي يبدون بها في الأماكن العامة أو بسبب ملابسهم أو طريقة كلامهم - هم الأكثر عرضة بشكل أكبر للمعاناة من التمييز، لأنهم مسلمون، والنساء بشكل عام هن الأكثر عرضة للإبلاغ عن حالات التمييز أكثر من الرجال.
وقالت أقلية كبيرة - نسبة الثلث - إن هناك قلقا إلى حد ما من تنصت الحكومة الأميركية على هواتفهم بسبب دينهم. وخلص المسح إلى أن 30 في المائة قالوا إنهم يشككون في فعالية عمليات إنفاذ القانون ضد الإرهابيين المشتبه فيهم، ويعتبرون أن السلطات تلقي القبض على المغرر بهم فقط ولا يشكلون في واقع الأمر أي قدر من التهديد ضد أحد. والأكثر من ذلك، هناك نسبة 39 في المائة يقولون إن المسلمين المقبوض عليهم في هذه العمليات هم من الأشخاص المتسمين بالعنف ويشكلون تهديدات حقيقية للمجتمع.
وفي خضم ذلك كله، تعكس الدراسة أيضا نوعا من المفارقات العميقة التي قد تنجم جزئيا عن تجارب الأمة المستقطبة بشكل كبير.
ولقد خلصت الدراسة إلى أن المسلمين فخورون للغاية بدينهم وبوطنيتهم، وأعرب 89 في المائة منهم عن فخرهم بالأمرين معاً. وعلى الرغم من أن ما يقرب من نصف المسلمين الأميركيين قالوا إنهم قد تعرضوا لصورة من صور التمييز في الأشهر الـ12 الماضية، فهناك نسبة مماثلة من 49 في المائة قالت إنهم شهدوا دعما جيدا لكونهم مسلمين، مما يشكل تحولا كبيرا خلال السنوات العشر الماضية، عندما أعربت نسبة 32 في المائة فقط عن تلقيهم للدعم لكونهم مسلمين.
وقالت أماني جمال، أستاذة العلوم السياسية في جامعة برينستون التي كانت من بين مستشاري الدراسة المذكورة: «من ناحية ما، ومع تصاعد وتيرة الإسلاموفوبيا هنا، نشأ دعم كبير من الرأي العام الأميركي».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ{الشرق الاوسط}



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.