ظاهرة «التشدد النسوي»... كيف تشكلت؟ ولماذا؟

فرع «القاعدة» في العراق استخدم المرأة في العمليات القتالية والانتحارية منذ 2005

ظاهرة «التشدد النسوي»... كيف تشكلت؟ ولماذا؟
TT

ظاهرة «التشدد النسوي»... كيف تشكلت؟ ولماذا؟

ظاهرة «التشدد النسوي»... كيف تشكلت؟ ولماذا؟

يضع الباحثان الخبيران محمد أبو رمان وحسن أبو هنية بين يدينا أول دراسة عربية رصينة شاملة حول ما سمياه «الجهادية النسوية السلفية»، وهي ظاهرة بالكاد تتجاوز العقد من عمرها. وتأتي هذه الدراسة العلمية في ظل اختلاط التصورات الأسطورية والخيالية بالدعاية السياسية والأجندات الآيديولوجية وبالرؤى الاستشراقية التقليدية، في موضوع متعلق بالمرأة، وهو موضوع حساس للغاية في الشرق الأوسط، وذلك بهدف تكوين فهم واقعي غير اختزالي لهذه الظاهرة.
وأمام صعوبة الوصول إلى مصادر موضوعية، وأقرب للحياد، اعتمد المؤلفان على المصادر الأولية، والوثائق التي ترجع لهذه التنظيمات، ومقارنتها بالمعلومات الواردة بالمصادر المختلفة، وهو أمر يمنح هذه الدراسة أهمية إضافية.
يتناول القسم الأول من الدراسة التحولات التاريخية التي تشكلت عبرها «الآيديولوجية الجهادية النسوية»، من «القاعدة» إلى «داعش». وفي سياق ذلك، تتناول الدراسة «النسوية الإسلامية» الناشئة عن الإسلام السياسي، وقضيتها الرئيسية: الهوية. وهي نسوية تحاول أسلمة النسوية الغربية في الواقع، وتبيئتها في المناخ الثقافي الإسلامي، على النقيض من الجهادية السلفية التي ترى في النسوية الغربية عدواً تجب محاربته ومفاصلته.
ويذهب الباحثان إلى أن موقع المرأة التقليدي في الثقافة الإسلامية لم يتغير في تنظيمات النسوية المنبثقة عن الإسلام السياسي، ولكن النقلة حصلت مع تنظيم القاعدة. فعلى الرغم من أن بن لادن والظواهري لم يظهرا اهتماماً واضحاً بموضوع المرأة، فإن ذلك لم يمنع من أن يظهر دور جديد للمرأة في الفروع الإقليمية للتنظيم، في المجالات الدعائية والإعلامية، والمشاركة في الأدوار اللوجيستية للمتشددين، كجمع التبرعات، ورعاية أسر القتلى والسجناء، وهذه التنظيمات نشأت في مناطق النزاعات والصراعات التي تشهد احتلالاً أجنبياً مباشراً (الشيشان، والعراق، وفلسطين).
وفي تنظيم القاعدة - فرع العراق، بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، حصل الانتقال الحاسم. فقد تم عام 2005 استدخال المرأة في العمليات القتالية والانتحارية، فضلاً عن دخولها في معظم مجالات عمل التنظيم، وبشكل خاص التعليم والحسبة والإعلام. والخلفية التي أدت بالزرقاوي إلى ذلك هو عنف الفصائل الشيعية الطائفية المتركز على المرأة، كرمز لقهر الكرامة العربية السنية في العراق، فقد كانت قصص الاغتصاب الممنهج، والتعذيب والممارسات الفظيعة ضد النساء السنيات في السجون العراقية، تتسرب (بشكل مقصود)، واستثمر الزرقاوي هذا الإحساس بالمهانة، وأراد دفعه إلى أقصى الحدود لحشد سنة العراق في حرب واسعة ضد الأميركيين المحتلين والشيعة الطائفيين (الصليبيين والصفويين)، في دمج بين البعد العالمي والمحلي للنظرية القاعدية. وبدءاً من ذلك التاريخ، بدأت النسوية المتشددة تتشكل، بصيغة مطابقة للصيغة المتشددة السلفية الذكورية، وبالمرجعيات الفقهية والفكرية ذاتها. ودشنت أول محاولة لعملية انتحارية نسوية في 9 عام 2005.
وفي عام 2007، أعلن عن تشكيل أول كتيبة انتحارية نسوية (كتيبة الخنساء) في تنظيم داعش في العراق. لكن المؤلفين يلاحظان أن أدواراً متزايدة منحت للمرأة في ظل تنظيم داعش، غير أن العمليات الانتحارية جعلت حكراً على الرجال، وهو ما يعد تراجعاً عن التطور الحاصل بدءاً من 2005. وتشير الدراسة إلى أن التحول نحو فكرة «التمكين»، والانتقال من فكرة التنظيم إلى تأسيس الدولة وإدارتها، أدى إلى توسيع دور المرأة في التنظيمات المتطرفة، ومنحها أدواراً غير مسبوقة، وهو أمر نجد نسخته الأخيرة في تنظيم داعش الذي أفسح للنساء دوراً في الفتوى ومجلس الشورى! وحسب الباحثين، فإن تعاظم حضور المرأة، وتعدد أدوارها، قد بدأ فعلياً بعد التنامي الأخير لـ«داعش»، عقب فشل التحولات الديمقراطية، والانقلابات على حركات الاحتجاج الثوري السلمي في العالم العربي، خصوصاً مع وصول الاحتجاجات إلى سوريا، عام 2011.
وتركز الدراسة، في سياق متابعة تطور التشدد النسوي، على فهم دوافع تشكل الظاهرة، ومعرفة الأسباب التي تدفع فئات من النساء من طبقات مختلفة من العالم، وبشكل خاص من نساء الطبقة المتوسطة، للالتحاق بالتنظيم، وتحمل المخاطر الكبيرة في سبيل ذلك، وربط مصيرهن بمصير تنظيمات تتعرض للحصار والحرب، والقبول بالعيش في ظل مجتمعها البطريركي، الذي لا مكان فيه للمساواة والحريات والمواطنة الكاملة.
ويستنتج الباحثان أن الدوافع التي تجعل الرجال يلتحقون بالتنظيم هي ذاتها تماماً الدوافع التي تجعل النساء يلتحقون به، ويأتي على رأس تلك الدوافع جاذبية «يوتوبيا الخلافة»، التي كانت أحد العوامل الرئيسية الحاسمة، يوتوبيا الخلافة بما هي رمز للتاريخ والحضارة والعدالة، والرغبة في استعادة الهوية، والبحث عن الكرامة، وما من شك أن دوافع نفسية واجتماعية أخرى مختلفة تكون في بعض الأحيان دافعاً أيضاً؛ والدافع الديني الصرف غالباً ليس عاملاً أساسياً في النسوية الجهادية.
أما القسم الثاني، فهو دراسة حالات من المتطرفات، إذ يدرس الباحثان عينات أساسية وبارزة منهن، ويبحثان في سيرهن الذاتية للوصول إلى أجوبة لأسئلة مثل: لماذا التحقن بالتنظيمات المتشددة؟ وكيف فعلن ذلك؟ وما التغيرات التي طرأت على كل واحدة منهن؟ ويتضمن هذا القسم نماذج نسائية عربية (مثل: إيمان البغا، وإيمان كنجو، والطبيبات الثريات السودانيات)، وأوروبية (مثل: خديجة سلطانة، وشاميا بيغوم، وأميرة عباسي، ومليكا العرود)، وأميركية (مثل: تاشفين مالك، وأريل برادلي، وشانون كونلي).
ويخلص الباحثان إلى أنه يصعب القول إن الجماعات المتشددة استغلت المرأة في الأعمال القتالية. وبالتالي، تظهر المرأة مجرد ضحية جرى التلاعب بها وخداعها، وذلك لأن دوافع المرأة السلفية المتشددة هي ذاتها دوافع الرجل. وعلى هذا الأساس، وإذ إن «الجهادية النسوية» صارت منظمة، واكتسبت خبرات، وأصبحت شبكة تنظيمية واجتماعية، وجزءاً من شبكات التشدد السلفية في العالم، فإن خطر «الجهادية النسوية» سيزداد في الفترة المقبلة. وفي حال محاصرة الحركات المتشددة، وممارسة ضغوطات كبيرة، وتنفيذ عمليات عسكرية مصحوبة بقوة تدميرية تنتهك الحقوق والكرامة الإنسانية، بحيث تصبح المسافة بين الكرامة والحياة من جهة، والموت من جهة ثانية، شبه منعدمة، فإن العمليات الانتحارية قد تزداد، وتنتقل خارج الإطار الجغرافي الذي تشتغل فيه الآن.
* كاتب سوري



«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.