قراءات الصيف في لبنان: عربية أو فرنسية ولا وقت للشعر

ثناء عطوي  -  بلال عبد الهادي  -  عماد موسى
ثناء عطوي - بلال عبد الهادي - عماد موسى
TT

قراءات الصيف في لبنان: عربية أو فرنسية ولا وقت للشعر

ثناء عطوي  -  بلال عبد الهادي  -  عماد موسى
ثناء عطوي - بلال عبد الهادي - عماد موسى

إذ نشرنا في عدد أمس الحلقة الأولى من قراءات قسم من المثقفين العرب أثناء موسم الصيف، والكتب التي قد يفضلون أن يصطحبوها في حقائب السفر.
* هنا كتاب لبنانيون يتحدثون عن قراءاتهم
يقول الكاتب الصحافي اللبناني عماد موسى عن قراءاته في هذا الصيف «قبل عقد نصحتني الزميلة جمانة حداد بقراءة باكورة الكاتب الفرنسي ـ الأميركي الأصل ابن الثامنة والثلاثين Jonathan littell (المتسامحات les bienveillantes) الرواية الحائزة جائزتي «غونكور» و(الأكاديمية الفرنسية) هي في الواقع تراجيديا ضخمة وشيّقة من 900 صفحة تجمع بين المذكرات والتاريخ والوصف والعرض والأدب والريبورتاج، وتروي وحشية النازية وجرائمها وحروبها، خصوصاً في الجبهة الشرقية بدءا من العام 1941 حتى سقوط برلين في أبريل (نيسان) 1945، وذلك من خلال سيرة ضابط مثقف عدمي مثلي اسمه ماكسيميليان.
في الأمس عدت إلى عالم النازية مع كتاب Jean Lopez «les cents derniers jours d’Hitler». مائة يوم كانت الأكثر دموية والتي راح ضحيتها ثلاثين ألف إنسان يومياً، وفي الفصل الأخير من الحرب طلب هتلر من ضباط جيشه اعتماد سياسة الأرض المحروقة، لا في المناطق التي يحتلونها إنما في المناطق التي ينسحبون منها.
مائة يوم بدقائقها وتفاصيلها ولياليها الطوال من خلال يوميات وزير الدعاية غوبلز، سائق هتلر، طبيبه، وبعض الضباط والمقربين.
مائة يوم انتهت بزواج أدولف هتلر بعشيقته منذ 13 عشر عاماً أراد أن ينتحرا زوجا وزوجة.
إن أردت عزيزي القارئ أن تتعرف إلى شخصية استثنائية ألهمت مجانين السلطة في القرن العشرين والواحد والعشرين، أنصحك بقراءة كتاب لوبيز وإنعام النظر في الصور.
وإن أردت أن تذهب إلى شيء من جنون الحب فلك في «أنثى السراب» للجزائري واسيني الأعرج اعترافات امرأة على وشك السقوط والقتل.
* وأي اعتراف أجمل مما يرد في رسائل عشق
«ثلاثون سنة وأنا امرأة الظل والصمت والورق، لا أمشي إلا على الحواف، لا مخبأ لي إلا الورق والظلال التي أتماهى معها بحيث لا يراني أحد، وأرى الجميع. يتحدث الناس عني..يشتهونني، يحبونني، يحسدونني، يكرهونني، الكثير من الرجال تمنونني في فراشهم، أو أماً صالحة لأولادهم. الكثير منهم أيضاً تمنوا أن يبوسوا الحجرة التي يرجمونني بها بحثاً عن...... لا أحد منهم سألني من أكون حقيقة وسط هذا الكورس الجنائزي العقيم الذي تسجى فيه أحلامنا المنكسرة».
تقرر ليلى أن تكتب قصتها وتحت الأوراق المبعثرة والرسائل مسدس مصوب نحوها، تكتب فيما حبيبها سينو الراقد في أحد المستشفيات الأوروبية بين الحياة والموت. تزوجت ليلى من شخص لا تحبه وهو أيضا. زواج كل منهما لم يقضِ على عشقهما، وكيف لا وهو الوالد غير الشرعي لأحد ولديها وهي بطلة رواياته باسم آخر: مريم. مع الوقت باتت مريم الحكاية بالنسبة لليلى عشيقة العشيق. كتبت ليلى قصتهما الطويلة في ساعات الليل الطويل والمسدس المحشو أمامها ما يوحي أنها ستتخلص من حياتها. صباحا تذهب لإيداع المخطوطة في البريد. يخيّل إلى ليلى أنها شاهدت غريمتها. تسحب مسدسها لقتلها فيعاجلها رجل أمن بإطلاق النار عليها ظنا منه أنها من أدوات الإرهاب في الجزائر.
رواية «أنثى السراب» عمرها سنوات وتبدو لكل قارئ ـ عاشق رواية حب طازجة كأنها صدرت قبل ساعات.
* ثناء عطوي: «في غرفة العنكبوت}
الكاتبة اللبنانية ثناء عطوي تنصح بقراءة رواية المصري محمد عبد النبي «في غرفة العنكبوت» وقد وصلت إلى نهائيات جائزة الرواية العربية - البوكر، وإن لم تحصد الجائزة الأولى. مع أنها تتناول موضوعاً جديداً بصراحة وعمق شديدين. ورواية ثانية هي «بيرة في نادي البلياردو» التي كتبها شاب مصري عاش بين لندن ومصر وكتب هذه الرواية الوحيدة وانتحر بعد ذلك وهو وجيه غالي. الرواية هي عن الاحتلال الإسرائيلي في سيناء وفلسطين.
ومن الكتب الجميلة الصادرة حديثاً التي تنصح الكاتبة ثناء عطوي بقراءتها «قصة الفن». وكان قد صدر بالإنجليزية في 18 طبعة، وتمت ترجمته مؤخراً إلى اللغة العربية عن «هيئة البحرين للثقافة والآثار» وهو ترجمة عارف حديثة وفي الأصل هو للكاتب إرنست غومبردج. وكان كاتبه قد تدرج في الإضافة إليه طوال 11 طبعة وأبقاه مفتوحاً، يضيف إليه ويعدّل؛ مما جعل المؤلّف ينمو تدريجياً ويتكامل. وهو يروي حكاية الإنسان مع الفن منذ العصور البدائية وكيف تطورت حتى يومنا هذا معرجاً على مختلف الفنون، والطرق الإبداعية التي استعملها الإنسان للتعبير عن نفسه.
وكتاب آخر تختاره عطوي هو «روح الموسيقى» عن منشورات الجمل، لسمير الحاج شاهين، وهو مهم لمن يريد أن يفهم أهمية الموسيقى وتأثيراتها على الإنسان. وهناك رواية جميلة تنصح عطوي بقراءتها تحمل اسم «شوق الدرويش» للروائي السوداني حمور زيادة، صادرة عن «دار العين للنشر» وفازت بجائزة نجيب محفوظ للآداب. وهي متميزة لأنها تروي حكاية الصراع بين الثقافة المسيحية والإسلامية الصوفية في السودان، مع انهيار النموذج الإسلامي، وتري قارئها عمق الصراع السياسي والاجتماعي، في بلد نادراً ما تأتينا منه روايات كاشفة إلى هذا الحد..
* بلال عبد الهادي: «الذرة الرفيعة الحمراء}
أربعة كتب يقول أستاذ الألسنية في الجامعة اللبنانية الدكتور بلال عبد الهادي: إنها تصلح لقراءة ممتعة هذا الصيف، أولها رواية صينية لحائز جائزة نوبل للآداب مو يان، تحمل اسم «الذرة الرفيعة الحمراء» وقد ترجمها إلى العربية «المركز القومي للترجمة» في مصر. وتتناول هذه الراوية التي نقلها حسانين فهمي حسين إلى لغة الضاد تاريخ الصين في الفترة التي اجتاحها الجيش الياباني. رواية رائعة ومؤلمة تريك صورة عن وحشية الجيش الياباني في تعامله خلال تلك الفترة. وقد كتبها الروائي الموهوب بعين طفل، ولها من الجمالية في الوصف بحيث إنه بعدها كان يستحق بالفعل الوصول إلى نوبل. والمثير فيها هي التفاصيل الصغيرة التي تتلاحم وتتنامى لرسم صورة آلام الصينيين ومخاضات التحرر.
هناك كتاب آخر هو فرنسي هذه المرة لستيف كوفي، عنوانه «سلطان الثقة». وهو كتاب طريف يحكي عن أهمية الثقة في حياة الناس، وتأثيراتها على مسارات الأعمار. وهو يهتم برواية حكايات بسطاء الناس والمجهولين منهم، كما المشاهير الكبار والنجوم. إذ نقرأ فيه ما كان تأثير الثقة في حياة غاندي مثلاً أو نيلسون مانديلا أو بيل غيتس، الذي كان يمنح ثقة كبيرة لموظفيه، ويتعامل معهم انطلاقاً من مبدأ المؤتمنين؛ مما كان له بالغ التأثير في نجاح شركته ومشاريعه.
وكتاب ثالث فرنسي أيضاً للكاتب فيليب لاشو، صادر عن «دار أوديل جاكوب» وعنوانه «الدماغ المتنبه» يري القارئ كيف يستطيع الإنسان أن يدرب دماغه ليحسن التنبه إلى ما حوله وما يحيط به من أشياء. وهو يعلم كيفية السيطرة على الذات والتحكم بالقدرات من خلال تعريفنا بوظيفة الدماغ والأعصاب وعلاقة كل هذا بالسلوك.
ويعود الدكتور بلال عبد الهادي، كما يقول، كلما ابتعد عن العربية إليها. «فمهما تعددت القراءات باللغات الأخرى، فإنني أرجع لأطلب النجدة من أحد كتب التراث. ومن أجمل الكتب التي أرجع إليها هو كتاب (الإمتاع والمؤانسة) لأبي حيان التوحيدي؛ لما فيه من غزارة الأفكار وطلاوة الأسلوب ونظرة واسعة للأمور».



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.