الأتربة المنزلية قد تصيبك بالسمنة

المواد الكيماوية الموجودة في الأتربة المنزلية قد تصيب الإنسان بالسمنة (ديلي ميل)
المواد الكيماوية الموجودة في الأتربة المنزلية قد تصيب الإنسان بالسمنة (ديلي ميل)
TT

الأتربة المنزلية قد تصيبك بالسمنة

المواد الكيماوية الموجودة في الأتربة المنزلية قد تصيب الإنسان بالسمنة (ديلي ميل)
المواد الكيماوية الموجودة في الأتربة المنزلية قد تصيب الإنسان بالسمنة (ديلي ميل)

قال باحثون من بريطانيا إن مواد كيماوية موجودة في الأتربة المنزلية ربما تسببت في إصابة الإنسان بالسمنة؛ حيث إنها تنشط خلايا دهنية تحفز بدورها تكدس الدهون في الجسم.
غير أن الباحثين أوضحوا في دراستهم التي نشرت في مجلة «إنفايرامنتال ساينس آند تكنولوجي» المعنية بأبحاث البيئة أنهم رصدوا هذا التأثير حتى الآن في خلايا تجريبية فقط.
وقال الباحثون إن النتيجة التي توصلوا إليها من خلال الدراسة مثيرة للقلق خاصة فيما يتعلق بصحة الأطفال، وأوضحوا أن التأثير الذي لاحظوه حدث بالفعل في وجود كميات ضئيلة من هذه الأتربة الملوثة بمواد كيماوية.
وأشار الباحثون إلى أن تقديرات هيئة حماية البيئة الأميركية EPA تؤكد أن كمية الأتربة التي تصل للأطفال يوميا من خلال حياتهم الطبيعية أكثر بكثير من الكميات التي استخدمت في التجارب.
وكانت المواد الكيماوية التي ركز عليها الباحثون تحت إشراف كريستوفر كاسوتيس وزميلاته في جامعة دوك بمدينة دورهام البريطانية خلال الدراسة مما يعرف بمجموعة الكيماويات المسببة لاختلال الغدد الصماء؛ وهي مواد كيماوية صناعية أو طبيعية واسعة الانتشار تتدخل في التوازن الهرموني.
لذلك فإن هذه المواد تسمى أيضا هورمونات بيئية وتوجد على سبيل المثال في الكثير من الأشياء اليومية على سبيل المثال كمُلدنات، أو مثبطات لألسنة النيران، أو في المواد التي تدخل في صناعة المعلبات، أو المبيدات الحشرية ومستحضرات التجميل.
وأظهرت تجارب أجريت على الحيوان أن بعض هذه المواد يؤدي إلى تزايد وزن الجسم.
وأراد الباحثون تحت إشراف كاسوتيس من خلال هذه الدراسة معرفة ما إذا كانت بقايا هذه المواد الموجودة في الأتربة المنزلية المعتادة ذات تأثير حيوي سلبي بالفعل، حيث جمعوا جسيمات أتربة من 11 منزلا وعالجوا هذه العينات ثم أضافوها إلى مزارع خلايا تمثل المرحلة التمهيدية للخلايا الدهنية، أو ما يعرف بالخلايا السلفية.
وبالإضافة إلى ذلك، درس الباحثون خلال تجربة الخلايا وبشكل مباشر، تأثير بعض المواد الكيميائية العضوية التي ثبت وجودها كثيرا في الغرف الداخلية، ومن بينها ملدنات ومواد مثبطة للاشتعال ومبيدات ومركبات الفينول، ثم قارنوا هذا التأثير بتأثير عقار طبي شهير ومعروف بأنه منشط للنمو ومكون للخلايا الدهنية.
وأدت مستخلصات سبعة من إجمالي العينات المنزلية الإحدى عشرة إلى تطور الخلايا المكونة للخلايا الدهنية، الخلايا السلفية، إلى خلايا دهنية كاملة النمو وتراكُم ما يعرف بالدهون الثلاثية وهي دهون غذائية معينة.
وعملت تسع من هذه العينات على بدء انقسام الخلايا المكونة للخلايا الدهنية، مما أدى إلى تكون مخزون أكبر منها.
وكانت هناك عينة واحدة فقط لم يظهر لها تأثير على الخلايا.
وقال الباحثون إن 28 من إجمالي المواد الكيماوية الحيوية الـ44 التي تم اختبارها تؤثر على الخلايا السلفية بشكل مشابه.
وتبين للباحثين وجود تأثير لهذه المواد الكيماوية بالفعل عند توفر كمية ضئيلة من الأتربة لا تتجاوز 3 ميكروغرام، أي أقل أكثر من 16 ألف مرة مما يمتصه الأطفال يوميا وبالتحديد نحو 50 مليغرام.
وأشار الباحثون إلى أنه من غير الواضح حتى الآن حجم كمية الأتربة الممتصة من قبل الجسم؛ بما فيها المواد الكيمائية الموجودة بشكل عضوي داخل جسم الإنسان وتؤدي إلى خلايا سلفية تنتج خلايا دهنية.
وشدد الباحثون على ضرورة دراسة هذا الأمر.
ومن المعروف لدى الباحثين منذ وقت طويل أن هناك مواد مؤثرة هُرمونيا داخل التراب المنزلي، وكذلك ثبت من خلال تجارب سابقة على الخلية والحيوان تسبب بعض هذه المواد في الإصابة بالبدانة، حسبما أوضح يوزيف كورله، كبير أساتذة معهد برلين لدراسات علم الغدد التجريبية التابعة لمستشفى شاريتيه في برلين وعضو رئاسة الجمعية الألمانية لأبحاث علم الغدد.
وأضاف كورله: «عثرنا أيضا من خلال دراسات على السكان على مؤشرات على أن هذه المواد يمكن أن تتسبب في الإصابة بالبدانة لدى الإنسان... لذلك فإن نتيجة هذه الدراسة الأخيرة التي أجريت على مزرعة خلايا ليست مفاجئة تماما».
غير أن الأستاذ الألماني أشار في الوقت ذاته إلى أن هناك بضعة قيود يجب أخذها في الاعتبار عند الحكم على الدراسة؛ منها على سبيل المثال أن معدي الدراسة استخدموا خلال تجاربهم خطأ خلويا واحدا فقط وإنه كان من المرجو أن يتم اختبار هذا التأثير أيضا على خلايا أخرى مثل الخلايا الدهنية للإنسان.
كما أن الدراسة لا تعطي، حسب كورله، مؤشرات على عدد المواد الكيماوية التي يمكن أن تصبح مؤثرة عندما يصل التراب المنزلي بطريق طبيعي للجسم.
وتابع كورله أن هذه الدراسة تدعو مع النتائج المتوفرة بالفعل حاليا للقلق «ولكن القول إن التراب المنزلي يؤدي للسمنة أمر مبالغ فيه بالتأكيد».
وهناك اختلاف واسع بشأن استخدام المواد الكيماوية ذات التأثير الهرموني وذلك بسبب مخاطرها المحتملة على الصحة.
ويحاول باحثون داخل دول الاتحاد الأوروبي منذ سنوات البحث عن سبل لضبط استخدام هذه المواد؛ حيث اتفق مندوبون عن الحكومات والهيئات الأوروبية مطلع يوليو (تموز) الحالي على معايير للعثور على هذه المواد في المنتجات التي تستخدم لحماية النبات.
وعلى هذا الأساس يمكن تقييم الكيماويات ذات الضرر الهرموني وسحبها من الأسواق حسبما أوضح فيتنيس أندريوكايتيس، المفوض الأوروبي لشؤون الصحة.



الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».