العالم يتحسب من خطورة المقاتلين الأجانب بعد «داعش»

يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية لدى المقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع («الشرق الأوسط»)
يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية لدى المقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع («الشرق الأوسط»)
TT

العالم يتحسب من خطورة المقاتلين الأجانب بعد «داعش»

يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية لدى المقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع («الشرق الأوسط»)
يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية لدى المقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع («الشرق الأوسط»)

يحتّم انحسار النفوذ الداعشي في كل من الموصل والرقّة، وبدء انهيار التنظيم النظر إلى ما بعد ذلك، وما سيؤول إليه مصير المقاتلين الأجانب الذين قد يستحيل أعداد منهم إلى قنابل موقوتة قد تتفجر في مكانٍ ووقتٍ مباغت. هذا الأمر يتطلب النظر في مرحلة ما بعد «داعش» مما قد يشكل أزمة فعلية ليست بجديدة إذ تأتي على نسق ما حدث في أعقاب عام 1979، أي في مرحلة ما بعد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، حين واجه العالم معضلة عودة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم مما انبثق منه أشخاص متشددون شكلوا تنظيمات وجماعات إرهابية كثيرة في مناطق متشعبة من العالم كتنظيم القاعدة وجماعة أبو سياف في الفلبين.
وفي سياق مماثل لمرحلة تية تشكل تنظيم داعش نتيجة انشقاق جزء من أعضاء انتموا في السابق لتنظيم القاعدة الأب ليخرجوا عن عباءته ويتفوقوا عليه بطشاً وعنفاً وقدرةً على استغلال التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي لصالحه. وكأن كل تنظيم أو تجربة قتالية متطرفة ينتج عنها تنظيم آخر أكثر تطوراً.
يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية التي أدت إلى ممارسات عنيفة نجمت عن التحولات الجيوسياسية وثورة التقنية والعولمة، مما أعطى للمقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع انسيابية وقدرة أعمق على التواصل مع الجماعات والتنظيمات في كثير من البقاع في العالم، ليشكل ذلك تهديداً فعلياً يعيق محاولات إرساء السلام والأمني الدولي.
ويصعب تمييز حجم التهديد الذي يشكله المقاتلون الأجانب في مناطق النزاع مع استحالة إيجاد إحصائيات دقيقة لأعدادهم في كل من العراق وسوريا. وتظهر أبرز إحصائيات تم تداولها إعلاميا في عام 2016، تقديراً لعدد المقاتلين الأجانب المشاركين في مناطق النزاع منذ عام 2011 ما يتراوح بين 27 و31 ألف مقاتل أجنبي ويحملون جنسيات متعددة ما بين عربية وأوروبية وأخرى آسيوية. الأمر الذي أثر على الطبيعة الديموغرافية وتسبب بتهجير وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين من جهة، وأوجد طفرة في المقاتلين الأجانب الذين بدأوا بالتدفق إلى أماكن أخرى هربا من عمليات استهدافهم.
وقد عاد نحو 30 في المائة من هؤلاء المقاتلين إلى أوطانهم منذ عام 2016. ويقابل ذلك أعداد كبيرة ممن قتل بغارات وهجمات من قبل القوات الأميركية وقوات التحالف بعد استهداف أماكن تمركزهم، فيما نزح آخرون إلى مدن أخرى بدءاً بالموصل ومروراً بالرقة، وانتهاءً فيما بعد إلى انتقال أعداد أخرى إلى دير الزور شرق سوريا على الحدود العراقية بحثاً عن ملاذ آمن بعد أن تم تدمير مناطق تركز الداعشيين في الموصل والرقة، وإن اعتبر وجودهم في دير الزور حلاً مؤقتاً لأعضاء التنظيم المكوث فيه، إذ من السهل استهدافهم فيما بعد من قبل القوات الدولية.
ويشكل تضييق الخناق على أعضاء تنظيم داعش ورطة فعلية لأعضائه وخيارات صعبة أكثرها احتداماً اختيار الاستمرار في مناطق النزاع فيما يبدو كمحاولة مستميتة للصمود والتصميم إما على البقاء أو الموت من أجل تحقيق الغاية المنشودة للتنظيم. مثل هذا الخيار في الأغلب لمن لم يضع أي احتمال للعودة إلى دول أخرى خارج مناطق النزاع خوفاً من مواجهة الاعتقال والمحاكمة.
مثل هذه الخيارات المصيرية تكون لقادة التنظيم الذين يدركون استحالة عودتهم إلى أوطانهم سواء نتيجة قناعاتهم المترسخة التي من الصعب تغييرها، أو معرفتهم بحجم الفظائع والجرائم الإرهابية المرتكبة على أيديهم، بالأخص القياديين المطلوبين أمنياً إما في دولهم أو من خلال قائمة المطلوبين عبر مجلس الأمن.
وقد اقترن في حالات كثيرة مدى انتماء المتطرف بالتنظيم بالفترة الزمنية التي قضاها ومسيرته فيها وطبيعة الأعمال التي مارسها، وإن اشتهر تنظيم داعش بإعطائه المقاتلين بمختلف جنسياتهم مهام ميدانية وقتالية، فيما كانت في تنظيمات أكثر تقليدية كـ«القاعدة» حكراً على شخصيات معينة وجنسيات معينة كتفضيلهم للمقاتلين العرب وإعطائهم صلاحيات أكثر. بينما قد ظهر حرص كبير من قبل تنظيم داعش على توسيع دائرة الاستقطاب من أجل الحصول على شبكة دولية، ويظهر ذلك عبر حرصه منذ بداية الغارات الجوية على نقل المقاتلين الأجانب من جنسيات غير عربية من الرقة إلى دير الزور أولاً وقبل المقاتلين العرب، ليتم الاستفادة منهم في حال عودتهم إلى أوطانهم في نشر خلايا نائمة وتحقيق جرائم إرهابية، وفي حال انتقالهم إلى مناطق نزاع أخرى كاليمن وليبيا يتم الاستفادة من تنوعهم لاستقطاب المزيد.
وتعد محاولة الانتقال إلى مناطق نزاع أخرى الخيار الأفضل لمقاتلي «داعش»، إذ يعطيهم أملاً في إيجاد بقعة جديدة كمقر لهم، لا سيما مع استحالة عودة أعداد منهم إلى أوطانهم. وقد ترتبط استمرارية التنظيم بقدرته إيجاد مكان آخر يتمكن فيه من مد نفوذه. فيما فضل عدد كبير من المقاتلين الأجانب هجر الموصل في أعقاب استهدافها عبر هجمات وغارات جوية، وعبر عدد كبير منهم الحدود مروراً بتركيا حيث تم التواصل مع سفاراتهم بحثاً عن سبيل للعودة إلى أوطانهم. وهنا تواجه السلطات المحلية لكل دولة معضلة استقبال المتطرفين كمواطنين مرة أخرى وسبل التعامل معهم. لا سيما مع تفاوت أسباب الانضمام للتنظيم بما فيها مَن تعرَّض للتهديد أو التغرير دون وجود اقتناع فعلي بسلوكياتهم، أو من يحمل رغبة حقيقية في العودة لممارسة حياة طبيعية مستقرة بعيداً عن العنف ومناطق النزاع.
ويقابل ذلك مواجهة هذه الدول لأشخاص قد يمتلكون من الغضب والتطرف أوجه إذ هناك أبناء للمقاتلين تربوا ليصبحوا جيلاً نشأ على العنف والتوحش. إضافة إلى امتلاكهم الخبرة العملية والقدرة على استخدام الأسلحة ما يشكل خطورة فعلية تتضافر مع إمكاناتهم في التواصل مع متطرفين آخرين في مناطق مختلفة من العالم. فيما تأتي من مثل هذه التجارب القتالية ما يعطي المشاركين فيها شرعية وصيتاً كمناضلين مخضرمين يتفوقون على المتطرفين الآخرين تجربة وخبرة.
وحذرت وكالة العدل الأوروبية (يوروجست) في تقرير لها من المخاطر الناجمة عن عودة أسر المتطرفين الأوروبيين الموجودين في مناطق النزاع في كل من سوريا والعراق. وأفادت بأنه يتعين على السلطات في كل دولة تقدير مدى خطورة كل فرد من العائدين على حدة. مثل هذه الحيثيات تحتم ضرورة النظر في أسباب انضمام المقاتلين الأجانب إلى التنظيم وإن تمت أدلجتهم دينياً وتقمصهم للقناعات الداعشية أم أن لديهم قابلية للانصهار في المجتمع.
فقد امتاز التنظيم منذ بدايته بقدرته على التغلغل والتواصل الإلكتروني بدهاء وأسلوب يختلف حسب توجهات وميول المستهدفين وبأسلوب قادر على التأثير النفسي، مما جعل مسببات الانضمام للتنظيم لم تعد حكراً على الإيمان بمعتقدات دينية معينة كما في السابق وعلى غرار التنظيمات الأخرى الأكثر تقليدية. إذ تفشى في الآونة الأخيرة الانضمام إلى التنظيمات بأسباب وجودية هرباً من ضغوط اجتماعية معينة أو بحثا عن الإثارة وروح المغامرة. الأمر الذي وإن كان يسهل من قابلية تغيير التوجهات المتطرفة للشخص لدى عودته إلى بلاده، إذ تدلل مثل هذه المسببات لانضمامه على عدم أدلجته التامة كما يحدث مع من يمتلك القناعة الدينية المتشددة، إلا أن البحث عن الإثارة أو الأسباب الاجتماعية تعطي مثل هذا المقاتل دافعا آخر للبحث والانضمام لتنظيمات أخرى مشابهة، من أجل إيجاد تلك البيئة الحاضنة له، التي تتلاشى فيها الفروقات الاجتماعية، لا سيما نتيجة تعرض الداعشيين للتلقين المستمر الناتج عن الحملات الدعائية الداعشية والدروس الدينية والفكرية المتطرفة المكثفة التي يصعب اجتثاثها من أعماق المتعرضين لها. ويتسبب ذلك بضرورة معرفة مدى إمكانية القدرة على إعادة تأهيل المقاتلين الأجانب إثر عودتهم إلى أوطانهم، إذ لا بد أن تجربة الانغماس بتنظيم إرهابي ينجم عنها ضغوطات وتراكمات نفسية قد تتسبب بانعزال الأفراد وشعوره بالاضطهاد وعدم القدرة على الاندماج في المجتمع بعد تقمص ثقافة الكراهية وإلغاء الآخر، مما يؤدي إلى وجود قابلية قوية للانضمام لتنظيمات أو جماعات متطرفة أخرى تعيد لهم الألفة والحياة التي اعتادوا عليها. وتزيد القابلية للتطرف مرة أخرى في المجتمعات التي يواجه أفرادها فروقات كبيرة في طبيعة المجتمع كالمسلمين في الدول الأوروبية بالأخص مع تصاعد الإسلاموفوبيا، والشعور بالغربة داخل أوطانهم نتيجة اختلافهم عن بقية المجتمع وصعوبة اندماجهم فيه. ويتوجب النظر في القدرة على إعادة تأهيل العائدين إلى أوطانهم من مناطق النزاع ودمجهم بالمجتمع، واكتشاف من لديه قابلية على الاستمرار في التطرف أو حتى إنشاء خلايا نائمة تشكل تهديداً جديداً قد يحيلهم إلى جماعات متطرفة محلية، أو يتم استغلال قدرتهم على التواصل مع التنظيمات الدولية ليصبحوا بمثابة حلقات وصل ما بينهم وبين المتطرفين المحليين. إذ من السهل أن يتم انتقال قدرات وطاقات المقاتلين الأجانب إلى تنظيم آخر بديل أكثر قوة وقدرة على السيطرة.
من الضروري أن تعنى الدول برعاياها من المقاتلين الأجانب العائدين من مناطق النزاع، وتتقبلهم برحابة صدر وسعي في إعادة تأهيلهم، لا سيما أنهم يشكلون خطورة فعلية بامتلاكهم قدرات قتالية وخلفية آيديولوجية متطرفة وقدرة على التواصل مع متطرفين آخرين بشبكات خفية وطرق متشعبة للاستقطاب والتجنيد. لا سيما أنه لا تزال هناك بيئة خصبة تستقطب المتطرفين، في ظل وجود أسباب تستلهم العاطفة وتشعل الطائفية إضافة إلى الوضع المتردي في كثير من مناطق النزاع، كسوريا والعراق واليمن، وهشاشة الوضع الأمني والسياسي فيها.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».