القاص السوداني بشرى الفاضل يفوز بالبوكر الأفريقية

عن قصته «حكاية البنت التي طارت عصافيرها»

القاص السوداني بشرى الفاضل يفوز بالبوكر الأفريقية
TT

القاص السوداني بشرى الفاضل يفوز بالبوكر الأفريقية

القاص السوداني بشرى الفاضل يفوز بالبوكر الأفريقية

أبدت الأوساط الثقافية السودانية فرحها النبيل بحصول الكاتب والأكاديمي بشرى الفاضل على جائزة «كين للأدب الأفريقي»، أو «البوكر الأفريقية»، التي تعد من أرفع الجوائز المقدمة للأدب الأفريقي المكتوب باللغة الإنجليزية، وذلك على قصته الشهيرة «حكاية البنت التي طارت عصافيرها».
وأعلن فوز القاص والروائي والشاعر بشرى الفاضل بالجائزة في لندن، الأسبوع الماضي، على قصته الشهيرة «حكاية البنت التي طارت عصافيرها»، المنشورة ضمن «كتاب الخرطوم» لعام 2016، الذي نشرته دار «كوما» البريطانية، بعد أن ترجمه إلى الإنجليزية الكاتب والمترجم الأميركي ماكس شموكلر، وتضمن قصصاً قصيرة للكتاب: «أحمد الملك، وعلي المك، وعيسى الحلو، وآرثر غابرييل، وبوادر بشير، وعبد العزيز بركة ساكن، وحمور زيادة، ورانيا مأمون، ومأمون التلب، وبشرى الفاضل»، وتحكي معاناة المهاجرين إلى الخرطوم بسبب الحروب المستمرة ومقاومة الاستعمار الإنجليزي.
واعتبر الروائي السوداني الحائز على جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي منصور الصويم فوز بشرى بالجائزة تتويجاً لقصته البديعة «حكاية النبت التي طارت عصافيرها»، ولمجمل منتجه القصصي، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «مما لا شك فيه أن هذه القصة والمجموعة التي تحمل عنوانها شكلت ثورة أسلوبية في مسيرة القصة القصيرة السودانية»، وأوضح أن الحكاية أحدثت ما سماه «القطيعة القصصية» مع مجمل التراث القصصي السابق لها، ودشنت بذلك زمناً قصصياً جديداً، يمكن تعريفه بـ«القصة ما بعد مجموعة حكاية البنت التي طارت عصافيرها».
وقال القاص والشاعر الشاب مأمون التلب، أحد الذين نشرت أعمالهم في كتاب الخرطوم 2016، إنه عندما سمع بترشح الفاضل لجائزة كين (البوكر الأفريقية) عن قصته «حكاية البنت التي طارت عصافيرها»، عرف مباشرة أن النص سيفوز، وتابع: «وما ذلك إلا لعظمة تلك القطعة الأدبيّة، وتأثيرها الذي خلَّف بصمة على أجيالٍ من القراء والكتاب بعد نشرها لأوّل مرة».
وقال التلب لـ«الشرق الأوسط» إن سعادته، إضافة إلى عظمة النص، لها دافع خاص، وذلك باعتبارها «أول ما سمع من أدب الكبار»، مضيفاً: «قرأت عليّ مي بادي الرسامة القصة منفرداً، من مجلة الثقافة السودانية، فكنت كمن مسه برق». واعتبر التلب فوز نص الفاضل فوزاً مستحقاً لـ«نص كان له كبير أثر على مسيرة الأدب السوداني والعربي والأفريقي».
من جهته، أشاد رئيس لجنة التحكيم، الأديب البريطاني الغاني الأصل أيكوي باركس، بالقصة الفائزة لهذه الدورة، وببنائها القصصي، واعتبرها تصويراً متقناً للتحديات والأخطار التي تواجه الحريات الشخصية، وباللغة السلسة التي كتبت بها.
وحصل بشرى الفاضل، المولود في 1952، وهو من أبرز كتاب القصة السودانيين، على جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي 2011، على قصته «فوق سماء البندر»، وتقول لجنة التحكيم إن القصة حوت تصوراً للتحديات والمخاطر التي تواجه الحريات الشخصية في المجتمع المحلي.
ونقل الفاضل حكايا قريته «أرقي»، شمال البلاد، بقالب ساخر هجا فيه القمع والحرمان في الريف السوداني، ومن أشهر أعماله: «تعيسة»، و«فوق سماء بندر»، و«ذيل ها هينا مخزن أحزان»، و«سليمانة والديك الأخرس»، فيما تعد قصته «حملة عبد القيوم الانتقامية» واحدة من قصصه العلامة في تاريخ «القص» السوداني.
ودرجت الصحف والمجلات على نشر وإعادة نشر القصة الفائزة منذ ثمانينات القرن الماضي، ثم صدرت لاحقاً في مجموعة قصصية حملت اسمها «حكاية البنت التي طارت عصافيرها» نهاية تسعينات القرن العشرين، ويرى النقاد أنه أسس بها لطريقة سرد تمتزج فيها الكوميديا والمأساة والدراما، وكتبت بلغة بليغة.
وتحكي القصة بغرائبية ساخرة عن ركاب حافلة نقل عام مزدحمة في الخرطوم وتبخرهم، بسبب درجة الحرارة المرتفعة، وتطايرهم في سماوات الخرطوم، المدينة المكتظة بالناس والسيارات، بل حتى الدواب.
وتعد جائزة «كين» من أرفع الجوائز الأدبية، وتعرف في الأوساط الأدبية باسم «البوكر الأفريقي»، نسبة إلى جائزة «بوكر» العالمية، وهي من أهم الجوائز الأدبية المخصصة للأعمال الروائية باللغة الإنجليزية، وحصل عليها قبل الفاضل عدد من الكتاب الأفارقة، ومن بينهم السودانية من أصول بريطانية الروائية ليلي أبو العلا، والنيجيري روتيمي باباتوند، والسيراليوني أولفيمي تيري، وعدد من الكتاب الأفارقة، وذلك منذ إطلاقها في بريطانيا عام 2000.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».