جنيف 7 تتحول إلى «تقنية»... وانتقاد غياب «خطة» للمفاوضات

وفد النظام يبحث سلة «الإرهاب» مع دي ميستورا... والمعارضة تناقش «الانتخابات»

بشار الجعفري رئيس وفد النظام إلى مباحثات جنيف يتحدث إلى وسائل الإعلام أمس (إ. ب.أ)
بشار الجعفري رئيس وفد النظام إلى مباحثات جنيف يتحدث إلى وسائل الإعلام أمس (إ. ب.أ)
TT

جنيف 7 تتحول إلى «تقنية»... وانتقاد غياب «خطة» للمفاوضات

بشار الجعفري رئيس وفد النظام إلى مباحثات جنيف يتحدث إلى وسائل الإعلام أمس (إ. ب.أ)
بشار الجعفري رئيس وفد النظام إلى مباحثات جنيف يتحدث إلى وسائل الإعلام أمس (إ. ب.أ)

طغى التقارب الحاصل بين وفود المعارضة السورية إلى جنيف على المسار العام للجولة السابعة من المفاوضات التي اتخذت أكثر من أي وقت مضى طابعا «تقنيا»، بغياب «خطة عمل» تسيّر النقاشات التي تشعبت يوم أمس لتطال بشكل رئيسي سلتي الانتخابات ومكافحة الإرهاب.
واستبق كبير مفاوضي المعارضة السورية إلى محادثات جنيف محمد صبرا اليوم الثاني من الاجتماعات بانتقاد أداء المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي اعتبر أنّه «لا يملك خطة عمل للمفاوضات»، قائلا في تغريدة على «تويتر»: «بدأت جنيف ولم تبدأ. يبدو أن الوسيط الدولي لا يملك خطة وغدا (أمس الثلاثاء) لن تكون هناك مفاوضات سياسية بل مجرد لقاء تقني». وأضاف صبرا في سلسلة مواقف له على موقع «تويتر» أن «تبسيط القضية السورية يعني تفتيتَها وتحويلَها إلى دردشات أكاديمية عن شكل الدولة المستقبلي»، ودعا إلى «إعادة النظر بالأداء السياسي للمعارضة وخطابها من أجل حماية القضية السورية وتضحيات الشهداء»، مشيرا إلى أن «عقد مؤتمر وطني سوري قد أصبح ضرورة»، على حد تعبيره.
وظهر «التخبط» الذي أوحى به صبرا جليا في النقاشات التي شهدها اليوم الثاني من «جنيف 7»، بحيث أعلن رئيس وفد النظام السوري بشار الجعفري، أنّه بحث خلال اجتماعه بدي ميستورا، أمس، «السلة الرابعة على جدول الأعمال والمتعلقة بمحاربة الإرهاب»، فيما أفادت المعلومات بأن وفد المعارضة بحث مع المبعوث الدولي سلة «الانتخابات».
ونقلت وكالة «سانا» عن الجعفري، قوله إن اللقاء الذي عُقد يوم أمس، يُعتبر «مدخلا مهما لاستكمال ملف مكافحة الإرهاب الذي هو أولوية الأولويات لوفد الجمهورية العربية السورية». ووصف النقاش الذي جرى بين وفده والفريق الأممي حول محاربة الإرهاب، بأنه كان «جديا»، واستطرد قائلا: «ما كنا نحذر منه من أن الإرهاب سيتحول إلى ظاهرة عالمية حصل بالفعل وأصاب الجميع». وتابع أنه «يجري اجتماع خبراء فنيين تقنيين قانونيين مع وفد دي ميستورا لمناقشة ورقة المبادئ الـ12 حول أسس وأهداف العملية السياسية».
وشغلت التصريحات التي أدلى بها المبعوث الدولي وتم نشرها صباح الثلاثاء بخصوص دعوته لإشراك «أكراد سوريا» بوضع الدستور المجتمعين في جنيف ردود الأفعال. وقال رئيس الحزب صالح مسلم لـ«الشرق الأوسط» إنّه تابع ما صدر عن المبعوث الدولي من خلال وسائل الإعلام، نافيا أن يكون تبلغ أي شيء جديد من الأمم المتحدة بخصوص إشراك حزبه في الجولات الجديدة من المفاوضات. وأضاف مسلم: «يبدو أنّهم أيقنوا أن عدم تمثيل الأكراد والإدارة الذاتية سواء في جنيف أو آستانة، نقص كبير يحاولون استيعابه، لذلك نعتقد أن ما صدر عن دي ميستورا مفيد للعودة إلى الطريق الصحيح».
ومع تحول النقاشات في جنيف إلى «تقنية» بعدما كان يفترض أن تكون مفاوضات سياسية حول الانتقال السياسي للسلطة، ارتأت وفود المعارضة الاستفادة من المظلة الدولية لمحاولة توحيد صفوفها وإن أمكن التوجه إلى «جنيف 8» على شكل وفد موحد. وكثفت وفود الهيئة العليا ومنصتا موسكو والقاهرة اجتماعاتها التي انطلقت الاثنين، بلقاء جمع ممثلين عنها بدي ميستورا، واستكملت بلقاء مسائي في نفس اليوم بينها، وصولا لاجتماع آخر عُقد يوم أمس الثلاثاء. وقال رئيس وفد «منصة القاهرة»، فراس الخالدي قبيل هذا اللقاء: «لدينا اجتماع ثان اليوم بين الوفود المعارضة لتبادل الآراء وتنسيق الرؤية»، لافتا إلى أن وفد المعارضة السورية ناقش يوم الاثنين، مع دي ميستورا: «كيفية الاستفادة القصوى من جولة جنيف الحالية، وإعداد خطة للدخول في إيجاد إجراءات للحل السياسي في سوريا». وأشار الخالدي إلى أن وفد المعارضة أكد لدي ميستورا «الاتفاق التقني بين الوفود الـ3».
وأكّد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات يحيى العريضي، أن «الجهود التي تُبذل في جنيف لتقريب وجهات النظر بين وفود المعارضة خطوة كبيرة باتجاه توحيد الصفوف وبالتالي قطع الطريق على النظام الذي يتخذ من تعدد الوفود مبررا وذريعة لعدم السير بالعملية السياسية وانتقال السلطة»، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «النقاشات التي تخوضها اللجان التقنية منذ فترة ساهمت إلى حد بعيد في التقارب الحاصل بين الوفود الـ3 على أمل أن يكون هناك وفد موحد في جنيف 8».
من جهتها، اعتبرت عضو وفد المعارضة في جنيف مرح البقاعي، أن الاجتماعات والمساعي التي تتم لتقريب وجهات النظر بين الوفود الـ3، إنجاز على طريق توحيد الصفوف، واصفة المحادثات التي تجري بـ«البناءة». وأوضحت البقاعي لـ«الشرق الأوسط» أن النقاشات التقنية والسياسية تتداخل في هذه الجولة من مفاوضات جنيف، لافتة إلى أن «هناك الكثير من العمل الذي تقوم به اللجان المنبثقة عن الهيئة العليا لإنجاز الأوراق المطلوبة بخصوص السلال الـ4». وأضافت: «أنجزنا مشروعا من 40 صفحة بخصوص الأمن ومكافحة الإرهاب ومن ضمنه إرهاب الدولة وناقشناه الاثنين، على أن يسلك طريقه وصولا إلى بحثه مع فرق الأمم المتحدة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.