ألفريد دو موسيه... شاعر قتله الحب

كتب بعضاً من أجمل القصائد الغنائية التي عرفتها اللغة الفرنسية

ألفريد دو موسيه - غلاف «ساند وموسيه» - غلاف «الأعترافات»
ألفريد دو موسيه - غلاف «ساند وموسيه» - غلاف «الأعترافات»
TT

ألفريد دو موسيه... شاعر قتله الحب

ألفريد دو موسيه - غلاف «ساند وموسيه» - غلاف «الأعترافات»
ألفريد دو موسيه - غلاف «ساند وموسيه» - غلاف «الأعترافات»

كبودلير، لم يعش ألفريد دو موسيه طويلاً. فقد ولد في باريس، عام 1810، وفيها مات عام 1857 عن عمر يناهز السابعة والأربعين عاماً فقط. وبين هذين التاريخين، دارت حياته بشكل هادئ أحياناً، عاصف في معظم الأحيان. والواقع أنه دخل أفضل المدارس الفرنسية في باريس، كثانوية هنري الرابع مثلاً. وذلك لأنه كان ينتمي إلى طبقة الأرستقراطية الفرنسية التي لا ترسل أبناءها إلا إلى أفضل المدارس. ثم قرر بعدئذ دخول كلية الحقوق في الجامعة، ثم دراسة الطب. ولكن دراسة التشريح في الكلية جعلته يشعر بالرعب، فترك هذا الاختصاص وراح يتسكع في شوارع السان جيرمان دي بري. وحسناً فعل. وهذا ما حصل لي شخصياً في جامعة حلب يوماً ماً. فقد دخلت قاعة التشريح مرة واحدة عام 1969، ولم أعد. وقلت بيني وبين نفسي: مستحيل أن أصبح طبيباً. لحسن الحظ، فإن ميولي الأدبية كانت جارفة، ولم أتحسر إطلاقاً على عدم مواصلة دراسة الطب. فقد عدت إلى تشريح القصائد، بدلاً من تشريح البشر. ثم عرَّفه أحدهم على فيكتور هيغو والحلقة الرومانطيقية الملتفة حوله. وراح ينخرط في دراسات أدبية ومناقشات فلسفية لها بداية وليس لها نهاية. كما راح يتعرف على الصالونات الأدبية الباريسية، ويعشق النساء والحرية والشعر. وهذا أفضل شيء يمكن أن يفعله الإنسان على هذه الأرض. ومنذ أن نشر دواوينه الأولى راح يحقق نجاحات منقطعة النظير. وكان ديوانه الأول بعنوان «نزهة في ضوء القمر»، وهو عنوان رومانسي بامتياز. ولكن نجاحه جلب عليه غضب الحلقة الرومانطيقية التي لم تكن تتوقع أنه موهوب إلى مثل هذه الدرجة. وتعلمون جيداً مدى الحسد الرهيب السائد في أوساط الشعراء؛ إنهم يغارون من بعضهم بعضاً أكثر من السيدات. هل رأيتم امرأة تعترف بجمال امرأة أخرى؟ فقد كاد أن ينافس المعلم، أي فيكتور هيغو، على مكانته في سماء الشعر، وهذا ممنوع منعاً باتاً. ولذلك، انقطعت علاقته بهذه الحلقة الباريسية، وراح يغرّد خارج السرب لوحده.
وفي عام 1833، يحصل له اللقاء التاريخي مع الكاتبة الشهيرة التي اتخذت اسم رجل: جورج صاند. وقد أحبها حباً يفوق الوصف، وتعذب بسبب هذا الحب إلى أقصى حد ممكن. ونتجت عن ذلك أجمل الأشعار والقصائد الرومانطيقية. وربما كانت السبب في موته المبكر لأنها خانته مع رجل آخر وعذبته. فهذه المرأة الجريئة جداً، السابقة لزمانها بكثير، جذبته منذ اللحظة الأولى بعينيها الغامضتين اللتين تصعب مقاومتهما، وقد أحبته هي أيضاً بكل قوة وعنف، وكان حباً جنونياً هائجاً عرفا فيه كل لحظات السعادة وكل لحظات الشقاء. وهذا هو الحب الرومانطيقي الذي لا يمكن أن ينتهي إلا بالفاجعة الكبرى والقطيعة المرة. ويرى بعضهم أنه لكي ينجح الحب ينبغي أن يكون بين العاشقين شيء من التفاوت في المستوى الاجتماعي أو الثقافي. وهذا للأسف شيء لم يتحقق في علاقة الشاعر الكبير بالكاتبة الروائية الكبيرة. فكلاهما كان عبقرياً في مجاله، وكلاهما كان أديباً من الطراز الأول. وبالتالي، كان من الصعب أن يستمر حبهما إلى الأبد. وقد سافرا إلى إيطاليا، كما يفعل العشاق الفرنسيون عندما يريدون أن يعيشوا لحظات السعادة في الحب. سافرا إلى مدينة البندقية، أجمل مكان في العالم بالنسبة لشاعر عاشق وامرأة محبة. ولكن لسوء حظ ألفريد دو موسيه، فإنه وقع صريع الحمَّى والمرض، فأخذوه إلى المستشفى. وهناك، تعرفت جورج صاند على الطبيب الذي جاء لمعالجته، وكان شاباً إيطالياً وسيماً، فوقعت في حبه على الفور، وتركت الشاعر يتحسر عليها في وحدته وهو على فراش المرض. وكان ينتظرها حتى طلوع الفجر لكي تعود من مغامراتها العاطفية مع عشيقها الجديد. فتخيلوا الوضع. وفي أثناء ذلك، كتب ألفريد دو موسيه أجمل قصائد الحب الرومانطيقي في اللغة الفرنسية، وكانت تدعى: «ليالي موسيه» لأنه كتبها أثناء سهره لتلك الليالي. لقد قتلته تلك المرأة اللعوب: جورج صاند!
ثم حصلت القطيعة النهائية بينه وبينها عام 1835؛ أي بعد سنتين من تعرفه عليها. وهكذا، لم يدم هذا الحب طويلاً. والحب الجارف قصير بعمر الزهور. ومع ذلك، فقد ترك هذا الحب في نفسه أعظم الأثر، وظل يتذكرها حتى نهاية حياته. ظلت جرحاً لا يندمل في أعماقه. وقد خرج شاعرنا الكبير من هذه المحنة محطماً تماماً، بعد أن صهرته صهراً. وكتب عندئذ بعضاً من أجمل القصائد الغنائية التي عرفتها اللغة الفرنسية. ألم نقل لكم إن الحب الفاشل أفضل بألف مرة من الحب الناجح؟
وراح ألفريد دو موسيه يشكل فلسفته عن الحب، ويقول: الحب لا يدوم، الحب مهدد بالخيانة يوماً ما، ولكن لحظات الحب لا تنسى، وأجمل شيء في الحب هو الذكرى التي تبقى عنه بعد أن ينتهي. وقد كتب يقول: ربما كانت الذكرى السعيدة على الأرض أكثر جمالاً من السعادة ذاتها. بمعنى أن المثال أفضل من الواقع. فلماذا لا نعيش في عالم المثاليات الوردية؟ بمعنى آخر: ينبغي أن نعيش قصة حب ما ليس من أجلها، وإنما لكي نتذكرها فيما بعد، لكي نجترها باستمرار، لكي نعيش عليها. وهكذا أثبت ألفريد دو موسيه أنه رومانطيقي فعلاً، وأنه يعيش على الذكرى، على اللحظات الهاربة التي مضت وانقضت، ولا يعيش على الحاضر؛ إنه يعيش على ما يدعى في اللغات الأجنبية بـ«النوستالجيا»؛ أي الحنين الجارف إلى الحب المنصرم.
وبدءاً من عام 1840، أخذ الشاعر الكبير يعاني من أمراض كثيرة. فقد تناوبت عليه الأزمات العصبية، والحمى المشتعلة، ومرض القلب. وأدت كلها في نهاية المطاف إلى موته المبكر. ولكن قبل أن يموت بلحظات، فلتت منه هذه العبارة: «أريد أن أنام! أخيراً، سوف أنام وأستريح إلى الأبد». فعلاً، إنه رومانطيقي من أوله إلى آخره. ألا يذكركم بإبراهيم ناجي أو جبران خليل جبران، إلخ؟
ولكنه قبل ذلك، توصل إلى أعلى المناصب الأدبية في فرنسا. فقد انتخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية عام 1852 وعمره اثنان وأربعون عاماً فقط. وهذا شيء نادر. ثم كتب ألفريد دو موسيه عدة كتب نثرية مهمة، ولم يقتصر إبداعه على الشعر. وكان أقواها كتاب «اعترافات أحد أبناء القرن». وربما أراد من خلاله مضاهاة اعترافات جان جاك روسو الشهيرة. وفيه يعود إلى قصة حبه مع جورج صاند، ويتحدث في صفحات موجعة قاتلة عن تلك الأيام التي انصرمت وتركت في أعماقه أمر الذكريات وأحلاها. كما يتحدث عن ثقافة عصره وأفكاره وعاداته وتقاليده. وبالتالي، فالكتاب يقدم لنا صورة هامة ليس فقط عن الشاعر وحبه الخائب وإنما أيضاً عن العصر ككل؛ إنه صرخة ألم لأحد أبناء العصر. يضاف إلى ذلك أنه شهادة عميقة على ذلك الجرح الكبير الهائل، أو الخيبة المريرة التي أصابت جيلاً فرنسياً بأسره بعد سقوط النسر نابليون. إنه كتاب يعبر ليس فقط عن حالة غرامية شخصية، وإنما عن مرض العصر كله.
هذا وقد ردت عليه الكاتبة اللعوب بعد موته بكتاب يحمل العنوان التالي: «هي وهو». فرد عليها أخوه بول دو موسيه بكتاب مضاد بعنوان: «هو وهي». وهذا يعني أن قصة حبهما شغلت القرن كله. لقد دمرته ودمرها. وعن هذا الدمار المتبادل نتجت بعض أجمل صفحات الأدب الفرنسي. أبالغ كثيراً إذ أقول إنه دمرها، فالواقع أنها كانت تغير عشاقها كما تغير أحذيتها. ومن هذه الناحية، فهي تشبه المطربة الشهيرة: إديث بياف.

من أقواله المأثورة
من أقوال موسيه المأثورة نذكر هذه العبارة الخالدة: لا شيء يجعلنا عظماء كألم عظيم!
ثم يقول شاعر الرومانطيقية الفرنسية هذه العبارة المهمة: «الشعر مهم، ولكن الموسيقى أهم». وهذا ما يدفعنا إلى طرح السؤال التالي: ما معنى الموسيقى من دون شعر؟ أو بالأحرى: ما معنى الشعر من دون موسيقى وإيقاع؟ الموسيقى هي جوهر الفن والوجود.
ثم يردف قائلاً: «الموسيقى هي التي جعلتني أؤمن بالله»! وهي عبارة هائلة تشكل أكبر دليل على مدى حبه للموسيقى وتعلقه بها. والواقع أن الموسيقى تشكل لغة كونية خالدة يفهمها كل البشر. فأنت لكي تفهم الشعر الألماني بحاجة إلى معرفة اللغة الألمانية، ولكنك لست بحاجة إلى معرفتها إطلاقاً من أجل الاستمتاع بموسيقى موزار، أو بيتهوفن، أو باخ. وبالتالي، فالموسيقى هي لغة الكون كله، فيما وراء جميع اللغات والتراثات اللغوية والثقافية؛ إنها لغة تعلو على كل اللغات.



«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة
TT

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

أعلنت «جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»، في الكويت، اليوم (الأحد)، عن القائمة الطويلة لدورتها السابعة (2024 - 2025)، حيث تقدَّم للجائزة في هذه الدورة 133 مجموعة قصصية، من 18 دولة عربية وأجنبية. وتُعتبر الجائزة الأرفع في حقل القصة القصيرة العربيّة.

وقال «الملتقى» إن جائزة هذا العام تأتي ضمن فعاليات اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية، والإعلام العربي لعام 2025، وفي تعاون مشترك بين «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، و«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»، في دورتها السابعة (2024 - 2025).

وتأهَّل للقائمة الطويلة 10 قاصّين عرب، وهم: أحمد الخميسي (مصر) عن مجموعة «حفيف صندل» الصادرة عن «كيان للنشر»، وإيناس العباسي (تونس) عن مجموعة «ليلة صيد الخنازير» الصادرة عن «دار ممدوح عدوان للنشر»، وخالد الشبيب (سوريا) عن مجموعة «صوت الصمت» الصادرة عن «موزاييك للدراسات والنشر»، وزياد خدّاش الجراح (فسطين) عن مجموعة «تدلّ علينا» الصادرة عن «منشورات المتوسط»، وسامر أنور الشمالي (سوريا) عن مجموعة «شائعات عابرة للمدن» الصادرة عن «دار كتبنا»، وعبد الرحمن عفيف (الدنمارك) عن مجموعة «روزنامة الأغبرة أيام الأمل» الصادرة عن «منشورات رامينا»، ومحمد الراشدي (السعودية) عن مجموعة «الإشارة الرابعة» الصادرة عن «e - Kutub Ltd»، ومحمد خلفوف (المغرب) عن مجموعة «إقامة في القلق» الصادرة عن «دار إتقان للنشر»، ونجمة إدريس (الكويت) عن مجموعة «كنفاه» الصادرة عن «دار صوفيا للنشر والتوزيع»، وهوشنك أوسي (بلجيكا) عن مجموعة «رصاصة بألف عين» الصادرة عن «بتانة الثقافية».

وكانت إدارة الجائزة قد أعلنت عن لجنة التحكيم المؤلّفة من الدكتور أمير تاج السر (رئيساً)، وعضوية كل من الدكتور محمد اليحيائي، الدكتورة نورة القحطاني، الدكتور شريف الجيّار، الدكتور فهد الهندال.

النصّ والإبداع

وقال «الملتقى» إن لجنة التحكيم عملت خلال هذه الدورة وفق معايير خاصّة بها لتحكيم المجاميع القصصيّة، تمثّلت في التركيز على العناصر الفنية التي تشمل جدة بناء النصّ، من خلال طريقة السرد التي يتّخذها الكاتب، ومناسبتها لفنّ القصّ. وتمتّع النصّ بالإبداع، والقوّة الملهمة الحاضرة فيه، وابتكار صيغ لغوية وتراكيب جديدة، وقدرة الرؤية الفنيّة للنصّ على طرح القيم الإنسانيّة، وكذلك حضور تقنيّات القصّ الحديث، كالمفارقة، وكسر أفق التوقّع، وتوظيف الحكاية، والانزياح عن المألوف، ومحاكاة النصوص للواقع. كما تشمل تمتّع الفضاء النصّي بالخصوصيّة، من خلال محليّته وانفتاحه على قضايا إنسانية النزعة.

وقالت إن قرارها باختيار المجموعات العشر جاء على أثر اجتماعات ونقاشات مستفيضة ومداولات متعددة امتدت طوال الأشهر الماضية بين أعضاء اللجنة، للوصول إلى أهم المجاميع القصصيّة التي تستحق بجدارة أن تكون حاضرة في القائمة الطويلة للجائزة، المكوّنة من 10 مجاميع، بحيث تقدّم مشهداً إبداعياً قصصياً عربياً دالّاً على أهمية فن القصة القصيرة العربية، ومعالجته لأهم القضايا التي تهم المواطن العربي، ضمن فضاء إبداعي أدبي عالمي.

وستُعلن «القائمة القصيرة» لجائزة «الملتقى» المكوّنة من 5 مجاميع قصصيّة بتاريخ 15 يناير (كانون الثاني) 2025، كما ستجتمع لجنة التحكيم في دولة الكويت، تحت مظلة «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، في منتصف شهر فبراير (شباط) 2025، لاختيار وإعلان الفائز. وسيُقيم المجلس الوطني احتفالية الجائزة ضمن فعاليات اختيار الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي لعام 2025. وستُقام ندوة قصصية بنشاط ثقافي يمتد ليومين مصاحبين لاحتفالية الجائزة. وذلك بمشاركة كوكبة من كتّاب القصّة القصيرة العربيّة، ونقّادها، وعدد من الناشرين، والمترجمين العالميين.