«نيويورك تايمز» تقلص كادرها... ورئيس تحريرها يرد على تساؤلات القراء

دين باكويت: صحيفتنا ستظل في المقدمة

جانب من احتجاج صحافيي «نيويورك تايمز» على قرار تقليص كادرها (نيويورك تايمز)
جانب من احتجاج صحافيي «نيويورك تايمز» على قرار تقليص كادرها (نيويورك تايمز)
TT

«نيويورك تايمز» تقلص كادرها... ورئيس تحريرها يرد على تساؤلات القراء

جانب من احتجاج صحافيي «نيويورك تايمز» على قرار تقليص كادرها (نيويورك تايمز)
جانب من احتجاج صحافيي «نيويورك تايمز» على قرار تقليص كادرها (نيويورك تايمز)

قوبل إعلان صحيفة «نيويورك تايمز» حول تقليص كادرها، والاستغناء عن بعض الموظفين أكثرهم من قسم التصويب والمراجعة، باحتجاجات، ليس فقط من داخل القسم، بل من بقية الأقسام، لأن الصحافيين اشتكوا بأن عدم تصويب ومراجعة ما يكتبون سيتسبب في نشر أخبار صياغتها رديئة، ولغتها ركيكة، ومعلوماتها غير صحيحة.
ليست «نيويورك تايمز» هي أول صحيفة أميركية كبيرة تواجه انخفاض مبيعات وإعلانات طبعتها الورقية، لكن، لأنها «ذا غري ليدي» (أي السيدة المخضرمة) وسط صحف أميركا، وربما وسط صحف العالم.
إذ قبل سنوات قليلة، أجرت مجلة «كولومبيا جورناليزم ريفيو» (تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولومبيا، في نيويورك) استطلاعا وسط عدد كبير من الصحافيين الأميركيين، أوضح أن «نيويورك تايمز» هي «الأفضل» وسط كل صحف أميركا. تصدرت «واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال» و«يو إس إيه توداي».
حتى استطلاع أجرته صحيفة «واشنطن بوست» نفسها أوضح ذلك. وأشار إلى أن «نيويورك تايمز» هي الأولى في عدة مجالات: أولا: عدد جوائز «بوليتزر» التي نالتها. ثانيا: تقسيم صفحاتها الورقية. ثالثا: تقسيم موقعها في الإنترنت. رابعا: المستوى التعليمي لصحافييها. خامسا: التوزيع.
بل أعلن تلفزيون «دبليو إن واي سى»: «لا شك أن (نيويورك تايمز) هي أحسن صحيفة في كل العالم، وفي تاريخ العالم».
لهذا، كان خبر تقليص الكوادر في «نيويورك تايمز» من أهم أخبار الوسط الإعلامي الأسبوع الماضي.
من المفارقات أن الصحيفة أعلنت أنها تواجه «ضائقة مالية»، وهي سبب فصل الصحافيين، بينما قال هذا التقرير إن العام الماضي، «بسبب زيادة التوزيع خلال الحملة الانتخابية»، شهد ارتفاعا كبيرا في عدد القراء. لكن، كان أكثر الارتفاع في قراء طبعة الإنترنت. زادوا مليون قارئ تقريبا (أكبر زيادة في تاريخ الصحيفة). ولهذا، زاد دخل الصحيفة من التوزيع بنسبة 11 في المائة. (لكن، مرة أخرى، أكثر الزيادة في توزيع طبعة الإنترنت).
كلمة «مفارقات» جاءت في بيان أصدره، في الأسبوع الماضي، صحافيو الجريدة (ليس فقط صحافيو قسم التصويب والمراجعة). بل خرجوا في وقفة احتجاجية، هي الأولى من نوعها. لم تكن مظاهرة كبيرة، خرجوا من باب، وعادوا من باب آخر في «تايمز سكوير» على مقربة من مقر الجريدة.
وفي بيان على موقعها الإلكتروني الأسبوع الماضي نشرت الـ«نيويورك تايمز» مخاطبة قراءها: «غرفة الأخبار تشهد تغيرات جذرية على صعيد آلية التحرير بما فيها تقليص عدد المدققين، الأمر الذي قوبل بالاعتراضات». وأضاف: «رئيس تحرير الصحيفة دين باكويت سيجيب على جميع تساؤلات القراء في ضوء تلك التغييرات الطارئة على المطبوعة والرجاء إرسالها لبريده الإلكتروني».

* أسئلة من «الشرق الأوسط»

* بدورها، أرسلت «الشرق الأوسط» أسئلة إلى باكويت عن فصل الموظفين. ورد مكتبه بأنه سيجيب على الأسئلة مع أسئلة أخرى، من صحافيين آخرين، وقراء. ويوم الجمعة الماضي، وصلنا الرد على بعض الأسئلة. وهذه مقتطفات منها:
> ألا تقلق بأن قرار الفصل سيؤثر على مصداقية الصحيفة؟
- لم نقل إننا سنوقف مراجعة الأخبار من ناحية اللغة والحقائق. لكن، قلنا إن العمل الصحافي تغير. لم يعد كل خبر مكتوبا. صارت هناك أخبار مصورة، وأخبار فيديو.
> ألم يكن ممكنا تخفيض الرواتب بدلا عن فصل الصحافيين؟
- ليست المشكلة مالية. المشكلة هي تغيير في طبيعة العمل. ربما، في نهاية المطاف، سنعين صحافيين أكثر. لكن، سنفعل ذلك لأن طبيعة العمل تغيرت.
> ألا تشعر بالأسى وأنت تفعل ذلك بصحافييك؟
- لم يكن القرار سهلا بالنسبة لي، ولا بالنسبة لبقية الصحافيين.
> بعد فصل الذين يشرفون على تدقيق الأخطاء، هل ممكن الشعور بالندم إذا نشرتم أغلاطا؟
- هدفنا، طبعا، هو ألا تكون هناك أي أخطاء. وسيكون هناك محررون جدد لمراجعة اللغة والحقائق.
> هل يعنى هذا أن «نيويورك تايمز» الورقية صارت أيامها معدودة؟
- لا. ستكون الطبعة الورقية أفضل. ستكون هناك أقسام لرفع مستوى الصحيفة في مجالات كثيرة. ثم إن «نيويورك تايمز» عمرها طويل، وتغيرت كثيراً، وستظل تتغير. لكنها، ستظل في المقدمة.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.