«تيت غاليري» في لندن يحتفي بالفنانة التركية فخر النساء

الملكة الأم الراحلة حضرت افتتاح معرضها الشخصي بعاصمة الضباب عام 1948

لوحة «أخطبوط تريتون» التي تُظهر تأثرها بالفن الإسلامي
لوحة «أخطبوط تريتون» التي تُظهر تأثرها بالفن الإسلامي
TT

«تيت غاليري» في لندن يحتفي بالفنانة التركية فخر النساء

لوحة «أخطبوط تريتون» التي تُظهر تأثرها بالفن الإسلامي
لوحة «أخطبوط تريتون» التي تُظهر تأثرها بالفن الإسلامي

ليس غريباً أن ينظّم غاليري «تيت مودرن» بلندن معرضاً استعادياً للفنانة التشكيلية التركية فخر النساء زيد (1901 - 1991)، فقد عوّدتنا المنابر الثقافية والفنية البريطانية على إيقاعها الكوني العابر للقارات والبلدان والقوميات والأديان، فكل التجارب الإبداعية يمكن أن تجد طريقها إلى الصالات المُبهرة إذا ما توفرت على اشتراطاتها الفنية التي تؤهلها لأن تُعلّق على جدران هذا الصرح الثقافي الذي يغذّي ذائقة محبّي الفنون البصرية كالرسم، والنحت، والتصوير، والسيراميك، و«الفيديو آرت» والأعمال التركيبية وما إلى ذلك.
يضم المعرض أكثر من سبعين عملاً فنياً تجمع بين الرسم والأعمال النحتية، إضافة إلى بعض التخطيطات والرسوم الأولية، وكتالوغات المعارض السابقة. وهذا العدد هو أقل بكثير من بقية المعارض الاستعادية التي تضم غالباً أعمالاً فنية يتراوح عددها بين 150 إلى 200 عمل فني، ويبدو أن اللجنة المُنظمة لهذا المعرض لم تستطع الحصول إلاّ على هذا العدد المتاح من الأعمال الفنية التي استعارت بعضها من متاحف ومؤسسات فنية سبق لها أن اقتنت أعمال الفنانة التركية المعروفة فخر النساء زيد.
لا بد من الإشادة بالتنظيم الدقيق لهذا المعرض، وكل المعارض الأخرى التي تُقام في غاليريهات «تيت» الأربعة الموزعة بين لندن ومدن بريطانية أخرى.
قبل أن نتحدث عن بعض الأعمال والمراحل الفنية التي مرّت بها الفنانة فخر النساء، لا بد من الإشارة إلى أنها بدأت الرسم في زمن مبكر جداً، فقد أنجزت في عام 1915 أول بورتريه شخصي لجدتها وهو معروض في الصالة الثانية ويكشف عن موهبتها التشخيصية الواضحة وهي لم تجتز عامها الرابع عشر. وجدير بالذكر أنها أول امرأة تركية تدرس الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة للنساء بإسطنبول عام 1919، ومردّ ذلك أنها كانت تنتمي إلى عائلة أرستقراطية متفتحة فعمّها جواد باشا كان الصدر الأعظم في الإمبراطورية العثمانية لأكثر من دورة. كما أن زوجها الأول، الروائي التركي عزت مليح ديفريم، قد أتاح لها في زيارتها الأولى إلى اليونان أن تتعرف على تقاليد الفن الأوروبي، بينما وفَّر لها زوجها الثاني الأمير زيد بن الحسين فرص العيش في كثير من العواصم العربية والأوروبية التي وسعّت من إلمامها بمدارس الفن التشكيلي، وتقنياته، وتياراته الحديثة.
تعتبر الصالة الأولى في هذا المعرض بمثابة التذكير بأبرز المدن والمحطات الرئيسة في حياة فخر النساء مثل نيويورك، لندن، باريس، برلين، بغداد، إسطنبول، وعمّان التي استقرت فيها نهائياً عام 1976 وأسست معهد فخر النساء للفنون الجميلة لتكرّس سنواتها الأخيرة في تدريس النساء لمادة الفن التشكيلي، هذا الهاجس الإبداعي الذي شغلها طوال ثمانية عقود متتالية.
يصف بعض النقاد تجربة فخر النساء الإبداعية بأنها «فنانة تشخيصية (Figurative) انتقلت إلى التجريد في أربعينات وخمسينات القرن الماضي ثم عادت إلى التشخيص ثانية»، لكن المدقِق في هذه التجربة الغنية والعميقة في آن سيكتشف حجم التأثيرات الشرقية والأوروبية في منجزها الفني، وتنوّع الثيمات التي عالجتها بحساسيّة فنية مُرهَفة، واجتراح بصمة خاصة بمنجزها الفني، خصوصاً الأعمال التجريدية الضخمة التي يصل عرض الواحدة إلى أكثر من خمسة أمتار!
تحتوي الصالة الثانية على سبع لوحات تشخيصية متنوعة الثيمات مثل «الحمّام التركي»، و«ثلاث طرق للعيش»، و«بورتريه» بات مشهوراً للفنانة نفسها، وهي تحدِّق بنظراتها الجانبية إلى المتلقين. قد تبدو هذه الموضوعات مألوفة لكنها لا تخلو من بعض الإبهام والعمق الرمزي الذي يُذكِّرنا بأعمال الفنانَين يان بروخل وبيتر بروخل الأكبر.
وتحتضن الصالة الثالثة ست لوحات أبرزها «ببغاء مجرّد» أنجزته عام 1948، أو العام الذي يليه ويبدو فيه الببغاء مرئياً بشكل جزئي، لكن الفنانة هشّمت صورته إلى أجزاء متناثرة ووزّعتها على شكل شظايا ملونة، حددتها باللون الأسود الذي يذكِّرنا بالنوافذ الزجاجية الملونة. ثمة لوحة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها تحمل عنوان «معركة ضد التجريد» التي أنجزتها عام 1947 وفيها تصوِّر الفنانة بفرشاة عنيفة وجوه وقبضات مشدودة بانفعال تصارع الفضاء التجريدي الذي يضيّق عليها الخِناق حتى وإن اختبأ وراء أشكال موزائيكية مشرقة.
ما يلفت النظر أن الملكة الأم (إليزابيث باوز ليون) قد حضرت افتتاح معرضها الشخصي في سانت جورج بلندن عام 1948 ونصحت الفنانة بأن تزور اسكوتلندا لتفيد من سحر الطبيعة وجمالها الخلاب. ثمة لوحات أخر تثير الانتباه في هذه الصالة مثل «نساء بدويات» 1950 التي رسمتها ببغداد بأسلوب سوريالي. ولوحة «أليس في بلاد العجائب» 1952 التي اشتركت بها في معرض يحمل الاسم ذاته بباريس، وهو من أبرز معارض المجموعة السوريالية في الخمسينات.
يمكن القول إن الصالة الرابعة التي تضم سبع لوحات هي عُصارة المعرض وخلاصته من الناحية الفنية، فثمة لوحات كبيرة الحجم منفذة بأسلوب تجريدي خالص لا يحفل بالتشخيص مطلقاً، فالسطح التصويري على سعته يكتظ بأشكال مُبهرة تتناغم فيها باقة كبيرة من الألوان كالأزرق والأحمر والأصفر والأخضر والأرجواني والأبيض. تقول فخر النساء عن منحاها التجريدي: «لم أنوِ أن أصبح رسّامة تجريدية. كنت إنسانة تقليدية في الأشكال والقيم لكن السفر بالطائرة قلب العالم رأساً على عقب حيث أصبحت المدينة كلها طوع يدي، وبات العالم مرئياً من فوق». ونتيجة لهذه الرحلة الجوية التي قامت بها فخر النساء عام 1938 تغيّر مفهومها للفن وباتت ترسم بعين الطائر المحلِّق في علّوٍ شاهق كما في لوحتها المعروفة «ساحة الشمس» 1954 التي شبّهت تكويناتها بالبركان الذي يقذف حِممه وصخوره إلى كل الجهات لحظة اندلاعه. من اللوحات الضخمة التي احتفت بها هذه الصالة هي لوحة «أخطبوط تريتون» 1953 التي تُظهر تأثرها بالموزائيك الإسلامي، وهي للمناسبة ملاحظة بولند أجويد التي انتبه إليها مبكراً وكتب عنها بإسهاب قبل أن يصبح رئيساً للوزراء في الجمهورية التركية!
تكشف نصف لوحات الصالة الخامسة عن تعلّق الفنانة بالطبيعة، وقد رسمت الكهوف البحرية وأعطتها أسماء لاتينية، كما رسمت المدن في لحظات الفرح والبهجة، وهي تحتفل بالألعاب النارية مثل لندن وبرايتون وسواهما من المدن البريطانية والأوروبية التي وطأتها وأحبّت فضاءاتها البيئية والعمرانية.
حينما استقرت فخر النساء في عمّان بعد وفاة زوجها زيد بن الحسين عادت إلى المنحى التشخيصي من جديد، وبدأت برسم البورتريهات لبعض أفراد العائلة ولأصدقائها المقرّبين. وقد ضمّت الصالة السادسة والأخيرة ستة بورتريهات وهي «سهى شومان»، و«خالد شومان»، و«رينيه باروت»، و«روز لاروك غراناف»، و«شارل استين» لكن البورتريه الشخصي للفنانة نفسها هو الأكثر هيمنة على لوحات وأعمال هذه الصالة تحديداً وقد سمته «امرأة ما من الماضي» (1980)، وقالت عن هذا البورتريه الآسر الجمال: «أنا سليلة أربع حضارات، في بورتريهي الشخصي... فاليد فارسية، والثوب بيزنطي، والوجه كريتي، والعيون شرقية، لكنني لم أكن واعية لذلك حينما كنت أرسم».
ثمة أعمال نحتية تحتل جانباً من هذه الصالة وهي عبارة عن عظام دجاج لوّنتها الفنانة وصبّتها في قوالب راتينجية تُذكِّرنا أيضاً بالرسم على النوافذ الزجاجية الملوّنة.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.