شكلت أفريقيا وعلاقتها بالعالم موضوع نقاش أولى ندوات منتدى أصيلة «أفريقيا والعالم: أي عالم لأفريقيا؟»، شارك فيها مجموعة من الباحثين العرب والأفارقة.
وبحث المشاركون، مساء الجمعة، في الندوة، التي تنظم في إطار موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ39، بمكتبة الأمير بندر بن سلطان، التغييرات الجوهرية التي تعيشها القارة الأفريقية في السنوات الأخيرة، ورصدوا طريقها في التحول من قارة للفقر والأوبئة والديكتاتوريات، إلى مدار استقطاب دولي واسع بتجارب تنموية رائدة.
وقال محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، وعمدة المدينة ووزير خارجية المغرب الأسبق، إن الندوة موضوع النقاش فرصة مهمة من أجل إنجاز مقاربة شمولية بأساليب ورؤى مبتكرة لتناول مشكلات وقضايا القارة الأفريقية، وتغيير النظرة التقليدية التي لطالما تعاملت معها على أنها فقط خزان للثروات المادية، مشدداً على أن الوقت قد حان من أجل النظر للقارة من زاوية الثروة اللامادية التي لا تفنى، وحددها في الإنسان الأفريقي الذي تجاهله العالم، لكنه نبه إلى أن الأفارقة واعون جيدا بالوضع الراهن، ومدركون أيضاً لما يزخر به هذا الفضاء الشاسع من قدرات بشرية خلاقة تركت بصمات إيجابية من خلال الإبداع في مجالات الفنون والموسيقى والآداب والعلوم والتكنولوجيا.
من جهة ثانية، أشار بن عيسى إلى أن موسم أصيلة الثقافي كان منذ انطلاقته عام 1978 ولا يزال حريصاً على مواكبة إشكالات القارة الأفريقية في كل مظاهراته، لافتاً إلى أن المملكة المغربية لم تتخلَّ عن النظر إلى أفريقيا، ليس فقط كشريك جغرافي، بل كمصير إنساني واقتصادي موحد وجامع.
من جانبه أشاد نبيل الحمر، مستشار العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بدور منتدى أصيلة كمحطة لجمع أهل الفكر والمعرفة، وتحدث عن علاقته بالمدينة والمنتدى وبعرابه محمد بن عيسى، مشيراً إلى مشروع استنساخ منتدى أصيلة في البحرين قبل سنوات، وقال إنه حقق نجاحاً معرفياً وجسد دور التعاون الإيجابي بين الشرق العربي وأقصى الغرب العربي، وتمنى لو يتم استنساخ التجربة في كل عاصمة عربية من أجل بناء ثقافة عربية جميلة.
أما محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال (الإعلام) المغربي، فتطرق في مداخلته إلى علاقة أفريقيا بالعالم في ظرفية اتساع الهوة بين العوالم، وما يقتضيه ذلك من نباهة في التعاطي مع قضايا التنمية في أفريقيا، انطلاقاً من قناعة وإيمان أبنائها بإمكانية رفع هذا الرهان بقوة الإرادة وعمق الثقة، مشيراً إلى بعض النقاط التي شدد عليها العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطبه ذات البعد الأفريقي، وكذا انخراطه الميداني في دينامية انطلاق مشاريع وشراكات ذات آفاق تنموية ووحدوية على المستوى القاري.
وأضاف الأعرج أن رفع التحديات والرهانات التي سيناقشها منتدى أصيلة لن يكون ممكنا خارج ثالوث الفكر والثقافة والإنسان، مشيرا إلى أن العمق الإنساني هو «فضاء للتعبير عن قوة المشترك ووحدة المصير في هذا الكوكب».
من جهته، تحدث ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، عن أهمية البعد الأفريقي بالنسبة للمغرب، موضحاً أنه يحظى بالأولوية في سياسة المملكة الخارجية، وعلى هذا الأساس تشكل السياسة الخارجية للمملكة في المقام الأول التزاماً قوياً وشخصياً لعاهل اختار إعطاء التوجه الأفريقي للمغرب بعداً جديداً، مشيراً إلى أنه أيضاً ثمرة تفكير عميق لإضفاء روح التضامن والإصرار والإرادة على عمل المغرب «من أجل إقلاع أفريقيا»، ويتعلق الأمر بتغيير جذري للمعايير ومراعاة الموقع الاستثنائي الذي تحظى به أفريقيا.
واعتبر بوريطة أن عام 2017 هو عام الاحتفال بأفريقيا، لأنه تُوِّج بعودة المملكة المغربية إلى بيتها الأفريقي، وكذا بالموافقة المبدئية لرؤساء دول وحكومات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على طلبها لانضمامها لهذا التجمع الإقليمي، الذي يشكل نموذجاً ناجحاً للاندماج الاقتصادي للقارة.
وقال بوريطة إن هاتين الخطوتين تسعيان إلى توطيد التزام المغرب بأفريقيا في علاقاته الثنائية من أجل إعطاء قوة للمساهمة الفاعلة في رؤية أفريقيا من أجل السلم والتنمية، وذلك في إطار الشراكة المنتجة للثروة والمبنية على مبدأ المنفعة المتبادلة في مجالات كثيرة.
أما جون أجيكم كوفور، رئيس جمهورية غانا سابقاً، والرئيس المشارك للمنتدى الأفريقي - العربي - اللاتينو - أميركي، فقد قدم لمحة تاريخية عن الوضعية الاقتصادية للدول الأفريقية قبل وبعد الاستعمار، ورصد في مداخلته المشكلات التي خلفتها الأزمات على التوالي في كل فترة، وهي كلها تحديات، حسب رأيه، لم تكن أفريقيا قادرة على مواجهتها، وراكمت وراءها التخلُّفَات حتى أصبحت عاجزة. ورأى كوفور في رسالة وجهها إلى المنتدى، وتلاها نيابة عنه ممثل خاص، أن أفريقيا تعيش اليوم انتعاشاً اقتصادياً مهمّاً من خلال شراكات التبادل التجاري، والتطور الاقتصادي المطرد، وهي بوادر مشجعة للتنمية، كما تعززت مكانتها كأحد الأطراف الناشطة في المنظومة الاقتصادية العالمية.
ولأن أفريقيا مزيج بين دول تجمعها كثير من الخصائص وتفرقها أخرى، فقد استهل السنغالي أليون سال، المدير التنفيذي لمعهد مستقبل الأفارقة، مداخلته حول الهوية الأفريقية، معتبراً أن أفريقيا ليست كتلة واحدة، بل تجمع عدة أفريقيات، وأوضح أن العنصر الأفريقي «هو مزيج بين العرب والزنوج، وإذا أردنا أن نناقش أفريقيا فلا بد من أن نطرح بعض الأسئلة التي اعتبرها مهمة، أولها: ما إذا كانت أفريقيا جمعاً أم فرداً، ثم ما هي الآلات لقياس الأوضاع من باب النمو الاقتصادي؟»، فالتحسن الجديد في الوضع الاقتصادي، برأيه، ليس أمراً جديداً بل حدث قبل ذلك وعاد للانخفاض لاحقاً.
وبشأن الحكامة، أشار سال إلى أن هناك منظومات سياسية أفريقية تشهد التفتت والانفصال والانطواء على الذاتية والتطرف والاختلاف، ثم تساءل إذا كانت أفريقيا قد استعادت مكانتها التي لم يكن يجب أن تفقدها أم أنها مجرد حمل أسفرت عن إجهاض؟ً
من جهته، أشار إدريس الكراوي، الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي وعضو في مجلس إدارة المجلس الدولي للعمل الاجتماعي، إلى أن منظومة الاقتصاد العالمي في طور إعادة توزيع القوى السياسية، موضحاً أن المغرب من بين الدول الصاعدة في أفريقيا نتيجة للعمل المضني الذي يقوم به، مما دفعه إلى اكتساب مكانته راعياً أول في أفريقيا، ومبرزاً أن أفريقيا باتت تشهد اليوم ثورة جديدة من خلال الصناعات والثروة الطبيعية والذكاء المعرفي والقوة البشرية، وتوقع، في السياق ذاته، أن تصبح أفريقيا من بين الدول العظمى عالمياً من حيث عدد السكان، الذي سيصل إلى 61 في المائة من سكان العالم، بما يزيد عن مليارين وأربعمائة مليون نسمة، وهو ما سيتطلب ضرورة تحسين إدارة الثروات الطبيعية وتحسين العجز في بعض المجالات، وذلك عبر إعادة أنماط التنمية بحيث تكون العملية في أيدي الأفارقة أنفسهم، من دون أن نغفل المشكلات التي تواجهها القارة اليوم، ثم التخطيط على المدى المتوسط واعتماد مبدأ المساءلة، بناء على تفكير مستقل وطرح للواقع دون تشاؤم أو تفاؤل مفرط.
من جهته، تطرَّق موسى سيك، رئيس المركز الأفريقي الاستراتيجي، إلى مشكلة الجوع في أفريقيا، باعتبارها من المشكلات المستعصية في القارة السمراء، ورأى أنه قبل التفكير في أي شيء من أجل أفريقيا يجب التخلص من الجوع لأن الثقافة الغذائية، في رأيه، تعد من أهم الأمور التي يجب تجاوزها ليتمكن الأفارقة من تقديم شيء آخر لأنفسهم وللمجتمع، موضحاً أن أفريقيا يمكنها أن تنتج من الحبوب ما يكفي العالم كله لأنها تملك ثروة بشرية هائلة، وأراضي شاسعة يمكن استغلالها من أجل تحقيق التنمية.
من جانبه، قال يوسف العمراني، المكلف مهمة في الديوان الملكي المغربي، والوزير المنتدب السابق في الخارجية، إن «انخراط أفريقيا في هذه المنظومة مهم، لكن دون أن تمس بمصالحها وخصوصيتها، فالأفارقة أصبحوا مدركين أن المجتمع الدولي عاجز عن حل الأزمات، وعليهم إعادة النظر في الهياكل الدولية»، متسائلاً ما إذا كان يجب على الأفارقة أن يقبلوا التباين في الطرح في التعامل مع الأزمات وضمان اندماجهم في العالم؟
والرد بالنسبة للعمراني واضح؛ فأفريقيا «بحاجة إلى المزيد من التكامل والحكم الرشيد، فهناك أزمات ومشكلات أمنية جدية يجب التعاون من أجل إيجاد حل لها، أما العولمة فلها إيجابياتها، شريطة أن تتم السيطرة عليها حتى لا تهمش أحداً، والرهانات التي لا تتوافق معها تتطلب ردود فعل مشتركة، والعولمة نمط يمكن الاستفادة منه شرط أن تكون التنمية البشرية في صلبه».
أما برونوين بروتن، نائبة مديرة المجلس الأطلسي، فانتقدت موقف الولايات المتحدة في تعاملها مع أفريقيا وتهميشها، والنظر إليها بعين الارتياب بسبب المشكلات التي تعاني منها، وقالت إن أفريقيا نشطة وأميركا يجب ألا تتجاهل هذا الأمر بسبب المشكلات من خلال انطباعات جاهزة.
بيد أن بروتن قالت إنها متفائلة بشأن أفريقيا، حيث تتوقع أن تحقق نمواً حقيقياً في ظرف أربعة عقود، مضيفة أنه يجب على أميركا أن ترى فيها منبع الفرص الجديدة، وليس التركيز على الجوانب السلبية، فأميركا تشيخ، في نظرها، والعكس يحصل في أفريقيا.
منتدى أصيلة يبدأ دورته الـ39 بندوة حول مكانة أفريقيا في العالم
عرب وأفارقة رصدوا ما عانته القارة من تحديات في العقود الماضية... وفرصها المستقبلية
منتدى أصيلة يبدأ دورته الـ39 بندوة حول مكانة أفريقيا في العالم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة