«النقاط الهشة» في سيناء

يستغلها «داعش» في مهاجمة الجيش المصري

TT

«النقاط الهشة» في سيناء

يستغل تنظيم داعش «نقاطا هشة» لمهاجمة الجيش المصري في سيناء. ليست فقط نقاطا جغرافية على الأرض، كما قد يتخيل البعض، ولكنها تشمل كذلك التركيبة القبلية، وإرثا معقدا من علاقة كثير من شباب سيناء بنشاط وزارة الداخلية، حين كانت تطارد تجار المخدرات والسيارات غير المرخصة قبل ثورة 2011، إلى جانب مشكلة الأنفاق، الواصلة من تحت الحدود، بين سيناء وقطاع غزة، وتبادل السلع والأسلحة.
ومنذ ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين، ازدادت وتيرة هجمات المتطرفين ضد قوات الجيش والشرطة، ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح، كان آخرها العملية الإرهابية التي وقعت يوم الجمعة الماضي في منطقة «البرث» قرب الحدود مع غزة. وينظر اللواء محمد قشقوش، الذي شارك طوال سنوات مع الجيش المصري في محاربة الوجود الإسرائيلي، إلى الضفة الشرقية من قناة السويس، وهو يشعر بالمرارة مما آلت إليه أحوال سيناء، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه يوجد كثير من النقاط الهشة التي تسهل لـ«داعش» العمل هنا، لأن «المنطقة في سيناء معقدة جغرافيا واجتماعيا».
لكن أشرف الحفني، منسق «اللجنة الإدارية للحركة الاشتراكية - يناير»، بمصر، والمقيم في سيناء، يشير إلى نقاط أخرى، ويتحدث لـ«الشرق الأوسط» بنغمة يملؤها الإحباط. فقد كان من بين المشاركين في ثورة 2013 لتحقيق أهداف بعينها، إلا أنه يرى أن عدم تحقيق كثير من المطالب التي تخص سيناء أسهم في استمرار أزمة التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم داعش. ومن أبرز النقاط الهشة التي يستغلها المتطرفون، كما يقول الحفني، الذي يشغل أيضا موقع «منسق اللجنة الشعبية لحقوق المواطن»، ابتعاد كثير من أجهزة الدولة عن أهل سيناء وحاجاتهم.
وشارك اللواء قشقوش، الذي يعطي حاليا استشارات لأكاديمية ناصر العسكرية العليا في القاهرة، في الحروب التي خاضتها مصر لتحرير سيناء من الوجود الإسرائيلي، منذ احتلالها عام 1967، وحصل على نوط الشجاعة من الطبقة الأولى لقيادته عمليات ضد الجيش الإسرائيلي في سيناء. ويقول إن المنطقة التي تشهد حاليا عمليات ضد الجيش في سيناء ومنها عملية الجمعة، تعد «مشكلة رئيسية»، وتبلغ مساحتها نحو ألف كيلومتر مربع (أي 50 كيلومترا في 20 كيلومترا).
وتقع هذه المنطقة في محافظة شمال سيناء الأكثر كثافة سكانية من محافظة جنوب سيناء ذات الطابع السياحي. وتضم «شمال سيناء» مدنا تعد ملتهبة منذ سنوات، بسبب نشاط المتطرفين، وهي رفح والشيخ زويد والعريش. ويوضح قشقوش قائلا: «ثلاثة أرباع سكان شمال سيناء يقيمون في هذه المنطقة التي أتحدث عنها (الألف كيلومتر مربع)... هذه كثافة سكانية مرتفعة، في منطقة جبلية، زراعية، وذات أحراش، بالإضافة إلى أنها ملاصقة لساحل البحر المتوسط وللحدود الفلسطينية، مع مشكلة الأنفاق التي نعرفها جميعا... هذه منطقة مثالية لعمل الإرهابيين».
ويقول مصدر من قبائل سيناء التي تشارك في الوقت الرهن في محاربة المتطرفين جنبا إلى جنب قوات الجيش، إن الفترة من عام 2011 إلى منتصف عام 2013، شهدت أكبر نشاط للمتطرفين القادمين من خارج مصر ومن محافظات مصرية، وإن «معظم هؤلاء أقاموا في سيناء واختلطوا بالقبائل وعملوا في تهريب الأسلحة القادمة من ليبيا، والمخدرات عبر الأنفاق، وكانوا يقاومون السلطات الأمنية تحت مزاعم الرغبة في إقامة الشريعة والحكم بالدين».
ويوضح اللواء قشقوش أن «هناك جزءا من الإرهابيين يعيشون اليوم في هذه المنطقة، منذ 4 أو 5 سنوات، وهناك بعضهم تزوج وأصبح لديه نسب ببعض القبائل، بينما كانت هناك قبائل ترفض مثل هذه الزيجات». وتابع قائلا: «أقصد أنه بالإضافة إلى الساتر البيئي، هناك ساتر سكاني، ساهم في إعطاء المتطرفين فرصة للحياة». ويضيف أنه من الصعب على الجهات الأمنية أن تعثر على المتطرف الذي «يعيش معك، (كقبيلة)، ويرتدي نوع ملابسك نفسه، ومظهره هو مظهرك، ويتحدث لغتك... إذا قامت السلطات الأمنية بتفتيش كل شخص وكل سيارة ستتوقف الحياة في سيناء».
ويوجد في مساحة الألف كيلومتر مربع صحراء وجبال ووديان وأحراش ومناطق غابات شجرية. ويصف قشقوش هذه البيئة بأنها «حاضنة ممتازة للإرهابيين». ويتابع موضحا: «لكي تتعامل مع الألف كيلومتر مربع المشار إليها في سيناء، ببطش عسكري قوي، ستكون نسبة الخسارة، فيمن ليس لهم ذنب، كبيرة للغاية. وهنا تكمن المشكلة. أنت الآن تقوم بفرز الأبرياء عن المتطرفين، وهذا ليس أمرا سهلا... تريد استخبارات؛ ليست استخبارات كأجهزة فقط، وإنما تريد معلومات من المكان... والمكان جزء يمكن أن يعطيك معلومات، وجزء ربما لن يعطيك، لأنه لا يريد أن يتعاون، أو أن الطرف الآخر (الإرهابيون) يهدده، ويُرهبه، أو يقتل له أحد أبنائه أو أشياء من هذا القبيل».
ويحمل كثير من أبناء سيناء ذكريات مؤلمة عن مطاردات الشرطة للمشتبه بهم، في آخر سنوات حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، خصوصا بعد أن تمكنت مجاميع متطرفة في بداية الألفية من التعاون مع أطراف من داخل غزة لاستهداف مواقع سياحية في شبه جزيرة سيناء. وجرى في ذلك الوقت احتجاز واستجواب أعداد كبيرة. ويبدو أن هذا الإرث يعد من النقاط الهشة التي ما زالت تبعاتها موجودة حتى اليوم.
من جانبه، يقول الحفني إن التراكمات في سيناء أوجدت كثيرا من النقاط الهشة التي أصبحت تساعد «داعش» على الوجود والتحرك وتنفيذ عملية كبيرة مثل تلك التي جرت يوم الجمعة. وهو يرى أنه كان ينبغي منذ ثورة 30 يونيو الاهتمام بالحياة المدنية والتنمية وسرعة تطوير الخطاب الديني والاستقلال الوطني، فأهل سيناء، كما يقول، يعانون من نقص الخدمات وتأخر التنمية، وعدم الاعتداد بملكية الأرض لواضعي اليد، وربطها بالإنتاج والتوطين، و«كل هذه نقاط خطيرة تؤدي لانتشار (داعش) وأمثاله». وتعد هذه المشكلات مستمرة منذ عقود.
من جانبه، يوضح اللواء قشقوش هذا الأمر بالقول إن «من أسباب تأخر التعاون من عدة قبائل في سيناء مع الدولة، أن الشرطة كانت في السابق هي التي تتعامل مع مشكلات تهريب الأسلحة والمخدرات في سيناء، وكانت دائرة الاشتباه واسعة إلى حد ما، وهذا قد يكون رصيدا غير طيب في التعامل مع أبناء سيناء، حيث إن كثيرا من الشباب الصغير دخل السجن في ذلك الوقت، أي منذ 10 سنوات... وبالتالي مَن كان عمره في العشرينات أصبح في الثلاثينات ومَن كان في الثلاثينات أصبح في الأربعينات».
لكنه يزيد موضحا أنه بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم «فتح صفحة جديدة مع الجميع. وكل المواطنين سواء. ومن لا يثبت أن له علاقة يُفرج عنه، على عكس ما كان عليه الوضع في السابق. وفي الوقت نفسه مطلوب من الدولة اليوم أن تحارب الفقر وأن تزيد من وتيرة التنمية في سيناء».
وقتل الجيش أكثر من 40 من المهاجمين في تفجيرات يوم الجمع الماضي وعثر في مخازن للمتطرفين على أسلحة ومتفجرات. ويقول اللواء قشقوش: «الأسلحة التي عُثر عليها كانت أسلحة نوعية؛ جزء منها غربي الصنع، ومن المحتمل أن يكون قد وصل من تركيا، وجزء شرقي الصنع، ومن المحتمل أن يكون قد وصل من ليبيا أو من غزة»، مشيرا إلى أن «هذا التصعيد من جانب الإرهابيين، في سيناء وبعض المحافظات الأخرى، يعطي مؤشرا بأنه تم بأوامر خارجية وليست محلية»، خصوصا بعد «تمسك الدول العربية الأربع (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) بموقفها من قطر».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).