«الطفلة الحسناء» إحدى سبايا «داعش» تروي هول محنتها

TT

«الطفلة الحسناء» إحدى سبايا «داعش» تروي هول محنتها

«بحثت في كل المدن التي يسيطر عليها تنظيم داعش في سوريا عن شقيقتي الأسيرتين، لكن من دون جدوى»، بهذه الكلمات تحدث عاصي قاسم إبراهيم الإيزيدي، بعدما حررته «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية من قبضة «داعش».
وفي أغسطس (آب) 2014، دخلت عناصر «داعش» قرية تل قصب، التابعة لمحافظة نينوى، جنوب شرقي مدينة سنجار في العراق، مدججين بالسلاح والعتاد؛ اقتحموا حرم القرية، كما يقول عاصي الذي يتابع: «أسروني مع شقيقتي وزوجة أخي وأختها ووالدها في حدود الخامسة عصراً، وقتلوا كل رجال القرية والمسنين والشباب، واقتادوا النساء والأطفال في سيارات كبيرة، وكنا معصوبي العيون بالمئات».
وقتذاك، أخذوهم إلى الرقة، عاصمة «داعش». ويقول عاصي: «حين وصلنا، أدخلونا إلى بيت محافظ الرقة، وبعدها فرقونا حسب أجناسنا وأعمارنا؛ كانت آخر لحظات جمعتني حينها بشقيقتي، ولم أعرف بعدها ما الذي حل بهما».
عاصي، الطفل الإيزيدي الذي لم يكن يتقن إلا الكردية والإنجليزية، خضع كأقرانه ممن أسروا بيد التنظيم لدورات، بما فيها التدريب العسكري لستة أشهر في مناطق شمال سوريا، أتقن خلالها استعمال مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة إلى المتوسطة والثقيلة. وقال: «تم فرزي بصفة مرابط، أي بمعنى حارس للحدود في منطقة حلب. لازمت الحراسة مدة سنة كاملة على الخط الحدودي بين حلب وتركيا؛ هي بضعة أمتار لا غير كانت تفصلنا عن الجنود الأتراك».
وتذكر الذي مر عليه ولا ينسى، بحسب قوله: «مشاهد الرؤوس المقطوعة المعلقة في الرماح، والجثث الملقاة في ساحة المدن السورية المغتصبة من (داعش) لكل من يعصي قوانينه الصارمة». وأضاف أن التنظيم هو «خلية مؤلفة من كل الأجناس»، وأنه في إحدى المرات لاحظ أن «قائداً للتنظيم لا يتجاوز عمر الفتى كان يحكم مئات العناصر».
من جهتها، تقول الناجية عاصمة نحمد، التي دخلت الثالثة عشرة من عمرها، إن «داعش قتل والدها، وأسر والدتها وإخوتها الثلاثة، لكن الأم نجت مع ابنتيها بعد عملية هروب كللت بالنجاح، واستقرت داخل مخيم في مدينة دهوك، في كردستان العراق، لكنها (عاصمة) بقيت هي وأخوها أسيرين بيد التنظيم».
انتقلت «الطفلة الحسناء» إلى الرقة، لتباع أول مرة لتونسي وعراقيين وجزراوي وآخر أردني، بحسب قولها، لتبدأ معها رحلتها المحفوفة بـ«ألوان الظلم والذل، من حبس وضرب وحرمان من الطعام والشراب وسجنها في غرفة انفرادية شهوراً»، وقالت إنها تعرضت لـ«الاغتصاب مرات عدة وهي مقيدة».
استحضرت الحسناء الصغيرة روايات انتهاك «داعش» لإيزيديات «سبايا»، وكيف وفر من بيعهن مصدراً قوياً لإنعاش شرايين اقتصاده. لكن بعض مسلحيه، كما كشفت عاصمة، كانوا يستنكرون بعض ممارسات التنظيم، لا سيما سبي الإيزيديات. وحكت ما سمعته من «سبايا أخريات» من تجارب مريرة، لكنها فرحت حين سمعت بتحرير قريتها تل قصب من إرهاب «داعش» الشهر الماضي.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.