بوتان بؤرة التوتر الجديدة بين الهند والصين

تصاعدت التوترات بين الهند والصين مع اتهام كل طرف للطرف الآخر بالتوغل داخل أراضيه. ويأتي تنامي حدة الخطاب والتوترات على خلفية مواجهة بين الهند والصين في منطقة دوكلام التي تتسم بأهمية استراتيجية، وتقع على الحدود بين كل من الهند، والصين، وبوتان. وفي تطور جديد أرسلت الصين إحدى غواصاتها وعددا من السفن الحربية إلى المحيط الهندي، وبدأت وسائل الإعلام الرسمية الصينية في قرع طبول الحرب بعد شهر من الاحتكاكات والاستفزازات. وكل من الجيشين الهندي والصيني قد أرسل تعزيزات إلى تلك المنطقة من خلال نشر قوات قوامها ثلاثة آلاف جندي.
وقد بدأت التوترات مع بدء إنشاء طريق بري بمحاذاة هضبة مساحتها 269 كيلومترا مربعا في بوتان، بالقرب من الحدود بين البلدان الثلاثة المذكورة، التي تزعم بكين أنها تابعة لها.
رغم عدم إطلاق أي نيران، تعد هذه هي المرة الأولى التي تحشد فيها الهند قوات لحماية مصالح بوتان في تلك الأراضي. وتؤكد الصين أن الجنود الهنود لا شأن لهم، ولا ينبغي لهم التواجد في تلك المنطقة، متهمة الهند بالتصرف نيابة عن بوتان.
وتقول بكين إن القوات الهندية تنتشر على أراض صينية، لكن كلاً من بوتان والهند تقول: إن تلك المنطقة أرض تابعة لبوتان. وأكد سفير الصين في الهند، أن انسحاب القوات الهندية من منطقة متنازع عليها «شرط مسبق» للسلام. والهند التي تحتفظ بتواجد عسكري في بوتان، تقول: إن قواتها اقتربت من وحدة للجيش الصيني توغلت في منطقة دوكلام التابعة لها والواقعة في الهيملايا في 16 يونيو (حزيران) محاولة شق طريق.
وفي مقابلة في ساعة متأخرة الأربعاء، قال سفير الصين: إنه على القوات الهندية «التراجع دون شرط إلى الجانب الهندي».

وقال السفير ليو تشاوهوي لوكالة برس «تراست أوف إنديا» للأنباء: «دار حديث حول هذا الخيار... الأمر يعود لسياسة حكومتكم». وأضاف: «الحكومة الصينية واضحة تماما بأنها تريد تسوية سلمية للوضع القائم، وانسحاب القوات الهندية شرط مسبق لذلك».
ولا يعتزم الجانبان حتى هذه اللحظة، بحسب أحد المصادر، مغادرة مواقعهم. وتم عقد اجتماعات، ومحادثات بين قادة الدولتين، لكن لم تسفر أي منها عن أي نتيجة إيجابية. في إطار الحرب الكلامية هددت الصين بشنّ حرب ضد الهند «لحماية أراضيها».
وصرحت بعض المصادر الدبلوماسية إلى صحيفة «الشرق الأوسط» قائلة: إن المواجهة بين الجانبين قد وُصفت بالفعل بأنها الأطول منذ حرب عام 1962، في ظل تصاعد حدة الحرب الكلامية بين الجانبين.
واعترض وزير الخارجية الصيني على إشارة أرون جايتلي، وزير الدفاع الهندي، إلى أن الهند عام 2017 مختلفة عما كانت عليه عام 1962، وردت الصين قائلة إنها أيضا مختلفة، وسوف تتخذ «كافة الإجراءات اللازمة» لحماية سيادتها على أراضيها.
رد جيتلي على إشارة الصين غير المباشرة إلى حرب 1962 قائلا إن الهند عليها تعلم «دروس التاريخ».

الموقع الاستراتيجي
وتتحكم الصين بدرجة كبيرة في هضبة دوكلام، التي تتنازع عليها كل من الصين وبوتان. وتطور الصين طريق طوله 500 كم من لاسا إلى يادونغ يمر عبر بوتان. ويعزز الطريق الوضع اللوجيستي العسكري للصين في المنطقة؛ لما لهضبة دوكو - لا من أهمية استراتيجية.
كذلك، يمثل هذا الأمر تهديدا للهند؛ نظراً لقرب المنطقة مما يطلق عليه «رقبة الدجاجة»، وهي المنطقة التي تمر بها كل الطرق المؤدية إلى المنطقة الشمالية الشرقية في الهند.
وقد كشفت بعض المصادر عن توجه جنود من بوتان على الحدود إلى الجنود الصينيين لدى رصدهم إياهم، مشيرة إلى أنهم قد أجروا معهم محادثة طويلة لإقناعهم بالانسحاب إلى مواقعهم السابقة.
مع ذلك، نظراً لأن عدد الجنود الصينيين يفوق عدد جنود بوتان، تراجعوا. على الجانب الآخر، تم حشد جنود هنود قادمين من موقع دوكو – لا؛ مما أسفر عن هذا الموقف الذي دخل فيه الطرفان في مواجهة لم تنته حتى هذه اللحظة. وهناك مسافة تفصل الجيش الهندي عن الصيني، لكنها تكفي لإجراء محادثات.

ورقة بوتان
مع ذلك الجانب المهم من التشاحن الحالي هو انخراط بوتان؛ حيث تحاول بكين على مدى سنوات تسوية النزاع على الأرض بين الدولتين في إطار اتفاق شامل متكامل.
ويقول برافين سوامي، خبير عسكري: «تشعر بكين بالغضب الشديد من تدخل الهند نيابة عن بوتان. لقد اتهمت الصين الهند بأن لديها (أهدافا خفية) وراء هذه المواجهة العسكرية الراهنة، في حين أن النزاع على الأرض أمر يخص كلاً من بكين وبوتان».جدير بالذكر، أنه لا توجد أي علاقات دبلوماسية رسمية بين الصين وبوتان، وتتم الاتفاقيات مع بكين عبر السفارة الصينية في الهند. كذلك، تضطلع القوات الهندية، المتمركزة في المنطقة، بدور حيوي في تدريب ومساعدة قوات بوتان، حيث يمثل التعاون بن البلدين في المجال الأمني، والشؤون الخارجية، عنصراً تاريخياً مهماً من العلاقات بين تيمفو ونيودلهي.
بموجب معاهدة الصداقة، التي تم إبرامها عام 2007، تعد الهند بمثابة الحامي والحارس لبوتان. ومن جانبها، سمحت بوتان للمواطنين الهنود بدخول أراضيها بلا أي قيود، على عكس الحال بالنسبة للأميركيين على سبيل المثال. وقالت بوتان، إحدى أصغر دول العالم: إن بناء طريق على أراضيها «انتهاك مباشر» للاتفاقيات مع الصين.
بحسب المعلق السياسي مانوج جوشي، تعد علاقة الهند ببوتان هادئة مقارنة بعلاقتها بدول الجوار الأخرى. ولطالما كانت نيودلهي حريصة على توافق سياستها مع تطلعات وطموحات بوتان. وهناك حالياً تلاقٍ كبير في المصالح فيما يتعلق بالتعامل مع محاولات الصين التوسع باتجاه الجنوب.
وجاء في تقرير أعدته صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية عن الهند تصريح على لسان لو كانغ، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قال فيه: إن منطقة دوكلام تابعة للصين، وإن هذا أمر مثبت بالتاريخ والقانون.
وقد ألقت بوتان بثقلها خلف الهند، حيث أرسلت خطابا إلى المبعوث الصيني، تطلب فيه من بكين إعادة الوضع إلى ما هو عليه في منطقة دوكلام.
وصرح فيتسوب نامغايل، سفير بوتان في الهند، قائلا: «دوكلام أراض متنازع عليها، وهناك اتفاق مكتوب بين بوتان والصين يعرقل التوصل إلى أي تسوية نهائية لمسألة الحدود، وينبغي الحفاظ على السلام، والهدوء، في المنطقة».
كتب المعلق أبينجنان ريج: «في هذا السياق، يشير الوضع الحالي إلى محاولة مزدوجة من جانب بكين. الجانب الأول منها هو تصوير الهند دبلوماسيا (طرفا ثالثا)، ثم الضغط على تيمفو للسماح بعمل السفارة الصينية، وإقامة علاقات دبلوماسية رسمية. أما الجانب الآخر، فهو الرغبة في تغيير الوضع على الأرض لينتهي الأمر بالتوصل إلى تسوية لصالح الصين».

عامل أميركي
على الجانب الآخر، اتهمت الصين الهند بالتخطيط للعبور بقواتها إلى داخل الأراضي الصينية لإثارة إعجاب الولايات المتحدة، وأن دلهي مستعدة لمواجهة النهضة الصينية، بحسب ما كتب الأكاديمي الصيني ليو زونغي في صحيفة «غلوبال تايمز» القومية.
كتب الصحافي الهندي البارز تشاندان ميترا: «بلا شك تشعر بكين بالتوتر للتقارب بين نيودلهي وواشنطن، وتريد أن تبعث رسالة إلى كلتا العاصمتين تعترض على تعزيز علاقة البلدين ببعضهما بعضا. بدأ الهجوم الصيني حين كان مودي في الولايات المتحدة الأميركية».
وجهة نظر صناع السياسة في نيودلهي هي: «إذا استفز تقارب الهند من الولايات المتحدة بشكل واضح في إطار سياسة (احتواء الصين) بكين، فليكن، فنحن لا نهتم». وقد صبّت الصين جامّ غضبها على الهند، وأعادت الحجاج الهنود، ومنعتهم من إتمام زيارتهم إلى التبت. وكان قد تم إنشاء طريق الحج بعد طلب رئيس الوزراء مودي من الرئيس الصيني شي جين بينغ هذا الأمر منذ ثلاثة أعوام. لذا؛ يتم النظر إلى عرقلة الحج باعتباره تصعيداً كبيراً من جانب الصين. وقال المتحدث لو كانغ: إن عرقلة طريق الحج كان «ردا طارئا على الوضع هناك»، مضيفاً أن الجانب الهندي هو المسؤول عن عدم إتمام الرحلة بحسب المواعيد المتفق عليها. أما فيما يتعلق بموعد إعادة فتح طريق الحج، فقال: إن الأمر سوف يعتمد كلياً على موقف الهند، وعما إذا كانت سوف تصحح خطأها في الوقت المناسب أم لا.