أمراض القلب... التثقيف العلاجي هو المفتاح

التطور في معالجة المرضى يهدف إلى الوصول إلى أفضل نتائج ممكنة في تحسين الحالة المرضية للمريض، لتمكين المريض من ممارسة أنشطة حياته اليومية بأقصى طاقة بدنية ونفسية متوفرة لديه... هذا باختصار هو ملخص الجهود الطبية بشقيها العلمي والإكلينيكي الممارسة بشكل يومي في معالجة المرضى.
ولذا فإن هذا التطور في معالجة المرضى هو أشبه بطائر له جناحان، لا يرتفع ويعلو شأنه إلا بعمل هذين الجناحين في الرفرفة القوية المتناسقة، والجناح الأول هو جناح البحوث والدراسات والاكتشافات العلمية الطبية، والجناح الثاني هو جناح الممارسات الإكلينيكية في معالجة المرضى عبر تطبيق أحدث نتائج لتلك البحوث والدراسات والاكتشافات من قبل الأطباء وطاقم التمريض وبقية العاملين في المستشفيات وغيرهم من مرافق تقديم الرعاية الطبية. وكما أن الناس تنشد من الأوساط الطبية تطوراً في الجناح الأول، فإن الأوساط الطبية محتاجة إلى التطور في جناح الممارسات الإكلينيكية لبلوغ أقصى ما يُمكن من الإمكانيات المتوفرة في المستشفيات بأنواعها الثلاثة، البشرية والمادية والتقنية.
وضمن عدد 19 يونيو (حزيران) من مجلة «الدورة الدموية: جودة ومخرجات القلب والأوعية الدموية» Circulation: Cardiovascular Quality and Outcomes، الصادرة عن رابطة القلب الأميركية American Heart Association، نشرت الرابطة «بيانها العلمي» AHA Scientific Statement للمتخصصين في تقديم الرعاية الطبية القلبية حول ملخص نتائج الأدلة العلمية التي توصلت إليها 161 دراسة علمية حول كيفية تعزيز مخرجات ونتائج معالجات مرضى القلب عبر تطوير عمليات تثقيفهم العلاجي، وذلك بغية جعل المريض هو الأساس في الإدارة الذاتية للمعالجة الطبية التي يتلقاها CVD Patient Self -Management.
ويعتبر اليوم «تثقيف المرضى العلاجي» Therapeutic Patient Education أحد المصطلحات الطبية الحديثة الأخذة في الانتشار بين العاملين بالأوساط الطبية، ويختصر بـTPE، وهي مقاربة متعددة الجوانب Multi - Pronged Approach من قبل الطاقم الطبي لتسهيل فهم المريض وعائلته، الحالة القلبية المرضية وخطة معالجتها، كي يسهل عليه تطبيقها وإدراك أهمية الالتزام بها، وأيضاً من أجل فهمه دواعي وفوائد تبنيه سلوكيات صحية يطبقها المريض ذاتياً في نمط ممارسته وعيشه أنشطة الحياة اليومية كي تتحسن نتائج ومخرجات تلقيه الرعاية الطبية على المدى الطويل وتتم الوقاية من حصول المضاعفات والانتكاسات المرضية التي يُمكن منع حصولها لديه.
وقالت الرابطة في مقدمة «بيانها العلمي»: «أمراض القلب والأوعية الدموية هي السبب الرئيسي للوفيات والإعاقات في العالم، وعبء أمراض القلب والأوعية الدموية لا يزال مرتفعاً، مما يُؤكد الحاجة إلى تطوير إدارة معالجة الأمراض القلبية والوعائية باعتبارها أمراضا مزمنة. والتنفيذ الفعّال للإرشادات الحديثة في معالجة أمراض القلب يعتمد بشكل كبير على معرفة المرضى بتلك الأمراض وكيفية معالجتها ومشاركته في تنفيذ خطة المعالجة لحالته القلبية، هذا بالإضافة إلى أن مدة البقاء في المستشفى ومدة لقاء الطبيب في العيادة هي فعلياً أصبحت أقصر من السابق، ما يتطلب من المرضى مزيداً من تحملهم لمسؤولياتهم بالمشاركة في معالجة أنفسهم. وعليه فإن تثقيف المرضى هو مكون أساسي في حزمة تقديم الرعاية الطبية لمرضى القلب».
ومع هذا كله، هناك فجوة في إدراك نتائج استخدام وتطبيق نهج التثقيف العلاجي للمرضى وتأثيرات ذلك على مخرجات ونتائج معالجة المريض، وهذه الفجوة في الأدلة المتعلقة بجدوى التثقيف العلاجي للمرضى تُؤكد الحاجة إلى تفحص الدراسات الطبية لتقديم توصيات حولها من أجل تحسين الإدارة الذاتية للمعالجة من قبل المريض وبمعونة أفراد عائلته، وهو ما تضمنه بالتفصيل هذا البيان العلمي.
وإصدار الرابطة لهذا البيان العلمي، الموجه بالدرجة الأولى للأطباء وبقية عناصر طاقم تقديم الرعاية الطبية القلبية، هو إحدى المحطات المفصلية في تاريخ معالجة الأمراض القلبية، لأنه وضّح أمرين في هذا المضمار، الأول: تلخيص العلاقة الوثيقة بين تسخير الإمكانيات العلمية في فهم أمراض القلب واستنباط وسائل تقنية ودوائية وجراحية متقدمة في معالجتها من جهة، وبين كيفية رفع مستوى مخرجات ونتائج تطبيق تلك الوسائل العلاجية في تحسين صحة مرضى القلب، والثاني ما أشارت إليه الرابطة بوضوح شديد من أن «التثقيف العلاجي للمرضى» هو أحد أهم مفاتيح نجاح الاستفادة من الكم الكبير للتطور العلمي في فهم ومعالجة أمراض القلب.
والواقع أن «التثقيف العلاجي للمريض» لا يُمكن أن يكون «شيئاً واحداً عاماً» يُناسب كل مرضى القلب أو مجموعة منهم، حتى لو كانت مجموعة منهم لديها على سبيل المثال مرض تضيق في الصمام المايترالي، بل هو شيء خاص بكل مريض، ويتضمن فهمه للحالة المرضية التي لديه ووسائل معالجتها على المدى القريب والمتوسط والبعيد، ولذا يتطلب الأمر تقييم الطبيب لمستوى معرفة المريض بالمرض الذي لديه والأمراض المرافقة وخطة المعالجة ومكونات تلك المعالجة كالأدوية والتدخلات العلاجية وأنواع الفحوصات، وما هي المعلومات التي تنقصه، وكيفية العمل على تقريب فهمه لها، ومدى الحاجة إلى مشاركة أفراد من أسرة المريض كي يُساعدوه على قيام المريض في العناية بنفسه. ولذا تُؤكد رابطة القلب الأميركية على ضرورة حصول «شراكة معالجة» فيما بين مقدمي الرعاية الطبية وبين المريض وأفراد أسرته، وذلك للوصول إلى نتائج أفضل في تطبيق عناصر المعالجة الطبية.
وقالت الرابطة في نهاية بيانها العلمي: «وهناك عوامل تُؤثر على التطبيق الفعلي للتثقيف العلاجي للمرضى، مثل عدد ونوعية الممارسين الطبيين ومدى توفر وسائل للتثقيف والتكاليف المادية لذلك وكيفية تقديم هذه النوعية من التثقيف الشخصي لكل مريض وكيفية متابعة ذلك وعوامل أخرى». وهذه العوامل اللوجيستية تتطلب تضمين «التثقيف العلاجي للمرضى» ضمن أولويات مقاربة تقديم الرعاية الطبية لمرضى القلب وجعلها أحد العناصر ضمن مكونات تقديم الرعاية الطبية القلبية باعتبارها ذات جدوى عالية في نجاح المعالجة الطبية لهم ونجاح تخفيف تكاليف معالجتهم ونجاح تقليل انتكاساتهم المرضية على المدى المتوسط والبعيد.