اليمن: اشتداد مواجهات الجوف وتحذير عربي من «مجاعة غير مسبوقة»

أبو الغيط: 7 ملايين شخص يواجهون خطر المجاعة

TT

اليمن: اشتداد مواجهات الجوف وتحذير عربي من «مجاعة غير مسبوقة»

اشتدت المواجهات في جبهات مأرب والجوف، حيث يواصل الجيش الوطني اليمني تقدمه، بإسناد جوي من طيران تحالف دعم الشرعية في اليمن، في ظل حصار يفرضه على الانقلابيين في مديرية صرواح بمأرب؛ آخر معاقلهم في المنطقة. واستعاد الجيش اليمني مواقع جديدة في جبهات الجوف المختلفة، وكبد ميليشيات الحوثي وصالح خسائر بشرية ومادية كبيرة، حسب مصدر عسكري ميداني تحدث إلى «الشرق الأوسط».
وتأتي هذه التطورات في وقت يزداد فيه خطر المجاعة في البلاد جراء الانقلاب. وأكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أن نحو 7 ملايين شخص يواجهون خطر الموت جوعاً، بشكل غير مسبوق عالمياً.
وقالت مصادر عسكرية يمنية لـ«الشرق الأوسط» إن «قوات الجيش الوطني تصدت لهجوم شنته الميليشيات الانقلابية على مواقعها، وكبدتها الخسائر البشرية والمادية، إضافة إلى أسر أحد الانقلابيين، في مواجهات موقع الزرقة، بمديرية المصلوب». كما شهدت جبهة مزوية، شمال مديرية المتون، ووقز والغرفة، بمديرية المصلوب، اشتباكات بين الجيش الوطني والميليشيات الانقلابية، وسط تبادل القصف المدفعي.
وتزامن اندلاع المواجهات العنيفة في الجوف في عدة مواقع مع القصف المدفعي من قبل الجيش الوطني على مواقع الميليشيات الانقلابية، وتصديه لهجمات هذه الأخيرة التي تستميت للتقدم إلى مواقع الجيش الوطني، واستعادة مواقع تم دحرهم منها.
وبالانتقال إلى جبهة تعز، شهدت جبهة الضباب والمعافر، ومحيط التشريفات والقصر الجمهوري، اشتباكات بين الجيش الوطني والميليشيات الانقلابية، إثر استمرار محاولات الميليشيات الانقلابية التقدم إلى مواقع الجيش الوطني.
واشتدت حدة المواجهات في مديرية المعافر، غرب المدينة، وذلك إثر هجوم مباغت شنته الميليشيات الانقلابية على مواقع الجيش في الميهال وجبل الزبد وتبة القناص، في جبهة الكدحة التي تقترب قوات الجيش الوطني من تطهيرها، بعدما سيطرت على غالبية الجبهة، بحسب ما أكده مصدر عسكري في محور تعز.
ورداً على خسائرها، شنت ميليشيات الحوثي وصالح قصفاً عنيفاً على قرى مديرية المعافر، مخلفة خسائر مادية، في حين لم يتسنَ معرفة الخسائر البشرية، إن وجدت. علاوة على قصفها الهستيري على أحياء المدينة، بما فيها حي كلابة، شرق المدينة، وكذلك استهداف المواطنين من قبل قناصة الميليشيات، حيث قتلت أمس مواطناً كان يقود دراجته النارية في حي كلابة، شرقاً، بعد يومين من مقتل طفل في الحي ذاته.
وبحسب مصادر مطلعة في تعز، فقد «نشب خلاف بين عناصر من ميليشيات الحوثي وأتباع صالح الموالي لهم، بجوار جامع المحاريب، الواقع بين منطقة أبعر والصرمين، شرق مديرية صبر، وقتل على أثره قيادي من محافظة ذمار، و3 من مرافقيه، بالإضافة إلى سقوط 6 جرحى آخرين من الطرفين».
في المقابل، شدد قائد محور تعز، اللواء ركن خالد فاضل، أمس، خلال اجتماع ضم قيادات وأركان الألوية العسكرية بالمحافظة، على «ضرورة تدريب وانضباط الأفراد، ورفع الجاهزية القتالية، مثمناً صمود وعزيمة رجال الجيش في مختلف جبهات القتال». كما شدد على «ضرورة استبدال المجندين غير الفاعلين بمجندين فاعلين بالجبهات، ممن لم يتجندوا».
وعلى صعيد الانتهاكات المستمرة من قبل ميليشيات الحوثي وصالح، كشف تقرير صادر عن وحدة الرصد بـ«المركز الإعلامي للمقاومة الشعبية» في محافظة إب، ارتكاب الانقلابيين نحو 95 حالة انتهاك في المحافظة خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، تفاوتت بين قتل واختطاف ونهب واقتحام وسطو مسلح على أملاك خاصة وعامة، وجرائم أخرى.
على صعيد آخر، أكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أن نحو 7 ملايين شخص يواجهون خطر المجاعة في اليمن، الذي يعيش حرباً أهلية طاحنة منذ عدة سنوات، ما يجعل هذا البلد محلاً لأخطر أزمة أمن غذائي في العالم المعاصر.
وأشار أبو الغيط، في كلمة له أمام الاجتماع الأربعين للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) بإيطاليا، أمس، إلى ما أفرزته النزاعات المسلحة من أوضاع لا تختلف كثيراً من حيث خطورتها في كل من سوريا وليبيا والصومال، الأمر الذي يستدعي تضافر الجهود الإقليمية والدولية من أجل حشد المساعدات الضرورية للمتضررين في هذه الدول.
وصرح محمود عفيفي، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، بأن أبا الغيط حرص على أن يشير في كلمته إلى أن هذه المنطقة تعد واحدة من أكثر مناطق العالم تعرضاً لظواهر الجفاف والشح المائي، وتراجع الأمن الغذائي، وهي ظواهر تصاعدت حدتها واتسعت دائرتها منذ عام 2011، بعد اندلاع صراعات في عدد من الدول العربية، بما عمق من أزمات نقص الغذاء وتدهور قطاع الزراعة التي كانت هذه الدول تعانى منها قبل ذلك. وأضاف أن هذا الواقع الراهن يجعل من الضروري أن تتصدر سياسات الإدارة المائية والزراعية الأجندات الوطنية للدول العربية، خصوصاً أن ملفات المياه والزراعة والبيئة والتغير المناخي أصبحت من المسببات الهامة لعدم الاستقرار في المنطقة العربية، وأن الأزمات المرتبطة بها لم تعد تهديداً مستقبلياً بعيداً، وإنما خطر حاضر.
وأضاف المتحدث أن الأمين العام استعرض أيضاً أهم الخطوات التي اتخذت على المستوى العربي للتعامل مع هذه الأزمات والتحديات، ومن بينهما إجازة «استراتيجية الأمن المائي في المنطقة العربية»، وبرنامجها التنفيذي، والبدء في تنفيذ «برنامج الأمن الغذائي العربي الطارئ»، مع تثمينه للتعاون الهام القائم في هذا الإطار بين الجامعة العربية ومنظمة الفاو في مجالي إدارة المياه وتحقيق الأمن الغذائي، وفى ظل تبنى نهج يربط بين مثلث قطاعات الطاقة والمياه والغذاء، من خلال وضع سياسات وبرامج مشتركة تغطي هذه القطاعات معاً.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.