رأس سدر... جنة عشاق التزحلق على مياه البحر الأحمر

يزورها سكان القاهرة للعلاج والمزارات الدينية و{المعجزات}

مزار عيون موسى إحدى المعجزات المذكورة في الكتب السماوية - رأس سدر مركز لرياضات التزحلق على الماء لتميزها بتيارات هوائية - متحف النقطة الحصينة العسكري - رأس سدر شواطيء ساحرة تمنحك الاستجمام
مزار عيون موسى إحدى المعجزات المذكورة في الكتب السماوية - رأس سدر مركز لرياضات التزحلق على الماء لتميزها بتيارات هوائية - متحف النقطة الحصينة العسكري - رأس سدر شواطيء ساحرة تمنحك الاستجمام
TT

رأس سدر... جنة عشاق التزحلق على مياه البحر الأحمر

مزار عيون موسى إحدى المعجزات المذكورة في الكتب السماوية - رأس سدر مركز لرياضات التزحلق على الماء لتميزها بتيارات هوائية - متحف النقطة الحصينة العسكري - رأس سدر شواطيء ساحرة تمنحك الاستجمام
مزار عيون موسى إحدى المعجزات المذكورة في الكتب السماوية - رأس سدر مركز لرياضات التزحلق على الماء لتميزها بتيارات هوائية - متحف النقطة الحصينة العسكري - رأس سدر شواطيء ساحرة تمنحك الاستجمام

تعتبر «رأس سدر» وجهة سياحية يهرب إليها سكان القاهرة من صخب المدينة فهي تبعد عن العاصمة نحو 200 كيلومتر. تقع المدينة الساحرة على خليج السويس، وتحديدا (شرق محافظة السويس). ويمكن الوصول إليها خلال ساعتين بالسيارة عبر نفق الشهيد أحمد حمدي، وهو أول نفق يربط قارتي أفريقيا، وآسيا، فهو يربط شبه جزيرة سيناء بمدينة السويس. يستوعب النفق نحو 20 ألف سيارة يوميا، ويبعد عن القاهرة نحو 130 كيلومترا. كما يمكن الوصل إليها جوا عبر مطار شرم الشيخ أو الغردقة أو مطار مرسى علم، لكن من المتوقع أن يتم الانتهاء من مطار رأس سدر في غضون عامين.
مؤخرا زاد الإقبال على منتجعات وشواطئ رأس سدر رغم؛ كونها وسواحلها معروفة منذ عهد الفراعنة. واشتهرت بكونها وجهة سياحية لرحلات اليوم الواحد للاستماع بالشواطئ، لكن هذه المدينة تنفرد بمزارات متنوعة تجعلها على رأس خريطة السياحة العلاجية والحربية والثقافية وسياحة السفاري أيضا.
تتميز رأس سدر بطقس معتدل طوال العام؛ فهي تصلح مشتى ومصيفا للاستمتاع بالمياه الرائقة ومشاهدة ظاهرة المد والجزر، حيث تتراجع مياه البحر لتزيد مساحة الشاطئ الرملية، ويمكنك السير إلى مسافات لم تكن لتصل إليها بمستوى منسوب مياه البحر الطبيعية. أيضا تتميز شواطئها بأنها ذات ملوحة أقل من باقي شواطئ البحر الأحمر، ولا توجد بها شعاب مرجانية كثيفة.
في كثير من الأحيان ستجد مجموعات من الدلافين تسبح حولك، بينما تحلق من فوقك أسراب من الطيور المهاجرة من أوروبا في سماء رأس سدر، وستجد هواية ممتعة في مراقبة الطيور مع رفقاء منغمسين في تلك الهواية. كما يمكنك الاستمتاع بركوب الخيل على الشاطئ والاستمتاع بمنظر رائع لغروب الشمس.

كيف تقضي وقتك؟

أهم ما يمكنك فعله في رأس سدر الاسترخاء على شاطئ البحر والاستمتاع بنسيم البحر الأحمر العليل، وأشعة الشمس الدافئة، ومشاهده الأفق الأزرق دون حواجز إسمنتية، حيث سترى على الضفة الأخرى منتجعات العين السخنة بينما تلتقط الصور الفوتوغرافية المميزة في ساعات الغروب والشروق؛ لأن أهم ما يميز رأس سدر أنها ليست بصخب أو زحام منتجعات العين السخنة، فهي لعشاق الهدوء والاستجمام.
أما عشاق المغامرات الجريئة، فسوف يجدون لذة ومتعة كبرى في ممارسة الرياضات المائية، حيث تتميز شواطئ رأس سدر بتيارات هوائية قوية وسرعة رياح عالية ومياه مستقرة دون أمواج عالية؛ مما يجعلها مكانا مناسبا لممارسة مختلف أنواع الرياضات المائية، وتتيح الكثير من المنتجعات برأس سدر مراكز متخصصة لمحبي رياضة «كايت سيرفينج» Kite surfing، أو التزحلق على الماء بالطائرات الورقية؛ لذا فيمكنك أن تتعلم تلك الرياضة من خلال مدربين محترفين وبعدها سوف تدمن الإقامة في رأس سدر لممارسة هوايتك أو الدخول في سباقات دورية بين عشاق تلك الرياضة.

مزارات تاريخية

تنفرد رأس سدر بكونها قريبة من عدد من المزارات التي يعود عمرها لآلاف السنين ومزارات تعكس التاريخ الحديث، ولا سيما التاريخ العسكري كونها تقع في جنوب سيناء التي وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي.

عيون موسى

على مقربة من مدينة رأس سدر يمكنك زيارة عيون موسى الشهيرة وعددها 12 عينا، وهي أحد المعجزات التي حدثت في عهد النبي موسى عليه السلام حيث تفجرت له ولقومه من الصخور أثناء فرارهم من بطش فرعون. يزيد عمر هذه العيون على 5 ألاف عام تقريبا، وحاليا هناك 4 عيون فقط هي الباقية بينما طمرت باقي العيون بسبب تراكم الطحالب وعدم الاهتمام بها.
تشتهر هذه العيون بخواص مياهها العلاجية حيث تشفي من الأمراض الروماتيزمية والجلدية؛ لأنها تحتوي على عنصر الكبريت. وتحيط بها أشجار النخيل الباسقة، ويعيش حولها عدد من الأسر البدوية.

متحف «النقطة الحصينة» العسكري

هو مزار يشبع رغبات محبي سياحة الحروب، فهو أحد المواقع الحربية التي استغلتها إسرائيل لضرب مدينة السويس وبورتوفيق في حرب أكتوبر (تشرين الأول)، ويعتبر المتحف شاهدا على معركة من المعارك الباسلة لجيش المصري، واستردت أرض هذا الموقع يوم 9 أكتوبر 1973. في هذا الموقع أيضا ستتعرف إلى قصة صمود الكتيبة 603 من اللواء 130 مشاة برمائيات، الذين صمدوا 134 يوما بلا إمدادات أو مؤن في خنادق ترابية؛ لحماية الموقع وحماية النصر الذي حققوه.
يقع المتحف على بعد نحو 20 كيلومترا من مدينة السويس (شمال شرقي مصر)، على مقربة من موقع عيون موسى التاريخي، الذي سميت النقطة باسمه. وستجده مطلا على الطريق إلى مدينة رأس سدر. يسمح فيه بزيارة السائحين لتفقد الخنادق وغرف القادة الإسرائيليين ومشاهدة معداتهم وأدواتهم الشخصية. وفي أعلى نقطة من الموقع ستشاهد عبر المنظار المعظم، الذي كان قائد الكتيبة الإسرائيلية يستخدمه للمراقبة، منظرا بانورامياً للجزء الشمالي من خليج السويس وهو المدخل الجنوبي لقناة السويس.
ومن أهم مزارات المتحف، مدفع «أبو جاموس» وهو مدفع هاوتزر عيار 155 ملم، وأطلق عليه هذا الاسم أهالي السويس لصوته المخيف الذي يشبه ولشدة تدميره. وهو مدفع فرنسي الصنع وضخم يرتكز على أربع عجلات ويحتاج إلى 8 جنود لتشغيله وكانت منه تطلق القذائف على مدينتي السويس وبور توفيق.
يمكنك تناول المأكولات والمشروبات في مقهى ومطعم سياحي دائري الشكل يتوسطه المنظار المعظم، وبه منفذ لبيع المنتجات البدوية ذات الطراز السيناوي والهدايا التذكارية.

قلعة الجندي

يعود بناء تلك القلعة إلى عهد صلاح الدين الأيوبي وشقيقه الملك العادل، وبدأ البناء فيها عام 1183م وانتهى عام 1187م. تقع على تل «رأس الجندي» الذي يصل ارتفاعه إلى 2150 قدما فوق سطح البحر، ويرتفع نحو 500 قدم فوق السهل المنبسط المتسع حوله من كل الجهات. ويتمتع التل بشكل فريد يمنحه هيئة طبيعية ظاهرة بالعين المجردة من على بعد كيلومترات عدة.
ومبنى القلعة مستطيل الشكل يتجه في اتجاهين شمال شرقي وجنوب غربي وطرفها الجنوبي ينتهي بشكل نصف مسدس الأضلاع، ويتراوح ضلع القلعة ما بين 150 و200 متر طولا، وأوسع عرض لها يبلغ مائة متر. ويبلغ سُمك سور القلعة الخارجي مترين، أما أركانها فقد قويت بدعامات قوية... وقد ضمت القلعة في داخلها غرفا صغيرة لرجال الحامية وشيدت في فنائها مبان عدة لأغراض مختلفة، منها ردهة مسطحة عمقها خمسة أمتار تحت مستوى الأرض، كانت تستخدم مخزنا للمؤن، وكذلك مسجد من دون سقف جداره الشرقي به قبلة عليها كتابة منقوشة للبسملة، وكذلك صهريج مياه منحوت في قلب التل يحتوي على خزان أبعاده 6 - 10 - 5.5 متر، ما زالت جدرانه جيدة، وله فتحتان لإدخال وسحب المياه.

رحلات سفاري وسياحة علاجية

هناك مساحات صحراوية شاسعة تحيط بمدينة رأس سدر، فإذا قررت أن تهرب قليلا إلى الصحراء، فيمكنك التجول بسيارتك حول المدينة، حيث مناظر الطبيعة البكر التي تمزج بين الصحراء والشجيرات الصحراوية. أو يمكنك القيام برحلات سفاري تمتد لثلاثة أيام في الأودية القريبة من رأس سدر، ومنها:

وادي الغرندل

ويقع على بعد 115 كم من نفق الشهيد أحمد حمدي، وهو من أجمل الوديان بمنطقة جنوب سيناء وقد أشار إليه المؤرخ الكبير الراحل جمال حمدان في كتابه الخالد «شخصية مصر» باعتباره أهم وادي في المنطقة. يتميز الوادي بوجود عدد من الواحات والطيور البرية والحيوانات الصحراوية. ويمتد الوادي بطول 75 - 85 كم، ويمتاز بكثافة الغطاء النباتي فيه وينتشر بطول الوادي المياه العذبة الآتية من العيون الطبيعية والمتدفقة طوال أشهر العام ويصلح الوادي لإقامة المنتجعات السياحية البدوية ورحلات السفاري التي تمتد إلى ثلاثة أيام.

حمام فرعون

وهو حمام مياه كبريتية تخرج مياهه من الجبل، ويقال إنه المكان الذي غرق أمامه فرعون موسى. عيون موسى: تقع على بعد 60 كيلومترا جنوب نفق الشهيد أحمد حمدي، ومعروف عنها فوائدها الصحية الكثيرة، حيث تعالج أمراض العظام والروماتيزم والأمراض الجلدية مثل الصدفية وغيرها. وهي تعد الأهم علاجيا بين العيون والآبار والينابيع المصرية لاحتواء مياهه على عناصر الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والسيلكون والأملاح المذابة، فضلا عن الكبريت، وتبلغ درجة حرارة المياه 92 درجة مئوية.

مغارة وادي قنيت

وتعد من أقدم مناطق السياحة الثقافية في سيناء، هنا يمكنك التعرف إلى حضارة المصريين القدماء عبر نقوش تظهر اهتمامهم بالتعدين، وإرسال البعثات إلى تلك المناطق في وادي سدر شرق خليج السويس. ويطلق اسم المغارة على جزء محدود من وادي قنيت، حيث يوجد الجبل الذي توجد فيه عروق الفيروز التي استخرجها المصريون القدماء. وما زالت توجد في هذه المنطقة بقايا أكواخ العمال القدماء فوق أحد المرتفعات، وتم نقل أغلب تلك النقوش إلى المتحف المصري بالقاهرة، وتحطمت أجزاء منها خلال محاولات البحث عن الفيروز في بداية القرن الحالي.

عين رأس سدر

هي أحد مزارات السياحة العلاجية التي تتميز بها رأس سدر، وهي تتوسط الصحراء القاحلة، تخرج المياه الساخنة التي تبلغ درجة حرارة مياهها الكبريتية 200 درجة مئوية، وتندفع من باطن الأرض في حالة فوران، ويتصاعد منها بخار المياه المحمل برائحة الكبريت. وتسير المياه بعد خروجها في قناة حفرتها لنفسها طولها 100 متر، حتى تستقر في منخفض عمقه نحو مترين، ومساحته لا تقل عن 100 متر، ويمثل حمام سباحة طبيعيا درجة حرارته تتدرج من الساخن إلى الدافئ.

كيف تقضي الليالي؟

لن تجد الملل يتسرب إليك، بل ستجد الكثير من الأشياء التي تقضي بها وقتك. فمثلا يمكنك الاستمتاع بحمامات السباحة الكبيرة التي تعج بها المنتجعات والتي يسمح فيها بالسباحة ليلا وهي ميزة لا تجدها في منتجعات الساحل الشمالي أو العين السخنة.
عادة ما ستجد جدول حفلات موسيقية ساهرة تنظمه المنتجعات بشكل دوري لكبار المطربين والمطربات، خصوصا في مواسم الأعياد الإسلامية والمسيحية وأيضا شم النسيم، فضلا عن الحفلات الأسبوعية في فصل الصيف وحفلات سمر يومية تجمعك برواد المكان في أجواء من الألفة والمرح.

أين تقيم؟

هناك عدد كبير من المنتجعات السياحية الممتدة على طول أكثر من 90 كيلومترا تتضمن فيلات وشققا فندقية وشاليهات فاخرة التصميم والتأثيث، والتي تتوافر بها حدائق خلفية لجلسات السمر ليلا، واللهو مع الأطفال لقضاء عطلة مميزة مع العائلة، ويتم استئجارها من مقر إدارة القرية أو المنتجع وتتراوح أسعارها ما بين 500 و1800 جنيه مصري في اليوم (100 دولار) في اليوم، أما إذا كنت تفضل الإقامة في فندق فهناك عدد منها، وهي: «موسى كوست»، و«باراديس» و«سيسيل» و«لاسيندا» و«ريزورا» و«جولدن بيتش»، و«بلو باي» ويتراوح سعر إقامة الفرد في الليلة الواحدة ما بين 30 دولارا و80 دولارا.



جنوب سردينيا القسم الجميل والمهمل في إيطاليا

جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)
جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)
TT

جنوب سردينيا القسم الجميل والمهمل في إيطاليا

جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)
جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)

كان الضجيج نادراً في جنوب سردينيا منذ مدة طويلة، يقول البعض ربما منذ انحدار الحضارة النوراجية من العصر البرونزي في المنطقة. ومع ذلك، في ثاني أكبر جزيرة إيطالية، حيث تفوق الأغنام عدد السكان إلى حد كبير، هناك طاقة جديدة لا لبس فيها في «كالياري»، عاصمة البحر الأبيض المتوسط الصغيرة، والريف المحيط بها.

تشتهر سردينيا بطبيعتها وشواطئها الجميلة (نيويورك تايمز)

يقول المؤرخ المحلي فينتورينو فارغييو، بينما كنا نشاهد احتفال الأزياء الشعبية السنوي في سانت إفيزيو في المدينة: «لقد اعتدنا أن نعدّ أنفسنا ريفيين، معزولين في هذه الجزيرة النائية. لكن سكان سردينيا بدأوا يدركون أن ثقافتنا لها قيمة حقيقية بالنسبة إلينا وللأجانب».

في كالياري، هناك زيادة في الفخر، إلى جانب موجة من التنمية الجديدة، أغلبها يهدف إلى زيادة الأعداد المتزايدة بالفعل من السياح. في حي مارينا الذي يتغيّر بسرعة، وهو معقل سابق لصيادي الأسماك، صار اليوم مزيجاً نابضاً بالحياة من المهاجرين والمقيمين منذ مدة طويلة، سوف يُنشئ متنزه، جرى تصميمه من قبل المهندس المعماري «ستيفانو بويري»، حديقة مورّقة على طول الواجهة البحرية. سوف يوصل خط قطار خفيف المارينا بضواحي كالياري، ويجري إنشاء ميناء جديد، من المتوقع أن يكون عام 2026 لنقل سفن الرحلات البحرية بعيداً، ما يسمح للسفن الشراعية بالرسو (وإنفاق الأموال) في وسط كالياري.

«لاي» من أشهر الأجبان في جنوب سردينيا (نيويورك تايمز)

بالنسبة إلى كالياري والجنوب الذي يمتد على طول ساحل رملي أبيض وبحر أزرق من الشواطئ الخلابة يمكن أن يثبت المد السياحي إما أنه مدمر وإما أنه نعمة للمنطقة التي تعاني من نقص الفرص. منذ عقود مضت، أصبحت «كوستا إزميرالدا» في شمال سردينيا ملعباً ومنتجعاً للأثرياء مثل ميلانو على البحر الأبيض المتوسط التي ترمز إلى كيفية استعمار السياح لمنطقة ما.

جبن محلي الصنع في سردينيا (نيويورك تايمز)

لكن هل يمكن إنشاء صورة أكثر انسجاماً من السفر في الجنوب؟ مع السياحة المفرطة التي أصبحت الآن لعنة عديد من المواقع الإيطالية، زرت المنطقة وسألت السكان المحليين: ما الذي قد يشكّل مستقبلاً أفضل؟

قال سامويلي موسكاس، أحد مؤسسي «سابوريس»، وهو مطعم خلاّب ومقهى في مارينا: «هذه المدينة تتطوّر لتناسب السياح». يتميّز المطعم بمظهر باريسي رائع، ولكنه يقدّم قائمة طعام محلية وزواراً محليين، وهو واحد من كثير من المطاعم الحضرية في كالياري التي تنافس تلك الموجودة في المدن الإيطالية الكبرى. قدّم لي موسكاس الذي بدأ رحلته في «سابوري دي سردينيا»، وهو متجر قريب للأغذية، الذي كان يضم «سابوريس» وجاره القريب «بيبيت»؛ طبقاً من الهليون البري من شمال سردينيا، وأشار إلى أنني كنت الشخص الوحيد غير السرديني في غرفة الطعام. ثم قال: «لقد أنشأنا هذا المكان لمجتمعنا. ونرحّب بالسياح أيضاً، لكننا نريد منهم أن ينغمسوا في ثقافتنا، في مكان خاص بنا».

مقارنة بالمدن الإيطالية الأخرى، قد تبدو المواقع الثقافية في كالياري قليلة بعض الشيء، رغم أن المتحف الأثري يحتوي على مجموعة رائعة من القطع الأثرية النوراجية والفينيقية والرومانية القديمة في سردينيا، بما في ذلك الرماة النوراجيون المنحوتون على الحجر، والمعروفون باسم عمالقة «مونتي براما». وفي أماكن أخرى، هناك مواقع مثل «غياردينو سونورو»، وهو تركيب خارجي من منحوتات حجرية لصنع الموسيقى من قِبل الفنان المحلي «بينوكيو سيولا»، وكاتدرائية الباروك مع قبوها المقوّس المغطى بالبلاط الذي يُصوّر ما يقرب من 200 قديس.

جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)

إنها مدينة يكون الاستمتاع بها بشكل أفضل من خلال التجول. يُعدّ شاطئ «بويتو» الذي يمتد لمسافة أميال مكاناً رائعاً للخروج في كالياري خلال الطقس الدافئ، مع نوادي الشاطئ ومطاعم المأكولات البحرية الكلاسيكية مثل مطعم «ريستورانتي كالاموسكا» على حافة الماء. تتجمع طيور الفلامنغو الوردية، وهي أكثر سكان المدينة تقديراً، بالقرب من مسطحات «مولينتارغيوس» الملحية. يتدفق السياح والسكان المحليون على حد سواء إلى حصن سانت ريمي، أفضل نقطة مراقبة في هذه المدينة ذات التلال المتحدرة. وفي وقت مبكر من المساء، تمتلئ ساحة «غيتانو أورو» بالشباب الذين يتجمعون حول بار «فينيريا فيلانوفا»، ويتوجهون لتناول العشاء في المطاعم الكلاسيكية مثل مطعم «تراتوريا ليليكو»، الذي يرجع تاريخه إلى عام 1938، أو أحد مطاعم الجيل الجديد مثل «ريتروبانكو»، و«وسابوريس».

في الوقت الحالي، لا تزال كالياري تبدو وكأنها مدينة تنتمي إلى سكانها، على عكس فلورنسا أو البندقية أو غيرهما من المدن التي يكتظ بها السياح. قال جوزيبي دي مارتيني، المدير العام لمطعم «ريتروبانكو»: «لكننا نريد زيادة الزوار هنا». وأضاف: «يجب أن تصبح كالياري عاصمة البحر الأبيض المتوسط».

يُعد جبن «لاي» سبباً كافياً لزيارة المنطقة. ففي «سينوس»، ورشته الصغيرة، يتبع تقليداً سردينياً قديماً لصنع الأجبان الطبيعية باستخدام الحليب الطازج من الأغنام التي تملكها عائلته. ويقول: «يُصبح الطعام المصنوع بطريقة واعية وسيلة لنقل الثقافة»، بينما كنا غارقين حتى مرافقنا في الحليب الساخن، ونسكب اللبن الرائب في وعاء نحاسي مسخن بالنار. يمكن للضيوف زيارة المتجر لتذوق أجبانه العتيقة الرائعة أو، كما فعلت، تجربة صناعتها بأنفسهم.

في منطقة «سولسيس» المجاورة، واجهت تفسيراً آخر لـ«سردينيا»، حيث يتم الجمع بين الحرف التقليدية والتصميم المعاصر بلا خجل. «بريتزايدا» هي الاستوديو الإبداعي لكل من «إيفانو أتزوري» و«كاير تشينڨن»، وهما مهاجران من كاليفورنيا وميلانو، يصممان وينتجان الأثاث مع الحرفيين المحليين. هذا الربيع، افتتح الثنائي «لوكسي بيا»، وهي مجموعة من بيوت الضيافة الحجرية المحيطة بها أشجار الزيتون والحقول الخضراء. أعادا بناء المساكن وفقاً للأسلوب التقليدي للمنطقة وملأوها بأسرّة «بريتزايدا» ذات الإطارات الخشبية المنحوتة المذهلة، وطاولات جانبية من الفلين المنحوت، وغير ذلك من القطع المعاصرة المصنوعة يدوياً.

طبيعة جميلة في واحدة من أكبر جزر إيطاليا (نيويورك تايمز)

لاحقاً، استقللت دراجة كهربائية للوصول إلى «تومبي دي جيغانتي»، وهو موقع «نوراجيكي» مع مسارات المشي لمسافات طويلة تطل على التلال المشجرة. تقع شواطئ الأحلام «بورتو بينو»، و«سو بورتو دي سو تريغو»، و«إيس سوليناس» في البحر الأبيض المتوسط على مسافة قصيرة بالسيارة، وكذلك مجتمع الصيد الغني بالتاريخ في جزيرة «سانت أنتيوكو»، المتصلة بالجزيرة الرئيسية عبر جسر بري رفيع.

في أعماق «سولسيس»، وهي منطقة معروفة بأعمال التعدين السابقة، وعلى طول الساحل الجنوبي الغربي، افتُتح «لو ديون بيسيناس» في مايو (أيار)، بوصفه فندقاً فخماً في مستودع سابق للتعدين، وهي محاولة طموحة لتحويل منطقة فارغة الآن من الصناعة إلى وجهة ذات طابع طبيعي. أصبحت الحديقة المحيطة جزءاً من درب المشي «سانتا باربرا»، باتباع المسارات التي كان يسير عليها عمال المناجم ذهاباً وإياباً من العمل. لكن موطن الجذب الحقيقي هو العزلة الرائعة للفندق وشاطئه المواجه للغروب، والمدعوم بشكل كبير ببعض أطول الكثبان الرملية في أوروبا «ربما الجزء الأكثر عزلة من ساحل سردينيا»، كما قالت المالكة «مارسيلا تيتوني»، التي قضت 10 سنوات في تجديد الفندق: «ما أفضل طريقة لإحيائه سوى من خلال الزوار وهذا العمل المفعم بالمحبة؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»