أحمد الجربا: لا عودة في سوريا إلى الاستبداد... والأسد يخرج بعملية سياسية

أكد لـ«الشرق الأوسط» أن التقسيم مستحيل واللامركزية هي الحل واعتبر «حزب الله» خطراً على الدول المجاورة

أحمد الجربا (أ.ب)
عناصر من «قوات النخبة» التابعة لـ «تيار الغد» خلال تدريبات في شرق سوريا («الشرق الأوسط»)
أحمد الجربا (أ.ب) عناصر من «قوات النخبة» التابعة لـ «تيار الغد» خلال تدريبات في شرق سوريا («الشرق الأوسط»)
TT

أحمد الجربا: لا عودة في سوريا إلى الاستبداد... والأسد يخرج بعملية سياسية

أحمد الجربا (أ.ب)
عناصر من «قوات النخبة» التابعة لـ «تيار الغد» خلال تدريبات في شرق سوريا («الشرق الأوسط»)
أحمد الجربا (أ.ب) عناصر من «قوات النخبة» التابعة لـ «تيار الغد» خلال تدريبات في شرق سوريا («الشرق الأوسط»)

أكد رئيس «تيار الغد» السوري المعارض أحمد الجربا، في حديث إلى «الشرق الأوسط» أنه لا عودة في سوريا إلى الاستبداد، لافتاً إلى أن تنفيذ «بيان جنيف» والقرارات الدولية «التي اكتنفها الغموض حول مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد على أرض الواقع، وانطلاق الحل السياسي في سوريا، ستؤدي بطبيعة تطور الأمور إلى مغادرة الأسد السلطة».
وأكد الجربا، أن تقسيم سوريا «مستحيل»، مع قناعة بضرورة اعتماد اللامركزية لسوريا «المستقبل»، لافتاً إلى أن «الأكراد جزء لا يتجزأ من النسيج السوري، ولا بد من إعادة الاعتبار لهم كقومية ثانية في البلاد».
وقال إن هناك «صراعاً إيرانياً مع المحيط والعالم، وأن إيران تحاول السيطرة على الحدود العراقية - السورية، ليسهل لها الوصول إلى الميليشيات التابعة لها في المنطقة العربية»، قائلا إن «(حزب الله) خطر على الدول المجاورة مثله مثل تنظيم القاعدة و(داعش)، وباقي الميليشيات الشيعية في الحال نفسها».
وتساهم «قوات النخبة العربية» التابعة لـ«تيار الغد» ضمن «قوات سوريا الديمقراطية» في معركة تحرير الرقة. وقال الجربا أمس إن «مجلساً مدنياً من أهلنا سيحكم الرقة بعد تحريرها من الإرهاب؛ وذلك ضمن مشروع سوريا الحرية والكرامة والتعدد، حيث إنه الحلم الذي ثار من أجله السوريون».وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» خطياً وهاتفياً أمس:
* معركة الرقة حاسمة و«قوات النخبة» التابعة لـ«تيار الغد» تشارك فيها، لماذا؟ هل الهدف إعطاء شرعية عربية لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية و«قوات سوريا الديمقراطية»؟
- أعلنا منذ تأسيس «قوات النخبة» من فصائل ومقاتلين في «الجيش الحر» أن الهدف الأسمى في المرحلة الحالية هو مواجهة الجماعات الإرهابية. لا يمكن القيام بشيء أو التفاؤل بقيام شيء في سوريا إلا بالتخلص من هذه الآفة الخطرة التي ألحقت الكثير من الأذى بحلمنا وسعينا إلى سوريا حرة كريمة. تنظيم داعش الإرهابي، لم يشكل يوما خطرا على النظام (السوري) كما شكلت من خطر علينا كقوة سياسية ديمقراطية.
أما موضوع مشاركة «قوات النخبة» ومسألة الشرعية لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، لا أعتقد أن هذه المسألة في ذهننا أو في ذهن شركائنا في «قوات سوريا الديمقراطية». لا أعتقد أننا أو أي طرف سوري آخر يملك صكوك الشرعية. وفي كل الأحوال، فإن «قوات النخبة» و«قوات سوريا الديمقراطية» من أبناء سوريا، والاختلاف لا يعني أبدا الخلاف. وما يجمعنا كبير جدا ومهم جدا. أهميته وحجمه بقدر سوريتنا وحلمنا بذلك.
* هل هذا يعني أنكم متفقون على كيفية حكم الرقة بعد تحريرها من «داعش»؟
- الرقة جزء من سوريا ومستقبلها من مستقبل بلادنا كله. هي في الأسر وستتحرر قريباً. لم تكن الرقة خارج المشروع الوطني حتى يكون لها مستقبل خاص بها. هي قلب سوريا وهي قلبنا جميعاً. لن يحكم الرقة، إلا أهلها السوريون الوطنيون الديمقراطيون. وها هم أهل الرقة يبذلون الغالي والرخيص إلى جانب إخوتهم في «قوات النخبة» و«قوات سوريا الديمقراطية» لاستئصال هذا السرطان الخبيث. ولن يكون هناك استئثار أو حكم جائر في الرقة بعد التحرير. لم نذهب هناك بجنود مرتزقة مجلوبين من الخارج، بل ذهبنا لتحريرها بسواعد السوريين الأبطال وأبناء المنطقة نفسها وأبناء القبائل ذاتها. القبائل العربية والعائلات التي دفعت الضريبة الأكبر في تاريخ البشرية لمطالبتها بالحرية والكرامة. نعم سيحكم الرقة مجلس مدني من أهلنا ضمن مشروع سوريا الحرية والكرامة والتعدد، سوريا الحلم الذي ثار من أجله السوريون.
* وهذا مدعوم من التحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة أميركا؟
- نعم نحن جزء من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي تقوده أميركا. وهذه العملية ضمن الرؤية الأممية لمكافحة واحدة من أخطر الآفات التي مرت على تاريخ البشرية. آفة الإرهاب المقنّع بالدين الإسلامي الحنيف زوراً وبهتاناً. بالنسبة إلى الرقة، فإن «اليوم التالي» مثل هذا اليوم وسنبقى جزءاً من المنظومة الدولية وملتزمين بقرارات مؤسساتها الناظمة للعلاقات بين الدول والهيئات.
وسوريا الغد التي نسعى إليها هي سوريا المنخرطة ضمن الجهود الدولية لإحلال السلام ومناهضة كافة المجموعات الخارجة عن الأعراف والقيم الإنسانية. وإذا تضافرت الجهود ستكون هناك فرصة حقيقية لتكون الرقة نموذجاً أو مثالاً يحتذى لسوريا الغد.
* هل بحثت مع الأميركيين أن تذهب شخصياً إلى الرقة بعد التحرير؟
- لا يمكن سؤال صاحب البيت إن كان تحدث مع الصديق أو الحليف حول عودته إلى البيت. طبعا هذه أمور بديهية. لي في الرقة أهل وأحبة. كل عائلة فيها هم أهلي، مثلها مثل كل المدن السورية. ودفعنا في سبيل تحرير الرقة من وحش الإرهاب دماءً عزيزة ودماء شهدائنا الطاهرة. بعض هؤلاء الشهداء، أكلنا معهم في صحن واحد. ليس من السهل أبدا أن تفقد أعزاء لك، افتقدتهم للأبد بعض ترك وراءه أماً أو ثكلى أو زوجة وأطفالا، لصالح هدف أسمى.
نعم سأعود إلى الرقة وسأقف على كل ذرة تراب فيها وهي تروي حكاية أهلها الصابرين المقاومين. نعم التقت أهدافنا مع أهداف التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والمواجهات مستمرة وبشكل عنيف حتى الآن وبإذن الله ستتحرر (الرقة) قريبا وبعدها دير الزور الأبية وستتحرر سوريا كلها والعودة قريبة.
* ماذا عن «معركة البادية»، لماذا أنتم غير مشاركين فيها؟ هل رفض الأميركيون ذلك؟
- لا شيء يمنعنا من التواجد في أي بقعة من أرضنا السورية. هي بلادنا ومن واجبنا أن نكون حاضرين في كل زاوية فيها تتطلب وجودنا ومشاركتنا فيها والدفاع عنها وحمايتها. لا ننتظر إشارة من أحد للذهاب إلى أي بقعة في بلادنا تحتاج وجودنا. ولا توجد قوة تستطيع منع ابن المكان من حضوره إلا الموت، والأرواح في أيدي الله. وقدمنا الشهداء والكثير من الجرحى في أطراف دير الزور وفي معركة تحرير الرقة.
* هل أنتم جزء من القوات الموجودة في معسكر التنف قرب حدود العراق الذي أقامته أميركا؟
- معسكرا التنف والزقف (جزء من) صراعات تتجاوز الساحة السورية إلى تضارب في المصالح الدولية والإقليمية، ونأمل أن تنتهي وتجد لها مخرجاً مناسباً. نسعى لذلك عبر علاقاتنا وحواراتنا مع أصدقائنا.
* تقصد أن هناك صراعا أميركيا- إيرانيا على شرق سوريا؟
- هناك صراع إيراني مع المحيط والعالم في العراق وسوريا ولبنان ودول الخليج العربي وأفريقيا وأميركا اللاتينية. تحاول إيران السيطرة على الحدود العراقية - السورية ليسهل لها الوصول إلى الميليشيات التابعة لها في المنطقة العربية. الغاية هي إيصال السلاح والمقاتلين إلى كافة الدول العربية وإذكاء وإشعال الحروب. دول الإقليم وأميركا تحاول جاهدة وقف هذا المد الخطير وهذه الاندفاعة الهوجاء.
رأينا كيف وصل الإرهاب إلى عواصم أوروبا ومدنها. وتعلم أميركا تمام العلم أن المشروع الإيراني في توسيع دائرة الحرب لتشمل المنطقة كلها يهدد أمنها وأمن العالم. واختبرت أميركا الاندفاعة الإيرانية في العراق ورأت كما رأينا جميعا نتائجها. وأحد نتائج الاندفاعة الإيرانية في العراق كانت ولادة «داعش». و«داعش» ابن شرعي للمنطق الإيراني القائم على السرديات التاريخية الفظة والمغلوطة واللاإنسانية.
نعم هناك صراع، وأعتقد أن إيران المتكبرة والمتعجرفة والمندفعة للحروب والفتن والتي تدفع بالطائفية المقيتة لن تستمر طويلا ودروس التاريخ تبين لنا ذلك.
* إذن، أميركا تريد كسر «الهلال الشيعي» في سوريا؟ هل هذا ممكن عمليا؟
- ليست أميركا وحدها، إنما السوريون ومعهم الأشقاء العرب يقاومون المشروع الإيراني في التمدد والاستيلاء على تاريخنا وأرضنا. إيران تستخدم إخوتنا الشيعة بسرديات تاريخية عفى عنها الزمن في مغامرات ليست في مصلحة أبناء المنطقة عموما والطائفة الشيعية خصوصا مشروع الهلال الشيعي مثل مشروع «داعش». أفقه مسدود ولم ولن يحصد إلا القتل والدمار والتهجير.
* وهل تظن أن جهود إقامة «المنطقة الآمنة» في جنوب سوريا جزء من هذا التصور؟
- جنوب سوريا مثل شرقها وشمالها وغربها. هناك امتداد بشري للسوريين على أطراف الحدود. وهناك أمن عربي وإقليمي مهدد من طرف التنظيمات الإرهابية التي تقاتل النظام وأخرى تقاتل معه. و«حزب الله» خطر على الدول المجاورة مثله مثل تنظيم «القاعدة» و«داعش». وباقي الميليشيات الشيعية بنفس الحال.
نحاول مع أشقائنا العرب وأصدقائنا في الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأميركية للوصول إلى حل يفضي إلى إخلاء المناطق من الميليشيات، وجنوب سوريا هو إحدى أولوياتنا لما له من أهمية، والخشية الكبرى لنا أن يتحول الجنوب السوري إلى مبرر إلى إسرائيل للتدخل (في سوريا). وهنا ستكون الأزمة أكثر تعقيدا، لذا لا بد من حل عاجل وحاسم للمنطقة ومنها جنوب سوريا.
* درعا في الجنوب السوري جزء من مشروع «المنطقة الآمنة» وأيضا جزء من مناطق «خفض التصعيد»، هل تتخوف من تقسيم سوريا؟
- أجزم باستحالة تقسيم سوريا لسبب بديهي وهو أن سوريا لا تقبل القسمة وكذلك السوريون. سوريا الواحدة ووحدة التراب السوري هي الشكل الطبيعي القادر على البقاء. ودون ذلك يعني استمرار الحرب. طبيعة البلاد وطبيعة شعبها وتفاصيل الحياة تقول ذلك. أما مناطق «خفض التصعيد» الذي توصلت إليه الأطراف الدولية والإقليمية في آستانة فهي إحدى المحاولات للتهدئة والدخول في العملية السياسية. رغم مآخذنا على بعض التفاصيل في ذلك الاتفاق ومنها مشاركة إيران في عمليات المراقبة والفصل، فإننا نؤيد بالمجمل أي مسعى لتوقف نزيف الدم السوري.
* ثم الانتقال إلى العملية السياسية؟
- يعلم الجميع أن تعثر العملية السياسية منذ البداية وحتى أجل أتمنى أن لا يطول، هو بسبب الحرب المفروضة على السوريين. لا يمكن التقدم في العملية السياسية وأهلنا مشغولون بتشييع فلذات أكبادهم ومتابعة أخبار القصف والتهجير والتدمير. لا بد من وقف الاقتتال على أرضنا، أولا بالترافق مع إخراج جميع الميليشيات والعناصر الأجنبية والقضاء على التنظيمات المصنفة أنها إرهابية. حينها ستكون العملية السياسية والحوار السوري- السوري إمكاناً لا احتمالاً. أما ما عدا ذلك فهي محاولات ستتعثر كثيرا كما نلاحظ من مسار مفاوضات جنيف المتعثر.
* كنت رئيسا لوفد المعارضة في جنيف العام 2014، هل تعتقد أن الحديث حالياً عن هيئة انتقالية و«بيان جنيف» واقعي؟
- نعم كنت رئيسا لأول وفد من المعارضة السورية لمفاوضات جنيف، وكنت وما زلت أراهن على المفاوضات برعاية دولية كطريق وحيد للحل ووقف الحرب، وإنشاء هيئة انتقالية هو الأساس للانطلاق لسوريا جديدة. لكن مع الأسف أن الذي نراه في مفاوضات جنيف ومنذ أكثر من عام هو استعراض بين المعارضة والنظام.
نعم هيئة الحكم الانتقالي و«بيان جنيف» واقعيان إذا توفرت الوسائل والضمانات الحقيقة لتنفيذهما. ما زلت أراهن على الحل الذي يجترحه السوريون، وأرى «بيان جنيف» يؤدي إلى ذلك وهيئة الحكم الانتقالي هي إحدى الخطوات التي تؤدي للوصول إلى سوريا جديدة.
* أين تضع الأكراد حلفاءك ضمن «سوريا الجديدة»؟
- أولا، إنني لست متشائماً أبداً رغم كل الألم الذي يعترينا بسبب ما يجري منذ أكثر من ست سنوات وما زلت أؤمن بمستقبل سوريا واحدة متعددة حرة ديمقراطية يشارك في بنائها وإدارتها جميع أبنائها باختلاف انتماءاتهم السياسية والعرقية والدينية والطائفية. أؤمن أن سوريا التي أسعى إليها مع أعضاء وكوادر «تيار الغد» و«قوات النخبة» وحلفائنا من القوى السياسية والنخب السورية المستقلة والمؤسسات المدنية ليست شعارات أبدا. وإنما هي الحل الوحيد القابل للحياة ولا يوجد غيره. وأن هذه الحرب لا بد أنها ستنتهي. وسوريا القادمة لا يمكن بحال من الأحوال أن تعود إلى سنوات الاستبداد حيث النظام المركزي هو الآمر والناهي. لذلك يجب أن تكون سوريا الجديدة ذات حكم لا مركزي. سوريا التي نبحث عنها هي سوريا الواحدة القوية بتعددها الغنّاء بعربها وأكرادها وتركمانها وسريانها وكل انتماء وطني فيها.
* والأكراد؟ هناك من يحذر من مشروع انفصالي؟
- الأكراد جزء لا يتجزأ من النسيج السوري ومن التاريخ السوري القديم والحديث ولقد تعرضوا للاضطهاد على مدى عقود. لذلك لا بد من إعادة الاعتبار لهم كقومية ثانية في البلاد. لهم ما لنا وعليهم ما علينا وبهذه الحال لا أعتقد أن ثمة كردياً سورياً يفكر بالانفصال. علاقة سوريا بالكردي كعلاقة القلب بالأوردة والشرايين لا يمكن فصلها.
وعلاقتنا مع الإخوة في الإدارة الذاتية (في سوريا) و«مجلس سوريا الديمقراطية» في حالة شراكة وتطور مستمر، وهي علاقة عمّدت بالدم في مواجهة «داعش» في الرقة وعموم المنطقة الشرقية في سوريا. وهم شركاؤنا في هذه الحرب، وفي الأسابيع القادمة سيكون هناك تعزيز للاتفاقات السابقة بيننا وسيكون لها، بإذن الله، مردود إيجابي لما فيه خير للسوريين عموما وإضافة هامة في طريق الحل السياسي في سوريا.
* لكن هناك مشروعاً لإجراء استفتاء على الاستقلال في إقليم كردستان العراق؟
- أنا شخصيا و«تيار الغد» لنا علاقة استراتيجية مع الرئيس مسعود البارزاني في كردستان العراق والسيد البارزاني له وقفات مضيئة مع السوريين في محنتهم، هناك أكثر من مخيم للسوريين في الإقليم. وفي بداية الثورة السورية كان الثوار في الجزيرة السورية يلجأون إلى حكومة الإقليم من ظلم النظام أو «داعش» بعد ذلك. بالنسبة لنا، هناك علاقة عائلية وقبلية وطيدة مع أسرة السيد البارزاني بدأت في ثلاثينات القرن التاسع عشر.
بالنسبة إلى موضوع الاستفتاء على الاستقلال، هو لا يعني الانفصال، لكنه خطوة في هذا الاتجاه. الإخوة الكرد في العراق عندما تم اتفاق سايكس- بيكو خيروا بين الانضمام إلى تركيا أو إيران أو العراق واختاروا أن يكونوا مع العراق. أي إنهم فضلوا العرب على تركيا وإيران. مساحة إقليم كردستان اليوم هي تعادل 5 مرات من مساحة لبنان أو قطر، إضافة إلى تعداد سكاني لا يقل عن 5 ملايين نسمة. طبعا، نحن بالتأكيد لا نتمنى انفصال الإقليم عن العراق فهو جزء عزيز منه ونتمنى أن تصل الحكومة العراقية وساسة بغداد إلى تفاهم وتوافق مع رئاسة الإقليم.
* هل فوجئت بموقف ماكرون من الأسد؟ كيف تقرأ الموقف الفرنسي الجديد؟
- لم يصدر أي موقف رسمي من الخارجية الفرنسية عن سوريا. هناك توجه فرنسي لطرح مشروع بصدد الحل السياسي في سوريا وحتى الآن ما صدر عنه تسريبات عبر بعض النشطاء السوريين ووسائل التواصل الاجتماعي المتضاربة. ولا أعتقد أنها تقترب من صلب المشروع الفرنسي المرتقب. لنا اتصالاتنا بالأصدقاء الفرنسيين وعلاقتنا مع فرنسا قائمة على الود والاحترام المتبادل، وهي علاقة تاريخية وليست وليدة الظروف الحالية والدول الكبرى ومنها فرنسا تتعامل بالمصالح لا بالعواطف والأهواء.
من الأشياء التي تستدعي التدقيق أن تصريح الرئيس ماكرون جاء تماما بعد زيارة رياض حجاب (المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية المعارضة) ولقائه الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه. ربما جاءت تصريحات ماكرون حول عدم وجود بديل للأسد كرد فعل على ما طرحه حجاب، الذي لم يتوقف يوماً عن الذهاب بعيدا في الشعارات الطنّانة والأوهام ظنا منه أن السياسة صناعة الوهم وليست التحليل والتشخيص للواقع الملموس.
* ما هو موقفك من بقاء الرئيس الأسد؟ هل مستعد للعودة إلى سوريا بوجوده؟
- موقفي واضح من الأسد وبقائه من عدمه، لكن السياسة تعلمنا كل يوم بأنها ليست أحلاماً ورغبات، وإنما هي ممكنات ووقائع متبدلة مثلها مثل الحياة. سوريا ليست الأسد ولم تكن في يوم من الأيام، رغم استماتته في اختصارها لنفسه منذ أن رفع أنصاره شعارهم سيئ الصيت «الأسد أو نحرق البلد». ولقد وفوا بوعدهم، لكن «نيرون مات ولم تمت روما»، كما قال الشاعر الذي أحبه. نحن بقبولنا «بيان جنيف» والقرارات الدولية ذات الصلة والتي اكتنفها الغموض حول مصير الأسد، بالتأكيد أن تنفيذ هذه القرارات على أرض الواقع وانطلاق الحل السياسي في سوريا سيؤدي بطبيعة تطور الأمور إلى مغادرة الأسد للسلطة. لا يمكن وضع العربة أمام الحصان تلك هي طبيعة الأمور، سوريا الديمقراطية التعددية هي مسعانا ونسعى إليها في كل ما نملك من إمكانات. سوريا هذه (التي نسعى إليها)، تتناقض كليا مع «سوريا الأسد». والأسد في رهانه على الحل الأمني في مواجهة انتفاضة شعبية سلمية في بداية الثورة، يتحمل بصفته ومنصبه المسؤولية الكبرى في المقتلة السورية.
* ماذا لمست في لقائك مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو؟ ما هو التصور السياسي لموسكو؟
- روسيا دولة كبرى ولها مصالح كبرى في سوريا. الحل في سوريا يبدأ باتفاق روسي-أميركي. أما تصفية حسابات الكبار على الأرض السورية، يدفع ثمنه السوريون فقط. ونحن في «تيار الغد» في تواصل وتشاور مع القيادة الروسية. ومن هذا المنطلق أستطيع أن أقول نعم. إن الروس يريدون التوصل إلى حل سياسي في سوريا.
التدخل العسكري الروسي في سوريا منع سقوط النظام وسقوط العاصمة دمشق. لكن الروس يعلمون جيدا أن قواعد اللعبة لن تسمح بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. لذا فهم يحاولون الوصول إلى حل سياسي في مساري جنيف وآستانة. لا شك أن هناك تعقيدات كبيرة في المشهد السوري، لكن الوصول إلى حل سياسي ليس بعيد المنال والاتفاق الروسي-الأميركي إن حصل، فهو سيضع قطار الحل على السكة.
* كيف تصف علاقتكم بالسعودية وموقفها من سوريا؟
- علاقتنا بالمملكة العربية السعودية، علاقة الشقيق بالشقيق الأكبر. لم تكن يوماً من الأيام غير ذلك. هذا ما تفرضه الشروط الموضوعية والتاريخية بيننا وبين السعودية. وما يجمعنا هو ما يجمع أفراد العائلة الواحدة.
هذا على الصعيد الجغرافي والاجتماعي، أما على الصعيد السياسي، فالمجال الحيوي وبعدنا التاريخي عربي. ونجد أنفسنا تماما في تلك المنطقة التي ينطلق منها أشقاؤنا في الحلف العربي المتمثل في المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والإمارات العربية المتحدة. انطلقنا منذ تأسيسنا لـ«تيار الغد السوري» من أن الخروج من الاستعصاء السياسي الحاصل في سوريا، لا يمكن أن يتم إلا في العودة إلى مرجعية عربية تمثلها هذه الدول بقياداتها السياسية وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس عبد الفتاح السيسي والشيخ محمد بن زايد ولي عهد الإمارات والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي. وإننا إذ نهنئ ولي العهد السعودي بالثقة الملكية لاختياره لهذا المنصب، نتوقع منه كل الخير على مستوى المملكة العربية السعودية والمنطقة.
* ماذا تريدون من الموقف العربي؟
- إننا نراهن على مشروع وطني سوري يتكئ على التحالف مع محور عربي فاعل وقوي وموضوعي، ولا يسعى إلا لخير سوريا والمنطقة عموما. محور عربي أثبتت التجارب الماضية، أنه من دون ضمانات منه لا يمكن الوصول إلى حل سياسي في بلادنا، إذ هم شركاؤنا في التاريخ والمستقبل.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.