الأمم المتحدة قلقة من «إخلاء قسري» لمدنيين «موالين لداعش» من الموصل

مسلحو التنظيم يتحصنون بين السكّان لإعاقة الحسم النهائي للمعركة

دمار في محيط الجامع النوري الذي فجّره «داعش» في المدينة القديمة في الموصل (أ.ف.ب)
دمار في محيط الجامع النوري الذي فجّره «داعش» في المدينة القديمة في الموصل (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة قلقة من «إخلاء قسري» لمدنيين «موالين لداعش» من الموصل

دمار في محيط الجامع النوري الذي فجّره «داعش» في المدينة القديمة في الموصل (أ.ف.ب)
دمار في محيط الجامع النوري الذي فجّره «داعش» في المدينة القديمة في الموصل (أ.ف.ب)

واصلت القوات العراقية، أمس، تقدمها باتجاه استعادة السيطرة على المدينة القديمة، آخر معاقل «داعش» في الموصل، في حين أعلن مجلس محافظة نينوى، أن الشرطة المحلية هي التي ستمسك الأرض بعد تحرير المدينة بالكامل وإعادة الاستقرار لها. وجاء ذلك في حين أبدت الأمم المتحدة قلقها من تهديدات متصاعدة، خصوصاً بإخلاء قسري لمدنيين من الموصل للاشتباه بعلاقتهم بمسلحي «داعش»، بحسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير من جنيف أمس.
وقال روبر كولفيل، المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان: «مع التحرير التدريجي للموصل من (داعش)، نشهد تنامياً مقلقاً للتهديدات خصوصاً بالإخلاء القسري لمشتبه بكونهم من عناصر (داعش) أو من لديهم أقارب يشتبه في انخراطهم مع (داعش)». وأضاف: «إن مئات من الأسر مهددة بالترحيل القسري، ومثل هذه التطورات مقلقة للغاية».
وتابع: إن المفوضية تلقت معلومات تشير إلى «رسائل ليلية تركت في منازل أسر أو وزّعت في أحياء» تحذّر أناساً بضرورة الرحيل، وإلا فإنه سيتم ترحيلهم عنوة. وقال: إن هذه التهديدات عادة ما ترتبط باتفاقات عشائرية تطالب باستبعاد كل أسرة على صلة بـ«داعش» من بعض المناطق.
وأضاف: إن «الإخلاء القسري غير القانوني والترحيل الإجباري يمكن أن يشكل عقوبة جماعية ويتعارض بوضوح مع الدستور العراقي وحقوق الإنسان والقوانين الإنسانية الدولية».
وتابع: إن الأمم المتحدة تدعو الحكومة العراقية «إلى التحرك لإنهاء عمليات الإخلاء الوشيكة ولكل عقوبة جماعية»، معتبراً أن «عمليات الإخلاء القسرية غير القانونية تشكل أعمالاً انتقامية تسيء للمصالحة الوطنية والتعايش الاجتماعي»
ميدانياً، قال مسؤول إعلام قوات الشرطة الاتحادية العقيد عبد الرحمن الخزعلي، لـ«الشرق الأوسط»: «مساحة المنطقة الخاضعة لسيطرة إرهابيي (داعش) في المدينة القديمة لا تتعدى واحد في المائة (منها)، والقوات الأمنية تواصل التقدم لاستعادة السيطرة عليها والقضاء على ما تبقى من الإرهابيين».
وقالت مصادر أمنية عراقية: إنه ما زال هناك نحو 300 مسلح من «داعش» يخوضون القتال ضد القطعات الأمنية في الموصل القديمة، غالبيتهم من الأجانب والعرب غير العراقيين، حيث تشتد المعارك بين الجانبين من منزل إلى آخر، وتطغى أسلحة القناصة والرشاشات الخفيفة والقنابل اليدوية على المعركة التي تدور وسط كثافة سكانية عالية يستخدمها التنظيم دروعا بشرية؛ لإطالة مدة الحرب وإعاقة تقدم القوات العراقية.
وتفيد إحصاءات رسمية بأنه ما زال هناك نحو 80 ألف مدني داخل المناطق الخاضعة للتنظيم. وقال نازحون موصليون نجحوا خلال الأيام الماضية من الهرب من المدينة: إن الآلاف من المدنيين يعيشون ظروفا معيشية صعبة، في ظل نقص حاد في الغذاء والدواء ومياه الشرب، وقد جمع التنظيم في كل منزل من منازل الموصل القديمة المتلاصقة العشرات من العوائل وأغلق عليها الأبواب، ومنع العوائل من الخروج، بينما تتحصن كل مجموعة من مسلحيه في هذه المنازل بين المدنيين، ويرتدون أحزمة ناسفة لتفجير أنفسهم مع اقتراب القوات العراقية منهم.
من جانبه، قال قائد الشرطة الاتحادية، الفريق رائد شاكر جودت، في بيان أمس: إن الشرطة الاتحادية تضييق الخناق على مسلحي «داعش» في المحور الجنوبي من المدينة القديمة. وأضاف: «استعادت قواتنا السيطرة على محطة وقود الجمهورية في باب لكش وجامع كعب بن مالك في باب جديد، وتواصل التقدم من ثلاثة محاور نحو أهدافها المتبقية».
وذكر ضباط من قوات الشرطة الاتحادية شاركوا في معارك أمس، لـ«الشرق الأوسط»: «حررت قطعاتنا (أمس) كنيسة الساعة وجامع عمر الأسود وجامع الكرار وجنوب السرجخانة وكراج السرجخانة»، وأوضحوا أن قطعات الرد السريع تواصل عملية تطهير المستشفى الجمهوري، ومستشفى البتول ومبنى القاصرين ودار الأيتام، ومبنى الطوارئ، ومبنى طب الأسنان ودار الأطباء في حي الشفاء من جيوب «داعش».
وبحسب إحصاءات قيادة الشرطة الاتحادية، أسفرت المعارك أمس عن مقتل 54 مسلحا من التنظيم، وتدمير 7 عجلات و24 عبوة ناسفة، وتفكيك 15 حزاماً ناسفاً، ومعملاً للتفخيخ، ومركزاً للاتصالات، وعثرت على نفق يحوي 40 صاروخاً. في غضون ذلك، أعلن قائد عمليات «قادمون يا نينوى»، الفريق الركن قوات خاصة عبد الأمير رشيد يارالله، في بيان أمس، أن قوات جهاز مكافحة الإرهاب حررت سوق الشعارين ومنطقة النبي جرجيس ومنطقة عبد خوب في المدينة القديمة، بينما حررت قطعات فرقة المشاة السادسة عشرة من الجيش العراقي حي الفاروق الثانية في المدينة بعد معارك استمرت خلال اليومين الماضيين.
وتخوض القوات العراقية منذ أكثر من ثمانية أشهر معارك تحرير الموصل من مسلحي «داعش»، بإسناد من طائرات التحالف. وستنتظر القوات الأمنية بعد تحرير الموصل عمليات عسكرية أخرى لتحرير قضاء تلعفر وناحيتي العياضية والمحلبية، وأكثر من 500 قرية في غرب المدينة إلى جانب قضاء الحويجة جنوب غربي كركوك، والجانب الأيسر من قضاء الشرقاط.
وقال مسؤول إعلام مجلس محافظة نينوى، عبد الكريم الكيلاني، لـ«الشرق الأوسط»: إن القوات العراقية ستحرر بعد الموصل قضاء تلعفر والقرى والبلدات الأخرى الواقعة غرب الموصل، و«لن تدع شبراً واحداً من أراضي محافظة نينوى بيد مسلحي التنظيم». وأضاف: «مجلس محافظة نينوى والمحافظ الحالي سيديرون المحافظة في مرحلة ما بعد التحرير لحين إجراء انتخابات مجالس المحافظات القادمة»، مبيناً أن الشرطة المحلية في المحافظة هي التي ستمسك الأرض، وتشرف على الملف الأمني في مرحلة ما بعد التحرير وإعادة الاستقرار للمدينة.
وعما إذا كانت الشرطة المحلية قادرة على إدارة الملف الأمني خلال الفترة المقبلة، أوضح الكيلاني: «حالياً ليست قادرة بشكل كامل، لكن ستكون هناك خطوات مستقبلية بعد التحرير، كفتح باب التطوع في صفوف الشرطة وتدريبها»، لافتاً إلى أن إدارة المحافظة تعمل من أجل أن تتسلم الشرطة المحلية الملف الأمني في المحافظة بعد التحرير.
ويتكون مجلس محافظة نينوى من كتل سياسية عدة، هي «تحالف التآخي والتعايش الكردستاني» الذي يتولى رئاسة مجلس المحافظة، و«كتلة النهضة»، التي ينتمي إليها محافظة الموصل الحالي، و«الكتلة المدنية»، إضافة إلى «كوتا» الشبك والمسيحيين والإيزيديين.
ولعل المشكلة الأكبر التي ستواجه الموصل في مرحلة ما بعد التحرير هي وجود خلايا «داعش» النائمة في المدينة التي كثفت أخيراً من تحركاتها وتنفيذ العمليات الانتحارية في الجانب الأيسر من الموصل والأحياء المحررة من أيمنه، إضافة إلى عوائل مسلحي التنظيم الذين يطالب سكان المدينة بطردهم من الموصل وإيوائهم في مخيمات خارج المدينة لـ«إعادة تأهيلهم ودمجهم مرة أخرى في المجتمع». لكن القرار الذي أصدره مجلس قضاء الموصل في يونيو (حزيران) الماضي الذي ينص على نقل عوائل مسلحي التنظيم من داخل الموصل إلى مخيمات في خارجها لم ينفذ بعد، وما زال ينتظر قرار مجلس المحافظة للبدء بتنفيذه.
ويُشدد مسؤول إعلام منظمات المجتمع المدني في محافظة نينوى، مهند الأومري، على تمسك الناشطين المدنيين والشباب الموصلي بطرد عوائل المسلحين من المدينة. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «رغم مطالباتنا بطردهم من المدينة، لكن لم تأخذ الجهات الأمنية والحكومية في المحافظة أي خطوات لتنفيذ مطالبنا، في وقت تنفذ خلايا (داعش) النائمة يومياً الكثير من العمليات الإرهابية في المدينة».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.