موسكو تقترح {هيئة مصالحة سورية} على اجتماع آستانة المقبل

موسكو تقترح {هيئة مصالحة سورية} على اجتماع آستانة المقبل
TT

موسكو تقترح {هيئة مصالحة سورية} على اجتماع آستانة المقبل

موسكو تقترح {هيئة مصالحة سورية} على اجتماع آستانة المقبل

أكدت روسيا أن الدول الضامنة توشك على الانتهاء من إعداد الوثائق الخاصة بمناطق «خفض التصعيد»، وتنوي طرح ملف سياسي جديد على مفاوضات آستانة، في وقت أكد فيه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن الطائرات الأميركية العاملة ضمن التحالف الدولي ملتزمة بالطيران فقط فوق معسكر التنف وشرق نهر الفرات.
وقال شويغو خلال اجتماع مع كبار الضباط في الوزارة إن «روسيا تعمل في الوقت الحالي، بالتعاون مع تركيا وإيران، على إنجاز صياغة الوثائق الخاصة بحدود مناطق خفض التصعيد، ونظام الرقابة وكيفية عمل تلك المناطق»، ليتم طرحها على الأطراف خلال الجولة الخامسة من المشاورات حول الأزمة السورية في آستانة بين الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) بمشاركة ممثلين عن النظام والمعارضة السورية، والأردن والولايات المتحدة بصفة «مراقب».
وكشف شويغو عن اقتراح حول تأسيس هيئة سورية للمصالحة. وقال إنه «من المتوقع أن يجري خلال المفاوضات في آستانة يومي 4 - 5 يوليو (تموز) مناقشة مسائل تشكيل هيئة سورية للمصالحة الوطنية».
ولم يشر الوزير الروسي إلى الجهات التي ستقدم هذا الاقتراح، ما يدفع إلى الاعتقاد بأنه اقتراح روسي آخر.
وكانت روسيا قد أصرت على طرح ملف سياسي منذ الجولة الأولى لمفاوضات آستانة، حين قالت إنها قدمت للأطراف السورية مسودة دستور سوري، وضعه خبراء روس وسوريون. ورفضت المعارضة تسلم ذلك النص من الروس، وقالت إن آستانة مسار معني ببحث المسائل المتعلقة بالوضع الميداني عسكرياً، وإن صياغة الدستور شأن سوري.
ومع اقتراب موعد الجولة الجديدة من آستانة، بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجوانب الرئيسية للتسوية السورية مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، خلال اتصال هاتفي بينهما أمس. وقال الكرملين إن الرئيسين واصلا بحث تلك المسائل آخذين بالاعتبار اللقاء القادم في آستانة، بدعوة من الدول الضامنة.
في شأن آخر تحدث وزير الدفاع الروسي أمس، لأول مرة، عن تقاسم مناطق العمليات في الأجواء السورية بين القوات الأميركية والقوات الروسية. وقال إن «نشاط القوات الجوية التابعة للتحالف الدولي يقتصر حاليا على المناطق المتفق عليها فقط، في التنف جنوب سوريا، وشرقي نهر الفرات»، وأكد أن «الزملاء الأميركيين يتحركون ضمن هذه المنطقة فقط، ولم يتم تسجيل أي انتهاكات»، أي تجاوز من جانب مقاتلات التحالف الدولي لحدود تلك المناطق.
وحذر في الوقت نفسه من أن استفزازات التحالف تؤدي لتوسيع أنشطة الإرهابيين، وأشار إلى أن روسيا قررت في وقت سابق تجميد العمل مع الولايات المتحدة بموجب المذكرة الخاصة بضمان أمن التحليقات في المجال الجوي السوري، على خلفية إسقاط القوات الأميركية مقاتلة تابعة لقوات النظام السوري في منطقة الرصافة بريف الرقة. وخلال عرضه للوضع الميداني في سوريا، أكد شويغو أن قوات النظام السوري تتقدم بوتيرة سريعة في المناطق المتاخمة للحدود مع الأردن، وزعم أن وقف إطلاق النار صامد مع استمرار عملية المصالحة.
وتجري عمليات يطلق عليها الروس «مصالحة» برعاية الضباط في قاعدة حميميم الروسية في سوريا، مثل تلك التي جرت في داريا وحلب وبرزة وحي الوعر، وانتهت بتهجير آلاف المدنيين من بيوتهم. وتنوي وزارة الدفاع الروسية الاستفادة من الخبرة التي تراكمت خلال العملية في سوريا في إعداد مؤسسات وهيئات الإدارة العسكرية، وطالب شويغو كبار ضباط الجيش بتعميم «الخبرة السورية» في إطار بناء الهيئات العسكرية والقوات المسلحة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.