استياء سوريين من إيقاف لاجئين ومداهمات خيامهم

اتهامات بأن عملية الجيش اللبناني للضغط عليهم لعودتهم إلى بلادهم

خيام للاجئين السوريين في عرسال بعد دهمها أمس («الشرق الأوسط»)
خيام للاجئين السوريين في عرسال بعد دهمها أمس («الشرق الأوسط»)
TT

استياء سوريين من إيقاف لاجئين ومداهمات خيامهم

خيام للاجئين السوريين في عرسال بعد دهمها أمس («الشرق الأوسط»)
خيام للاجئين السوريين في عرسال بعد دهمها أمس («الشرق الأوسط»)

أثارت العملية الأمنية التي نفذها الجيش اللبناني في عرسال وما انتشر من صور لموقوفين مرميين على الأرض إضافة إلى تخريب طال خيام اللاجئين، استياء ناشطين لبنانيين وسوريين مطالبين بإجراء تحقيق، فيما اعتبر البعض أن المداهمات جاءت للضغط على النازحين لمغادرة البلدة بعد فشل مفاوضات عودتهم.
ونقلت مواقع تابعة للمعارضة السورية عن ناشطين سوريين قولهم، أن عناصر الجيش قاموا بمداهمة الخيام وتخريبها وتنفيذ حملة اعتقالات عشوائية، بينما طالب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وبناء على الصور التي تم تناقلها بالإفراج عن المعتقلين الذين فاق عددهم الـ300 شخص.
وقال «المرصد»، في بيان له: «عمد الجيش اللبناني فجر الجمعة إلى مداهمة مخيمات لللاجئين السوريين في منطقة عرسال اللبنانية المحاذية للقلمون، وأقدم على اعتقال نحو 400 لاجئ سوري والتنكيل بهم»، مشيراً إلى أن الصور التي وردت إلى المرصد أعادت إلى الأذهان الأفعال المشينة واللا إنسانية، التي قامت بها قوات النظام في منطقة البيضا ببانياس السورية، في شهر أبريل (نيسان) من عام 2011، عندما قامت باعتقال المواطنين وتجميعهم في ساحة البلدة وطرحتهم أرضاً وعمدت إلى توجيه الإهانات إليهم والتنكيل بهم حينها».
وطالب المرصد السلطات اللبنانية بعدم اتخاذ ذريعة «وجود عناصر من مجموعات متطرفة للاستمرار بالتنكيل باللاجئين السوريين والاعتداء عليهم واعتقالهم وزجهم في المعتقلات والسجون، كما محاسبة من قام بدهس الطفلة في مخيمات عرسال، لافتا إلى ورود معلومات عن وجود مزيد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين خلال عملية اقتحام المخيم وتفتيشه واعتقال اللاجئين».
من جهته، قال نبيل الحلبي، مدير «المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان» إن عملية عرسال هدفها إرغام اللاجئين السوريين على القبول بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام السوري وحزب الله بعدما توقفت المفاوضات بين ممثلين عنهم وعن حزب الله»، مضيفاً: «هذه المفاوضات التي تشجعها بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية واكب تنفيذ نتائجها الأولى الجيش اللبناني بعد إعادة قسم قليل منهم إلى بلدة عسّال الورد»، معتبرا أن إخضاع اللاجئين لظروف مهينة وغير آمنة في لبنان والتهويل العام على مخيّمات عرسال بدون تمييز يندرج في هذا السياق».
وكانت مجموعة أخرى من اللاجئين كان يفترض أن تعود من عرسال إلى بلداتها في القلمون، بعد عيد الفطر كدفعة ثانية. وقال رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري، لـ«الشرق الأوسط» إن آخر المعلومات كانت توحي بأن المفاوضات تسير بشكل طبيعي وكان يتم العمل لتحضير عودة الدفعة الثانية بعد نجاح عودة الدفعة الأولى قبل أسبوعين، لكن المفاوض الأساسي «أبو طه العسالي» غادر عرسال ولم يعد ولم نعرف ما هو السبب الذي علّق إجراءات العودة، علما أنه كان قد بدأ تسجيل الأسماء للموافقة عليها من قبل قوات النظام». وأشار مصدر العسكري لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الجيش اللبناني ليس جزءا من المفاوضات التي تحصل لعودة النازحين ومهمتنا لا تعدو كونها تأمين الطريق لهم للوصول إلى الحدود».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.