فرانكفورت تستقطب مصارف عالمية في سباق «خلافة» لندن

التنافس على أشده... لكن «حي المال» لم يقل كلمته الأخيرة بعد

توالت إعلانات نقل وظائف مصرفية من حي المال في لندن إلى فرانكفورت
توالت إعلانات نقل وظائف مصرفية من حي المال في لندن إلى فرانكفورت
TT

فرانكفورت تستقطب مصارف عالمية في سباق «خلافة» لندن

توالت إعلانات نقل وظائف مصرفية من حي المال في لندن إلى فرانكفورت
توالت إعلانات نقل وظائف مصرفية من حي المال في لندن إلى فرانكفورت

بدأت مدينة فرانكفورت الألمانية تسجيل نقاط لمصلحتها في سباق عدد من المدن الأوروبية المتنافسة لاستقبال البنوك العالمية المتمركزة في لندن، والمتوجسة من نتائج مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي بدأت هذا الشهر وتستمر حتى يونيو (حزيران) 2019.
فقد توالت إعلانات نقل وظائف مصرفية من حي المال في لندن إلى فرانكفورت خوفاً من خسارة العاصمة البريطانية لمقومات المركز المالي إذا سارت المفاوضات نحو انفصال حاد، من شأنه أن يمنع المؤسسات المالية من تسويق خدماتها ومنتجاتها في دول الاتحاد الأوروبي باليسر أو السهولة التي تسير بها الأمور حالياً في السوق الأوروبية المشتركة.
وبين الذين أعلنوا مؤخراً نية الانتقال إلى فرانكفورت بنك «ديوا» الياباني، الذي طلب رخصة مزاولة مصرفية في تلك المدينة الألمانية. وكان تسرب أيضا أن بنك «نومورا» الياباني ينوي نقل عشرات الوظائف إلى فرانكفورت. أما بنك «غولدمان ساكس» الأميركي المتواجد في ألمانيا منذ نحو 25 سنة، فقد أعلن زيادة تواجده في فرانكفورت كما في مدن أوروبية أخرى بانتظار جلاء الموقف في الأشهر المقبلة، علماً بأن العاملين في البنك الأميركي في لندن عددهم نحو 6 آلاف مقابل 200 فقط في فرانكفورت حالياً.
وفي مايو (أيار) الماضي أعلن بنك «جي بي مورغان» المتواجد في ألمانيا منذ ثلاثينات القرن الماضي أنه سينقل ما بين 500 إلى 1000 وظيفة من لندن إلى فرانكفورت ودبلن ولوكسمبورغ، إي إلى حيث يوجد للبنك تراخيص عمل قائمة.
وقال مصدر في بنك «كريديه سويس»: «إن فرانكفورت تعزز موقعها وتتقدم في سباق عدد من المدن الأوروبية الطامحة لتكون مركزاً مالياً، فهي تحظى بقبول المصرفيين بالنظر إلى نوعية الحياة فيها التي تناسب عائلات هؤلاء... علماً بأن السباق يضم أيضاً باريس ودبلن وأمستردام ولوكسمبورغ».
وأكد أحد كبار المصرفيين الأجانب في لندن أنه «لا يمكن الانتظار حتى 2019... فالبنوك تلحق الرساميل والممولين أولاً فأول. ولا يمكن الاطمئنان إلى إمكان تجاوز كل التفاصيل المعقدة التي ستطل برأسها تباعا في مفاوضات البريكست. على المصارف أن تكون حاضرة لكل السيناريوهات؛ والتي من بينها فقدان حي المال في لندن موقعه جزئياً؛ لأنه من الصعب أن تفقد لندن مركزها المالي العالمي كلياً مهما كان الأمر».
وأضاف: «كل بنك يرغب في الحؤول دون أي انقطاع في خدمته لعملائه، ولن يترك أي بنك نفسه عرضة لأي مفاجأة على هذا الصعيد».
ويسرد مصرفي ألماني عدداً من نقاط قوة فرانكفورت التي تخولها الفوز في السباق، ومنها مستوى الرواتب والإيجارات التي هي أرخص من لندن وباريس على سبيل المثال لا الحصر، بالإضافة إلى تطور البنية التحتية عموماً والرقمية خصوصاً، والمواصلات التي تجعل من مطار المدينة نقطة ترانزيت ووصل عالمية. ولا يبعد هذا المطار عن قلب المدينة إلا 15 دقيقة فقط.
وفي المدينة أيضاً مقر البنك المركزي الأوروبي وهيئات رقابية مالية أوروبية أخرى، مثل هيئة الرقابة على التأمين. كما أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عبرت بصراحة عن رغبتها في نقل السلطة الرقابية المصرفية الأوروبية من لندن إلى فرانكفورت. وهذه السلطة قامت غداة الأزمة المالية لضمان مستوى مناسب من اللوائح والرقابة التحوطية لحماية النظام المالي والمصرفي الأوروبي. واللافت أن ميركل من النادر أن تصرح بوضوح كهذا في شأن لم تتبلور نتائجه بعد على صعيد مفاوضات «بريكست».
على صعيد متصل، كشف مصدر في منظمة مالية ألمانية تعمل على الترويج لمدينة فرانكفورت عن مفاوضات الآن مع نحو 20 مصرفاً أميركياً وروسياً وآسيوياً لجذبهم إلى مركز فرانكفورت المالي، متوقعاً إعلانات جديدة للانتقال في غضون الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة.
وأضاف: «نعتمد على نقاط قوة كثيرة؛ وليس أقلها شخصية المستشارة ميركل التي تعتبرها الأسواق موثوقة بالنظر إلى مواقفها خلال الأزمة المالية العالمية وأزمة ديون منطقة اليورو. كما أن ميركل من أشد المتحمسين للاتحاد الأوروبي، وصنعت سياساتها لألمانيا صورة إيجابية حول العالم، هي صورة النمو الاقتصادي المزدهر والاستقرار السياسي الموصوف التي تنعم بها ألمانيا حالياً».
وأكد المصدر العامل في تلك المنظمة المالية أن «استقطاب المصارف العالمية الكبرى أمر بالغ الأهمية، فهذه المؤسسات مؤثرة جداً في السياسات الاقتصادية والمالية عالمياً، وهي توفر وظائف ماهرة عالية الجودة لأشخاص موهوبين ومتعلمين جداً يكسبون مالاً وفيراً، وينفقون كثيراً كما يدفعون ضرائب عالية».
وبحسب أرقام متداولة الآن، فإن لندن قد تخسر ما بين 4 آلاف إلى 230 ألف وظيفة مالية ومصرفية، وذلك وفقاً لتطورات مفاوضات «بريكست» الجارية والمستمرة فصولاً لمدة سنتين. وفي السيناريو الأسوأ، سنشهد نزوح مئات آلاف الوظائف من لندن إلى مدن أوروبية أخرى.
في المقابل، شدد مصرفي بريطاني على أن المعركة «غير محسومة بعد»، لأن حي المال في لندن «له مميزات تكرست في مدى 50 سنة ماضية، إذ ليس من السهل على أي مدينة أوروبية أن تحل محل لندن بهذه السهولة. ولدى بريطانيا أوراق لم تكشفها بعد تخولها التفاوض على وضع خاص لمركزها المالي بعد بريكست».
وفي هذا السباق أيضاً، تتعين الإشارة إلى دبلن التي تحاول الفوز بالغنيمة استناداً إلى أنغلوساكسونية يفضلها المصرفيون، واستناداً إلى الضرائب المنخفضة جداً في آيرلندا. أما أمستردام فتتمتع بأفضل «مناخ قانوني»، حيث التشريعات المالية الأسهل والأوضح أوروبياً، ولوكسمبورغ تلعب ورقة المركز المالي القائم على تسهيلات إجرائية وقانونية ومالية خاصة هي أقرب للجنات الضريبية منها إلى الدول العادية.
أما باريس فتحاول أيضاً بكل قوتها، ولذلك يقوم حالياً وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير بزيارة إلى نيويورك للقاء كبار مسؤولي البنوك والمؤسسات المالية الأميركية؛ التي تبقى لها الكلمة الأولى في هذا المجال لأنها الأكبر عالمياً على الإطلاق.
وقال مصرفي فرنسي: «بعد انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً، فإن فرنسا تتمتع الآن بجاذبية جديدة ستحاول الحكومة الفرنسية استغلالها لجدب المصارف العاملة في لندن، لكن لا إعلانات واضحة بهذا الاتجاه الآن إلا ما كشف عنه مصرف إتش أس بي سي لنقل 1000 وظيفة إلى باريس، مقابل إعلانات أكبر كماً ونوعاً حظيت بها فرانكفورت».



نمو الوظائف الأميركية يفوق التوقعات والبطالة تتراجع إلى 4.1 %

شخص يقف بالقرب من نصب واشنطن التذكاري في واشنطن (رويترز)
شخص يقف بالقرب من نصب واشنطن التذكاري في واشنطن (رويترز)
TT

نمو الوظائف الأميركية يفوق التوقعات والبطالة تتراجع إلى 4.1 %

شخص يقف بالقرب من نصب واشنطن التذكاري في واشنطن (رويترز)
شخص يقف بالقرب من نصب واشنطن التذكاري في واشنطن (رويترز)

تسارع نمو الوظائف في الولايات المتحدة بشكل غير متوقع في ديسمبر (كانون الأول)، بينما انخفض معدل البطالة إلى 4.1 في المائة، مما يعكس قوة سوق العمل في نهاية العام ويعزز النهج الحذر الذي يتبعه بنك الاحتياطي الفيدرالي، فيما يتعلق بتخفيض أسعار الفائدة هذا العام.

وقالت وزارة العمل في تقريرها الخاص بالتوظيف، يوم الجمعة، إن الوظائف غير الزراعية زادت بنحو 256 ألف وظيفة في ديسمبر، بعد زيادة بنحو 212 ألف وظيفة في نوفمبر (تشرين الثاني). وكان خبراء اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم قد توقعوا زيادة في الوظائف بنحو 160 ألف وظيفة، بعد إضافة 227 ألف وظيفة في نوفمبر. وتراوحت التوقعات لعدد الوظائف في ديسمبر بين 120 ألفاً و200 ألف.

وعلى الرغم من تباطؤ التوظيف بعد رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأميركي في 2022 و2023، فإن مرونة سوق العمل، التي تعكس في الغالب مستويات تسريح العمال المنخفضة تاريخياً، تستمر في دعم الاقتصاد من خلال تحفيز الإنفاق الاستهلاكي عبر الأجور الأعلى.

ويتوسع الاقتصاد بمعدل أعلى بكثير من وتيرة النمو غير التضخمي التي يبلغ 1.8 في المائة، وهي النسبة التي يعتبرها مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي الحد الأقصى للنمو المستدام. ومع ذلك، تتزايد المخاوف من أن تعهدات الرئيس المنتخب دونالد ترمب بفرض أو زيادة التعريفات الجمركية على الواردات وترحيل ملايين المهاجرين غير المسجلين قد تؤدي إلى عرقلة هذا الزخم.

وتجلى هذا القلق في محضر اجتماع السياسة الأخير لبنك الاحتياطي الفيدرالي في 17 و18 ديسمبر، الذي نُشر يوم الأربعاء؛ حيث أشار معظم المشاركين إلى أنه «يمكن للجنة تبني نهج حذر في النظر» في المزيد من التخفيضات.

وارتفع متوسط الدخل بالساعة بنسبة 0.3 في المائة خلال ديسمبر بعد زيادة بنسبة 0.4 في المائة في نوفمبر، فيما ارتفعت الأجور بنسبة 3.9 في المائة على مدار الـ12 شهراً حتى ديسمبر، مقارنة بزيادة قدرها 4 في المائة في نوفمبر.

ورغم تحسن معنويات الأعمال بعد فوز ترمب بالانتخابات في نوفمبر، وذلك بسبب التوقعات بتخفيضات ضريبية وبيئة تنظيمية أكثر مرونة، لا يتوقع الخبراء الاقتصاديون زيادة كبيرة في التوظيف على المدى القريب، ولم تظهر استطلاعات الأعمال أي مؤشرات على أن الشركات تخطط لزيادة أعداد الموظفين.

وقد انخفض معدل البطالة إلى 4.1 في المائة خلال ديسمبر، من 4.2 في المائة خلال نوفمبر. كما تم مراجعة بيانات مسح الأسر المعدلة موسمياً، التي يُشتق منها معدل البطالة، على مدار السنوات الخمس الماضية.

وقد تم تأكيد تخفيف ظروف سوق العمل من خلال الارتفاع التدريجي في عدد الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بشكل دائم، إلى جانب زيادة مدة البطالة التي وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 3 سنوات تقريباً؛ حيث بلغ متوسط مدة البطالة 10.5 أسبوع في نوفمبر.

ويتماشى هذا مع مسح الوظائف الشاغرة ودوران العمالة، الذي يُظهر أن معدل التوظيف يتراجع إلى المستويات التي كانت سائدة في وقت مبكر من جائحة كوفيد-19.

وفي هذا السياق، خفض الفيدرالي في الشهر الماضي سعر الفائدة القياسي بمقدار ربع نقطة مئوية أخرى إلى نطاق 4.25 في المائة -4.50 في المائة، ليصل إجمالي التخفيضات منذ بدء دورة التيسير في سبتمبر (أيلول) إلى 100 نقطة أساس. لكنه أشار إلى أنه يتوقع خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية مرتين فقط هذا العام مقارنة بالـ4 التي كانت متوقعة في سبتمبر، وذلك في ضوء قدرة الاقتصاد على التحمل واستمرار التضخم المرتفع. وكان البنك قد رفع سعر الفائدة بمقدار 5.25 نقطة مئوية في عامي 2022 و2023.

وفي رد فعل على البيانات، ارتفع الدولار بنسبة 0.5 في المائة مقابل الين ليصل إلى 158.765 ين، في حين انخفض اليورو إلى أدنى مستوياته منذ نوفمبر 2022 مقابل الدولار الأميركي، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 0.6 في المائة ليصل إلى 1.024 دولار.

كما قفزت عوائد سندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها منذ نوفمبر 2023. وارتفعت عوائد سندات الخزانة القياسية لأجل 10 سنوات إلى 4.786 في المائة، بينما قفزت عوائد سندات الـ30 عاماً إلى 5.005 في المائة، مسجلتين أعلى مستوى لهما منذ نوفمبر 2023.