أهالي الرقة في تركيا يطالبون بـ«ممرات آمنة»

عندما سيطر تنظيم داعش على مدينة الرقة وحولها إلى عاصمة افتراضية لدولته المزعومة في شهر يونيو (حزيران) 2014، كانت منى فريج ناشطة معارضة لنظام الحكم في سوريا، تنظم المظاهرات وتشارك مع المئات من زميلاتها بالأنشطة المدنية آنذاك، لكنها بعد أشهر اضطرت للمغادرة خشية من تعرضها للاعتقال على يد مقاتلي التنظيم. اليوم تحول منزل منى في مدينة غازي عنتاب التركية إلى مرسم لكتابة لافتات وقصاصات بعد أن أطلقت هي ومجموعة من الناشطين والناشطات من أبناء الرقة، حملة «أنقذوا مدنيي الرقة» منتصف الشهر الحالي، لتنظيم الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية في الولايات التركية وباقي مدن العالم، مطالبين بتحييد المدنيين عن المعارك المستعرة في الرقة.
نشر النشطاء وسم الحملة عبر صفحاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، ونظموا في 18 من الشهر الحالي اعتصاماً في مدينة غازي عنتاب، شارك فيه قرابة مائة ناشط وناشطة، تتقدمهم منى التي كانت ترفع لافتة كُتب عليها: «فرات الدم: الرقة ودير الزور»، في إشارة إلى الضحايا المدنيين الذين يسقطون يومياً جراء قصف الطيران والمعارك المحتدمة في مسقط رأسها.
منى قالت لـ«الشرق الأوسط» إنّ الحملة بدأت بعد إعلان معركة الرقة، ووصل عدد متابعي هاشتاغ الحملة على موقع «تويتر» إلى 800 ألف متابع، وتابعت قائلة: «مطلبنا تأمين ممرات آمنة لإخراج المدنيين بسلام، ما نود إيصاله للمجتمع الدولي رسالة مفادها بأن أهالي الرقة ليسوا حاضنة اجتماعية لتنظيم داعش، وليسوا دواعش؛ لكنهم جغرافياً ولدوا في هذا المكان».
ويقدر ناشطون سوريون والأمم المتحدة أنّ قرابة 150 ألف شخص ما زالوا محاصرين داخل الأحياء القديمة ومركز المدينة، فيما كان يعيش فيها سابقاً نحو 300 ألف مدني تحت حكم «داعش»، بينهم 80 ألفا كانوا نازحين من مناطق سورية أخرى. إلا أن الآلاف من المدنيين فروا بعد اشتداد المعارك إلى مناطق انتزعتها «قوات سوريا الديمقراطية» من قبضة التنظيم خلال الأيام القليلة الماضية.
يقول صالح، الرجل الخمسيني المنحدر من مدينة الرقة، والذي نزح عنها قبل 3 سنوات قاصداً مدينة شانلي أورفا التركية، إنّ كثيرين من أهله وأقربائه ما زالوا داخل المدينة محاصرين جراء الاشتباكات العسكرية.
صالح فتح محل لبيع الخضراوات لتأمين قوت أسرته، وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قال: «أخواي الاثنان وشقيقتي وأولادهم، لا يزالون محاصرين في الحي القديم الخاضع لسيطرة (داعش)، كل لحظة أشوف هاتفي الجوال فإذا كتبوا لي رسالة مرحبا على خدمة (واتساب)، فهذا يعني أنهم بخير».
وبحسب أرقام مديرية الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية، تأتي ولاية أورفا بالمرتبة الأولى في استيعاب اللاجئين السوريين، البالغ عددهم نحو 400 ألف، غالبيتهم من مدينتي الرقة ودير الزور ونزحوا عن بلدهم بعد سيطرة التنظيم المتطرف على مناطقهم.
أسس مجموعة من الكتاب والإعلاميين من أبناء الرقة صحيفة «الحرمل»، التي انطلقت في 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2014، وهي ثقافية سياسية نصف شهرية مستقلة يترأسها الكاتب والروائي ماجد العويد. يقول العويد إنّ «كادر (الحرمل) سيعود إلى الرقة في حال توفرت الظروف والمناخ المناسبين لحرية العمل الصحافي، لنشرها وطبعها وتوزيعها»، مشددا على أنه «بعد تخلص الرقة من الوحش المسيطر عليها وتحررها من براثن تنظيم داعش، فسنعود من كل بد».
وحذر العويد «قوات سوريا الديمقراطية» من تكرار تجربة بلدة تل أبيض (التابعة لمحافظة الرقة)، بعد تحريرها من قبضة مقاتلي التنظيم صيف عام 2015، وقال: «هذه القوات تعاملت مع سكان البلدة بشكل انتقامي على أنهم حاضنة لتنظيم داعش المتطرف، وفي حال تكررت هذه التجربة في الرقة، برأيي فإن كثيرين سيرفضون العودة، وسنتعامل معها على أنها قوة محتلة».
أما بشير الهويدي، الذي يعمل مع «مركز المجتمع المدني والديمقراطية» بمكتب أورفا، فيقول إنّ «المزاج العام لأهالي الرقّة اللاجئين في تركيا، مع العودة؛ إذ ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء المعارك، وكثير منهم جهزوا حقائبهم للسفر». لكنّ العودة ليست بتلك السهولة، بحسب بشير، ويلفت: «غياب الخدمات وتوفير الأمان وحاجات الناس الغذائيّة والأساسيّة ليست أموراً ثانويّة، فهذه القضايا وغيرها ستحدّد سرعة عودة أهالي الرقّة بعد طرد (داعش)».
وأسست مائة شخصية اجتماعية وعشائرية من أبناء الرقة مجلساً مدنياً في 18 أبريل (نيسان) الماضي، لإدارة المحافظة بعد طرد التنظيم، وانتخبوا الشيخ محمود البرسان والناشطة ليلى مصطفى للرئاسة المشتركة إلى جانب 3 نواب.
ليلى مصطفى أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن «قوات سوريا الديمقراطية» تعهدت بتسليم إدارة المدينة بعد تحريرها للمجلس المدني، وقالت: «شكلنا مجالس محلية في كل منطقة محررة، واتخذنا مقراً مؤقتاً في بلدة عين عيسى (غرب الرقة)»، وأضافت: «بعد تحرير الرقة سنقوم بإعادة بناء المجلس ليضم جميع أبناء المحافظة من ذوي الكفاءات والاختصاصات دون تهميش أحد، لتصبح الرقة نموذجاً للعيش المشترك».
وتم تشكيل 14 لجنة تخصصية لإعادة عمل المؤسسات الخدمية، وجهاز قوى الأمن الداخلي، الذي يخضع إدارياً للنيابة العامة التابعة لهيئة القضاء في المجلس المدني، وبدأ الجهاز عمله بشكل فعلي وانتشرت عناصر الشرطة في معظم القرى والبلدات المحررة، حيث تساهم في عملية إعادة الأمان والاستقرار؛ بحسب ليلى مصطفى.
من جانب آخر، أصدرت الحكومة السورية المؤقتة برئاسة جواد أبو حطب التابعة للائتلاف المعارض في 12 من الشهر الحالي قراراً بتعيين أعضاء مجلس محافظة الرقة، وانتخاب رئيس ومكتب تنفيذي. ويترأس المجلس المحامي سعد شويش المنحدر من بلدة تل أبيض (شمال الرقة). شويش اتهم «قوات سوريا الديمقراطية» بأنها «أسست مجلساً مدنياً على مقاسها العسكري»، وكشف لـ«الشرق الأوسط» أن الولايات المتحدة الأميركية عرضت عليهم صيغة للعمل داخل المناطق المحررة في الرقة. وتابع: «قلنا لأميركا إنه إذا سيطرت (قوات سوريا الديمقراطية)، فسنرفض العمل معها، لأنها لا تعترف بالائتلاف، أما إذا كانت القوة العسكرية التي ستدخل المدينة (لواء ثوار الرقة) أو (قوات النخبة العربية)، فسنرحب بذلك وسنعمل معها».
وعدّ شويش أن مجلسهم تمثيلي يقتصر دوره على تمثيل أبناء الرقة في المهجر والدول المضيفة للاجئين السوريين، وعبارة عن واجهة سياسية لأبناء مدينته.
بيد أن المعارض السوري محمد الهويدي شدد على أنه لا مانع من وجود إدارة مدنيّة لتسيير المناطق المحرّرة من «داعش»، مشترطا أن تكون مؤقّتة، وتحلّ نفسها بعد عودة أبناء الرقّة لينتخبوا مجلساً تمثيليّاً جديداً في الداخل. وفي ختام حديثه، وصف الهويدي «قوّات سوريا الديمقراطيّة» بالمنضبطة، مشددا على أنه «لن تستطيع أي جهة عسكريّة تحديد مستقبل الرقّة من دون موافقة أهلها، فالرقّة جزء من سوريا، ومستقبلها مرهون بمستقبل البلاد عموماً».